الغارديان تفتح غرف التحرير عبر الإنترنت لتحقيق الشفافية وتعزيز دور صحافة المواطن

ناشر يرفض الفكرة لـ «الشرق الأوسط» : الإعلام مثل الساسة يقود ولا يتبع أحدا

TT

إعداد الأخبار وتحريرها التي عادة ما تخضع لحماية شديدة داخل غرف التحرير لم تعد اليوم طي الكتمان، فقد نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مطلع هذا الأسبوع قوائم الأخبار التي تتولى تغطيتها. ومن خلال موقعها الرسمي عرضت الصحيفة لمحة عن الأحداث المجدولة والمؤتمرات المقرر تغطيتها بجانب هوية القصص القادمة من ردهة التحرير المركزية.

الفكرة تبدو غريبة بعض الشيء وسط المنافسة الشديدة بين الصحف البريطانية - التي تلجأ بعضها أحيانا لدفع مبالغ للحصول على تسريبات مصادر صحف منافسة - لكن آلان راسبريدجر رئيس تحرير صحيفة «الغارديان» برر عبر مقالته الافتتاحية أن الانفتاح على القراء من شأنه تحسين نوعية التقارير وتوجيه التركيز حول القصص ذات القيمة كون القراء سيكونون جزءا من عملية إعداد الأخبار.

الخطوة بشكلها الحالي تعزز مفهوم «صحافة المواطن» التي كسرت احتكار الصحافة التقليدية للأخبار ولعبت دورا بارزا في تغطية أحداث عالمية، الأمر الذي ترمي إليه الصحيفة من خلال فتح قائمة الأخبار بشكل يسمح للفرد بلعب دور تفاعلي مع الأحداث والقصص الصحافية. وبالتالي سيتمكن الجمهور من التواصل مع المحررين أثناء عملهم على المواد وإعطاء أفكار ومعلومات وملاحظات، وحتى طرح زوايا ممكنة للقصة. إذ يرتبط اسم كل محرر يقوم بالعمل على قصة إخبارية برابط يتصل بحسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الأمر الذي يتيح للأفراد قراءة تحديثاته والتفاعل معه.

وعلق روبرتس دان، محرر الأخبار في صحيفة «الغارديان» عبر حسابه في «تويتر» قائلا: إن هذه المبادرة تحمل الكثير من المزايا، ماذا لو كان القارئ قادرا على مساعدة المحررين في غرف الأخبار لجهة أي القصص تستحق التحقيق فيها؟ وماذا لو كان بالإمكان للخبراء توفير معلومات أدق حول التقارير قبل نشرها؟ وماذا لو كانت عملية عمل التحقيق هي فعلا جزءا من الأخبار نفسها؟ لكنه أشار إلى أن آلية عمل القوائم الإخبارية المفتوحة «لا تحتوي على كل شيء؛ كالتصريحات الخاصة والمواد ذات الحساسية القانونية، إذ إن ذلك سيظل سريا».

وبصرف النظر عن رغبة الصحيفة بالاحتفاظ بالقصص الحصرية بعيدا عن أعين الجمهور، من النادر في أي وسيلة إعلامية كشف المواد الإخبارية التي تقوم بتناولها، إنما هذه ليست المرة الأولى. فصحيفة واحدة في العالم طبقت هذه التجربة من قبل وهي صحيفة «نوران» اليومية السويدية بعد أن فتحت غرفة التحرير عبر الإنترنت وبواسطة أداة تقوم على أساس دردشة حية اسمها eEditor، بشكل يدعم القدرة على قراءة قصة ومناقشة الأفكار مع الصحافيين بينما ينهمكون بإعداد التقارير. وبحسب الصحيفة فقد حقق النهج الجديد نجاحا كبيرا مع المستخدمين والمعلنين.

الجدير ذكره، في حين بررت «الغارديان» خطوتها بتوفير معلومات دقيقة وموثوقة وذات صلة بالمواطن، فإن البعض يراها وسيلة لاقتناص أكبر عدد من القراء والمعلنين بينما تتجه الصحف الكبرى إلى فرض رسوم على قراءة محتوياتها عبر الإنترنت. فبعد صحيفة «التايمز» و«الفايننشيال تايمز»، أعلنت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أنها اعتبارا من الأسبوع القادم ستفرض على قرائها خارج المملكة المتحدة رسوما لمطالعة محتوياتها عبر الموقع في خطوة تسعى من خلالها الصحيفة التي احتفلت بعيد ميلادها الـ25 هذا الأسبوع في إعادة ابتكار نفسها كشركة متعددة الوسائط. واختارت الصحيفة فرض الرسوم على قرائها في الخارج، لا سيما أن نحو 40 - 50 من زوار موقعها هم من خارج المملكة المتحدة، وتحديدا الولايات المتحدة وكندا، الذين سيتاح لهم الوصول إلى 20 خبرا مجانا كل شهر، في حين سيتطلب منهم الاطلاع على جميع محتوياتها إلكترونيا بنحو 3 جنيهات. وربما يكون ذلك فرصة لصحيفة «الغارديان» للاستحواذ على عدد أكبر من عائدات الإعلانات التي ستقلص نسبيا في الصحف التي تتطلب رسوما.

يبقى القول بأن فتح قوائم الأخبار للجمهور قد تلعب دورا مهما في استعادة الصحافة ثقة الجمهور، ربما في هذا الوقت الذي تشوب صحافة التحقيقات الاستقصائية في بريطانيا حالة من عدم ثقة فاقمتها بشكل أساسي فضيحة التلصص على الهواتف التي تورطت فيها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» الشعبية في يوليو (تموز) الماضي وانتهت بإغلاق الصحيفة بعد 168 سنة، الأمر الذي قد يحقق الشفافية بين الصحافة والجمهور. ويرى الصحافي والناشر تيم بولامور في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن فكرة فتح القوائم هي مجرد لفتة رمزية نحو تحقيق الشفافية، إلا أنها لن تحقق ذلك تماما، لا سيما أن السرية بشأن المحتوى تظل مخفية لتحقيق الحصرية وتعزيز سمعة الصحيفة ومبيعاتها.

في حين رأى أن لا يقتصر دور القراء على متابعة الأخبار بل أن يكون لهم صوت فيها فكرة جيدة، لكن دور وسائل الإعلام مثل الساسة، هو يقود، ولا يتبع ما تريده الجماهير.