كيف تتسابق التلفزيونات الأميركية لإجراء مقابلات؟

مع المشاهير وغير المشاهير

TT

قبل ثلاثين سنة تقريبا، قبل أقمار الاتصالات الفضائية، وتلفزيون الكابلات، والإنترنت، كانت في أميركا ثلاث قنوات تلفزيونية رئيسية، وكان السياسيون والمشهورون يتسابقون للظهور فيها. لكن، لم تكن المقابلات كثيرة، كما هي اليوم. وإذا كانت، كانت قصيرة (خلال نشرة الأخبار اليومية التي كانت نصف ساعة فقط). اليوم، هناك خمس قنوات تلفزيونية رئيسية، وأكثر من خمسمائة قناة فرعية. ولأنها متنوعة، ولأن عددا كبيرا منها فني، لم يعد المشاهير من الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات يتنافسون للظهور في القنوات الرئيسية، بل إن تلفزيون «إم تي في» الغنائي أكثر مشاهدة من بعض التلفزيونات الرئيسية.

لهذا، صار السياسيون والمشاهير هم الذين يختارون التلفزيونات التي يريدون الظهور فيها. ولهذا، ظهرت شركات تحجز المقابلات لهؤلاء، وتكون حلقة وصل بينهم وبين التلفزيونات. غير أن هناك جدلا حول أخلاقية تعامل الصحافيين مع هذه الشركات، وخاصة أن الشركات لا تقدم خدماتها مجانا.

وبفضل التطور التكنولوجي في الاتصالات والإعلام، لم تعد الأخبار السياسية، ولا حتى الفنية هي الأهم. صارت الأعاصير، والزلازل، والحرائق، والفيضانات، بل والجفاف، أهم أحيانا.. أولا: لأنها مثيرة.. «هل هناك أكثر إثارة من نار تشتعل وتدمر؟»، كما قال هنري ياريهيانو، مخرج بتلفزيون في هيوستن (ولاية تكساس)، حيث تشتعل النيران حاليا.

ثانيا: لأنها لا تكلف كثيرا. أي إنها ليست مثل برامج تحتاج إلى ممثلين ومخرجين ومنتجين. ربما صحافي ومصور يكفيان.

ثالثا: لأنها تهم حياة كثير من الناس مباشرة، وأحيانا أكثر من السياسة والسياسيين. بل إن واحدة من أنجح القنوات التلفزيونية الأميركية صارت قناة الطقس (نعم، صارت هذه تجري مقابلات مع خبراء واختصاصيين).

وهكذا، صارت التلفزيونات الرئيسية أحيانا تفضل الكوارث على السياسة والسياسيين. وأيضا تفضل أحيانا مجرمين ومتسكعين اشتهروا ربما لأنهم يغنون بأصوات جميلة، أو يفتخرون بالجرائم التي ارتكبوها.

كيف تتسابق التلفزيونات لمقابلة الخبراء والسياسيين والمشاهير؟

قال مارك فكتور، منتج ومسؤول عن المقابلات في تلفزيون «إن بي سي»: «إذا لم يأت السياسي أو الخبير إلى استوديوهاتنا، فنحن نذهب إليه». وأضاف: «عندما دمر الإعصار جوبلين (ولاية ميسوري) أسرعنا مع كاميراتنا، ليس فقط إلى جوبلين، ولكن، أيضا، إلى منازل خبراء الطقس والكوارث والمسؤولين الحكوميين عنها». وقال: «إما أن تكون منافسا شرسا على مدى 24 ساعة يوميا، وإلا فلن تحصل على سبق صحافي، وتكون أنت الخاسر».

ثم هناك تيد ويليامز، الذي تسابق تلفزيون «إن بي سي» وتلفزيون «إي بي سي» الرئيسيان لإجراء مقابلة معه.. فازت «إن بي سي»، ونقلته بطائرة خاصة إلى نيويورك حيث انفردت بإجراء مقابلة معه. وعندما خرج من الاستوديو، كان في انتظاره مندوبون من تلفزيون «إي بي سي».. أخذوه إلى استوديوهاتهم القريبة في نيويورك، وأجروا معه مقابلة.

