طلعت حسين لـ«الشرق الأوسط»: أسئلة حائرة حول عملية قتل بن لادن ما زالت تغيب عنها المعلومات

الإعلامي الباكستاني نجم البرامج الحوارية وصلت شعبيته إلى ذروتها بمعارضة مؤسسة مشرف العسكرية

طلعت حسين
TT

يعد طلعت حسين اسما شهيرا في وسائل الإعلام والدوائر السياسية الباكستانية حتى قبل الثورة الإعلامية، التي أدت إلى شهرته في المجتمع الباكستاني، والتي بدأت عام 2002. قبل ذلك كان رئيس تحرير صحيفة «نيوز إنترناشونال» أكبر صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية في باكستان. وفي حين بدأ طلعت حسين حياته العملية معدا للأنباء في قنوات إخبارية خاصة، فقد استمر مراسلا لباكستان لدى جريدة «نيويورك تايمز».

في منتصف عقده الرابع، أصبح طلعت حسين أحد أبرز معدي الأنباء، كما أنه يذيع برنامجا حواريا تلفزيونيا في قناة «داون نيوز». إنه ينتمي إلى هذا النوع من الصحافة الباكستانية التي تؤمن بشدة بالحياد التام وعدم التحيز تجاه الألعاب السياسية التي تديرها الجماعات السياسية المتناحرة باستمرار في المجتمع الباكستاني. وعلى الرغم من ذلك قام طلعت حسين عام 2007 بمعارضة المؤسسة العسكرية للجنرال مشرف، وفي هذا الوقت وصلت شعبيته إلى ذروتها. وقد أجرت «الشرق الأوسط» حوارا معه في منزله بإسلام آباد بشأن سلسة القضايا المتعلقة بالمشهد الإعلامي الباكستاني. وجاء الحوار مع طلعت حسين على النحو التالي:

> ما هو شعورك وأنت تتمتع بشهرة واسعة وتأثير شديد؟

- في الحقيقة يعد هذا قيدا، نظرا لكوني صحافيا. لأنه لا يجدر بنا أن نكون أخبارا، بل ينبغي أن نقدم الأخبار. ولكن طبيعة الإعلام قد تغيرت. لهذا لا تعد الشهرة دائما شيئا جيدا. لقد قدمت في الأساس من الإعلام المطبوع، وأحاول أن أحافظ على القيمة الجوهرية لهذا الإعلام. وأحد المبادئ الأساسية فيه هي أنه لا يجب أن يتم سماع الصحافي أو مشاهدته، ولكن ينبغي أن يقرأ الناس ما يكتبه من أخبار. وما يحدث الآن هو العكس تماما، لذا أعتقد أن هناك مشكله نظرية.

> تعتقد الكثير من وسائل الإعلام الباكستانية أنها لعبت دورا كبيرا في تنحي حكومة الجنرال مشرف، وفي السياق نفسه قمت بشن حملة ضد حكومة حزب الشعب الباكستاني الحالية. في هذا الإطار هل من الممكن أن نصف وسائل الإعلام الباكستانية بأنها وسائل إعلام مسؤولة؟

- إن المبدأ العام هو أن تكون حياديا وموضوعيا بالنسبة للحقائق. وأن تعلم أن تقلد شخص ما لمنصب رفيع لا يعني بالضرورة أنه وضع في المكان المناسب ليكون حياديا بالنسبة للحقائق والمعلومات. إبان حكم الجنرال مشرف، كان على الصحافيين الابتعاد عن الحيادية التقليدية المعتادة. وأن يكونوا جزءا من اللحظة الحاسمة في تاريخ باكستان الدستوري. لقد أجبر الشعب الباكستاني الديكتاتور على الرحيل باستخدام وسائل دستورية، عن طريق القيام بالثورات التي يجيزها الدستور لكونها حقا أساسيا. ومنذ ذلك الحين وأداء وسائل الإعلام مختلط. وسأكون آخر شخص يعمم دور وسائل الإعلام. هناك فئات داخل وسائل الإعلام. هناك مجموعات كبيرة تتقلد مناصب تحريرية وصحافيون أيضا قد تقلدوا مناصب تحريرية. ولكن لم يتقلد جميع الصحافيين مناصب تحريرية. كما قلت هناك فئات داخل وسائل الإعلام. هناك القنوات التلفزيونية والصحف التي تناصر حملة ما. وهناك أيضا الصحف والقنوات الحيادية. وداخل القنوات أيضا يكون هناك برامج تناصر حملة ما وبرامج أخرى حيادية. على سبيل المثال فقد اتخذت قنوات «نيوز» و«جانغ» و«جي إي أوه» اتجاها واضحا ومحددا وهو معادة الحكومة ومعاداة الرئيس زرداري. وتوجه رأي هذه القنوات ضد الحكومة بصورة واضحة. وخلاف ذلك لن تجد صحافة تناصر حملة معينة مسيطرة على وسائل الإعلام. فهناك قنوات تلفزيونية متعاطفة جدا مع الحكومة.

