القرصنة الهاتفية في بريطانيا تظهر العلاقة الشائكة بين الشرطة والإعلام

305 صحافيين من 32 منبرا إعلاميا حصلوا على معلومات «بصورة غير قانونية»

روبرت مردوخ (يمين) ونجله جيمس خلال التحقيق معهما أمام اللجنة البرلمانية (واشنطن بوست)
TT

قبل اندلاع حالة من الغضب داخل البلاد بسبب عملية قرصنة هاتفية، كان ستفين وايتامور، وهو محقق خاص، حلو الكلام، له باع في كيفية الحصول على معلومات، قِبلة للمئات من الصحافيين البريطانيين الباحثين عن أي سبق صحافي.

وأقر وايتامور، الذي يبلغ من العمر 63 وشارك في عصابة غير قانونية تجمع المعلومات من مكتب خلفي بمنزله بالقرب من منحدرات الساحل الجنوبي لإنجلترا، بضلوعه في عمليات الحصول على معلومات غير مرخص بها من أجهزة كومبيوتر خاصة بالشرطة. وتظهر قضيته عجز السلطات والنظام القانوني والمؤسسات الإخبارية في بريطانيا لفترة طويلة عن التعامل مع نطاق واسع من عمليات تجميع الأخبار بصورة غير قانونية تجاوزت ما قامت به «نيوز أوف ذي وورلد»، وهي الصحيفة التابلويد التي تأتي في قلب فضحية تنصت هاتفي هزت أركان بريطانيا.

وفي غارة نفذت عام 2003 على منزل وايتامور ظهرت قائمة من العملاء تضمن أسماء نحو 305 صحافيين من 32 منبرا إعلاميا. وكانوا يأتون إليه من أجل الحصول على معلومات، من تلك المعلومات التي يصعب الحصول عليها داخل دولة تشتهر بقوانين الخصوصية الصارمة. وتظهر سجلات المحكمة أنه مقابل ما يزيد قليلا على 200 دولار قدم وايتامور معلومات عن سجلات جنائية لشخصيات شهيرة حصل عليها من خلال مسؤول فاسد في سكوتلاند يارد. ومقابل مبلغ إضافي يستطيع تسمية أسماء ملاك السيارات – وهي حيلة استخدمت من أجل تحديد هوية عشيقات الشخصيات البريطانية الشهيرة – من خلال المصدر غير القانوني نفسه.

ويقول مسؤولون إنه من بين المواد التي تم مصادرتها في منزله أرقام تلفونات لأفراد عائلة ميلي دولر، ضحية أحد عمليات القتل. وأحدثت عملية التنصت على دولر صدمة داخل البلاد، وأثارت فضيحة كبيرة الشهر الماضي.

وتقول سلطات إنهم يعتقدون أن أرقام التلفونات تم الحصول عليها بعد أن قدم وايتامور نفسه على أنه قريب أو موظف، ويعد ذلك انتهاكا لقانون حماية البيانات البريطاني.

ولكن أدت إدانته عام 2005 إلى وضع شريط إلكتروني على الرسغ وحسب، حيث لم تفرض عليه غرامة وصدر بحقه حكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ. ولم يجر استجواب أي من الصحافيين الذين استخدموا خدماته. وبعد تقرير يعود لعام 2006 استخدم كأساس في قضيته، شُنت حملة لوضع أحكام أشد ضد من ينتهكون قانون حماية البيانات. ولم تسفر هذه المحاولة عن شيء داخل البرلمان عام 2008.

ويقول كريس برينت، وهو مشرع من حزب العمال المعارض وهدف متكرر للصحافة التابلويد، التي يعتقد أنها تستخدم وسائل غير قانونية للحصول على معلومات شخصية عن شريكه السابق: «كان ثمة شعور بأن القليل من النميمة لن تلحق ضررا بأحد. وكان السياسيون يخشون من تحدي هذه الصحف التي تبيع الملايين من النسخ. ونعرف الآن أن ذلك كان خطئا».

وأخيرا احتل جمع المعلومات الإخبارية بصورة غير مشروعة الصدارة في بريطانيا، الشهر الماضي، في شكل ممارسة واحدة داخل إحدى الصحف – عملية التنصت الهاتفي داخل «نيوز أوف ذي وورلد»، المملوكة لـ«نيوز كوربوريشن» التابعة لروبرت مردوخ. ويقول كثيرون هنا إنه على مدى أعوام كان ذلك مستترا.

وقد أنكر رؤساء تحرير سابقين، من بينهم بييرز مورغان وربكه بروكس، رئيس الصحف البريطانية التابعة لـ«نيوز كوربوريشن»، قبل استقالتها الشهر الماضي، معرفتهم مباشرة بالقرصنة الهاتفية. ولكنهم أشاروا إلى أن اللجوء إلى المحققين خاصين يستخدمون وسائل مشكوكا فيها كان شائعا داخل القطاع.

وعندما سئل في عام 2009 عن النهج الصحافي المؤذي لصحف تابلويد، قال مورغان، وهو مقدم برامج مشهور في «سي إن إن»، في حديث مع «بي بي سي»: «كان يتم عمل الكثير من الأشياء من طرف ثالث وليس من جانب فريق العمل نفسه. هذا ليس دفاعا عن ذلك؛ لأنه من الواضح أن النتائج كانت تعتمد على عملهم».

