الإعلام في الانتخابات التونسية.. الآيديولوجيا على حساب المهنية

فريدة العبيدي لـ «الشرق الأوسط»: لم نلحظ المساواة بين مختلف القوائم

TT

خاض الإعلام التونسي على مدى 10 أشهر، ولا سيما في سبتمبر (أيلول)، وأكتوبر (تشرين الأول)، ونوفمبر (تشرين الثاني)، أول تجربة له مع التعددية الحقيقية والديمقراطية، وكانت في نظر الكثيرين تجربة متعثرة أكدت ترسخ الآيديولوجيا على حساب المهنية، وربما كان ذلك أحد أسباب إخفاق من حاول الإعلام الرسمي خدمتهم، وجاءت تلك المحاولات بنتائج عكسية غذتها الانفلاتات اللفظية الآيديولوجية، التي وصلت إلى حد انتقاد اصطفاف كل من النساء والرجال في صفوف موازية وليس في صف واحد. فضلا عن حملة على المقدسات جعلت الشعب يقسم السياسيين إلى مسلمين وكافرين، وليس يمين ويسار ووسط ويمين اليمين ويسار اليسار وغيرها من التقسيمات السياسية الوافدة من الغرب، وعلى هذا الأساس قامت الأغلبية بالتصويت. ولذلك نجد ثاني وثالث الأحزاب بعد «النهضة» في الترتيب هي الأحزاب التي لم تنخرط في الحملة سواء كمبادرة أو دعم (مبدئي) من باب «حرية التعبير». وقد استفادت حركة النهضة من هذه الخطيئة الاستراتيجية وتواصل تصعيد خطها البياني.

وقالت المحامية والإعلامية وعضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة فريدة العبيدي لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف الشديد، لم نلاحظ أن هناك مساواة بين مختلف القوائم، لأننا قمنا في حركة النهضة بعد النشاطات التي لم يتم تغطيتها، فسجلنا أن عدد التظاهرات التي قمنا بها لم يتم تغطيتها لا في الافتتاح ولا في الحفل الختامي». وتابعت: «للأسف، (النهضة) ذكرت في وسائل الإعلام في معرض النقد، ولا تذكر في طرح البرامج، تذكر في الافتراضات ولا يتم تغطية الواقع الذي تمثله. ونحن نريد من الإعلام أن يكون فعلا سلطة رابعة، وكل سلطة مسؤولة، والمسؤولية تستدعي الحس والوعي بالعدل». وأردفت: «هناك إعلام لم يتحرر بعد من عقلية الانحياز السياسي، ولذلك نحن في حاجة لثورة فكرية تجعل من شفافية الإعلام مرآة لا ينكر فيها أحد صورته، وفي نفس الوقت لا تلبس البعض أقنعة أو مسوحا تجعله يختلف عن حقيقته». وواصلت قائلة: «نحن نرجو من الإعلام التحرر من منح الصكوك للبعض وتجاهل بقية الأطراف. فهناك أطراف تخشى من أن تحسب على (النهضة)، أو يتم اتهامها بالمحاباة تقوم بالتعتيم على نشاطاتنا في حين أن المطلوب منها تغطية نشاطات الجميع بشكل محايد». وأوضحت أن «كثيرا ما كانت (النهضة) محور نقاش لم يقع تشريكها فيه لا سيما تلك المتعلقة بما يصفه البعض بشكل مبالغ فيه (مخاوف)، ونحن نخشى من تكرار سيناريو اعتماد (المخاوف) للعدوان المستمر، وهو ما لاحظناه في فترة المخلوع وكذلك على مستويات أخرى داخلية وخارجية». وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه الهيئة المراقبة لأداء وسائل الإعلام، قالت: «نحن نثمن أي نفس ديمقراطي وأي مجهود من أجل المساواة والديمقراطية، ونحن نحيي كل من قام بإنشاء الهيئة العليا لمراقبة الإعلام». وعما إذا كانت حركة النهضة ستتقدم بشكوى ضد وسائل الإعلام، نفت العبيدي ذلك «نحن لن نقدم الآن شكوى فقد كان هدفنا هو تقديم برنامجنا للشعب وأن تقوم وسائل الإعلام بالتغطية المتوازنة بين مختلف القوائم، وأثناء تقديمنا لبرامجنا لم نتعرض لبرامج الأحزاب الأخرى، بينما بنت أحزاب أخرى برامجها على نقد حزب النهضة. نحن لن نقدم دعوى قضائية وإنما نوجه دعوة لوسائل الإعلام لتوخي الشفافية والعدل، وأن تكون ناقلا أمينا لمجريات الساحة السياسية دون انحياز لأي طرف، وأن تكون وسائل إعلام حرة تعبر عن مشاغل الشعب وليست أبواقا آيديولوجية تعتبر نفسها طرفا في الصراع السياسي. وكل أملنا هو برزو إعلام نزيه وموضوعي وحر، ونحن نقبل بأن التعثر هو سمة كل بداية مشي على الطريق الصحيح». وبخصوص الزخم الجماهيري الذي عرفته الحملة الانتخابية لحزب النهضة، (رغم تأكيدها وجود انحياز إعلامي ضد الحركة) وهو ما عكسته انتخابات 23 أكتوبر، حيث تبين أن بعض أنصار الحركة لم يكونوا يحضرون اجتماعات حركتهم، وإنما اجتماعات أحزاب أخرى أكدت لها الانتخابات أنها من دون جماهير، وقد ظنت أن (شعبيتها) ستؤهلها لحكم تونس - قالت العبيدي: «حزب حركة النهضة ابن الشعب، وخرج من رحم الشعب وهو قريب جدا من الشعب، ومنذ 30 عاما وأكثر وهي تعيش بين الشعب كحركة مناضلة، وقبلها كأفراد نشطين في داخل المجتمع، ولم يستطع لا بورقيبة ولا المخلوع ولا غيره أن ينزع حب التونسيين لحركة النهضة، شعبنا وفي لكل من يناضل بصدق من أجل الشعب وليس من أجل أجندات أجنبية، والشعب يعرف جيدا ولا يمكن أن يخون ذكاءه أو ينسى تاريخه وهويته وهو يعرف أن أبناء الحركة عاشوا المحن والظلم من أجل هوية تونس فلا يوجد بيت في تونس لم يكن فيه سجين سياسي أو مهجر، إذن هناك نضالات صنعت شعبية حزب حركة النهضة ولم تصنعها الحلقات الاستعراضية على البلاتوات داخل استديوهات التلفزة». وكشفت عن أن «هناك نضالا ميدانيا بعيدا عن صالونات التجميل التي تسبق الدخول إلى صالونات المحطات التلفزية، والشعب لا يريد التزييف والتزوير، والتزيين الهادف لإخفاء العيوب أو إظهارها». وشددت على أن «حضور أعداد كبيرة من أبناء الشعب التونسي، ولا سيما الشباب، لاجتماعات حزب حركة النهضة، دليل على أننا ننهج السبيل الذي يريده الشعب، ويعطينا الثقة بأنفسنا أكثر للاستمرار في هذا الطريق. وقد أدرك البعض ذلك وبدأ بتصحيح مساره أو غرق في تبرير سلوكه السابق، أو ركب رأسه واستمر في نهجه القديم مقدما التصورات الذهنية المجردة على الواقع الموضوعي. ونحن نعتبر الثقة الجماهيرية مسؤولية عظيمة، فهي أمانة وهي خزي وندامة يوم القيامة».

