نظرية «المنافسة المهنية» تسيطر على تحقيقات مقتل صحافي هندي

دي وجيغنا تسابقا على تغطية أخبار الجرائم في مومباي

TT

قد يبدو هذا الأمر غير معقول ولا يصدق، لكن الشرطة الهندية زعمت تورط صحافية من مدينة مومباي في مؤامرة مزعومة لاغتيال شخصية صحافية رفيعة المستوى بدافع من الانتقام.

جيغنا فورا، الصحافية المتهمة البالغة من العمر 38 عاما، نائب رئيس مكتب صحيفة «آشيان إيدج» اليومية الصادرة باللغة الإنجليزية. وتواجه اتهاما بالتورط في جريمة قتل جيوتيرموي دي، الصحافي الاستقصائي البارز، في يونيو (حزيران) الذي عمل لدى صحيفة «ميد داي».

وقال أحد كبار ضباط الشرطة، هيمانشو روي: «تم إلقاء القبض على جيغنا فورا لتورطها في قتل دي». وقبل مقتل دي، الذي يكتب باسم «جيه دي»، قدم عددا من المواضيع الصحافية عن عصابات النفط في المدينة، التي تبيع الوقود المغشوش. كان دي، الذي كان يبلغ من العمر 56 عاما، عائدا إلى منزله على دراجته النارية عندما أصيب بطلق ناري من رجال يستقلون دراجات بخارية فارق على أثره الحياة وفر الجناة.

كان دي واحدا من أبرز الصحافيين الذين يعدون تقارير صحافية عن أخبار الجرائم في مومباي، وقد عمل في عدد من الصحف البارزة مثل «إنديان إكسبرس» و«هندوستان تايمز»، قبل أن ينضم إلى «ميد داي» كصحافي استقصائي.

وعلى مدار مسيرة حياته المهنية البارزة، عمل كموجه لعدد من الصحافيين الناشئين. كانت جيغنا فورا واحدة من هؤلاء الصحافيين المبتدئين الذين قد تعلموا من دي في «ميد داي». وجيغنا شخصية مشهورة في المحاكم وحلقات أخبار الجريمة في مومباي.

إنه تميز لا يريده أحد، لكن سيتعين على جيغنا فورا التعايش معه. لقد أصبحت أول صحافية يتم إلقاء القبض عليها واتهامها بموجب قانون «ماهاراشترا» الصارم للسيطرة على الجرائم المنظمة. يعمل 10 أفراد، معظمهم يدينون بالولاء للدون تشوتا راجان، من خارج الهند.

وبحسب الدعوى المقامة ضدها، فقد قامت جيغنا بتسريب تفاصيل عن عنوان دي ورقم تسجيل دراجته النارية - التي كان يقودها في الوقت الذي أطلق النار عليه فيه - إلى جانب معلومات أخرى، إلى المجرم الهارب تشوتا راجان عبر الهاتف والبريد الإلكتروني.

وتضيف مصادر خاصة بالشرطة أنها قد اختلفت مع دي بشأن حق الوصول الحصري إلى مصادر خاصة بعالم الإجرام ومعاون راجان، فريد تاناشا، الذي أصيب بطلق ناري لقي حتفه إثره العام الماضي. وامتلك دي عددا من المصادر الجديدة من داخل عصابة راجان، من بينها إمكانية الوصول إلى الدون نفسه.

وذكر ضابط شرطة أن دي كان يعكف على تأليف كتاب عن الدون الهارب، تشوتا راجان. وكان على اتصال بعضو آخر في العصابة ومعاون لراجان، هو فريد تاناشا. وقال الضابط: «لقد توجه تاناشا إلى باكستان لقتل داود إبراهيم، المطلوب من (الإنتربول) والمدرج اسمه أيضا في قائمة إرهابيين أميركيين، والمشتبه في وجودهم في باكستان مع فيكي مالهوترا وروهيت فيرما».

وأضاف: «كان من المفترض أن يتناول الكتاب تلك العملية». وقال إن دي حاول جمع تفاصيل حصرية من تاناشا. واستكمل قائلا: «خلال التحقيقات، توصلنا إلى أن فورا لم تكن سعيدة باقتراب دي الشديد من تاناشا».

ويعتقد قسم من مصادر الشرطة أنها حلقة الوصل للمساعدة في تحديد الدافع من وراء الجريمة. تم إمداد وسائل الإعلام بتفاصيل وثيقة الصلة ومثيرة عن استقصائها: أن لديها 4 هواتف جوالة، وأنها قد تحدثت مع راجان عشرات المرات قبل وبعد مقتل دي مباشرة، وأنها قد دعيت من قبل المتهم المحتجز بولسون جوزيف إلى شقته حيث تحدثت إلى راجان؛ والرسالة القصيرة التهديدية التي أرسلتها إلى دي.. وغير ذلك من التفاصيل.

