هل ستتمكن الصحافة من إعادة الثقة بها بعد فضيحة التنصت؟

في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.. ثلاث مدارس متباينة تدلي بدلوها

كارل بيرنشتاين («الشرق الأوسط»)
TT

لا تحكم أخلاقيات مهنة الصحافة وآلياتها وعملها بالضرورة قوانين ومقاييس وممارسات واضحة وعامة يمكن تطبيقها في معظم المجتمعات وبنفس الطريقة. الأدوات المهنية المستخدمة تختلف من بلد إلى آخر، كما أن الثقافة المهنية السائدة هي أيضا تحدد هذه الممارسات. هذا ما برز جليا خلال ندوة دولية عقدت في لندن واستقطبت العاملين في المهنة في ثلاث تجارب غربية، واحدة من بريطانيا، والتي تتمتع بصحافة تابلويد ليس لها مثيل في صحافة العالم وتمارس تقليدا قديما في صحافة الاستقصاء. الصحافة البريطانية رفضت قوانين الترخيص الرسمي للصحافيين منذ 1695، كما جاء على لسان رئيس تحرير صحيفة «الغارديان» التي فجرت فضيحة التنصت. ورغم القرب الجغرافي بين البلدين فإن التجربة البريطانية تبعد كل البعد عن التجربة الفرنسية، التي لا تمارس صحافة الاستقصاء بنفس التنمر البريطاني، كما أنها تفتقد إلى صحافة التابلويد، وهذا ما جاء على لسان المديرة التحريرية لصحيفة «لوموند»، التي قالت إنها كانت تحسد الصحافة البريطانية على عملها، لكنها غيرت رأيها منذ الفضيحة، لكنها تعتقد، خصوصا بعد فضيحة دومنيك ستراوس - كان أن الأمور بدأت تتغير وسوف تتجه الصحافة الفرنسية تجاه زميلتها الإنجليزية. أما الموقف الذي جاء جليا وضد أي نوع من أنواع تقييد الحريات باسم الحرية الشخصية، فقد عبر عنه كارل روبنشتاين، الذي قام بأشهر استقصاء صحافي في القرن العشرين، وهذا مثل المدرسة الثالثة في الممارسة المهنية، أي المدرسة الأميركية التي تتمتع بأكبر قدر من الحرية في النشر. وطالب بيرنشتاين أن تلعب الصحافة دورا نقديا أكبر وأن تقف ضد أي نوع من أنواع السرية التي تمارسها المؤسسات الرسمية، لكنه طالب في الوقت نفسه أن يمارس الصحافي عمله بمسؤولية لصالح المصلحة العامة وليس الإثارة فقط. وذكر بيرنشتاين كيف أنه حصل على قوائم بأرقام التليفونات وبطاقات الائتمان خلال تقصيه قضية ووترغيت لكنه رفض التسجيل غير المرخص لأشخاص اتصلوا معه وزودوه بمعلومات حول ووترغيت.

لم تكن الأوساط الإعلامية والعديد من المراقبين المهتمين والسياسيين مخطئين عندما أطلقوا على فضيحة التنصت تعبير «هاك غيت» (نسبة إلى فضيحة ووترغيت الأميركية والتي كانت نتيجتها استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون). لقد جاء كارل بيرنشتاين، الشخص الذي عمل لدى صحيفة «واشنطن بوست» وفجر الفضيحة الأميركية عام 1972 إلى لندن ليقول لزملائه البريطانيين إن هناك تشابها كبيرا بين ما حدث في الولايات المتحدة من خرق للقانون في تلك الفترة من قبل إدارة نيكسون وبين ما قامت به مؤسسة روبرت مردوخ، ممثلة بصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، من تنصت وقرصنة تليفونية على آلاف من الأشخاص في بريطانيا، والتي لم تكن جميعها من أجل المصلحة العامة، وهو العذر الذي يستخدم من قبل صحافة التابلويد البريطانية لتبرير ما تقوم به من خروقات.

