المظاهرات تسلط الضوء على التغطية الإعلامية

غالبية وسائل الإعلام لم تلق الضوء على حركة «احتلوا وول ستريت»

تجاهلت وسائل الإعلام حركة «احتلوا وول ستريت» في البداية ثم جرى تهميشها بعد ذلك
TT

أثناء فض قوات الشرطة المظاهرات التي وقعت الأسبوع الماضي في متنزه «زكوتي بارك» بجنوب مانهاتن، التي تعد موطن مظاهرات «احتلوا وول ستريت»، تأكدوا من بقاء أغلب المراسلين بعيدا، ربما لحماية أنفسهم.

لكن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام لم تلق الكثير من الضوء على تلك الحركة.

وقد تعرضت شبكات التلفزيون والصحف لانتقادات من جانب النقاد الإعلاميين على معاملة تلك الحركة كما لو أنها حملة سياسية أو مشهد جانبي، حيث نظر الكثير من الليبراليين إلى المتظاهرين باستخفاف شديد، وعلى النقيض من ذلك فقد عامل المحافظون المتظاهرين بجدية شديدة.

وقد قام المتظاهرون أنفسهم بانتقاد وسائل الإعلام، في البداية بسبب تجاهل الحركة بشكل واضح ثم قيامهم بتهميشها بعد ذلك.

ونظرا لافتقار حركة «احتلوا» إلى قائمة مطالب أو قادة منظمين، فقد أربكت الحركة وسائل الإعلام في البلاد في بعض الأحيان. وقد قامت التغطية الصحافية، التي كانت محدودة خلال الأيام الأولى من ظهور تلك الحركة في نيويورك، باختيار مقطع فيديو كان قد نشر على الإنترنت يوضح أحد رجال الشرطة وهو يستخدم رذاذ الفلفل على المتظاهرين. وفي الكثير من الأحيان انتشرت على شاشات التلفزيون مقاطع فيديو، توضح مواجهات مع الشرطة قام المتظاهرون بتصويرها.

وقال باتريك برونير، منظم في حركة «احتلوا وول ستريت» في نيويورك إنه لم يرَ شيئا في التغطية المبدئية «يتحدث عن أسباب وجودنا هناك، واستمر هذا الاتجاه طويلا». وذكر أيضا أن الجماعة رحبت بعمل تحقيقات عن «أفكارنا، وسبب وجودنا هنا، والأشياء التي نذكرها ونتحدث عنها».

وقالت أليسيا شيبارد، التي كانت تشغل وظيفة أمين المظالم في الراديو الوطني حتى وقت قريب: إن أغلب التغطية الإعلامية عن حركة «احتلوا» «لم تكن حول القضايا التي تثيرها، لقد كانت عن الفائز والخاسر» وقد شبهت أسلوب تلك التغطية بأسلوب «سباق الخيل» الذي يسود خلال تغطية الحملات السياسية.

ويوضح تحليل قدمه مشروع التميز في الصحافة التابع بمركز بيو للأبحاث أن تلك الحركة شغلت 10 في المائة من التغطية الإخبارية الوطنية في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، ثم شغلت 5 في المائة من تلك التغطية في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني).

وقد انخفضت التغطية الوطنية بشكل واضح، إلى واحد في المائة فقط، في السادس من نوفمبر، وهذا ما أكدته شيبارد عندما ذكرت أنها «انخفضت بشكل كبير» قبل قيام الشرطة بطرد الحركة من المتنزه يوم الثلاثاء صباحا. وقد تزايدت التغطية بشكل كبير منذ ذلك الحين.

وعلى مدار المظاهرات، أصبحت حركة «احتلوا وول ستريت» كما لو كانت محك اختبار آيديولوجي، مع وجود اتهامات بانحياز وسائل الإعلام. وبعد أيام من بدء المظاهرات في نيويورك، ظهر مايكل مور، المؤلف الليبرالي على شاشة قناة «إم إس إن بي سي»، ليؤكد أن وسائل الإعلام تميل إلى التقليل من حجم المظاهرات اليسارية.