تيد ويليامز لم يكن سياسيا ترشح لرئاسة الجمهورية، ولم يكن خبيرا اقتصاديا. كان متسكعا بدون منزل وبدون وظيفة في سان فرانسيسكو، عندما صوره شخص وهو يغني في موقع «يوتيوب» في الإنترنت. وزار الموقع الملايين معجبين بصوته. وعندما اشتهر بين يوم وليلة، تسارعت كبرى شبكات التلفزيونات الأميركية لإجراء مقابلات معه. بل وتنافست. بل وسرقه تلفزيون «إي بي سي» من منافسه تلفزيون «إن بي سي»، باعتراف سانتينان ليوشي، مدير الإنتاج في الشبكة الأولى، التي سرقت. قالت: «نعم، سرقناه».

بسبب التسابق نحو إجراء مقابلات مع المشاهير (وغير المشاهير) أسست التلفزيونات والصحف الرئيسية مكاتب خاصة لملاحقتهم. هذه مكاتب «بوكنغ» (الحجز)، حيث إن الذي يعمل فيها وظيفته هي «بوكر» (الذي يحجز). لم يعد هذا عملا صحافيا بمفرده. صارت المنافسة قوية. وصارت هناك شركات «واسطة». وخاصة بالنسبة إلى مقابلات التلفزيون التي تحتاج إلى «وفد» فيه، على الأقل، صحافي ومصور ومهندس صوت، ومخرج (لإرسال المادة من مكان الحدث).

وعن هذا قالت واحدة من «بوكرات» (حاجزات) تلفزيون «سي إن إن» (رفضت الإشارة إلى اسمها أو وظيفتها، خوفا من إغضاب رؤسائها): «عندما دمر الإعصار مدينة جوبلين، سافرنا بعدة طائرات، واستأجرنا سيارات تاكسي (لأن جوبلين بعيدة وصغيرة). وعندما وصلنا كان هناك (بوكرز) (حاجزون) وصلوا قبلنا وأجروا مقابلات قبلنا». وأضافت: «أنت في سباق مستمر مع المنافسين. أنت تعيش في رعب دائم. يحتاج الواحد منا إلى قوة إلهية لمساعدته».

وبسبب هذه المنافسات لإجراء مقابلات مع المشاهير، صار التنافس حول «شبه المشاهير» بل «والذين سيكونون مشاهير».. حول أشخاص يشتبه في أنهم ارتكبوا واحدة من الجرائم الكبيرة، أو يعتقد أنهم متورطون في خيانة زوجية. واعترفت واحدة في مكتب حجوزات في شبكة تلفزيون أميركية في كبيرا بنيويورك بأنها «انهارت» عندما فشلت في حجز شخص لمقابلة لأنه قال إنه لا يقدر على السفر إلى الاستوديوهات في نيويورك لأن ضابط السجن الذي فيه رفض.

لكن، ماذا عن الحساسية؟ ماذا عن مقابلة قاتل واستفزاز أقرباء ضحيته؟ ماذا عن مقابلة شخص فقد عزيزا له في انفجار أو حريق أو إعصار؟

كتب بول فارهي في صحيفة «واشنطن بوست»: «عند الكوارث، يصاب الناس بهلع، وليست المقابلة الصحافية هي أهم شيء بالنسبة إليهم. الموضوع حساس، ويحتاج إلى معالجة ذكية».

وعلقت على هذا سارة بوكسر، منتجة في شبكة تلفزيون «سي بي إس»: «نحاول أن يكون الموضوع شخصيا. نريد أن نجعلهم يحسون بأننا نشاركهم أحزانهم، إننا ربما جزء من العائلة».

في بداية السنة، عندما أطلق شخص النار على غبريال غيفورد، عضو الكونغرس، لكنها لم تمت، بينما مات آخرون كانوا بالقرب منها، قالت سارة بوكسر: «ذهبنا إلى منازل الضحايا، وتركنا كيكا وكعكا ورسائل عزاء عند كل باب». وقالت إنها صارت صديقة رجل قريب واحد من الذين قتلوا. ونجحت في إقناعه لإجراء مقابلة معه، وإنه هو نفسه، في وقت لاحق، أعرب عن امتنانه لمعالجة الوضع بهذه الطريقة الإنسانية، وأرسل لها خطابا قال فيه: «شكرا يا فتاة الكعك».