هذه الملاحظات جاءت على لسان بيرنشتاين، الذي قام ربما بأشهر استقصاء صحافي في القرن العشرين، خلال مداخلة له في ندوة عقدت في لندن ونظمتها صحيفة «الغارديان» تحت اسم «بعد التنصت على التليفونات: هل يمكن للصحافة أن تعيد ثقة القاريء بها؟». وتحت هذا العنوان دعت صحيفة «الغارديان»، التي فجرت الفضيحة في بريطانيا من خلال العمل الاستقصائي الذي قام به أساسا الصحافي المخضرم نيك ديفيز، عددا من الصحافيين لمناقشة أخلاقيات المهنة كونهم ينتمون إلى ثقافة وتقاليد مهنية متباينة، وهي بريطانيا، صاحبة الفضيحة، والتي تراقب نفسها بنفسها من خلال لجنة وطنية للشكاوى، وفرنسا التي عادة ما تفتقر إلى الجانب الاستقصائي في عملها ولا يوجد فيها صحف تابلويد، كما جاء على لسان المديرة التحريرية لصحيفة «لوموند» سيلفي كاوفمان، والولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر حرية صحافة في العالم.

تفجرت فضيحة التنصت بعد أن كشف نيك ديفيز أن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على آلاف من الناس من مشاهير ووجوه اجتماعية وسياسيين وأبناء العائلة المالكة. لكن القشة التي قسمت ظهر البعير هي ما كشفته صحيفة «الغارديان» في يوليو (تموز) الماضي بأن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على تليفون المراهقة ميلي داولر عندما اختفت عام 2002 وقتلت في ظروف غامضة.

«لقد صعقت بسبب أوجه التشابه بين ما حدث في ووترغيت وفي قضية التنصت. ولهذا فإنني أشيد بما قام به نيك ديفيز وجريدة الغارديان من استقصاء صحافي. جمع هذا النوع من المعلومات من قبل مراسلين يعملون في الصحافة من خلال هذا النوع من الأعمال (الإجرامية) المخلة في القانون تعتبر لحظات ثقافية تهشيمية وتوعد بعواقب ضخمة ستبقى معنا ولعدة أجيال مقبلة. لقد خرق روبرت مردوخ القالب المدني لهذا البلد، محققا درجة من التحكم بمؤسسات المجتمع الرئيسية التي تشكل مفهوم الديمقراطية والحرية، وهذه تتشكل من الصحافة، والشرطة والسياسيين. إنه شيء مرعب».

وأضاف بيرنشتاين أن أوجه التشابه مخيفة حقا (بين ووترغيت وهاكغيت). «لكن المهم في الموضوع ليس اكتشاف السلاح الذي أطلقت منه الرصاصة، المهم في الموضوع أن ما حصل أفسد المؤسسات الحرة، وأن هذا الفساد له انعكاسات كبيرة على المدى البعيد، لأن ما حصل في الصحف التي يمتلكها مردوخ، خصوصا التي تجيء في أسفل جرائده.. أدى إلى انتقاص مستوى العمل المهني بخصوص ما نقوم به نحن كصحافيين في عملنا اليومي. السؤال الذي يطرح الآن: ما هي الأخبار؟».

لكن بيرنشتاين لم ينتقد فقط أصحاب الجرائد فقد لام المستهلك أيضا، مضيفا «نحن لا نعمل في فراغ. إن خطيئة مردوخ أنه قيد الصحافة في هذا البلد بشكل كبير». لكنه حذر في الوقت نفسه من وضع القوانين التي تحد من حرية الصحافة. وقال إنه خلال تقصيه الحقائق بخصوص فضيحة ووترغيت قال إنه استخدم بعض الأساليب الملتوية للحصول على قوائم تليفونات لبعض الأشخاص وكذلك كروت ائتمانية، وقال إنه شعر بأنه محق في عمله هذه الذي كشف في نتيجته النهائية الفساد على أعلى المستويات في الإدارة الأميركية. ولهذا يعتقد بيرنشتاين أن المطلوب هو إعطاء الصحافة حرية كاملة بتحرياتها ولكن يجب أن تمارس هذه الحرية بمسؤولية وليس من أجل قصص الإثارة.

أما وجهة نظر الحكومة البريطانية خصوصا بعد أن عينت قاضيا من مجلس اللوردات للتحقيق بخروقات الصحافة وكذلك بالعلاقة بين الصحافة والمؤسسة السياسية فقد جاءت على لسان جورج اوستيس عضو مجلس العموم الذي عمل مديرا إعلاميا لمكتب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. لقد تبين خلال فضيحة التنصت أن الصحافة تتمتع بعلاقات حميمة وليست من أجل المصلحة العامة مع السياسيين من حكومة ومعارضة، كما تبين أيضا أن بعض رجال الشرطة تلقوا الأموال مقابل تسريب معلومات للمحققين الخاصين الذين يعملون مع صحافة التابلويد.