وعلى النقيض من ذلك، ظهر إل برينت بوزيل الثالث، رئيس مركز الأبحاث الإعلامي المحافظ، في برنامج سيان هنيتي على شاشة «فوكس»، ليخبر وسائل الإعلام الأخرى أن «تضع المجاملات جانبا للحظة».

والآن، عندما تذكر بيانات مغلوطة للحقائق تتم إثارة أسئلة عن التحيز، فعندما ذكرت قناة «فوكس نيوز» في نيويورك، يوم الخميس خطأ، أن المتظاهرين يخططون إلى «غلق» الأنفاق كما ذكر برنامج «سي بي إس إيفنينغ نيوز» خروج المئات للتظاهر ظهرا، بينما كان العدد في الحقيقة عدة آلاف.

وعلى الرغم من قيام بعض المتظاهرين بالشكوى من وسائل الإعلام، فقد مدح آخرون التغطية، ولا يزال آخرون يتولون الأمر بأنفسهم؛ فلمدة تزيد على شهر، حضر تيم بول، 25 عاما من إيلينوي، أحداث حركة «احتلوا وول ستريت» في نيويورك وقام بتصويرها وإذاعتها على الهواء مباشرة من خلال شبكة الإنترنت بواسطة هاتفه الجوال. وقال: «لقد أردت فقط أن أشاهد تصويرا دقيقا لما كان يحدث دون تحيز داخلي أو خارجي».

ويتعاطف بول بشكل واضح مع المتظاهرين لكنه يعتبر نفسه مستقلا عن المجموعة. وفي ذروة تلك المظاهرات يوم الخميس، شاهد 30.000 شخص مقطع الفيديو المهتز الذي قام بتصويره، وذلك كما ظهر على موقعه الذي يعرض فيه هذا الفيديو والذي يسمى «إس تريم». وذكر بول أن الشرطة عاملته كما لو كان متظاهرا، لا كمصور، وهو ما أثار أسئلة حول من هو الشخص المؤهل للعمل كمراسل في عصر الإنترنت وما هي الحقوق التي يجب أن يحصل عليها، إذا ما كان هناك أي حقوق.

تعد هذه الأسئلة بالغة الأهمية فقد جرى اعتقال 26 مراسلا ومصورا في مظاهرات متصلة بالحركة، وذلك بحسب تقديرات جوش ستيرنز من منظمة «صحافة حرة» التي تدافع عن حقوق وسائل الإعلام. وكان جزء كبير من هؤلاء الأشخاص الذين تم اعتقالهم يعملون كصحافيين مستقلين وطلبة وكُتاب لعدد من الصحف غير الشهيرة.

وقال ستيرنز: «بينما تتغير الصحافة، يظهر خلاف ونزاع جديد بشأن ما نعنيه بالتعديل الأول من الدستور».

وقد تم منع الكثير من الصحافيين من الوصول إلى متنزه «زكوتي بارك»، أثناء قيام الشرطة بطرد المتظاهرين صباح يوم الثلاثاء، مما أدى إلى اتهام الشرطة بقمع التغطية الإعلامية.

وذكر مايكل بلومبرغ، عمدة المدينة، أن تلك القيود كانت في موضعها وذلك «لمنع الموقف من أن يزداد سوءا وحماية رجال الصحافة».

وقد قامت الجماعات الصحافية بتقديم شكاوى بشأن تلك القيود وعمليات الاعتقال، وهو ما أدى إلى تجدد مراجعة كيفية معالجة قسم الشرطة لأوراق الاعتماد الصحافية، فقد كان بين المراسلين العشرة الذين ألقي القبض عليهم في نيويورك يوم الثلاثاء، خمسة من الصحافيين المعتمدين. وذكر ستيرنز، مناقشا عمليات الاعتقال: «في ذروة تلك الأحداث، يكون من الصعب جدا أن نعلم من هو الصحافي ومن هو المتظاهر العادي»، بيد أن هذا ليس مبررا.

