الإعلام الهندي فوق سطح صفيح ساخن

تورط بعض كبار الصحافيين في نزوات الأثرياء مقابل الحصول على المال

لقطة من اجتماعات المجلس الأميركي - الكشميري («الشرق الأوسط»)
TT

يكتنف المشهد الإعلامي الهندي في الوقت الراهن حالة من الصخب، إثر الكشف عن الكثير من الممارسات غير الأخلاقية التي تورط فيها عدد من الشخصيات البارزة في الوسط الإعلامي.

وعلى الرغم من تحول وسائل الإعلام النهمة التي تدور بينها منافسة شرسة في الآونة الأخيرة إلى مؤسسة رقابة وطنية صاعدة، فإنها تعرضت لانتقادات كبيرة، نتيجة انحياز بعض كبار الصحافيين في البلاد لنزوات الأثرياء والأقوياء مقابل الحصول على المال أو الوصول إلى مصادر الأخبار.

ووجهت إلى الصحافيين اتهامات بارتكاب مخالفات شملت إجراء محادثات غير ملائمة مع جماعات الضغط الموالية للشركات والعمل كوسطاء للشخصيات النافذة.

والموضوع يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الأميركية - الباكستانية توترا ملحوظا، خاصة بعد مقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في عملية أميركية خاصة في الثاني من مايو (أيار).

وكان من بين القضايا التي تلقفتها وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بالنقد والتحليل القضية التي تورط فيها عدد من الصحافيين البارزين الذين نزلوا في ضيافة مجموعة كشميرية مقرها واشنطن، وجهت إليها اتهامات من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بتلقي تمويلات من وكالة الاستخبارات الباكستانية. وكان الصحافيون يشاركون باستمرار في اللقاءات التي تجرى في الولايات المتحدة ومناطق أخرى من أوروبا. وقد شملت الامتيازات التي حصل عليها هؤلاء تذاكر سفر على درجة رجال الأعمال، وبعض الترف.

ومن بين المتهمين بالوقوف ضد المصالح الهندية والمشاركين في ندوات فاي كولديب نايار، السفير الهندي السابق لدى المملكة المتحدة، والصحافي البارز، ديليب بادجاونكار، رئيس تحرير «إنديان تايمز» والمحاضر في شؤون كشمير في الوقت الحالي، وهاريندر باويجا، الصحافي البارز، وفيد بهاسين، رئيس تحرير كشمير تايمز، وراجموهان غاندي، الحفيد الأكبر للمهاتما غاندي والكاتب، وكاتب الرأي وبهارات بهوشان الصحافي بصحيفة «ميل توداي»، وغاوتام نافلاخا، المحرر الاقتصادي والمحرر السياسي الأسبوعي، إضافة إلى آخرين.

وطفت القضية إلى السطح بعدما اعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي زعيم الانفصاليين الكشميريين والمواطن الأميركي سيد غلام نابي فاي، رئيس المجلس الأميركي الكشميري، اتهمه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه عميل للاستخبارات الباكستانية، الذي دأب على إغواء الكثير من الصحافيين والمفكرين الهنود البارزين خلال أكثر من عقدين من العمليات الكبيرة لدعم موقف باكستان حول كشمير.

وقد اعتقل فاي من قبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في منزله في فيرفاكس في فيرجينيا، الضاحية الغنية في واشنطن، على خلفية اتهامات بتلقي مئات وآلاف الدولارات من وكالة الاستخبارات الباكستانية واستغلالها للضغط في الكابيتول هول وإقامة الندوات والمؤتمرات.

وقد زعمت وزارة العدل الأميركية أن منظمة فاي التي تقيم لها فروعا في لندن وبروكسل تلقت ما يقرب من 4 ملايين دولار من الحكومة الباكستانية منذ منتصف التسعينات. وزعمت أيضا أن فاي عمل بناء على تعليمات من إسلام آباد لمدة 20 عاما وتفاعل مع الأشخاص المسؤولين عنه من وكالة الاستخبارات الباكستانية أكثر من 4.000 مرة منذ يونيو (حزيران) 2008.

وكجزء من ترويجه للموقف الباكستاني، تودد فاي إلى هؤلاء الهنود الذين ساعدوه في الترويج للمصالح الباكستانية. وقد قام فاي بدعوة عدد من الهنود لمؤتمره السنوي في واشنطن وأماكن أخرى في أوروبا، وخصهم بتذاكر درجات رجال الأعمال وكرم بالغ، ومن الطبيعي أن مصالحه تركزت على هؤلاء الهنود الذين تحولت وجهات نظرهم إلى التعاون مع باكستان.

ويقول الصحافي البارز تاولين سنغ لمراسل الصحيفة: «هذا أمر محبط للغاية، فجميعهم طاهرو اليد، ولا يستطيع أحد أن يقول إن أيا منهم فاسد. لكن الفساد عندما يتعلق بالأخلاق يكون أسوأ من قبول المال».