> ما هو أفضل خبر قدمته؟

- لا أعتقد أنني قدمت خبرا مدمرا بعد. لقد قمت بمهام مرضية بالنسبة لي على المستوى الشخصي والمهني على حد سواء فتحت لي مجالات جديدة للتعلم. وكان هناك صدى جيد جدا في باكستان تجاه زياراتي الدائمة للمناطق القبلية الباكستانية والأخبار التي كتبتها. لقد انصب اهتمامي على هذا المجال. لقد كانت تلك الأخبار تعليمية بصورة مكثفة بالنسبة إلى أيضا. وكانت برامجي خارج باكستان هامة للغاية، حيث قدمت لي رؤية جديدة. وقد كان الحادث الغريب الذي تعرضت له عندما كنت ضمن أسطول الحرية المتجه لقطاع غزة (الذي اعترضه الجيش الإسرائيلي وتم إلقاء القبض على طلعت حسين وغيره من نشطاء السلام) حدثا بارزا في باكستان والعالم ككل. وكان غريبا أيضا وكان ذلك مصادفة غريبة أن أكون موجودا هناك. لقد كان هناك 600 شخص على متن هذا الأسطول. ولكنه كان خبرا هاما لأكتبه. أستطيع أن أقول إنني لم أقدم صحافة بجودة صحافة «بوب وودوارد». وأعتقد أننا جميعا أسهمنا قليلا في هذا المجال.

> كيف ترى تغطية وسائل الإعلام الباكستانية لقضية أسامة بن لادن. خلال الشهرين الماضيين، أعلنت وسائل الإعلام الباكستانية عن مقتل أسامة بن لادن خلال عملية أميركية في أبوت آباد. لم يكن هذا ادعاء أميركيا تنشره وسائل الإعلام الباكستانية. لقد كان قضية إخبارية تذكر مقتل بن لادن وقد نشرت في وسائل الإعلام الباكستانية. رغم ذلك لا يؤمن الشعب الباكستاني أن بن لادن قد قتل. وبالتحدث مع الناس في الشارع يخبرونك أن هذا كله محض أكاذيب. هل هذا يعني عدم مصداقية وسائل الإعلام الباكستانية؟

- أعتقد أنك تتحدث هنا عن حدود سلطة وسائل الإعلام في إقناع الناس بما تقوله. يقول الأميركيون إنه قد قتل، وأكد هذا الخبر روايات لمسؤولين لدينا مثل الرئيس الباكستاني ورئيس الوزراء الباكستاني ورئيس هيئة الأركان في الجيش ومدير الاستخبارات الباكستانية. الجميع أكد على مقتله. وذكرت وسائل الإعلام الشيء نفسه. ولكن الرأي العام لا يصدق هذا. وهذا يشير إلى أنه في بعض الأحيان من الصعب أن نكون ضد الإدراك الشعبي. فبالنسبة للإدراك الشعبي هناك أسئلة لم تتم الإجابة عنها مثل لماذا لم ينشر الأميركيون صورا لجثة بن لادن ولماذا ألقوا بجثته في بحر العرب ومن هو الشاهد الأخير على مقتله. أعتقد أن هذه أسئلة لم تتم الإجابة عنها وتغيب عنها المعلومات تماما. وفي غياب هذه المعلومات، لا يصدق الرأي العام رواية المسؤولين. يحدث مثل هذا النوع من الأشياء. من الممكن أن تجد أشخاصا في ألمانيا وفرنسا يقولون إن أحداث 11 - 9 من تخطيط الأميركيين أنفسهم.