وقد ذكر بعض المراسلين أن المتظاهرين قاموا بتهديدهم خلال الشهرين الماضيين، لكن أغلب المتظاهرين لم يقوموا سوى بالإشارات والصياح، ولا سيما عندما كانت كاميرات «فوكس نيوز» بالجوار.

وقد قام مضيفو وضيوف قناة «فوكس» بوصف المتظاهرين بأنهم «مجموعة من المجانين والفاشيين» (كارل روف)، «مجموعة من الشياطين والحمقى» (آن كواتر) و«مجموعة من الجبناء» (غريغ غوتفيلد)، مما يدل على النبرة المتعنتة لمعظم التغطية التلفزيونية.

في الوقت نفسه، يسود التفاؤل قناة «إم إس إن بي سي» في تعليقات مثل «إن هذا ما يتحدث عنه الرجال العاملون» (إد شولتز) و«إنهم يحظون بدعم عشرات الملايين من الأميركيين» (مايكل مور).

وقد تعرض عدد من الصحافيين لحملات تشهير نظرا لآرائهم الموجهة، بما في ذلك إرين بورنيت، مضيفة قناة الـ«سي إن إن»، التي سخرت من احتلال نيويورك. وقد توقف النقاد عند حقيقة أنها كانت مخطوبة لتنفيذي في بنك.

كذلك فقد تم طرد ليزا سيميون، مضيفة عامة في الإذاعة، من قبل رؤسائها في العمل بعد أن نشر أنها قائدة في معسكر «احتلوا» في واشنطن، كما تم فصل كايتلين كوران، صحافية مستقلة، بعد أن تم تصويرها وهي تمسك بلافتة أخذتها من صديقها في إحدى المظاهرات. وفي مقال لغاوكير، تساءلت كوران ما هي قواعد الأخلاق التي انتهكتها عندما قالت إن حركة «احتلوا وول ستريت» تفتقر إلى «هدف وتركيز».

وقد اشتكى المتظاهرون جميعا من عدم اهتمام وسائل الإعلام بدرجة كافية. وقال تود غيتلين، أستاذ الصحافة وعلم الاجتماع بجامعة كولومبيا الذي ساعد في تنظيم أول مظاهرات قومية مناهضة للحروب في السبعينات من القرن الماضي: كثيرا ما انتقدت حركات المظاهرات وسائل الإعلام بسبب ميولها الموجهة، منذ حرب فيتنام.

لكن هناك ندرة في «الاهتمام» بهذا الشأن هذه الأيام، «لأنهم يصنعون إعلامهم الخاص»، كما أضاف.

وهناك على سبيل المثال صحيفة «وول ستريت المحتلة» كذلك مدونة «نحن الـ99 في المائة».

وقالت بريسكيلا غريم، التي ساعدت في ظهور كل من الصحيفة والمدونة، إنها «كانت تأمل أن ترى نهضة حقيقية في الإعلام المستقل، حتى يقوم بتغطية قضايا حركة (احتلوا) وجميع القضايا التي تهم الناس».

وقد ردد برونر، منظم حركة «احتلوا وول ستريت»، ذات الكلام. وكان قد قام، في وقت سابق، بإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى مراسلي ومحرري قناة الـ«سي إن إن» وصحيفة «نيويورك تايمز» وغيرها من وسائل الإعلام حول مستجدات الأحداث بشأن المظاهرات اليومية. غير أنه قال: «إننا نواجه نظاما، ووسائل الإعلام هذه جزء من هذا النظام».

وأضاف: «عندما لا تقوم وسائل الإعلام بإلقاء الضوء المناسب علينا، لا يكون هدفنا هو إحراجها، ولكن إيجاد بديل».

* خدمة «نيويورك تايمز»