أليكس كروفورد أول صحافية أجنبية تدخل العاصمة طرابلس مع الثوار

مراسلة «سكاي» أم لـ4 أطفال.. عاشقة مهنة البحث عن المتاعب

TT

أليكس كروفورد مراسلة محطة «سكاي» التلفزيونية احتلت خبطاتها الإعلامية من على خط النار في ليبيا عناوين الصحف الإنجليزية والعالمية، خصوصا التقرير المصور الذي نقلته الشاشات الفضائيات العالمية, والذي أجرته عقب اقتحام باب العزيزية، وظهر فيه أحد الثوار مرتديا قبعة العقيد معمر القذافي وممسكا بعصاه الذهبية صائحا «أنا ملك ملوك أفريقيا».

وهي أم لـ4 أطفال، لكنها تعرف منذ أن دخلت مهنة المتاعب أن مهمتها في الحياة لا يجب أن تقتصر على رعاية أبنائها والعناية بصحتهم وتعليمهم.. نظرة قديمة للمرأة قررت أليكس كروفورد مراسلة قناة «سكاي نيوز» أنها لا تناسبها.

تلك السيدة تركت أطفالها نات وفرانكي ومادلين وفلورنسا مع زوجها الصحافي ريتشارد أدمونسون، وجرت وراء مهنة البحث عن المتاعب، لتكون أحد أوائل الصحافيين الأجانب الذي دخلوا العاصمة الليبية طرابلس مع الثوار.

ومن وسط الصحراء الملتهبة بفعل تبادل إطلاق النار بين الثوار وكتائب القذافي على أبواب العاصمة طرابلس، كانت ترسل تقاريرها من حافلة للثوار الليبيين وهم يدخلون طرابلس. معركة التغطية الإخبارية لسقوط طاغية ليبيا بين فضائيتي «بي بي سي نيوز» و«سكاي نيوز» أخذت منعطفا جديدا مع تطورات الحرب الأخيرة، حيث أجمع المراقبون الإعلاميون على أن الغلبة كانت لـ«سكاي». لكن هذا تأتى لها بفضل مراسلة حربية معروفة في بريطانيا هي أليكس كروفورد, الحائزة 3 مرات على جائزة الجمعية الملكية لأفضل صحافية تلفزيونية، وهي لم تستفد من أنوثتها إلا في أمر واحد، هو نيلها تعاطف كل الفصائل الليبية المتناحرة، مما مكنها من إنجاح عملها.

تلك التقارير والخبطات الصحافية التي لم تتوقف أثارت غيرة منافسيها «الرجال» مما جعل أحدهم يقول: «أما كان من الأفضل لكروفورد أن ترافق أطفالها للمدرسة؟». لتكشف المراسلة ذات الـ49 عاما عن وجه شرس قائلة: «إنها إهانة بالغة تحمل عنصرية شديدة وهجوما وتحيزا غير مبرر ضد المرأة».

ثم دافعت عن نفسها قائلة «أطفالي كانوا بطبيعة الحال لا يريدون أن أرحل عنهم، وكنت أظن أني ذاهبة للموت لا محالة، لكنى وددت أن أكون قدوة لهم وهم الآن فخورون بي، ونفس الأمر بالنسبة لزوجي الذي يتولى رعاية الأبناء أثناء غيابي».

وكانت فضائية «سكاي نيوز» الإخبارية تعوّل عليها كثيرا في معارك السبق الصحافي المستعرة في الصحراء الليبية، وقبل ذلك في جبهات أخرى, عندما أرسلتها ضمن فريقها لتغطية الأحداث الليبية.

ولم تخيب كروفورد الآمال، فكانت أول صحافية تلفزيونية بريطانية تنقل دخول الثوار طرابلس على الهواء ليلة الأحد - الاثنين، بينما اكتفت «بي بي سي» بإعادة بث مشاهد مسجلة في ظهيرة الأحد.

