المراقب الصحفي: الصفحة الأولى

TT

كثيرا ما أتابع الناس في المقاهي والفنادق والمطارات والأماكن العامة وهم يقلبون صحيفة «الشرق الأوسط» قبل أن يقرروا اختيارها من بين الصحف. وقد لاحظت أن هناك شريحة معينة تكتفي بالاطلاع على الصفحة الأولى من «الشرق الأوسط» وغيرها من الصحف العربية ثم تختار ما يناسبها، وهو أمر طبيعي مثل تقليب عشرات القنوات الفضائية التلفزيونية ثم اختيار ما يهمني منها.

تذكرت هذا المشهد عندما كنت أتحدث إلى شخصية إعلامية معروفة قالت لي إن «الشرق الأوسط» صحيفة سياسية بحتة، وقد اختلفت معه محاولا إقناعه بأن هذه الصحيفة تضم نحو 15 ملحقا أسبوعيا وتحاول بعض هذه الملاحق، أحيانا، تقديم موضوعات حصرية، غير سياسية، لكنه لم يقتنع على ما يبدو بكلامي. ولا ألوم هذا الشخص وغيره، فالمتأمل في الصفحة الأولى يجد أن العناوين البارزة محجوزة عادة لموضوعات سياسية، وفي أعداد محدودة تُعطي الموضوعات غير السياسية حيزا لافتا للقارئ العادي غير المهتم بالسياسة الذي ينشد عادة موضوعات متنوعة؛ مثل شريحة الشباب والنساء. علما بأن الفئة الأخيرة وحدها تمثل نصف عدد سكان الوطن العربي.

صحيح أن لـ«الشرق الأوسط» صفحة أولى تكاد تخلو من السياسة، في النصف الثاني من العدد، لكن تبقى الصفحة الرئيسية هي واجهة الصحيفة البارزة التي تعكس توجهها أحيانا. ولذا نتمنى أن يفكر المسؤولون بمسألة تثبيت زاوية الموضوع الخاص (الفيتشر) أسفل الصفحة الأولى، بحيث يكون ذا طابع تنموي أو إنساني أو علمي أو اجتماعي، فضلا عن ضرورة زيادة مساحة الإشارة للموضوعات المميزة غير السياسية، وخصوصا الحصرية أو موضوعات الساحة، حتى نستقطب أكبر شريحة ممكنة من القراء الجدد.

وكما هو معروف فإن المساحة الضيقة للنشر، التي تسببها زحمة الإعلانات، تدفع الصحف عادة إلى إبراز صور غير سياسية مع شرح للموضوع أسفلها في حين يعلو الصورة مانشيت سياسي مهم ليس له علاقة بالصورة. وهو تعامل ذكي مع هذه المساحة المحدودة للفت انتباه القراء غير المهتمين بالسياسة ممن يهتمون بالموضوعات المنوعة.

صحيح أن الوطن العربي يعيش حالة من الثورات الشعبية، وهو أمر لا يجب إغفاله بل إبرازه خصوصا عندما تطول آلة القتل الناس الأبرياء، لكن هذا لا يعني ألا نمنح غير المهتمين بالسياسة إشارات لافتة في الصفحة الأولى للموضوعات الجميلة التي يتحفنا بها مراسلو الصحيفة من كل مكان. ولا ننسى أن «الشرق الأوسط» توزع في أكثر من 7500 مدينة حول العالم، وليس من المنطقي الافتراض أن كل من يقرأ صحيفتنا يبحث عن موضوع سياسي. لذا لنخفف من تجهم واجهة الصحيفة بتقليل الموضوع السياسي وتطعيمها بما يبث البسمة والأمل والتفاؤل.