> يوجد الآن شاهد أخير على مقتل بن لادن وهو زوجات بن لادن وبناته اللاتي تم التحقيق معهن بواسطة الاستخبارات الباكستانية وتم نشر أخبار عن عملية التحقيق في وسائل الإعلام الباكستانية. وذكرت ابنته للمحققين الباكستانيين أنها شاهدت الأميركيين يقتلون والدها من مسافة قريبة. ولا يزال الناس غير متأكدين، لماذا؟

- أعتقد أن أسطورة أسامة بن لادن كانت كبيرة للغاية في باكستان وفي كل مكان بالعالم، لذا لا يصدق الناس مقتله وهو محاصر في منزل بعيد ولم يبد أي مقاومة. تتمثل المشكلة الأساسية في أن الناس غير مستعدة لأن تصدق أن شخصا قد قلب الدنيا رأسا على عقب تم التخلص منه بهذا الشكل. وهناك تناقض حاد بين الصورة التي رسمت له بأنه فوق الحياة والصورة التي انتهى إليها. لا يستطيع الناس أن يصدقوا ما حدث. وهناك أيضا أحداث وقعت في الماضي لم يصدق الناس حدوثها. على سبيل المثال، عند مهاجمة المقرات الرئيسية للجيش الباكستاني لم يصدق الناس ما حدث. وذكروا أن الإرهابيين لم يدخلوا إلى المقرات العامة. وهذا ما يحدث عندما تكون الأسطورة أكبر من الحقيقة. ويستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يحرر الناس أنفسهم من الأسطورة.

> هل حاولت أن تسرد أخبارا تتعلق بتنظيم القاعدة من قبل؟

- أحاول أن أستقصي كيفية عمل الأخبار التي تتعلق بتنظيم القاعدة. ولكن هذا ليس خبرا أكتبه. أولا لأن اهتمامي ينصب كثيرا على معرفة ما يحدث داخل باكستان، لذا يعد تنظيم القاعدة شيئا ثانويا بعد ذلك. وهناك أحداث كثيرة تحتاج إلى تغطية مثل القانون والنظام والجماعات المحظورة وما يحدث في المناطق القبلية. كما أقوم بتغطية ما يحدث في أفغانستان وله علاقة بباكستان. وبالنسبة لي لا تعد أفغانستان قضية هامة إذا لم تكن هناك علاقة بينها وبين باكستان. لهذا فإن انتباهي يتركز بصورة أساسية على القضايا داخل باكستان.

> يبدو أن وسائل الإعلام الباكستانية مناهضة للأميركيين بصورة شديدة. ما هي أسباب ذلك؟ على سبيل المثال ما هو رد فعل وسائل الإعلام تجاه إطلاق سراح الأميركي ريموند دافيز؟

- لست متأكدا من صحة هذا الأمر. يتم تعريف المناهضة للأميركية بصورة مختلفة هذه الأيام لدرجة أن أي شكل للاعتراض يتم اعتباره موجها ضد أميركا. على سبيل المثال، تعد قضية ريموند دافيز (الدبلوماسي الأميركي الذي قتل مواطنين باكستانيين في لاهور والذي تم إطلاق سراحه مؤخرا من سجن تحت ضغط أميركي) من أمثلة القضايا التي يجب أن يتم الاحتجاج عليها. انظر إلى النموذج الإيطالي والمحكمة الإيطالية التي أرسلت رئيس وكالة المخابرات المركزية إلى السجن. لذا فإن أي دولة تكتشف عملاء مخابرات مركزية يعملون على أرضها، يجب أن تقوم هناك احتجاجات من هذا النوع. في حالة أسامة بن لادن، فإنه في أي دولة تكتشف أن دولة أجنبية اخترقت أراضيها لتستهدف ما يدعون أنها أهداف مشروعة، يجب أن تقوم هناك احتجاجات. لسوء الحظ يتم تفسير كونك مؤيدا لباكستان وشعورك بمشاعر وطنية شيء مناهض للأميركية. كما ذكرت يتم تعريف المناهضة للأميركية بصورة مختلفة لدرجة أن أي مظهر للاحتجاج وأن أي رغبة في أن تكون مستقلا يتم اعتباره سلوكا مناهضا للأميركية. بالنسبة لباكستان، إن آثار الأقدام الأميركية شديدة الوضوح والعجرفة الأميركية واضحة أيضا. على أي حال فإن مناهضة الأميركية ليست حكرا على باكستان. على سبيل المثال من الممكن أن نعتبر تركيا دولة مناهضة للأميركية من حيث الأعداد. حتى في الدول الأوروبية، هناك شعور مناهض للأميركية. وازداد هذا الشعور في ألمانيا حتى وصل إلى 28 في المائة. وعلى النقيض من ذلك تماما أستطيع أن أدعي أن وسائل الإعلام هناك مؤيدة للأميركيين بشدة. وفي أي دولة ستجد صوت الأميركيين الذين يشترون وقتا على الهواء وبرامج أخرى لوزارة الخارجية الأميركية على وسائل الإعلام العامة. وفي أي دولة ستجد السفارة الأميركية تدعو الصحافيين وتعقد صفقات معهم بصورة مباشرة.

