الإعلام الغربي يتسارع لمقابلة الأسد.. والنظام السوري يختار شخصيات صحافية محددة

بدأها مع أندرو غيليغان ثم هالة جابر وأخيرا باربرا والترز

أندرو غيليغان و هالة جابر و باربرا والترز
TT

انضمت الصحافية الأميركية الشهيرة باربرا والترز، أمس، إلى الصحافيين الأجانب الذين يتسارعون لمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد، لتكون أول صحافية أميركية تقابل الرئيس السوري منذ اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) الماضي.

لقاء والترز مع الأسد، الذي بثته قناة «إي بي سي» الأميركية، يأتي في وقت يحاول النظام السوري أن يؤثر على الرأي العام الخارجي، وخاصة الغربي، في وقت تزداد فيه الضغوط عليه. وبالإضافة إلى أهمية تصريحات الرئيس السوري، فإن الصحافيين أنفسهم الذين يختارهم مكتب الرئيس السوري لإجراء المقابلات الصحافية يثيرون الانتباه. فوالترز تعتبر من أهم وأشهر الصحافيين الأميركيين ولها تاريخ طويل في مقابلة الزعماء العرب، وعلى رأسهم مقابلتها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في أول مقابلة تلفزيونية قام بها العاهل السعودي بعد توليه الحكم في السعودية.

وكانت المقابلة التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005 وبثتها قناة «إي بي سي» من أبرز المقابلات التي قامت بها والترز، والتي ما زالت من أبرز الصحافيات في الولايات المتحدة على الرغم من تجاوزها سن الـ82 عاما.

ولكن اسم والترز راج عام 1977 عندما استطاعت أن تقابل الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، قبل توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل (كامب ديفيد) عام 1978. وكانت تلك المقابلة الأولى المشتركة بين زعيم مصري وإسرائيلي، وبعدها ساعدتها شهرتها على الحصول على فرص مهمة في الصحافة من بينها مقابلة 6 رؤساء أميركيين وشخصيات بارزة مثل رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر.

وتعتبر مقابلة والترز الأخيرة مع الأسد محطة جديدة لها، وقالت في مقابلة معها على قناة «إي بي سي» أمس: «كان بإمكاننا السير في كل مكان، كان بإمكاننا زيارة أي مكان، كان الأشخاص يجلسون يتناولون القهوة.. في دمشق الأمور تسير على ما هي، ولكن عن بعد ساعة الناس يقتلون».

وأصرت «هذا الرجل ليس مثل (العقيد الليبي السابق معمر) القذافي.. هذا الرجل (الأسد) مثقف لدرجة عالية وهادئ جدا.. من المثير قوله إنه لم يقم بأعمال (القتل) بل الحكومة قامت بها».

ويعتمد النظام السوري على الصورة التي تنقلها والترز وغيرها من الصحافيين عن الأسد نفسه، بقدر ما يعتمد على تصريحات الأسد الإعلامية في تلك المقابلات.

ويأتي لقاء والترز بعد أن أجرى الأسد لقاءين مع صحيفتين بريطانيتين الـ«تلغراف» و«صنداي تايمز» وكلتاهما معروفة بميولها اليمينية، خلال الشهرين الماضيين.

أول لقاء كان مع الصحافي المثير للجدل أندرو غيليغان والثاني مع الصحافية البريطانية من أصول لبنانية هالة جابر. والتقى الأسد الثلاثة بشكل منفرد وحرص على الحديث معهم بشكل هادئ في محاولة لنقل صورة إيجابية عن شخصيته.

وغليغان اشتهر عام 2003، وبخاصة لدوره في كشف هوية العالم البريطاني ديفيد كيلي الذي انتحر لاحقا، وكان المصدر الرئيسي في تقرير صحافي شكك في الأسباب وراء خوض بريطانيا والولايات المتحدة الحرب ضد العراق عام 2003، والذي اعتبر أن «الملف» حول قدرة العراق على مهاجمة الغرب خلال 45 دقيقة باستخدام أسلحة دمار شامل كان مبالغا فيه.

وبعد تحقيق علني مطول، وجدت لجنة مستقلة أن غليغان لم يستطع إثبات مقابلته لكيلي، بل إنه اعتمد على مقابلة أجراها العالم مع صحافيين آخرين واعتمدها غليغان، ليكشف عن هويته لاحقا. وأدت تلك القضية إلى استقالة غليغان من هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي بي سي» وسط فضيحة أدت إلى استقالة رئيس الـ«بي بي سي» حينها غين ديفيز والمدير العام غريغ دايك.

وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة لغليغان حينها، استطاع أن يعود إلى الإعلام من خلال مجلة «سبيكتيتور» أولا ثم صحافية الـ«تلغراف»، وكلاهما من اللون السياسي اليميني في بريطانيا. وفي مقابلته مع الأسد في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كتب غليغان: «عندما تذهب لمقابلة زعيم عربي، تتوقع قصور شاسعة وكتائب من الحراس ودوائر من التفتيش الأمني المطول والبروتوكول القاتل.. ولكن رئيس سوريا بشار الأسد يختلف كثيرا».

وأضاف أن الأسد استقبله في منزل من طابق واحد «لم تكن هناك عناصر أمن ظاهرة أو حتى سياج.. الرئيس كان في استقبالنا». وخلص غليغان مقاله بالقول: «يبدو، من دمشق على الأقل، المساحة المحدودة حتى الآن للإصلاح الحقيقي وللتغير، ولكن يجب تحقيقه سريعا».

أما جابر، فكانت الصحافية الوحيدة التي قابلت ابنتي الرئيس العراقي السابق صدام حسين، رغد ورنا، بعد إعدامه وقد قامت بإجراء مقابلات مع شخصيات أخرى مثيرة للجدل مثل شاكر العبسي، زعيم مجموعة «فتح الإسلام» المتطرفة في مخيم نهر البارد في لبنان، بالإضافة إلى تغطيتها الموسعة للثورات والاضطرابات في العالم العربي هذا العام، وخاصة من ليبيا، حيث قامت بتغطية واسعة من مدن عدة خلال الثورة الليبية. وكانت جابر قد قابلت سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، في يونيو(حزيران) عام 2010، حين وصفته بـ«مناصر الإصلاح».

وفي مقابلتها مع الأسد التي نشرت يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، قالت جابر إنه «كان من الممكن تصوره رجل أعمال شابا، بل من الصعب التصور أن الشخص المبتسم في البدلة الداكنة الذي استقبل موظفيه بدفء بينما يحمل حقائبه بنفسه وهو يدخل قصر تشرين يعمل أي شيء آخر، ولكنه هو بشار الأسد، الرئيس السوري». وأضافت أن الأسد كان يعلم بمرض زوجها «وسأل بشكل مهموم عن صحته، وقال لي إن أقوي إيماني».

وعلى الرغم من تصورات الصحافيين الثلاثة عن الرئيس السوري خلال الأسابيع الماضية، حرص الثلاثة على التأكيد على مواصلة القمع والقتل في سوريا، حتى وإن لم يقتنع الأسد بتلك التقارير.