التلفزيون الأوروبي يتجه نحو اللغة الإنجليزية ويتطلع إلى الخارج

مسلسل «هاوس أوف بورجا» إحراج مفاجئ لأثرياء عصر النهضة

جيريمي ايرين في مسلسل «هاوس أوف بورجا» باللغة الإنجليزية
TT

لم يحظ محبو الدراما التاريخية التي تعج بالملابس التي تعود إلى أزمنة ماضية بلحظة أسعد من هذه، حيث سيتم إنتاج مسلسلين بميزانية ضخمة باللغة الإنجليزية بعد مسلسل «هاوس أوف بورجا» (منزل بورجا)، الذي صعد أبطاله إلى قمة عالم سياسة البابوات من خلال الرشاوى.

بدأ عرض المسلسل أميركي الإنتاج على شبكة «شو تايم» في الولايات المتحدة خلال فصل الربيع الماضي، ومن المقرر أن ينتقل إلى بعض الدول الأوروبية خلال فصل الخريف. وكان العرض الأول للمسلسل في إيطاليا مؤخرا، ومن المزمع عرضه على شاشات التلفزيون في بلدان أخرى منها فرنسا والولايات المتحدة.

ما هذا الإحراج المفاجئ لأثرياء عصر للنهضة؟ من أسباب ذلك محاولة الفرنسيين، الذين ظلوا لفترة طويلة مستهلكين متحمسين للمسلسلات الأميركية، إنتاج مسلسلات على النمط الأميركي من أجل بيعها في السوق الأميركية وكذلك الأسواق الأخرى حول العالم. «هاوس أوف بورجا» أو «بورجا» إنتاج فرنسي على الرغم من أن مؤلف النص هو توم فونتانا، الذي تتضمن قائمة أعماله في التلفزيون الأميركي «أوز» و«هوميسايد: لايف أون ذا ستريت» (قتل: الحياة في الشارع) و«سانت إلسوير».

والجدير بالذكر أن برامج المسابقات الأوروبية وبرامج الواقع وما شابه قد عبرت المحيط الأطلسي منذ سنوات، بعد تعديلها لتناسب الجمهور الأميركي، حيث يقدمها مذيعون أميركيون ويشارك فيها متسابقون أميركيون. يتم عادة تعديل بعض البرامج التي تنتج بالأساس في أوروبا مثل «ذا أوفيس» لتعرض على شاشات التلفزيون الأميركي.

وينشط المنتجون البريطانيون بالتعاون مع شركاء أميركيين أو أوروبيين في السوق الأميركية. مع ذلك نادرا ما تجذب المسلسلات الدرامية، التي ينتجها أوروبيون في بلادهم التي تكون اللغة الإنجليزية بها لغة ثانية، انتباه المحطات التلفزيونية الأميركية. لذا يحاول منتجون أوروبيون، وفي طليعتهم الفرنسيون، تغيير هذا الوضع من خلال القيام بمشاريع درامية ذات ميزانية ضخمة ومن خلال استخدام اللغة الإنجليزية بها.

يقول تاكياس كانديليس، رئيس «لاغاردير إنترتينما» ومنتج مسلسل «بورجا» بالاشتراك مع شركة «إي أو إس إنترتينمينت» الألمانية: «لا يوجد سوى عدد محدود من العملاء في فرنسا، بينما يوجد الآلاف في الخارج». وقد تم بيع حقوق عرض «بورجا» بالفعل إلى أكثر من 40 قناة ومنبرا حول العالم، على حد قول كانديليس. على سبيل المثال، سيعرض المسلسل في فرنسا على قناة «كانال بلاس» التي يتم مشاهدة برامجها بالاشتراك. أما في الولايات المتحدة فقد حصلت خدمة «نت فليكس» على حقوق عرض المسلسل.

الشهر الماضي، أعلنت شركة «يوروبا كور»، ومقرها في باريس ويرأسها المخرج لوك بيسون، اتفاقها مع «تي إف 1» أكبر قناة في فرنسا، على إنتاج مسلسلات تلفزيونية باللغة الإنجليزية تستهدف السوق العالمية، لكنها ستعرض أيضا في فرنسا على شاشة «تي إف 1». ويقول إدوارد دي فيسين، المشارك في رئاسة «يوربا كور تلفيجين»: «الاتفاق بين هذه الأسماء البارزة مثل لوك بيسون و(تي إف 1) يدل على أنه عمل جاد ومهم».

كذلك أعلنت شركة فرنسية أخرى في سبتمبر (أيلول) هي «غومون» تحضيرها لإنشاء مؤسسة لإنتاج المسلسلات التلفزيونية في لوس أنجليس برئاسة قدامى المسؤولين التنفيذيين في هوليوود، من أجل إنتاج مسلسلات يتحدث المشاركون فيها باللغة الإنجليزية. وأنتجت شركة «غومون» مسلسل «هاي لاندر» في بداية التسعينات، لكنها كانت بعيدة عن إنتاج المسلسلات العالمية خلال السنوات الأخيرة الماضية.

