خدمات الرسائل النصية المجانية تشكل تهديدا لمزودي الخدمة

يتم إرسال تريليوني رسالة نصية كل عام في أميركا بتكلفة 20 مليار دولار للصناعة اللاسلكية

TT

في عصر بات فيه البريد الإلكتروني والعديد من أشكال التواصل الإلكتروني الأخرى خدمات متاحة بشكل مجاني بالأساس، ما زال مزودو الخدمات اللاسلكية يفرضون رسما قيمته 20 سنتا لإرسال رسالة نصية إلى هاتف، و20 سنتا إضافية لاستقبال هذه الرسالة.

وبدأ دفع مبالغ طائلة مقابل نقل مجموعة من الكلمات يصبح موضة قديمة تماما كشراء الطوابع. وثمة عدد متزايد من الوسائل الآن لتجنب رسم الرسائل باستخدام وصلة إنترنت، مثلما يسمح برنامج «سكايب» بإجراء اتصالات من دون الاعتماد على خط الهاتف التقليدي. ويرى محللون أنه في حالة ما إذا انتشرت مثل هذه الخدمات على نطاق واسع، فإنها يمكنها أن تنتزع نصيبا كبيرا من الأرباح التي تحققها الرسائل النصية لمزودي الخدمات اللاسلكية.

وتخطط شركة «أبل» لطرح خدمة جديدة تحمل اسم «آي ماسيج»، والتي يمكن أن تصبح أكبر خدمة من نوعها في مجال الرسائل النصية. وتتيح الخدمة لمن يمتلكون أجهزة «آي فون» إرسال رسائل مصحوبة بنصوص وصور ومقاطع فيديو لآخرين يمتلكون أجهزة مماثلة عبر الـ«واي فاي» أو أي جهاز جوال لنقل البيانات. وسوف تتعامل الخدمة، التي تعتبر جزءا من تحديث لنظام تشغيل «آي أو إس أبل» الخاص بالهواتف، بشكل مؤتمت مع الرسائل المتبادلة بين مستخدمي أجهزة «آي فون» و«آي باد» و«آي بود تاتش» الذين قاموا بتثبيت أحدث البرامج على أجهزتهم.

«هناك قدر كبير من الخطر هنا»، هكذا تحدث كريغ موفيت، محلل بشركة «سانفورد سي برنشتاين» يغطي صناعة الاتصالات عن بعد. واستكمل قائلا «إنهم يقوضون نموذج العمل الأساسي لصناعة تحقق معظم أرباحها من الخدمات عالية السعر ومنخفضة النطاق الترددي، مثل الرسائل النصية». الفكرة الأساسية واحدة مع الطرازين القديم والحديث من الرسائل: رسائل قصيرة تظهر بشكل شبه فوري على هاتف المتلقي بمجرد إرسالها. لكن المسار الذي تتبعه الرسائل مختلف، حيث يتم إرسال الرسالة النصية عبر شبكات جوالة. ومن خلال خدمات على شاكلة «آي ماسيج»، يتم إرسال الرسائل عبر شبكات البيانات الخاصة بمزودي الخدمة وعبر شبكة الإنترنت، تماما كالبريد الإلكتروني. ويدفع مستخدمو الهواتف الخلوية رسما مقابل كل رسالة نصية أو يقومون بالتسجيل في نظام رسائل نصية، فيما تدخل الرسائل الأحدث في نطاق نظام بيانات لاسلكية خاص بأحد العملاء.

يتم إرسال أكثر من تريليوني رسالة نصية كل عام في الولايات المتحدة، مما يحقق عائدات تربو على 20 مليار دولار للصناعة اللاسلكية. تحقق شركة «فيريزون وايرلس» وحدها نحو 7 مليارات دولار سنويا في صورة عائدات من الرسائل النصية، أو نحو 12 في المائة من إجمالي العائدات، على حد قول موفيت، وتدر الرسائل النصية نحو ثلث أرباح مزودي الخدمات اللاسلكية.

وكان هذا المنتج عالي الربح بمثابة بشرى خير بالنسبة لشركات الهواتف الخلوية. وقال سرينيفاسان كيشاف، أستاذ بجامعة واترلو يدرس الحوسبة النقالة، إن الرسائل النصية كانت بمثابة فكرة تالية عندما وضعت معايير الهواتف الخلوية في أواخر الثمانينات من القرن العشرين. وأشار كيشاف إلى أن شركات الأجهزة اللاسلكية أدركت أنه كانت هناك طاقة فائضة في قناة تحكم خاصة على الشبكات الصوتية تسمح بنقل رسائل قصيرة. واستكمل قائلا «يمكنهم أن يعتمدوا على الهواتف»، مما يسمح لمزودي الخدمة بتقديم خدمة الرسائل النصية مقابل سعر زهيد.

ويشير كيشاف إلى أن مزودي الخدمة يتكلفون نحو ثلث سنت لإرسال رسائل نصية. وبالنظر إلى أن مزودي الخدمة الرئيسيين يفرضون رسما تتراوح قيمته بين 10 سنتات و20 سنتا على إرسال الرسائل واستقبالها «تكون النسبة المضافة إلى التكلفة الأساسية لتحديد سعر البيع نحو 4.090 في المائة».

ومقابل 20 سنتا وعدد 160 حرفا لكل رسالة، يدفع مستخدمو الاتصالات اللاسلكية نحو 1.500 دولار لكل ميغابايت من الرسائل النصية عبر الشبكة الجوالة. وبالمقارنة، تبلغ تكلفة إرسال الكم نفسه من البيانات باستخدام نظام نقل بيانات حجمها 2 غيغابايت مقابل 25 دولارا شهريا نحو 1.25 سنت.