وظهرت كروفورد (المراسلة الخاصة) كأول صحافية غربية تعتلي حافلة للثوار وترتدي سترة واقية من الرصاص وتضع على رأسها خوذة معدنية، وهي تعلن انتصار الثوار بالصوت والصورة, وتنقل الأحداث حية مع دخول الثوار الساحة الخضراء وإنزالهم أعلام العقيد القذافي وملصقا ضخما له طرحوه وسط الطريق لتمر عليه النعال وإطارات السيارات.

وأصرت على أن تشرح للمشاهدين أن هذا ليس بسبب المخاوف من قوات القذافي، لأن هذه الأخيرة «تبخرت فجأة»، وإنما خوفا من رصاص الثوار المطلق في الهواء احتفالا بدخولهم العاصمة الليبية وتقدمهم نحو الساحة الخضراء (المسماة الآن «ساحة الشهداء») في وسط المدينة.

وفي وقت لاحق، عندما عقد المتحدث الإعلامي باسم نظام القذافي، موسى إبراهيم، مؤتمرا صحافيا شكا فيه من تحيّز قوات الناتو إلى أحد طرفين دون الثاني في حرب أهلية، وأعلن خوفه العميق إزاء تزايد أعداد القتلى والجرحى، نالت كروفورد قصب السبق أيضا. فقد تمكنت من حضور المؤتمر منذ بدايته تقريبا وألقت كثيرا من الأسئلة على مسامع ممثل القذافي.

ونقلت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية عن مصدر في «سكاي نيوز» قوله إن كروفورد تمكنت من كل هذا الإنجاز، الذي وصفه بأنه «مدهش حقا»، باستخدام «لاب توب» ماركة «أبل ماك» موصل إلى طبق فضائي صغير يستمد طاقته من قداحة السجائر داخل حافلة الثوار، التي كانت تتنقل عليها. يذكر أن كروفورد غطت مختلف الأحداث الدولية لـ«سكاي نيوز»، وكانت تتخذ من مكتب هذه الفضائية في دبي مقرا لها خلال السنوات الأربع الماضية، قبل أن تنتقل مؤخرا إلى مكتبها في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا».

ومع أنها انضمت إلى «سكاي» منذ بدء بثها في ،1989 وأتت لها بالكثير من الخبطات الإعلامية الحصرية منذ ذلك الوقت، فمن قبيل المفارقة أنها عملت لفترة ما قبل ذلك التاريخ مع «بي بي سي» نفسها.

تقول كروفورد لمشاهدي محطة «سكاي»: «لم نتوقع أن ينتهي بنا الأمر في طرابلس، بدأنا اليوم في الزاوية، وانطلقنا من منزلنا في الزاوية نقول لأنفسنا هذا اليوم الثاني الذي تتحرر فيه الزاوية، وتساءلت عما سيحدث الآن. كانت القوات الموالية للقذافي لا تزال تطلق الصواريخ من المنطقة الشرقية في المدينة، وقلت لمن حولي: دعونا نستكشف كمّ المقاومة الموجودة هناك، وعندما وصلنا إلى هناك لدهشتنا ودهشة قوات المعارضة أيضا، أن الثوار تمكنوا من تحرير بوابة المدينة، وأنهم يستعدون للتوجه إلى العاصمة طرابلس.

وتضيف: «تنتشر على الطريق الطويل إلى طرابلس ست مدن وتجمعات سكانية بين المدينتين، عليهم أن يستولوا عليها أو أن يحرروها من أسر قوات القذافي، خضنا الطريق معهم، وفي منتصف الطريق كان هناك الكثير من الكر والفر نظرا لتعرضهم لنيران القناصة، لكنها على الرغم من ذلك كانت مقاومة ضئيلة للغاية. خلال تلك الفترة اضطررنا للعودة إلى المنزل الذي كنا نقيم فيه بالزاوية لإعداد التقرير اليومي، بعد انتهاء البرنامج قررنا العودة للانضمام إلى الثوار وأن نعرف إلى أي مدى وصلوا. خرجنا من المنزل الذي كنا فيه وأدركنا أن هناك إمكانية أنهم ربما يكونون قد اقتربوا كثيرا من طرابلس».