وقال اوستيس: «لا أريد من الصحافة أن تشعر بالخوف من قوانين تنظيم الصحافة. إن مفهوم المصلحة العامة تم التلاعب به واستخدم بشكل غير لائق في كثير من الأحيان. نريد اتفاقا عاما على ذلك يتم فرضه من خلال مؤسسات مستقلة».

الصحافة البريطانية وجدت نفسها بين ليلة وضحاها في قفص الاتهام، حتى تلك التي ساعدت في كشف بعض الحقائق مثل صحيفة «الغارديان» التي فجرت القضية من خلال جملة من التحريات الصحافية بدأتها عام 2009، أصبح مطلوبا منها هي الأخرى، في ظل السخط الشعبي و«الاشمئزاز» الذي عبر عنه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أن تصحح مسارها وتبتعد عن استخدام محققين في الحصول على معلومات شخصية تدعم فيها تحرياتها الصحافية، خصوصا بعد أن أعلن غلين مولكير المحقق الشخصي الذي عمل لصالح صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، الشخص الرئيسي المتهم في القضية، أنه عمل مع أكثر من 30 صحيفة بريطانية يومية ولم تكن جميعها من نوعية «نيوز أوف ذي وورلد» وتضمنت الصحف الرصينة مثل صحيفة «الأوبزيرفر»، الأسبوعية الشقيقة لصحيفة «الغارديان»، التي اعترفت هي الأخرى أنها لجأت في بعض المناسبات إلى أساليب «غير تقليدية» في الحصول على معلومات تعتبرها مهمة لتحرياتها.

وأضاف اوستيس أن الحد الفاصل بين الأخبار والرأي قد تلاشى تقريبا للعديد من الصحف البريطانية، وأن بعض الآراء في بعض الصحف أصبحت تطغى على الخبر.

وعبر بيرنشتاين عن غضبه تجاه اقتراح تنظيم الصحافة «أهم شيء بالنسبة لنا كصحافيين هو أن نحدد ما هو الخبر، وهذا المحتوى لا تتعامل معه صحافة التابلويد.. لكن من الخطأ جدا أن تصدر قوانين لتمنع التابلويد من القيام بعملها. ما هو دقيق بالنسبة لجورج اوستيس ليس دقيقا بالنسبة لصحافة التابلويد».

وفي مداخلتها قالت سلفي كاوفمان المديرة التحريرية في صحيفة «لوموند» إنها كانت تحسد الصحافة البريطانية على أدائها وتنوعها بين التابلويد وصحافة «برود شيت». لكن بعد اندلاع فضيحة التنصت غيرت رأيها، وأنها لا تحسد الصحافة البريطانية على الثقافة المهنية التي تعمل من خلالها. وقالت إنه لا يوجد صحافة تابلويد في فرنسا، كما أن ثقافة العمل المهني المعمول بها لا تشجع على التطفل على حياة الناس الشخصية، وأن الصحافة الفرنسية لا يهمها العلاقات الجنسية التي يقيمها السياسيون مثلا، وأن الصحافة الفرنسية لم تخلق شهية خاصة لدى القارئ بخصوص هذه القصص.

وأضافت أن ما تعانيه الصحافة هو أنها تتعرض للتنصت من قبل الأجهزة الأمنية وليس العكس، وتحاول الأجهزة الأمنية كشف بعض مصادر الصحافيين من خلال التجسس عليهم من خلال الأرقام التليفونية وهناك قضايا في المحاكم الفرنسية بخصوص هذا الموضوع.

«استئجار محققين خاصين؟ دفع مبالغ من المال لرجال الشرطة؟ هذا شيء لا يحدث في فرنسا». وكانت سلفي كاوفمان تعلق على ما قامت به صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» من استئجار أشخاص محققين متخصصين في عمليات التنصت.