على الجانب الآخر، تعكف «لاغاردير» بالتعاون مع شركاء آخرين على إنتاج مسلسل تلفزيوني مأخوذ عن سلسلة أفلام الحركة «ترانسبورتر»، من إخراج بيسون.

ومن المقرر عرض هذا المسلسل العام المقبل على «سينماكس» في الولايات المتحدة وعلى قنوات أوروبية مثل «إر تي إل» في ألمانيا و«إم 6» في فرنسا. وأنتجت شركة فرنسية أخرى مملوكة حاليا لـ«يوروبا كور» مسلسل «XIII» باللغة الإنجليزية. وقد عرض بالفعل في فرنسا ومن المقرر أن يعرض على شاشات التلفزيون الأميركي. وقد أشار دي فيسين إلى أنه سيتم الإعلان قريبا عن القنوات الأميركية التي سيعرض عليها المسلسل. وزادت التغيرات الكبيرة في عالم المسلسلات الدرامية حمى النشاط، فقد أصبح الإنتاج المشترك الذي يتعدى النطاق المحلي هو الاتجاه السائد في عالم صناعة الأفلام الأوروبية. ولن يكون هناك إمكانية لصناعة أفلام ذات إنتاج ضخم من دون تمويل متعدد الجنسيات. على الجانب الآخر، اتجه منتجو المسلسلات إلى عدم التطلع خارج أسواقهم المحلية والتمسك بلغاتهم. لكن ازداد شغف المشاهدين الأوروبيين، ليس في فرنسا وحسب، بل في دول أخرى بالمسلسلات الدرامية الأميركية ذات الميزانية الهائلة. ومع انتشار القنوات الرقمية، كثرت الوسائل التي يمكن عرض هذه المسلسلات من خلالها، مما زاد من حدة المنافسة أمام المسلسلات المحلية. وبدأت الإعلانات تقل بسبب تفتت جمهور التلفزيون والأزمة الاقتصادية العالمية. مما مثل ضغوطا على ميزانية المسلسلات.

ويقول تيم ويستكوت، كبير المحللين في شركة «سكرين دايجيست» للأبحاث في لندن: «يدفع ارتفاع تكاليف إنتاج المسلسلات على نحو أكبر من البرامج الأخرى إلى البحث عن طرق جديدة للتمويل». ولا يتعدى إنفاق المحطات الفرنسية على المسلسلات 600 ألف يورو أو ما يعادل 800 ألف دولار في الساعة، لأن هذا هو أقصى ما تتوقع تحقيقه من عائدات الإعلانات على حد قول محللين. على العكس من ذلك، غالبا ما تتعدى ميزانية المسلسلات الأميركية 3 ملايين دولار في الساعة. وتجاوزت الميزانية الإجمالية لمسلسل «بورجا» 30 مليون دولار وتعدت الميزانية الأولية لـ«ترانسبورتر» 40 مليون دولار للمسلسل، مما دفع الإنتاج الأوروبي نحو هذا الاتجاه.

أتاحت الميزانيات الضخمة للمنتجين الأوروبيين التعاقد مع نجوم كبار والحصول على إمكانيات إنتاجية كبيرة. ونظرا لتسويق المسلسلات خارج القارة الأوروبية، لا يُضطر المنتجون إلى تحميل القنوات المحلية تكاليف زائدة، نظير الحصول على حقوق عرض المسلسل. ويقول ماتيو بيجو، رئيس مؤسسة «تي في فرانس إنترناشونال» التي تتولى مهمة الدعاية للمسلسلات الفرنسية: «تحتاج القنوات الآن لعلامات تجارية قوية وأفكار جديدة، وهذا يتطلب المال. لتمويل البرامج عالية الجودة، فإنهم بحاجة إلى سوق عالمية. ويجب أن يكون المسلسل باللغة الإنجليزية حتى يمكن تسويقه في الولايات المتحدة».

ليس المنتجون الفرنسيون وحدهم الذين يتخذون هذا النهج، فقد أنتجت الشركة الألمانية «تنديم كوميونيكيشينز» مؤخرا مسلسلا صغيرا مأخوذا عن رواية «بيلارز أوف إيرث» (أعمدة الأرض) لكين فوليت بالتعاون مع شريك كندي. وعُرض المسلسل على قناة «ستارز» في الولايات المتحدة، فضلا عن بلاد أخرى.

يعني تصوير المسلسلات باللغة الإنجليزية عدم حصول المنتجين الفرنسيين على الدعم المخصص لنشر اللغة الفرنسية من خلال المنتجات الثقافية، على الرغم من حصول مسلسل «بورجا» على دعم قدره 500 ألف يورو من المفوضية الأوروبية لتشجيع مشاريع أوروبية. ولا يمانع الجمهور الفرنسي من مشاهدة مسلسلات اللغة الإنجليزية المدبلجة أو المترجمة، على حد قول كانديليس.

ويوضح كانديليس قائلا: «يعرف الجمهور في كل مكان مستوى إنتاج المسلسلات الأميركية ويريدون مسلسلات بجودتها. ويقول الجمهور إنهم يفضلون المسلسل المدبلج الجيد على المسلسل الفرنسي غير الجيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»