الإثارة الصحافية تطغى على تغطية الإعلام الأميركي لذكرى أحداث سبتمبر

بث ملايين التقارير والصور والفيديوهات التي تراكمت خلال 10 سنوات

TT

قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن تغطية الإعلام الأميركي للذكرى العاشرة لهجوم 11 سبتمبر (أيلول) كانت «تشريحا إعلاميا لم يحدث مثله تشريح لأي حادث في تاريخ البشرية».

وقارن المعلق الصحافي اليميني، جورج ويل، بين هذه التغطية وبين تغطية مرور عشر سنوات على الحرب الأهلية الأميركية (سنة 1862). وقال إن كلا من صحيفة «نيويورك تايمز» و«شيكاغو تربيون» نشرت عشرة تقارير فقط عن الموضوع.

وقارن أيضا بين التغطية وتغطي+ة مرور عشر سنوات على بيرل هابر (هجوم القوات اليابانية على القاعدة العسكرية الأميركية في جزيرة هاواي سنة 1942، التي أدخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية)، وقال إن التغطية كانت مثل تغطية الحرب الأهلية.

وقال مراقبون في واشنطن إن التغطية الإعلامية الأميركية كانت مثيرة مثل التغطية السياسية:

أولا: استغل الصحافيون الأميركيون المناسبة، وأعدوا لها سابقا، واستفادوا من ملايين التقارير والصور والفيديوهات التي تراكمت خلال عشر سنوات. وكالعادة، مالوا كثيرا نحو الإثارة الصحافية، وخاصة «فير فاكتور» (عامل الخوف)، مما حدث، ومما يمكن أن يحدث.

ثانيا: استغل السياسيون الأميركيون المناسبة ليزيدوا من أسهمهم، خاصة أن انتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات الكونغرس سوف تجرى السنة المقبلة. وأيضا، اعتمدوا على «فير فاكتور» ليقولوا للشعب الأميركي إنهم حريصون على «أمن أميركا»، وأنهم هزموا «الأعداء».

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن التغطية الإعلامية كانت مثيرة، لكنها محايدة (مجرد نقل الأخبار والتعليقات المثيرة)، وإن التغطية السياسية كانت مثيرة وحزبية.

لكن، هل صحيح أن التغطية الإعلامية كانت محايدة؟

قال مراقبون في واشنطن إنه صار واضحا، منذ الهجوم قبل عشر سنوات، ثم إعلان الرئيس بوش «الحرب ضد الإرهاب»، ثم غزو أفغانستان، ثم غزو العراق، أن الصحافيين الأميركيين «المحايدين» تأثروا بالسياسة والسياسيين، وأنهم، باسم الوطنية، دقوا طبول الحرب (لم تكن هناك غير استثناءات قليلة، وغير اعتذارات قليلة، في وقت لاحق).

لهذا، جاءت التغطية الإعلامية للذكرى العاشرة في نطاق الوطنية الأميركية، وتحاشت هذه التغطية النقاط الآتية:

أولا: أسباب هجوم 11 سبتمبر.

ثانيا: استمرار احتلال دولتين مسلمتين: أفغانستان والعراق.

ثالثا: استمرار أخطاء «الحرب ضد الإرهاب» المتمثلة في قتل المدنيين المسلمين، واعتقالهم ومطاردتهم، والتجسس عليهم، والإساءة إليهم.

غير أن صحيفة «واشنطن بوست» تجرأت، ونشرت مقابلة مع حاجي شاهزادي، أفغانستاني عمره خمسون سنة. كان الأميركيون اعتقلوه في أفغانستان بعد غزوها، ثم نقلوه إلى قاعدة غوانتانامو العسكرية، ثم أطلقوا سراحه، وهو يعيش الآن في كابل. على الرغم من أن شاهزادي قال إنه «يعفو» عن الأميركيين لما فعلوا به، فإنه انتقد الأميركيين نقدا غاضبا لاحتلالهم وطنه. وقال: «عندما يجلو الأميركيون عن وطني، سوف يتركونه نهرا من الدم». وأجرت الصحيفة، وصحف أميركية أخرى، مقابلات محايدة مع مسلمين أميركيين بمناسبة الذكرى العاشرة للهجوم، وأدانوا كلهم الهجوم والتطرف الأصولي، لكنهم ركزوا على أن الإسلام ليس فقط دين سلام، ولكن أيضا دين تسامح وحوار، وقالوا إن الذكرى العاشرة يجب أن تكون مناسبة للتقارب بين المسلمين وغير المسلمين، لكن لم ينشر على لسان هؤلاء القادة أي تعليق عن احتلال أفغانستان والعراق، وضرب باكستان والصومال وغيرهما.