> يذكر الكثير من الأشخاص أن الرأي العام ووسائل الإعلام في باكستان والولايات المتحدة تعد حاجزا منيعا يعترض سبيل إحياء العلاقات الوثيقة بين إسلام آباد وواشنطن؟

- إذا لم يرغب شعب البلدين في إقامة علاقات وثيقة فهذه هي إجابة السؤال. لن تكون هناك علاقة وثيقة إذا لم يرغب الشعب في ذلك. هذا هو المبدأ الديمقراطي الأساسي. إذا لم يرغب الشعب في ذلك فلا يجب أن تكون هناك علاقات وثيقة. وهذا هو الجزء الأول. أما الجزء الثاني فهو من الذي يشكل الرأي العام. وهل وسائل الإعلام الأميركية مؤيدة لباكستان أو مناهضة لها؟ لقد حدثت الثورة الإعلامية في باكستان عام 2002. وبدأت قناة «جي إي أوه» عملها. وكان ذلك بداية مد كبير لوسائل الإعلام الإلكترونية. وبدأت مقدمات مناهضة الأميركية في باكستان منذ عقود مضت. عندما تم إضرام النيران في السفارة الأميركية لدى باكستان. ولم تكن هناك وسائل إعلام خاصة في هذا الوقت. كما لم يكن هناك مذيع أنباء يحث الرأي العام على الخروج وإضرام النيران في السفارة. وقد تم إضرام النيران في الأعلام الأميركية مرارا وتكرارا في الشوارع الباكستانية في الوقت الذي لم يكن فيه وسائل إعلام خاصة. من الذي كان أكثر مناهضة للأميركية في تاريخ باكستان؟ إنه ذو الفقار علي بوتو، والد بي نظير بوتو. ولم يكن هناك على الإطلاق وسائل إعلام. لا بد أن يعرف الأميركيون كيف يفهمون الأسباب الحقيقية وراء المناهضة للأميركية.

> هل حققت أحلامك؟

- لم أخطط أبدا أن أقوم بهذا العمل أو ذاك. أنت وأنا ننتمي إلى هذا الجيل من الصحافيين الذين دخلوا عالم الصحافة لأنهم اعتقدوا أنه عالم مثير ويمنحك شعورا بالأهمية لأنك ترى اسمك ظاهرا بوضوح. كان هذا ذا أهمية كبيرة من قبل. لم نكن رجالا طموحين أرادوا أن يغيروا العالم. لقد اتخذت مسار العقل لفترة طويلة، ولكن هل لدي حلم؟ لا ليس لدي، لكن لدي رغبة في أن أعمل كصحافي يعلم الفرق جيدا بين الحقيقة والرأي وبين الحقيقة والخيال. لدي رغبة أن أري قناة تلفزيونية يمتلكها ويديرها صحافيون، وأن يكون لدينا صحف تسمح للشباب الباكستاني بأن يعبر عن نفسه. أعتقد أنه تم احتقار وسائل الإعلام بصورة كبيرة وتجارية للغاية. لذا تستطيع أن تصف وسائل الإعلام التي تخلو من هذين الشرين بأنها حلمي.

> هل هناك خبر لم يكتب في حياتك الصحافية؟ أعني خبرا أردت أن تكتب عنه لكنك لم تستطع؟

- هناك خبر كبير لم أكتب عنه وهو عملية صناعة القرار في باكستان. وكيف تم اتخاذ القرارات في باكستان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كيف عقدت صفقات مع الأميركيين والبلاد الأخرى، كيفية التخطيط للعمليات العسكرية. بصورة عامة لدي بعض المعلومات المتاحة بخصوص هذا الشأن. ولكن هذا يميل إلى أن يكون موضوع كتاب أكثر منه قصة إخبارية. ولقد شاهدت عن قرب صناع قرار يتخذون قرارات في هذه الحقبة الهامة من تاريخ باكستان. ولدي معلومات جيدة عن ذلك، وهذا خبر جيد أود أن أكتبه، ولكن في شكل كتاب.