كان قسم الجريمة يراقب هاتف جيغنا الجوال، ومن خلال فحص المكالمات، أدركوا أن جيغنا كانت على اتصال دائم بالعصابة عبر الهاتف. وعلى الرغم من ذلك، فإنه أثناء التحقيق معها، أنكرت وجود أي صلات تربطها بأفراد العصابة أو امتلاكها أي معلومات عنهم.

وكشفت التحقيقات أيضا عن أنه بعد مقتل دي في يونيو 2011، أعدت جيغنا سلسلة مقالات أشارت فيها بأصابع الاتهام في جريمة القتل إلى داود إبراهيم، منافس راجان. ويعتقد ضباط الشرطة أنها كانت خطة مدبرة ومحسوبة جيدا للخروج بالتحقيقات عن مسارها.

وتكشف مصادر مطلعة عن أن الضحية دي قد ساعد في تعريف جيغنا بالعديد من المصادر في عالم الجريمة. وكانت لديها القدرة على التعلم بسرعة، وسرعان ما كونت علاقات قوية في عالم الجريمة. وقد أعدت أخبارا قوية بينما كانت تعمل في صحيفة الإثارة وسرعان ما ترقّت في المناصب. وبعد مشادة كلامية مع دي، تركت الجريدة وانضمت إلى فريق عمل صحيفة «آشيان إيدج» في مومباي. وكانت تشغل منصب نائب مدير مكتب الصحيفة في مومباي حينما ألقي القبض عليها.

ويصفها أصدقاؤها وزملاؤها بأنها «مبتدئة طموحة» متحمسة لانتزاع الصلة الوطيدة التي ربطت الصحافي البارز بدون عالم الجريمة، تشوتا راجان.

ومنذ أن أصبحت على اتصال بالدون، بواسطة معاونه فريد تاناشا في عام 2009، مثلما يزعم، كانت الأم والصحافية الشجاعة البالغة من العمر 38 عاما، التي وصفتها وسائل الإعلام المحلية بأنها قدوة للصحافيات لشقها طريقها في الحياة على الرغم من خلافاتها الشخصية، تحاول بلا كلل أو هوادة التودد إلى الدون.

كانت فورا، بحسب قول أصدقائها، تعمل كمتدربة لدى محامين لعدة سنوات قبل اقتحامها مجال الصحافة كمراسلة مبتدئة بصحيفة «فري برس جورنال» في أعقاب زواجها الفاشل. وأدى حماسها لأداء وظيفتها إلى ارتقائها لموقعها الحالي في غضون مدة تقل عن 10 سنوات.

وقد أشير إلى طموح فورا لأن تصبح صحافية كبيرة حتى من قبل «ديباك لوكهاند»، رئيسها السابق في صحيفة «ميد داي».

«كان لديها شعور بأنها دخلت مجال الصحافة في وقت متأخر وأرادت أن تحقق النجاح في أسرع وقت ممكن»، هكذا يتحدث لوكهاند، الذي يعمل حاليا محررا مشاركا في صحيفة «ديلي نيوز آند أناليسيز» في مومباي.

«أرادت دوما فعل شيء مختلف عن الصحافيين الآخرين. كانت تتحدث عن أفكار إخبارية طوال الوقت ومستمتعة بالشهرة والاهتمام اللذين حظيت بهما بسبب السطر الذي يشير إلى اسمها في كل مقال تكتبه»، هكذا تحدثت صديقة لها مشترطة عدم الإفصاح عن هويتها. كما راق لها أيضا ذكر أسماء أشخاص تزعم أنها تعرفهم.

وتقول شرطة مومباي إن فورا، التي تم احتجازها بتهمة القتل والتآمر، شاركت كمحرضة في الجريمة. وتشير الشرطة الهندية إلى أن لديها أدلة مؤكدة ضد فورا.

وقد أثارت محاولاتها المحمومة حذف أي آثار لهويتها الرقمية من موقع التواصل الاجتماعي الشهير «فيس بوك» وغيره من المواقع الأخرى في أعقاب جريمة القتل شكوك رجال الشرطة.

وأرجعوا نظرية «المنافسة المهنية» إلى مشادة كلامية وقعت بين فورا ودي أثناء جنازة تاناشا، مساعد تشوتا راجان، العام الماضي، مما أدى بها إلى إرسال رسالة قصيرة تهديدية إلى دي. وكان نص الرسالة هو: «سوف ترى».

