«الشعبية» ربما تكون السبب في فشل برنامج المواهب الصيني التلفزيوني

إيقاف مسابقة «سوبر غيرل» عاما كاملا بأمر حكومي

TT

في النهاية، لم تكن البهرجة الصارخة أو الأغاني السيئة السبب في فشل مسابقة «سوبر غيرل»، التي تعد واحدة من أكثر مسابقات المواهب شعبية في الصين. وقد ادعت الرقابة الحكومية، عندما أوقفت عرض البرنامج التلفزيوني بعد نهاية حلقة الموسم الأخيرة ليلة الجمعة، أن المنتجين قد سمحوا ببساطة للبرنامج بأن يستمر لفترة طويلة جدا. وفي تأكيده قرار إيقاف البرنامج لمدة عام كامل، أعرب متحدث باسم الشركة المنتجة للبرنامج، المأخوذ من البرنامج الأميركي الشهير «أميركان آيدول»، عن أسفه لأنهم سمحوا للبرنامج بشكل متكرر بتجاوز مدة الـ90 دقيقة التي تفرضها الدولة على مسابقات المواهب، والتي ينعتها كبار البيروقراطيين في الحكومة بنعوت مختلفة مثل «المبتذلة» و«الاستغلالية» و«المسممة لشبابنا».

وأكد لي هاو، المتحدث باسم شبكة البث التلفزيونية الإذاعية «هونان ساتلايت تلفيجن»، أن فترة البث الرئيسية ستشهد خلال العام المقبل التركيز على البرامج التي تروج للأخلاق الحميدة والسلامة العامة وتقدم «معلومات عملية حول الأعمال المنزلية».

ولكن بالنسبة لمحبي البرنامج الذين تابعوا حلقات هذا الموسم – جذبت النهائيات السابقة أكثر من 400 مليون مشاهد – سبب لهم قرار الإيقاف صدمة وحزنا. فكتب أحد متابعي البرنامج تحت اسم مستعار على موقع «وايبو»، خدمة التدوين المصغر الأكثر شعبية في الصين، قائلا «لن أكون سعيدا مرة أخرى!»، وكتب آخر «ربما كنا بحاجة إلى ثورة أخرى».

ولكن أصحاب الأفكار الأكثر واقعية رأوا في قرار الحظر الصادر عن هيئة الدولة للإذاعة والسينما والتلفزيون تذكيرا بالقبضة الحديدية التي توجه الثقافة الشعبية في الصين.

ففي نفس اليوم الذي تم فيه إيقاف عرض برنامج «سوبر غيرل»، أصدرت السلطات قرارا بوقف عمل قناة في شمال مقاطعة خبى لمدة شهر، بعدما ظهر شاب في أحد برامج القناة الحوارية وهو ينتقد والده. حيث قال المنظمون إن البرنامج عمل على «قدر القيم المشوهة، وأدى إلى حدوث آثار اجتماعية سلبية للغاية». وقد أثارت الوكالة غضب القائمين على صناعة الترفيه المحلية عندما قامت بإصدار حظر شامل على الروايات التي تعتمد على فكرة السفر عبر الزمن.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين لم يوضحوا الأسباب الكامنة وراء إلغاء برنامج «سوبر غيرل»، إلا أن مديري التلفزيون التنفيذيين والنقاد الثقافيين رجحوا أن يكون الحزب الشيوعي الحاكم قد شعر بالقلق من النجاح الباهر الذي حققه البرنامج، والذي كان منتجوه قد أنتجوا سلسلة من برامج تلفزيون الواقع على الطراز الأميركي التي حظيت بشعبية تفوق شعبية برامج شبكة تلفزيون الصين المركزي التي تديرها الحكومة.