بالإضافة إلى الإثارة الصحافية، وإلى التحيز باسم الوطنية، أثرت على التغطية تطورات تكنولوجية ما كانت موجودة في سنة الهجوم، وخاصة شبكة الإنترنت، وخاصة وسائل الإعلام الاجتماعية؛ حيث ضخ ملايين الناس ثناءات وتأملات وانتقادات وإساءات، وصارت هذه التغطية مثل نوع من العلاج الجماعي النفسي: أين كنت ساعة الهجوم؟ كيف أثر الهجوم عليك؟ هل بكيت؟ هل تبكي الآن؟ (عرضت تلفزيونات صور ناس يبكون، وخاصة نساء يبكين، عندما سئلوا هذه الأسئلة، وطبعا، أضافت هذه إلى الإثارة).

يوم الأحد، يوم الذكرى العاشرة، فرضت التلفزيونات والإذاعات والصحف ومواقع الإنترنت على الذين لم يشاهدوا الهجوم أن يشاهدوا ذكرى الهجوم، وفرضت على الذين نسوا الهجوم ألا ينسوه، و«إلى الأبد». ورفعت مئات الشعارات مثل: «نيفر فورغيت» (لا ننسى أبدا)، و«ريممبار فور ايفر» (نتذكر إلى الأبد).

كيف كان يمكن لأي أميركي أن يهرب من التغطية ومن التذكير ومن الشعارات، ما دامت ثماني شبكات تلفزيونية رئيسية غطت تغطية حية زيارة الرئيس باراك أوباما، والرئيس السابق بوش الابن، إلى «غراوند زيرو» (مكان مركز التجارة العالمي في نيويورك، الذي دمرته الطائرة الأولى والثانية) والبنتاغون (حيث دمرت الطائرة الثالثة جزءا من المبني)، وولاية بنسلفانيا (حيث سقطت الطائرة الرابعة التي يعتقد أنها كانت تريد تدمير البيت الأبيض)؟

كيف كان يمكن لأي أميركي أن يهرب من التغطية بينما شهد الملايين الذين تابعوا مباراة مهمة في كرة القدم علما أميركيا عملاقا غطى كل الملعب؟ أو مباراة خاصة في كرة القدم بين فريق «ريدسكينز» (الحمر) الواشنطوني وفريق «جاينتز» (العمالقة) النيويوركي؟ أو برنامجا في قناة عن الطعام قال فيها طباخ مشهور: «لن أنسى أبدا شعوري وأنا في المطبخ في ذلك اليوم».

وقال خبراء أميركيون إن التغطية الإعلامية المكثفة كانت جزءا من «الكارثة»، على الرغم من مرور عشر سنوات عليها.

قال جين روبرتز، رئيس تحرير سابق لصحيفة «فيلادلفيا أنكوايارار»: «أعتقد أن هذا نتيجة أخبار على طوال اليوم، أخبار 24 ساعة في اليوم». وأضاف: «إذا كان لديك كثير من الوقت تريد أن تملأه بشيء ما، فليس هناك أفضل من الذكرى السنوية لشيء ما، خاصة لأن هذا الشيء حدث، وعندك كل الصور والأفلام عنه. نعم، هناك بعض الأشياء المهمة التي تستحق التغطية، ولكن ليس مثل هذا.. هذا واحد من أكثر الأشياء قسوة في التاريخ الأميركي».

وقال جون فارمر، أستاذ القانون في جامعة رتجرز، الذي كان مستشارا للجنة التي حققت في الهجوم، وأصدرت تقريرها بعده بثلاث سنوات (سنة 2004): «يجب أن تكون الذكرى صعبة جدا للأسر التي فقدت واحدا منها». وأضاف: «من الواضح أن الذكرى العاشرة ذكرى كبيرة. لكن أن نفعل هذا كل سنة سيكون عملية صعبة جدا.. لا أحد يريد أن تصبح هذه الذكرى مثل يوم ضحايا الحرب، حيث تقام الاحتفالات وتسير المواكب وتخفض أسعار البضائع، لكن في الوقت نفسه، لا يريد أحد أن يجبر على أن يبكي أو يتأثر بهذه الطريقة كل سنة».