من جهته، برر الصحافي الخبير، ديليب بادغاونكار في دفاعه عن نفسه بأنه لم يكن لديه فكرة عن علاقة فاي بالاستخبارات الباكستانية. وقال «ما كنت لأذهب لو كنت أعلم، وما كنت لأوجد حتى لو كان هناك ذرة من شك (بشأن مصدر تمويل المجلس الأميركي الكشميري)». في حين قال فيد باشين: «سياستي في حضور المؤتمرات كان تقديم وجهة نظري بهدف تحقيق السلام بين الهند وباكستان، والتوصل إلى حل لمشكلة كشمير». وأشار فيد باشين إلى أنه لم يكن مدركا أن المخابرات الباكستانية لها روابط بالمؤتمرات التي ينظمها فاي. وأضاف: «قيل لي إن الجالية الكشميرية في الولايات المتحدة والدول الأخرى في الخارج كانوا يمولونها عن طريق الإسهامات».

وعلى الرغم من إنكار غالبيتهم معرفتهم بأي شيء عن صلات فاي بالاستخبارات الباكستانية، تشير كل الدلائل إلى أن هؤلاء الصحافيين الهنود الذين سافروا إلى الدول الأجنبية للمشاركة في البرامج المنظمة قاموا بذلك بوعي كامل لأجندة المجلس الأميركي الكشميري. حب السفر على حساب المجلس كان واضحا بصورة لا تدع مجالا للشك حتى أنهم علموا على الترويج لأهداف دولة أخرى بينها وبين الهند حرب غير معلنة. وقد أسفرت الشرعية التي أضفاها الهنود على مجلس العلاقات الكشميرية الباكستانية عن الكثير من الحرج الدبلوماسي للهند.

وقال آرون جايتلي، زعيم المعارضة في البرلمان الهندي: «لم يكن هناك أحد جاهل كي لا يعلم هدف المنظمة». وأكد على أن إظهار البراءة من قبلهم تفتقر إلى الإقناع. وأشار جايتلي إلى أن الكثير منهم أصبحوا سجناء لصورتهم الخاصة، باستمرار اتباع مسار معين حتى وإن كانت تتعارض مع مصالحهم الوطنية.

كانت هناك أصوات تطالب الصحافيين الهنود الذين شاركوا في المؤتمرات التي نظمها المجلس الأميركي الكشميري المتصل بالاستخبارات الباكستانية للكشف بشكل كامل عن علاقتهم بالمؤتمر.

وقال الدكتور بي رامان، معلق الشؤون الاستراتيجية: «إنهم يدينون بتفسير لدولتهم وللأفراد، لم يحضروا المؤتمرات على حساب مؤسساتهم الإعلامية لتغطيتها في مطبوعاتهم. ذهبوا إلى هناك كمواطنين هنود مستقلين ومن ثم كان ينبغي أن تكون أفعالهم عرضة لنفس المساءلة القانونية والعامة، كأي مواطن هندي آخر. ولا يمكنهم أن يزعموا - ويجب ألا يسمح لهم أن يطلبوا - أي حماية خاصة من المساءلة العامة والقانونية لأنهم صحافيون.

من بين الحوادث الأخرى التي تقف دليلا على تقويض الأخلاق في الصحافة الهندية، فضيحة الاتصالات الهندية في عام 2010، والتي كشفت عن العلاقة بين الصحافيين والشركات وجماعات الضغط والسياسيين.

وكشفت تسجيلات المحادثات الهاتفية عن عمل بعض الصحافيين النافذين سماسرة للشركات لإبرام اتفاق يعتبر واحدا من أكبر عمليات الاحتيال التي تشهدها الهند.

كان من بين أبرز الأسماء في فضيحة 2G، كما هي معروفة في الهند، وزير الاتصالات الهندي إيه راجا الذي باع تراخيص بسعر أقل من قيمته، في عالم سوق الهواتف الجوالة المتنامي بشكل كبير، وهو ما أسهم بشكل وصلت إلى 40 مليار دولار في الهند، وهو في السجن الآن.

كما كشفت الشرائط الصوتية التي تم تسجيلها في عام 2009 عن عمل أحد أعضاء جماعات الضغط لصالح شركات «ريلانس» و«تاتا» (وجميعهم لديهم أسهم في شركات الاتصالات) طالبة من الصحافيين البارزين مثل بارخا دوت رئيس تحرير قناة «إن دي تي في» الإخبارية البارزة وفير سانغافي، مدير التحرير الاستشاري لصحيفة «هندوستان تايمز»، وكذلك رئيس تحرير «التوسط» لدى حزب المؤتمر الحاكم.

وعلى الرغم من المزاعم من أن الكسب غير المشروع ليست شيئا جديدا في الهند، غير أن الاتهامات التي تسببت في دهشة وصدمة للشارع الهندي كانت الكشف عن أن غالبية الصحافيين البارزين تم التسجيل لهم وهم يجرون محادثات حميمة مع الأشخاص النافذين. فدوت معروفة بأنها «أوبرا الهند»، وسانغوي كاتب رأي شهير.

وقد تم تسريب 104 أشرطة وهي متوافرة الآن على الإنترنت. ويقول أوم ثانوي، رئيس تحرير صحيفة «جانساتا» الهندية السابق: «اعتاد الصحافيون أن يكونوا فاسدين في السابق لتحقيق المكاسب الشخصية لكن ممارسة الضغط لصالح الشركات تعتبر الآن مخجلا».

