كابل: محطة «إم تي في» التلفزيونية ليست مجرد شبكة تلفزيونية بل رسالة ضد تعاليم طالبان

10 ملايين شخص تابعوا برنامج «أفغان ستار»

أغاني وأفلام بوليوود تباع في شوارع كابل
TT

توم فريستون، رجل مبتهج لكنه كان يجلس في ركن قصي في مطعم بوسط مانهاتن الأسبوع الماضي متحدثا بحماسة شديدة عن مشروعه الجديد. ويقول: «كل مرة أذهب إلى هناك، أجد شبابا يقومون ببعض الأشياء ويعدون كل أنواع البرامج الرائعة. إن ما يقومون به لمبهر حقا».

ربما تعتقد أن فريستون يخطط لإحداث هزة شبابية في التلفزيون لإدارته وإشرافه على شبكات «إم تي في نيتوركس» لمدة 17 عاما وتأسيس قناة غيرت عالم البث وثقافته إلى حد كبير. ففي النهاية لا يزال الناس يشتكون من زيادة «إم تي في» للجانب المتعلق بالثقافة الأميركية وعدم الاهتمام بالجانب الفكري. ما هذا العمل الطائش الذي يتحمس له فريستون؟ يمكن التلميح إليه بالقول إن قذيفة صاروخية تسقط كل يوم على مبنى الإنتاج. ويعمل فريستون حاليا عضوا في مجلس إدارة «موبي غروب» ومستشارا لها. وتمتلك مؤسسة «موبي غروب» شبكات تلفزيونية وإذاعية شهيرة ناجحة في البلاد التي كان يعد امتلاك جهاز تلفزيون فيها أمرا غير قانوني منذ وقت ليس ببعيد. الأفغان فقط يريدون أجهزة تلفزيون لا «إم تي في».

تمتلك مؤسسة «موبي غروب» شبكة تلفزيون «تولو تي في» الناطقة باللغة الدارية و«ليمار تي في» الناطقة باللغة البشتونية ومحطتي «إف إم» و«فارسي 1» وهو مشروع مشترك مع «نيوز كوربوريشين» يقدم الخدمة لملايين المتحدثين باللغة الفارسية في إيران أيضا. وعندما سيطرت حركة طالبان على أفغانستان، جرمت أكثر مظاهر وملامح ثقافة البوب، لذا كان بث «موبي» لبرامج وعروض، يتعامل فيها الرجال مع النساء وعمل رجل وامرأة كـ«دي جي» في المحطة الإذاعية خلال الفترة الإذاعية الصباحية التي تتمتع بنسبة مشاهدة عالية، أمرا جللا.

أما على أرض الواقع، فلا يمكن لموسيقيي أفغانستان تحصيل لقمة العيش في بلد أتت فيه الحروب والتطرف على الثقافة الكلاسيكية وكنوز من الفن القديم واللوحات، وكانت حركة طالبان حظرت الموسيقى حين تولت الحكم في البلاد بين عامي 1996 و2001.

ويقول الخبراء: «في غضون 8 أو 10 سنوات، سيكون في كابل أول أوركسترا سيمفونية»، مؤكدين أن الموسيقى يمكن أن تشكل بلسما لجراح بلده الذي تمزقه الحروب والاقتتال الإثني. ويضيف «في بلد عاش 30 عاما من الحرب الأهلية، يمكن للموسيقى وللتربية الموسيقية أن تساعد الناس المتضررين نفسيا، وخصوصا الأطفال واليتامى الذين شهدوا مقتل أهلهم وتدمير بيوتهم». ويتابع: «لا أحد يطعن بقدرة الموسيقى على التوحيد».

وكانت حصة «تولو تي في» من السوق 45% بحسب سعد محسني، رئيس مؤسسة «موبي». وترتدي الكثير من النساء في أفغانستان البرقع وهناك قيود كثيرة على الحريات، لذا لم يبد أن العمل مع الشخص الذي ساعد في تقديم «بيفيس أند بات هيد» إلى الجمهور جيد. لكن محسني قال إن فريستون وجه انتقادات للمشروع. وقال محسني في مكالمة هاتفية خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي قادما من أفغانستان: «إنه يرسل عددا هائلا من رسائل البريد الإلكتروني ودائما ما يكون قادرا على ربط أدق الأشياء ببعضها». وقال إن فريستون قدمه إلى روبرت مردوخ، فضلا عن أشخاص آخرين. ويقول محسني: «عندما يأتي إلى هنا، يتحدث مع المنتجين والمديرين والأشخاص الذين يعملون معه».

وقد أدار فريستون في فترة السبعينات شركة «هندو كوش» للملابس وقال: «لم يكن لدي فكرة عما أفعله». وأصبح لدى فريستون شعور بالمعزة تجاه أفغانستان وحاليا بعد 30 عاما بات يسافر إلى هناك أكثر من 3 مرات. وكان لديه متسع من الوقت لأنه ترك سامر ريدستون، مؤسس شركة «فيا كوم» التي تمتلك «إم تي في» في عام 2006. وقال وابتسامة تعلو شفتيه: «لقد كانت من أفضل الصفقات التي لم أنجح في عقدها». ويعمل عضو مجلس إدارة «دريم ووركس أنيميشين» ورئيسا لحملة «وان» وهي عبارة عن مبادرة لمكافحة الفقر في أفريقيا شارك في إطلاقها بونو.

ويقدم فريستون استشارات إلى أوبرا وينفري، التي اكتشفت أن تدشين قناتها أمر يتضمن تحديات، بالإضافة إلى عمله مع «فايس ميديا». لكن يجمع عمله مع «موبي» بين اهتمامه بأفغانستان والإيمان بأن فن رواية القصص يمكن أن يساعد في تغيير الأمة.