وحول ما إذا كان الـ«فيس بوك» أقوى تأثيرا من التلفزة، حيث استخدم أنصار «النهضة» الـ«فيس بوك» بكثافة، أشارت إلى أنها لم تتابع بشكل جيد الحملة الانتخابية وما بعدها على الـ«فيس بوك»، لكونها من المترشحين الفائزين في انتخابات المجلس التأسيسي، ولكنها على علم بالجهود العظيمة التي بذلها شباب حركة النهضة على الـ«فيي بوك»، «الثورة بدأت بـ(فيس بوك)، وقد ساهم ذلك بشكل جيد في إنجاح الحملة الانتخابية وأنا أوجه التحية لشباب الـ(فيس بوك)، على ما قدموه لبلدهم وللديمقراطية في تونس». وحول الاتصال المباشر واللقاءات الجماهيرية، بيتا بيتا، وزنقة، زنقة، على الطريقة التونسية وليس كما عبر عنها القذافي، بينت أن «أفضل طريقة للوصول إلى قلب المواطن وأنجع طريقة للفوز بثقته هو أن تكون صادقا معه وفيا لتطلعاته ومشاغله، وقد اكتشفنا أن الحس السياسي للمواطن التونسي عال جدا ولا يمكن خداعه، وهو يعرف من يصدقه ومن يكذب عليه أو لا يرى فيه سوى رقم في الحسابات الانتخابية».

وعن دور الثقة المفقودة لدى المواطن في وسائل الإعلام الرسمية والتلفزيون عموما في تونس، لارتباطها على مدى ما يزيد على 50 سنة بجوقة المديح وإضاءة الشموع وحرق البخور لطرف سياسي أوحد، ثم أخذ طابعا آيديولوجيا ومسيسا بعد الثورة، وقد شاهدنا كيف ألقى عدد كبير من الإعلاميين بأقلامهم وكراريسهم ليصفقوا طويلا لقرار إلغاء قوائم انتخابية ورددوا النشيد الوطني التونسي حماة الحمى، قالت: «الشعب التونسي له الحق في أن يسحب ثقته أو لا يمنحها أصلا لإعلام من النوع الذي كنتم تذكرونه، فهو ذكي بما فيه الكفاية، وكثيرا ما يسأل الناس لماذا يتحدثون عن أمور، الطرف المقصود فيها غير موجود وغير ممثل في الاستديو، نحن نراهن على ذكاء شعبنا، ونراهن على حقه في فرض سيادته وفي ترشيد المؤسسات التي تتقدم لخدمته ونحن سنبني مع الشعب ما يريده الشعب».

المشكلة الأخرى هي أن قطاعات كبيرة من الشعب التونسي لا تزال تطلق على التلفزيون التونسي «تونس 7» كما كان في عهد المخلوع بن علي، وقد تأكد ذلك من خلال بث برنامج في عيد الأضحى يمجد بن علي، «ما حصل في تونس في العقود الماضية في حاجة لزمن طويل من أجل تغييره، ويكفينا الشعور بأن هناك بدايات للتغيير. الشعب التونسي يشعر أيضا بأن هناك همة واضحة لدى الطبقة السياسية لإعادة البناء وتحقيق التغيير الحقيقي الذي سمع عنه كثيرا في السابق ولم يشاهده. والآن، لديه الفرصة ليقول كلمته هو، وينفذ السياسات التي اختارها هو، والشعب بدأ يعيد ثقته بالمفاهيم التي تم إفراغها من مضامينها في العهد البائد كالحرية والديمقراطية وسلطة الشعب، ونحن بصدد إعادة الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطن، وسنبني تونس مع كل الوطنيين والشرفاء والصادقين».