ما يجعل الصحافيون أهدافا سهلة هو أنهم مصابون بوهم العظمة الذي أصيب جميعهم به. فيقول غوها ثاكورتا: «القرابة من الأفراد في مواقع السلطة أو الثروة يغذي الأنا لدى صحافيين بعينهم فيشعرون بأنهم نافذون وأقوياء كما هو الناس الذين معهم».

كما جلبت أشرطة راديا إلى بؤرة الضوء قضية أخرى، تحدد الخط الدقيق بين مصدر بناء جمع المعلومات والتعدي على أخلاقيات الصحافة. تشير الحادثة إلى أن الصحافة الحرة الهندية ربما لا تكون خالية من الضغط للعمل كوسيط للحكومة الهندية وقادة الشركات.

ويعمل الصحافيون الهنود بشكل كبير كمستشارين للشركات واستراتيجيين لفنادق الـ5 نجوم. وعادة ما يتلقون رواتبهم من المؤسسات البحثية ويزعم البعض أنهم كانوا أحيانا ما يتلقون أموالا لكتابة أخبار لصالح شركات بعينها، بحسب خبراء في مجال الإعلام.

وتقول فيراندا غوبيناث، كاتبة الرأي في صحيفة التابلويد «ميل توداي»، إحدى الصحف القليلة الذائعة الانتشار التي خصصت صفحتين حول دور الإعلام في الجدل الدائر بشأن فضيحة تراخيص الهواتف الجوالة: «القائمة لا تنتهي. إنها حياة رأس المال الطامح والهدايا المجانية وأعمال الشبكات والمؤتمرات والمنتديات».

الحجة التي قدمها المتهمون في دفاعهم أنهم بحاجة إلى الملاطفة مع السياسيين للقيام بمهماتهم، والتي يفترض من خلالها الحصول على الأخبار والتقارير. والسؤال الذي ينبغي طرحه: «ماذا يفعل ذلك لمصداقية الإعلام والأهمية التي تحملها من وجهة نظر الشركات؟».

يقول أحد الصحافيين التلفزيونيين البارزين في الهند والذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «عندما تجد القنوات التي تقضي الوقت والمال والجهد في الحديث عن قضايا حقيقية في البرامج لتجد نفسك تتنافس مع قنوات تتبع نفس أسلوب صحف التابلويد في الحديث عن شائعات بوليود وصور النجوم، وتبدأ في خسارة حرب التصنيف، سيدفعك ذلك إلى خيارين، إما أن تشاهد بسعادة دخل إعلاناتك يذهب إلى منافسيك وإما القفز واللعب وفق قواعدهم، فقوى السوق تضمن اختيارك للخيار الأخير».

المزاعم ضد الإعلام الهندي لا تنتهي هنا، فقد اتهم بممارسات مشكوك فيها مثل الأخبار المدفوعة والمعاهدات الخاصة والشراكات. وقد كانت هناك الكثير من القضايا التي قام فيها السياسيون بشراء بعض الكتاب للترويج لمصالحهم الخاصة.

وسواء أحب الإعلام الهندي ستظل الصحافة عرضة للشراء. وقد زعم السياسيون في البلاد أنهم دائما ما يطالبون بدفع المال إذا ما كانوا يرغبون في الحصول على التغطية الإعلامية. مع عرض المال يمكنك وقف كل التعليقات السلبية التي يمكن أن يقولها عنك خصمك، وعند الدفع نقدا يمكنك نشر أخبار سلبية عن خصمك. إنه اتجاه غير صحي ويتقدم سريعا.

ويشير النائب في البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر الهندي إلى أنه شعر بالصدمة عندما تقدمت إليه قناة إخبارية في دلهي بعرض لتغطية الحملة الانتخابية لراؤول غاندي، وريث نهرو غاندي خلال الانتخابات البرلمانية عام 2009.

ويصف بي جي فيرغيزي، رئيس التحرير السابق والذي قدم شكوى لمجلس الصحافة الهندي قائلا: «لقد تطور الأمر ليصبح وبائيا واتخذ اتجاهه الحالي بتقديم مساحة تحريرية للمستويات الجديدة».

وفي عبارة قوية ضد الممارسات الفاسدة للإعلام الهندي، قال رئيس تحرير مجلة «آوت لوك» فينود مهتا: «وسائل الإعلام الهندية لا تقوم بالتحقق من الأخبار بشكل كافي ومن ثم نوصي الآخرين، البرلمانيين والأحزاب السياسية والمقاتلين والقضاة والشركات والعلماء.. جميعا بالتمعن في بضاعتهم وإزالة العفن منها. في الوقت ذاته فإن الفساد المستشري في أركان السلطة الرابعة يتم تجاهله عن قصد وروية أو تزييفه، وعادة ما يتم عبر تنظيم مناقشة داخل الاستوديو والتي يسأل فيها المواطن: هل وسائل الإعلام بحاجة إلى المساءلة؟».