ويقول فريستون: «كل ما يراه الأميركيون في أفغانستان هو الجبال بنية اللون في صور الحروب والانفجارات، لكن عندما تقضي وقتا في (تولو تي في) تشعر بما يمكن أن يكون عليه حال هذا المكان».

على عكس بعض محللي الشؤون الخارجية يشعر فريستون بالتفاؤل حيال مستقبل البلاد، حيث يقول إن الناس يظنون أن حركة طالبان سوف تتولى السلطة مرة أخرى عندما تغادر القوات الأميركية، لكن في الواقع لقد اختلفت أفغانستان كثيرا عن ذي قبل لأن الإعلام المستقل أصبح وسيلة من وسائل التغيير الاجتماعي.

وقد تناول مسلسل درامي يحظى بشعبية كبيرة على «تولو تي في» وهو «أسرار هذا المنزل» «سيكريت أوف زيس هاوس» مشاكل اجتماعية منها مشكلة عدم المساواة بين الجنسين والعنف الأسري وفساد الحكومة تحت مسمى التسلية.

وقالت سينثيا شنايدر، أستاذة الدبلوماسية بجامعة جورج تاون، إنه من الصعب التقليل من شأن هذه المسلسلات والبرامج التي ينظر إليها أكثرنا كأمر مسلم به. وقالت في إشارة إلى النسخة الأفغانية من «أميركان أيدول»: «شاهد 10 ملايين شخص العام الماضي نهاية برنامج (أفغان ستار). ويمثل هذا العدد ثلث عدد السكان في البلاد. ويشارك رجال ونساء في المسابقات التي يتم تحديد الفائز فيها بحسب جدارته، وهو أمر غريب على المجتمع القبلي». ويتم تحديد النتائج على أساس التصويت الذي يعد من الأمور الهامة. وأضافت: «يبدو أن الإعلام المستقل يحقق نجاحا باهرا في بلد لا يبدو فيه أي شيء ناجح».

وفي البرنامج حلت الأزياء الباهرة والزاهية محل الأزياء التقليدية المحافظة المعروفة في كابل. وعلى المسرح ظهر الرجال بملابس في غاية الأناقة. وبدأت معركة أخرى ولكن على شاشات التلفزيون بين المتبارين في الموسيقى التقليدية وموسيقى البوب.

لكن ليس كل فرد في أفغانستان مسرورا بما يحدث في برنامج محسني حيث اعترض مجلس حراس القيم الإسلامية الأفغاني المعروف بمجلس العلماء قائلا: «لم تكن فكرة (نجم أفغانستان) جزءا من الثقافة الأفغانية». ولقد تلقت إحدى المتباريات في برنامج «نجم أفغانستان» العام السابق تهديدات بالقتل وأجبرت على التخفي بعدما سقط غطاء شعرها على كتفها أثناء قيامها بالغناء. ولقد أشار محسني إلى أن أفغانستان تجاور الهند بعدد سكانها الذي يفوق 1.1 مليار نسمة بالمقارنة مع أفغانستان التي يقدر عدد سكانها بنحو 34 مليون نسمة. حيث قال: «يمكن أن نجلس مع من ينتقدوننا ونشرح لهم أننا إن لم نتحرك ويكون عندنا البديل الأفغاني فإن السينما الهندية ستسيطر في نهاية الأمر». وأضاف: «إننا نحاول فقط أن نحافظ على وضعنا في منتصف ما يمكن وصفه بالحرب الثقافية».

وعمل فريستون مع «موبي» بعد مقابلة محسني، وهو ابن لدبلوماسي أفغاني قرر عدم العودة إلى أفغانستان مع أسرته بعد الغزو السوفياتي. وبعد الإقامة في أستراليا لسنوات كثيرة، عاد محسني إلى كابل عام 2002، حيث بدأ إنشاء بنية إعلامية في بلد لا يوجد فيه شبكة كهرباء سليمة وتبلغ فيه نسبة الأمية 70%.

لكن لن يكون هذا كافيا على الأرجح، فقد أصبحت مؤسسة «موبي» هي المصدر الرئيسي للبرامج والمسلسلات، ودشنت العام الماضي قناة إخبارية أصبحت منبرا للمساءلة أمام أشخاص اعتادوا وجود الفساد والفشل.

ويقول محسني: «نحن دولة فتية، فـ60% من السكان هنا أصغر من 20 عاما، وإذا كان هناك شخص واحد يعرف كيفية التواصل مع هؤلاء، فهو توم». ويوجه فريستون الانتباه إلى محتوى «ومبي»، فمسلسل مثل «إيغل فور» يذكرنا بـ«24» وهو من بطولة رجال ونساء يتسمون بالشجاعة ويحرصون على تحقيق العدل بالأفعال. ويقول فريستون: «عندما ينزل هؤلاء الممثلون إلى شوارع كابل وهم مرتدون ملابس تنكرية يبدون مثل أعضاء فريق الـ(بيتلز)، حيث يلتف الناس حولهم. ولا يمكن للناس في أفغانستان الاعتماد على حكومتهم، لذا فالبرامج والمسلسلات تمثل لهم مصدر إلهام».

يشير محسني إلى امتلاك 50% من الأفغان لأجهزة تلفزيون، بينما لم يكن أحد تقريبا يمتلك جهاز تلفزيون عام 2001. ويقدر حجم سوق الإعلانات بنحو 50 مليون دولار بفضل تدفق المعونات الأجنبية والعلامات التجارية العالمية ولا يزال يشهد نموا على حد قول محسني.