بينما أشار آخرون إلى أن اعتماد البرنامج على التصويت من قبل أفراد الجمهور كان شكلا خطرا من أشكال الديمقراطية. ولم يكن هذا التخمين أمرا بعيد الاحتمال، حيث حظر المنظمون التصويت بالرسائل النصية من قبل المشاهدين في عام 2007، مما اضطر البرنامج إلى الحد من مشاركة الجمهور إلى حد كبير، وقصره على الجمهور الموجود داخل الاستوديو التلفزيوني الضيق. وقال تشان جيانغ، أستاذ الصحافة في جامعة بكين للدراسات الخارجية، إن الحظر المفروض يعكس الهوة المتزايدة بين الشباب الصيني والبيروقراطيين المحافظين الذين يحكمون قبضتهم على إنتاج ونشر الثقافة الشعبية. وقال تشان: «إن الحرس القديم لا يزال لديه مفهوم مختلف للغاية عن الأخلاق عن جيل الشباب. وربما يكون المنظمون الحكوميون قد تلقوا الكثير من الشكاوى من القيادات المتقاعدة».

وعلى الرغم من شعبيته الهائلة، فإن برنامج «سوبر غيرل» قد توقف لمدة ثلاث سنوات في عام 2006 بعد جدل سابق أثاره تشونغ ليو، وزير الثقافة السابق، الذي قاد حملة ضد هذا البرنامج. حيث انتقد ليو في سلسلة من المقابلات في وسائل الإعلام الرسمية البرنامج باعتباره يشكل تهديدا للثقافة الصينية التقليدية، وآفة في الأمة. وقال في ذلك الوقت: «إن ما يختاره السوق ليس بالضرورة شيئا جيدا. ومن المؤكد أن برنامج «سوبر غيرل» هو من اختيار السوق، لكننا لا ينبغي أن نترك العاملين يغرقون طوال اليوم في متعة الثقافة المنحطة». ولا يبدو في ظاهر الأمر أن هناك راديكالية شديدة في برنامج «سوبر غيرل»، خاصة في ظل وجود قضاة من المشاهير حادي اللسان، ومتسابقاته الشابات المستهترات القادمات من المحافظات، والتصفيات التي لا ترحم. ولكن يقول بعض النقاد إنه في الوقت الذي كان فيه الحزب الشيوعي يعمل بشغف على إحياء الثقافة الجماهيرية الثورية من الحقبة الماوية، كان الأداء الجريء واللافت للنظر للفتيات اللاتي كن يحصلن على أعلى النقاط في برنامج «سوبر غيرل»، يشكل نوعا من التهديد. وعلى غرار العديد من الفائزين السابقين، كانت الفائزة هذا العام، دوان ليونكسى، (20 عاما)، وهي موسيقية دربت نفسها لافتة للأنظار نجحت في هزيمة مجموعة من الحسناوات ذوات الشعر الطويل، وهم النموذج المعتاد لبرامج المنوعات الحكومية. وقد رجح سونغ شينان، واحد من قضاة البرنامج، في مقال نشر على الإنترنت يوم السبت، أن السلطات الثقافية في الصين كانوا غير راضين عن عدم مشاركتهم في عملية الاختيار، وتعرضهم للتهديد من مثل هذه النوعية من النساء اللاتي صعدن للقمة. وقال «التطور الوحيد الذي حدث هو أن (النجوم) لم يعودوا نتاج الاحتياجات السياسية ولكن نتاج الاحتياجات التجارية. وطريقة صنع (القدوة) بقرارات علوية في طريقها للانقراض. وهؤلاء الفتيات يمثلن حقا أصوات عصرنا والنجوم الذين يحبهم الشعب».

وأقر بأن هذا البرنامج من الممكن أن يكون قاسيا وتافها، إلا أنه يمثل في نهاية المطاف احتفالا بانتصار الفرد على الدولة. وقال: «إن هناك جانبا أعمى وساذجا بل عنيفا ومظلما في سعار الإعجاب الجنوني ببرنامج (سوبر غيرل)، ولكنه لا يمثل طريقا يؤدي إلى العبودية بقدر ما يمثل طريقا يؤدي إلى الحرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»