وفي ردها على سؤال حول التغطية الفرنسية لقضية دومينيك ستراوس - كان رئيس صندوق النقد الدولي الذي اتهم في نيويورك بمحاولة اغتصاب عاملة في الفندق، قالت سيلفي كاوفمان: «إن القضية أظهرت ضعف الصحافة الفرنسية، التي لم تتناول هذا الجانب من حياة دومينيك ستراوس - كان، لأن الصحافيين اعتبروا القضية خارج إطار عملهم، لأنها قضية شخصية. وهذا ما علق عليه العديد من الناس في المجتمع الفرنسي، على أنها قضية شخصية. إن التصنيف بين ما هو شخصي وما هو عام يعتبر قضية حساسة جدا في فرنسا، لكن أعتقد أن ذلك سيتغير بسبب ما حدث، لكن سيكون التغيير بطيئا، لأنه لا يمكن تغيير ثقافة القارئ وثقافة المهنة بين ليلة وضحاها. سنصبح بالتأكيد مثل بريطانيا، ولكن بشكل بطيء جدا».

وتساءلت: كيف يمكن لبريطانيا إعادة الثقة بصحافتها؟ مضيفة: «إن مصداقيتنا (أي في فرنسا) ليست جيدة أيضا، ويجب علينا جميعا أن نواجه هذه القضية معا، ولا أعتقد أن وضع ضوابط محكمة وقوانين تضييق على عمل الصحافيين هو الجواب المطلوب. إنها قضية كبيرة جدا للمحررين والمؤسسة السياسية والمجتمع ككل».

ورد رئيس تحرير صحيفة «الغارديان» الن راسبريدجر الذي قدم الندوة والمشاركين في الحوار أن هذه القضية صار لها سنتان منذ التحقيق الأول الذي كتبه نيك ديفيز إلى أن توقفت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» عن الصدور بعد 168 عاما من النشر. وأضاف أن القصة الحقيقية هي فترة الـ18 شهرا التي سبقت التحقيق الذي نشرته صحيفته في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) الماضي عندما تجاهل العديد من المسؤولين في الشرطة والبرلمان ولجنة الصحافة أهمية إيجاد التوازن المطلوب في أي مجتمع بعد سلسلة التحقيقات التي قامت بها صحيفته.

ويقوم جهاز الشرطة حاليا بدراسة أكثر من 11 ألف صفحة تحتوي على 4000 اسم قد تكون لها علاقة بقضية التنصت الذي قامت به الصحيفة. وقالت إن طاقمها سيقوم بالاتصال بكل شخص يرد اسمه في قوائم المعلومات الشخصية التي تم احتجازها لدى الجهاز منذ 2005. وستضع هذه المعلومات في أيدي لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بعد اندلاع الفضيحة والتي بدأت عملها هذا الشهر وقد تستمر لمدة عام.

وعلى خلفية تحقيق الشرطة الدائر حاليا، فقد تم اعتقال أكثر من 15 شخصا عملوا في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» وكذلك في مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» التي تملك عددا من صحف روبرت مردوخ في بريطانيا مثل «صن» و«التايمز» و«صنداي تايمز».

الفضيحة أعادت فتح الحوار الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي حول ملكية المؤسسات الإعلامية وتمركزها في أيدي قلة قليلة من الناس.

وكانت أول نتائج الفضيحة والسخط الشعبي، بعد أن تبين أن صحيفته قد تنصتت على ضحايا الإجرام والهجمات الإرهابية عام 2005، أن «نيوز إنترناشيونال» التي تملك «نيوز أوف ذي وورلد» ضمن حقيبة روبرت مردوخ الإعلامية في بريطانيا عن عرض الاستحواذ الكامل لقناة «بي سكاي بي» الفضائية البريطانية وهي قناة خاصة رائجة بها 10 ملايين مشترك. وكان يملك روبرت مردوخ 39 في المائة من أسهمها، وأراد أن يشتري 61 في المائة من الأسهم الباقية بقيمة 12 مليار دولار للاستحواذ عليها بالكامل، إلا أن ضجة الفضيحة أطاحت بآماله، وهذا ما كان يعارضه العديد من المؤسسات الإعلامية العاملة في بريطانيا والعديد من السياسيين وأثلج صدر خصومه المعارضين لوضعه الاحتكاري في السوق الإعلامية.

ورد الن راسبيدجر قائلا إن هناك خطرا يواجه الصحافة الآن بعد أن فتح التحقيق في الموضوع من قبل «لجنة ليفيسون».. «في النهاية على اللجنة أن تختار بين وضع قوانين لتنظيم عمل الصحافة أو تأسيس لجنة إعلامية مستقلة من أجل أن تقوم وسائل الإعلام بضبط نفسها.. لا أحد يعرف إلى أين ستتجه الأمور نتيجة تحقيق لجنة ليفيسون، التي ستثير الكثير من الأسئلة الصعبة».