وتعود هذه الممارسات المشكوك فيها إلى التسعينات من القرن الماضي على الأقل، وهو عصر كانت تهتم فيه صحف التابلويد بـ«معركة عائلة أمير ويلز». وفي عام 1992، قامت سكوتلاند يارد بالتحقيق في التنصت على محادثات هاتفية بين عائلة الأميرة ديانا وعشيقها، التي تم شراؤها ونشرها في «ذي صن». وأسقط المدعون الملكيون القضية، وأرجعوا ذلك إلى غياب الدليل.

ويقول مراقبون إن قضية وايتامور بعد ذلك ربما قدمت أفضل وأوضح دليل على الحصول على معلومات بصورة غير قانونية في الصحافة البريطانية على نطاق واسع. ولكن تناولها أوضح حقيقة مؤكدة: بدا أن ضحايا هذه الممارسات - ومعظمهم في الأغلب شخصيات شهيرة أو سياسيون – يشعرون وحدهم بالغضب الشديد من هذه الجرائم.

نقطة للإيضاح: على الرغم من انتشار تقارير على مدار أعوام عن أن «نيوز أوف ذي وورلد» قامت بالقرصنة على شخصيات سياسية ومشهورة، فإن الفضيحة اندلعت بعد الكشف عن أن ضحايا تضمنوا فتاة بريئة تماما – وهي ميلي دولر، الفتاة البريطانية البالغة من العمر 13 عاما التي اختطفت وقتلت عام 2002 وأعيق تحقيق الشرطة في قضيتها بسبب تطفل الصحيفة غير المشروع.

وتقول السلطات إن وايتامور قدم لصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» أرقام تليفونات عائلة دولر، ولكنه أنكر القيام بأي من أعمال القرصنة. واتهمت عائلة دولر محققا شخصيا آخر يدعى غلين مولكير بأنه من كلف للقرصنة على هاتفها.

وبين عشية وضحاها بدت بريطانيا تنتبه بعد أعوام من عدم قيام الشرطة ووسائل الإعلام والسياسيين بالتعامل مع هذه المزاعم بجدية، وقد أدى ذلك إلى تبادل اتهامات بصورة مفاجئة. واستقال رئيسا كل من سكوتلاند يارد ولجنة شكاوى الصحافة البريطانية. وقام مردوخ بإغلاق الصحيفة التي يبلغ عمرها 168 عاما. ومن المقرر أن تستمع لجنة تحقيق مستقلة إلى قائمة من الشهود، من بينهم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

ومن المحتمل أن تكون القرصنة الهاتفية – وهي أسلوب كان يعتقد من قبل أنه محصور على «نيوز أوف ذي وورلد» - منتشرة على نطاق أوسع. وتقول هيثر ميلز، الزوجة السابقة لبول ماكارتني، إن «ديلي ميرور» قامت بالقرصنة على هاتفها في عام 2001. وقال مارك لويس، وهو محامي يمثل ستة ضحايا مزعومين، خلال مقابلة، إنه يعد لقضية يزعم فيها أن «ديلي» و«صنداي ميرور» شاركتا في القرصنة – وهو اتهام ترفضه كلا الصحيفتين التابلويد.

وقال إد ميليباند، رئيس حزب العمال، الشهر الماضي: «عندما يقع حدث مثل ذلك، فعلينا أن نسأل أنفسنا أسئلة أكثر عمقا». «ما الذي يظهره ذلك عن بلدنا؟ وكيف سمحنا لذلك بأن يقع؟ وكيف نتغير لضمان أن ذلك لن يتكرر؟».

وفي صباح مايو (أيار) من عام 2002، فجرت «صنداي ميرور» قنبلة مدوية عن شخصية شهيرة بريطانية. وذكرت الصحيفة التابلويد في موضوع لها، تفاصيل مثيرة عن خلافات الممثلة جيسي والاس غير المعلن عنها مع القانون.

وجاءت هذه التفاصيل – وهي بموجب القانون البريطاني تتمتع بالحماية من الجميع باستثناء من يجرون تحقيقات مرخص بها – والعشرات مثلها من شبكة فاسدة بدأت بموظف حكومي في شرطة العاصمة فرع شرق لندن وانتهت بوايتامور. ونفذت غارة على منزله في إطار تحقيق حول عصابات غير قانونية تبيع معلومات لعدد كبير من المصادر. ولكن وجدت السلطات أدلة على أن بعض عملاء وايتامور الكبار كانوا أفرادا في الصحافة البريطانية.

وعلى الرغم من أن «نيوز أوف ذي وورلد» كانت من بين الصحف البارزة، تظهر السجلات أن وايتامور كان له نشاط مع صحافيين من دوريات بريطانية أخرى. وتضمنت 952 مهمة لـ«ديلي ميل» و681 مهمة لصالح «ديلي ميرور» - وهما اثنتان من أكبر منافسي مردوخ.

وتحذر السلطات من أنه ليس لديها الطاقة التي تمكنها من التأكد يقينا من أن كل عملية خالفت القانون. ولكنها تقول إن الأدلة تشير إلى أن أغلبيتها فعلت ذلك. وعلى الرغم من ذلك، اتخذ قرار بعدم التحقيق مع الـ305 صحافيين الموجودين على قائمة عملاء وايتامور. وتقول سلطات في مكتب مفوض المعلومات إن الحكم المخفف الذي حصل عليه وايتامور من المحاكم، أشار إلى أن الصحافيين سيحصلون على معاملة أكثر تساهلا. وتقول هيئات مكتب مفوض المعلومات إن هذا الأمر ثبطهم عن الاستعانة بالموارد التي كانوا سيحتاجون إليها في التحقيق مع الصحافيين ورفع التهم.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»