وتوضح: «بحلول منتصف الليل كنا قد وصلنا إلى طرابلس، وكانت هناك بالكاد مقاومة تُذكر، فقد خرج الأهالي من منازلهم وقادوا سياراتهم إلى جانب سيارات الثوار يعانقون ويقبلون الجنود. قذف إلينا الأهالي زجاجات المياه والعصائر، وكان الناس يبكون من شدة الفرح. كان ذلك مشهدا في غاية الروعة».

وعن لحظات النصر، تقول كروفورد: «أذكر أننا كنا نبث على الهواء في تلك اللحظة على الهاتف الجوال، نقول لزميلنا مقدم البرنامج في لندن، ستيف ديكسون، إن الناس في كل مكان وقد خرجوا من منازلهم، وكل ما كان حولنا يدل على فرحة عارمة في طرابلس.

وتتساءل كيف هذا الاستقبال للمقاتلين؟ لقد قيل لنا إن العقيد القذافي كان له كثير من الموالين داخل طرابلس، أين هم، وهل هؤلاء الذين خرجوا للاحتفال مع المقاتلين أم ضدهم؟ كنا نستقل في تلك اللحظة شاحنة تابعة للثوار، وكنا نركب في صندوقها الخلفي مع أربعة من مقاتليهم. وكنا ننقل بثا مباشرا، وقد عانينا كثيرا في عملية البث بسبب الكثير من السيارات والأفراد والافتقار إلى المعدات الحديثة، فقد كنا نضطر إلى التحرك بجهاز الـ«بجان» للحصول على إشارة جيدة, وكان منتج البرنامج، آندي مارش، هو من نجح في تثبيته، وقام أحد مصورينا ببث حي من فوق الشاحنة، وكان المصور الآخر يقوم بمعالجة الصور على الشاشة، كنا نحرك الجهاز ببطء شديد حسب الحاجة. أخيرا قام بإيصاله بالقمر الصناعي، وكان ذلك هو المكان الذي ينبغي عليّ العمل منه والتقدم ببطء شديد.

وتتذكر فريق العمل الذي شاركها النجاح بالقول: «أعتقد أنني ما كنت لأنال كل هذا القدر من الإشادة دون الفريق المصاحب لي، الذي كان من بينه المصورة غاروين ماكلوكي، التي فازت بجائزة (رويال تليفجن سوسيتي) كأفضل مصور للعام».

وتقول: «كانت الأيام التي قضاها الفريق في ليبيا حافلة بالأحداث، كانت المشاهد اليومية شبه مألوفة؛ من الاستيقاظ كل صباح على رؤية ضحايا القنابل اليدوية والقصف والأفراد يصلون إلى المستشفيات وإلى جوارهم الأجزاء التي بترتها القنبلة، لكن أليكس كانت هادئة للغاية في هذا النوع من المواقف. كنا خلال اليوم نذهب إلى الخطوط الأمامية، وكانت الأمور في بعض الأحيان تزداد سوءا، لكن أليكس كانت هادئة رابطة الجأش، وربما كان ذلك السبب في نجاحنا.

من جانبها تقول زميلتها غاروين ماكلوكي: «فازت أليكس بالكثير من جوائز (رويال تليفجن سوسيتي)، والسبب في ذلك هو أنها ممن يهوى تقديم التقارير على خط النار، الذي يقتضي منها الذهاب إلى أماكن مريعة».

وعن مرافقتها هي والفريق للثوار من مدينة الزاوية إلى طرابلس، على الرغم من رفض غالبية المراسلين مثل هذا الأمر، قالت أليكس، كان الجميع في الفريق يؤيدون الفكرة في أن نكون بصحبة الثوار في طريقهم إلى طرابلس، وأن نحاول أن ننقل ما يقومون به والمقاومة التي يواجهونها، وأن نحاول أن يكون لنا السبق في ذلك على الرغم من كل المخاطر التي قد تواجهنا، فقد كنا نتعرض للقذائف على مدار اليوم.