وللحصول على سبق صحافي، يقدم الحاجزون علب الشوكولاته، وباقات الزهور. لكن، النقود ممنوعة، حسب قوانين التلفزيونات والصحف الرئيسية (حتى إذا لم تكن ممنوعة، توضع الصحيفة أو القناة التلفزيونية في قائمة الذين يشترون الأخبار، وهذه قائمة إذا حققت سبقا صحافيا فلن تحقق سمعة أخلاقية). غير أن أكثر إغراء يمكن أن يقدمه المتنافسون للذين يريدون إجراء مقابلات معهم هو نقلهم بالطائرة إلى نيويورك حيث استديوهات كثير من التلفزيونات الرئيسية، وذلك لأنه بالإضافة إلى المقابلة (بدون حوافز مادية)، هذه رحلة مجانية إلى نيويورك لقضاء ليلة أو اثنتين في أحد الفنادق الفخمة، ومبلغ يومي لوجبات الطعام.

وهناك وسيلة أخرى يتنافس فيها المتنافسون لإغراء المشاهير (وغير المشاهير) لإجراء مقابلات معهم، وهي القول لهم بأن «كبير المذيعين» هو الذي سيجري المقابلة، وليس صحافيا «صغيرا». بل إن «كبير المذيعين» هو الذي سيحضر شخصيا إلى منزل الشخص، أو «كبيرة المذيعات» في حالة الشقراء المشهورة دايان سوير (مقدمة نشرة أخبار تلفزيون «إي بي سي» المسائية الرئيسية). في عام 2009، ظهرت أمام منزل امرأة اشتهرت لأنها أنجبت ثمانية توائم. واندهشت المرأة، ولم تقدر على رفض المقابلة.

وصار لكبار المذيعين والمذيعات مساعد خاص أو مساعدة خاصة لهذه الحجوزات.

وعلى الرغم من أن الشبكات التلفزيونية لا تدفع مكافآت مالية مباشرة، ظهرت مؤخرا شركات حجوزات تقوم بدور الوسيط.. مثلا في السنة الماضية، اعترفت شبكتا تلفزيون «إي بي سي» و«إن بي سي» بأنهما اشتريتا فيديو ساعة كاملة من «شركة واسطة» عن عمال المناجم الذين تم إنقاذهم في شيلي، وأن الشبكتين نشرتا أن المقابلات كانت «حصرية».

وقال هوارد، على الرغم من أنه مدير وكالة علاقات عامة (شركة واسطة) في لوس أنجليس (لإجراء مقابلات مع ممثلين وممثلات): «هذه المكافآت ليست غير عادية في مجال التنافس الذي زاد كثيرا مؤخرا. أنا لا أرتاح لهذا التقليد المالي. لكنني لا يمكن أن أتحمل مسؤوليته».

حتى شبكة تلفزيون «إي بي سي» المحترمة يبدو أنها تلطخت بالوحل. قبل شهور، في قضية لها صلة بكيسي أنتوني (اشتهرت لأنها أغرقت ابنها في بحيرة، وأنكرت، وبرأتها المحكمة لأسباب فنية، رغم التأكد من أنها فعلتها)، كشف محامون أمام قاض عن أن الشبكة دفعت مبلغ 200000 لشركة «واسطة» لضمان تعاون الأم القاتلة. لكن، قالت الشبكة إنها سلمت المبلغ إلى الشركة، لا إلى الأم (ولم تقدر الشركة على أن تقسم بأن المبلغ أو جزءا منه ذهب إلى القاتلة).

وقال جيفري شنايدر، المتحدث باسم تلفزيون «إي بي سي»: «إننا لا نعوض مصدرا إخباريا تعويضا ماليا. مثل هذه الممارسات تخلق مشاكل سمعة وأخلاق». لكن، هناك نقطتان في هذا التعليق.. أولا: قال «مصدرا» ولم يقل «شركة واسطة». ثانيا: قال إنها «تخلق» ولم يقل «خلقت لنا».

على أي حال، بسبب الضجة، أعلن المتحدث في وقت لاحق أن الشبكة أوقفت شراء فيديوهات مقابلات، واعتبارها «حصريا»، لكنها لم توقف التعامل مع شركات العلاقات العامة (الواسطة).