ويقول محللون إنه بمرور الوقت يمكن أن تقلل خدمات الرسائل الجديدة من حجم الأرباح التي يحتمل أن يحققها مزودو الخدمات من كل عميل من عملائهم. ويشيرون إلى أمثلة بدأ فيها بالفعل ذلك الهبوط في قيمة الأرباح، مثلما حدث في هولندا، حيث أدت شعبية شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل إلى تقليل حركة الرسائل والأرباح.

ويشير محللون إلى أن شركة «أبل» تحاول محاكاة نجاح خدمات مثل «بلاك بيري ماسنجر» أو «بي بي إم»، كتطبيق مجاني متاح لمن يمتلكون هواتف «بلاك بيري» الذكية، يسمح لهم بإرسالها واستقبالها، كما هو الحال في محادثة عبر الرسائل الفورية. وقد خلق ذلك حالة من الولاء بين مستخدمي «بلاك بيري»، كما منع البعض من التحول إلى استخدام أحد أجهزة «أبل» أو «أندرويد».

«(بي بي إم) هي أقوى سمات (بلاك بيري)، بدرجة تفوق البريد الإلكتروني»، قال روجر إنتنر، محلل بشركة «ريكون أناليتيكس» متابع للصناعة اللاسلكية. وأضاف «بمجرد أن تمتلك هذه السمة، يقل احتمال ابتعادك عن خبرة العميل. إن خدمة (آي ماسيج) تجعل عالم (آي أو إس) بأكمله أكثر قيمة».

ونظرا لأن خدمة «آي ماسيج» ستعمل فقط بين أجهزة «آي فون» و«آي بود تاتش» و«آي باد»، على الأقل في البداية، فليس من الواضح ما إذا كانت ستدفع العملاء إلى التخلص من أنظمة الرسائل النصية أم لا. وتمثل أجهزة «أبل» نسبة 5 في المائة من الرسائل النصية التي يتم إرسالها سنويا، على حد قول تشيتان شارما، محلل مستقل في مجال الأجهزة النقالة. وقال «لكن إذا جعلت شركة (أبل) خدمة (آي ماسيج) مفتوحة ومتاحة بالنظم الأخرى، فيمكنك أن تشهد تأثيرا أضخم بكثير».

لقد أثبت التاريخ أن «أبل» لديها طريقة لإحداث ثورة في صناعة الأجهزة النقالة من خلال شق طريق للنجاح من شأنه أن يدفع غيرها من شركات تصنيع أجهزة الكومبيوتر إلى أن تحذو حذوها. وقال إنتنر «أي شيء تقوم به شركة (أبل) لا يخفى على أحد».

ويعكف كل من «سامسونغ» و«غوغل» على ابتكار خدمات من المنتظر أن تسمح لأصحاب هواتفهما بتبادل الرسائل المجانية. ويتوقع محللون أن تدمج «مايكروسوفت»، التي تستحوذ على «سكايب» و«غروب مي»، تطبيقا شائعا خاصا بالرسائل الجوالة، يضم الخدمتين معا في إطار خطها الجديد من الهواتف الذكية التي تعمل بنظام التشغيل «ويندوز». إضافة إلى ذلك، بدأت تطبيقات أخرى قابلة للتنزيل مثل «تكست بلاس» و«واتس أب» و«كيك» تسعى لجذب العديد من الباحثين عن وسائل زهيدة التكلفة للمحادثة مع أصدقائهم.

ويقول مسؤولو واحدة من تلك الشركات، التي تحمل اسم «بينغر»، إن هناك 19 مليون مشترك في خدمتها داخل الولايات المتحدة وحدها. وتقول الشركة إنها قد تعاملت مع أكثر من 15 مليار رسالة نصية منذ أن بدأت تقديم خدماتها في عام 2009. وقال غريغ ووك، الرئيس التنفيذي لشركة «بينغر»: «دائمًا ما يتأثر الأمر بالأساس بالنواحي الاقتصادية. فيصبح تقديم الخدمة مجانا أمرا مفروضا علينا».

ويرى محللون أن شركات تقديم خدمات النقل اللاسلكي تحاول إعداد نفسها للتحول القادم. فقد بدأت شركة «إيه تي آند تي» مؤخرا تطلب من المشتركين الجدد الاختيار ما بين نظامي دفع للتمتع بخدمة الرسائل النصية: دفع 20 دولارا شهريا مقابل إرسال عدد غير محدود من الرسائل النصية أو دفع 20 سنتا مقابل كل رسالة يتم إرسالها وتلقيها. ولن تقدم الشركة بعد الآن نظاما يلزم المستخدمين بدفع 10 دولارات شهريا مقابل 1.000 رسالة نصية. ويهدف هذا بشكل واضح إلى دفع العملاء لنظام أعلى تكلفة، حتى لو لم يكونوا من نوعية المستخدمين الذين يرسلون رسائل نصية بكثافة، من أجل زيادة عائدات خدمة الرسائل النصية الخاصة بشركة «إيه تي آند تي» في الوقت الحالي. ورفضت الشركة مناقشة خدمات الرسائل.

وأشارت بريندا راني، متحدثة باسم شركة «فريزون وايرلس»، إلى أن الشركة تنظر لرسائل التواصل الاجتماعي بوصفها مكملة لسمات أخرى متاحة على الهاتف الجوال. ولفتت إلى أن العملاء سيستخدمون مزيجا من الرسائل النصية وخدمات «آي ماسيج» والبريد الإلكتروني وما شابه.

وقالت راني «من منظور خاص بالعمل، لا يزال العملاء بحاجة إلى نظام بيانات للاتصال بأي جهاز. إنهم فقط ينتقون خيارات حول كيفية استخدام البيانات».

* خدمة «نيويورك تايمز»