وردا على سؤال حول طرد الصحافيين من المهنة، كما طالب عضو البرلمان ايفان لويس، إذا أخلوا بالقوانين المعمول بها، قال الن راسبريدجر: «لا أتفق مع ذلك نهائيا. لقد تخلصنا من عملية ترخيص الصحافيين قبل أكثر من 300 عام، ولهذا فإنه من المحزن جدا أن نعود إلى قوانين عام 1694.. والسؤال هو كيف يمكنك أن تعطي ترخيصا للمدونين على الإنترنت؟».

وقال كارل بيرنشتاين: «لقد صعقت بما سمعت حول اقتراح ترخيص عمل الصحافة، مضيفا: «إنه مثل محاولة ضبط ما ينوي الآخرون التفوه به».

وأضاف بيرنشتاين: «كيف يمكننا أن نعيد الثقة بالصحافة. الأداة الوحيدة هي النزاهة في تغطية الأخبار واستخدام مفهوم العيب». يجب أن نتوقف عن النظر على الصحافة وكأنها لا تنتمي إلى الثقافة العامة، لقد فقدت مؤسستنا ثقة الناس، الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط واليونان أثبتت أن الناس فقدوا ثقتهم بجميع المؤسسات التي تنظم حياتنا».

واقترح رئيس تحرير «الغارديان» راسبيدجر أن تمارس الصحافة مفهوم استخدام القارئ/ المحرر وهذا ما تقوم به صحيفة «الغارديان» بين فترة وأخرى.

ويعتقد الن راسبريدجر أن الأشهر والسنين المقبلة ستكون في غاية الأهمية بالنسبة للصحافة و«سيكون هناك ردة فعل سيئة بالنسبة للصحافيين». وأن بعض المؤسسات الرسمية ستحاول استغلال الغضب الشعبي من أجل المزيد من التضييق على حرية الصحافة، «لقد شعرت بذلك عندما حاولت الشرطة استخدام قانون أمن الدولة ضد مراسل صحيفته من أجل إجبارها على البوح بمصادرها بعد نشرها معلومات تخص المراهقة ميلي داولر (القضية التي فجرت الفضيحة). وحولت الشرطة أن تعرف من سرب للصحيفة هذه المعلومات التي كانت بحوزة الشرطة. هذا التوجه مقزز ومخيف من قبل الأجهزة الأمنية التي حاولت إسكات هذا النوع من الصحافة الاستقصائية». لحسن الحظ فقد عدلت الأجهزة الأمنية عن قرارها وأسقطت مطالباتها.

وفي النهاية استخلص كارل بيرنشتاين على أن تنظيم الصحافة وخلق أجواء سرية في الحياة الاجتماعية ليس بالشيء المطلوب، ولكن على العكس من ذلك «لا نحتاج إلى هذا النوع من السرية الرسمية، على العكس من ذلك، نريد أن نكون أكثر شراسة في عملنا من أجل كسر كل أنواع السرية. الحكومة تستخدم السرية من أجل حرماننا من أشياء لا تريدنا أن نعرف عنها شيئا».

ويعتقد بيرنشتاين، الذي اعترف بنفسه أنه خرق القانون بتحرياته الشهيرة أن «الذي نحتاجه هو تغيير في نظرتنا للحكومة والمجتمع بشكل عام، أما الاقتراح بضبط الأمور، أي إعطاء مؤسسات مثل البنوك أو الملكة أو مجلس النواب، سرية أعلى مما تتمتع به حاليا، فهو شيء بغيض ومرفوض».

وحول خرقه للقانون في الولايات المتحدة خلال عمله على قضية ووترغيت، قال بيرنشتاين إنه لم يكن يعرف بالضبط إذا قام بخروقات قانونية أم لا، «لكنني كنت دائما أفكر أن ما قمت به كان مبررا بخصوص ما قمنا به في تقصيات ووترغيت، لقد حصلنا على قوائم لأرقام التليفونات وبطاقات الائتمان، لقد اعتقدت أنه كان مبررا، في ذلك الوقت، وما زلت أعتقد ذلك، لكن لم أقم بتسجيلات سرية ضد أشخاص، ولا يجب أن نرى أنفسنا بأننا فوق القانون».