في بداية الأمر، لم نكن نتوقع أن نتمكن من دخول الزاوية لكننا بطريقة ما تمكنا من اجتياز النقاط الأمنية التي أقامها الثوار، ودخلنا لنرى طوفانا من البشر يتظاهرون، وتبين لنا أنهم تعرضوا لإطلاق الرصاص عليهم، وفي اليوم التالي وجدنا أنفسنا داخل مقر قيادة الثوار في وسط الميدان. كنا نسمع أصوات الدبابات ونشاهد سحب الدخان الكثيفة ونحن نتقدم باتجاه الميدان، وأشار علينا أحدهم أن نحاول اللجوء إلى المسجد للاحتماء به.

وتتذكر قول زميلها الإعلامي مارتن إنهم يصوبون على المسجد لكن لا يوجد مكان آمن آخر للاحتماء به سوى الذهاب إلى المسجد مع بعض المدنيين، لأنهم في هذه المرحلة كانوا جميعا من المدنيين، ولم يكن أحدهم يحمل سلاحا، ومن ثم انتهى المطاف بنا في المسجد، وكانت تلك أكثر الفترات صعوبة بالنسبة لي.

وعن اللحظات الحرجة تقول: «أعتقد أننا جميعا ظننا أننا سنموت عدة مرات خلال الفترة التي كنا فيها في الزاوية. كان من المؤلم للغاية أن ترى الأفراد يقتلون ويصابون بصورة رهيبة، وأنهم غير قادرين على القيام بأي شيء. كان هناك مستوصف ميداني صغير وقد أقيم في مستودع، وكانوا قد أحضروا الأفراد ذوي الإصابات الخطيرة، ومنهم من القتلى الذي طارت نصف رأسه أو بترت الشظايا أيديهم وأرجلهم. كانوا لا يزالون يتحدثون ويبكون، وأذكر أننا جلسنا في المستودع وكان البعض يتقيأ من شدة الخوف ويبكي. وأذكر أنني شاهدت طفلا صغيرا مراهقا في سن الخامسة عشرة، في نفس عمر ابني، كان ينتحب، وأذكر الشعور الذي انتابنا عندما نقدم الأخبار، فقد كان علينا أن نعرض للأفراد ما يحدث وما إذا كنا سنموت، كان علينا على الأقل أن نظهر للجميع ما يدور.

ومن ثم دائما ما كنت أتصل لأن الهواتف الجوالة في تلك الفترة كانت تعمل بشكل جيد، وكان هناك الكثير من التشكك والخوف على حياتنا في لندن. كان بمقدورهم سماع كل الضوضاء، لأن الدبابات كانت خارج المسجد، فقد كنا نعتقد أننا سنموت في أي لحظة. كان ذلك هو الحال بالنسبة لكل من في المسجد، فقد كان الجنود الموالون للقذافي خارج المسجد في كل مكان. بعد ذلك توجهنا إلى غرفة كانت بمأمن من إطلاق الرصاص، وبينما نحن كذلك دخل أحدهم يحمل على كتفة مصابا ووضعه في الغرفة الضيقة.

لم أجد سوى اللجوء إلى زاوية الغرفة وانكمشت مرتعدة وأنا أقول لنفسي: «لن نخرج من هذا المكان. من المخيف أن يصاب كل هذا العدد من الأفراد».

وعن أهم الانفرادات الصحافية التي قامت بها في ليبيا، قالت إنها سمعت أحدهم ينقل عن موسى إبراهيم، المتحدث باسم نظام القذافي، أن القوات الموالية لنظام العقيد تحكم سيطرتها على الزاوية وأن أهالي الزاوية يؤيدون القذافي.

وقد كنا في موقف يسمح لنا بكشف كذب إبراهيم، وأعتقد أن ذلك هو ما يجب أن يقوم به المراسلون الأجانب والصحافيون. هذه هي المهمة، وآمل أن نكون ممن يقوم بذلك.