ومن المثير للعجب أنه تم إجراء مقابلة مع فورا في مكتبها بصحيفة «ميد داي» في يوليو (تموز) من هذا العام، بعد قرابة شهر من وقوع جريمة القتل، بوصفها خليفة محتملة لدي.

«استمرت المقابلة لمدة 45 دقيقة. كانت ودودة وبدت شديدة الحماس لأداء وظيفتها»، هكذا يسترجع كالباغ الذي أجرى المقابلة.

بدت أيضا تربطها كثير من العلاقات بضباط شرطة. وكشفت سيرتها الذاتية عن أنها كان لها السبق في نشر عدد من الأخبار أثناء فترة عملها بصحيفة «آشيان إيدج». لكننا لم نمنحها الوظيفة لأنني شعرت أن فورا لن تكون متوافقة مع المواصفات التي كنا نبحث عنها.

ومع انتظار شرطة مومباي مزيد من التفاصيل من تحليلات الطب الشرعي للكومبيوتر المحمول والهواتف الجوالة الخاصة بفورا، فإن الاعتقال قد أشعل مناقشات جدلية حول الأسلوب الغامض الذي ينتهجه الصحافيون المتخصصون في أخبار الجريمة أثناء إعدادهم أخبارا عن عالم الجريمة.

يقول كالباغ: «الاقتراب من عالم الجريمة أمر واقع بالنسبة للصحافيين المتخصصين في تغطية أخبار الجريمة في مومباي». ويضيف: «يجب أن تعرف أشخاصا من داخل عالم الجريمة كي يتسنى لك نقل أخبار، وفي الوقت نفسه، عليك أن تتوخى الحذر بحيث لا تتجاوز الحدود». ذلك هو الاختيار الصعب.

وتفيد مصادر الشرطة أن تشوتا راجان هو نفسه الذي أفشى معلومات للشرطة حول دور الصحافية جيغنا فورا المزعوم في جريمة قتل زميلها «جيه دي». كشف راجان تلك المعلومات بعد أن أدرك أنها قد استغلته في قتل منافسها، وفي هذه الصفقة، فقد راجان 10 من معاونيه الذين ألقي القبض عليهم.

كان ذلك عندما استدعى الشرطة لمحاكمة جينغا، وقالت المصادر إن راجان كان هو الشخص الذي أشار إلى أن جيغنا كانت تزوده بمعلومات خاطئة بشأن دي.

كان راجان يرغب في أن تدفع جيغنا لقاء تضليلها إياه وهو ما دفعه إلى تمرير اسمها إلى الصحافيين أو أي شخص مرتبط بالتحقيق في قضية القتل. وقد تم تسجيل بعض هذه المحادثات مصادفة من قبل الشرطة وستكون جزءا من الأدلة ضد الصحافية.

في الوقت ذاته انقسمت وسائل الإعلام حول تورط الصحافية في عملية قتل زميلها السابق، وقد أصيبت نقابة الصحافيين بالصدمة والشكوك إزاء اعتقال جيغنا فورا وتورطها المزعوم في مقتل جيه دي.

وقد أصدرت الصحيفة التابعة لها جيغنا، «آشيان إيدج»، بيانا أيدت فيه الصحافية الموقوفة بموجب قانون مكوكا، وكتب حسين الزايدي، رئيس تحرير «آشيان إيدج»: «نحن نساند جيغنا فورا، فهي بريئة، وسوف تتضح الحقيقة عما قريب». أما رئيس نادي صحافة مومباي، جيربور سنغ، الذي عمل مع دي فقال: «نحن لا نعلم ماهية الأدلة التي تملكها الشرطة، وسنحتفظ بتعليقاتنا حتى نتحقق من ذلك. ونحن نحاول أن نكتشف الأسس التي يعملون وفقها. الشرطة أقامت هذه الحملة ضد جيغنا، دون تسميتها، عبر نشر عدد قليل من القصص في الصحف قائلة بتورط صحافيين».

وعلى الرغم من مساندة الصحيفة التي تعمل بها لها، كان هناك آخرون ممن رفضوا مساندتها. فيقول زميل سابق لدي وجيغنا: «إذا كانت قد أعطت تفاصيل أو سربت أخبارا فهي تستحق أقصى درجات العقاب على ذلك».

بيد أن آخرين في نقابة الصحافيين دعموا الصحافية المعتقلة وشككوا في تصرف الشرطة، فيقول الصحافي البارز بالاكريشنان: «لقد أثارت عملية الاعتقال تساؤلات أكثر من الإجابات، فدون راجان لديه شبكة هائلة من المخبرين والموظفين في مومباي، وإذا ما أراد معلومان عن جيه دي فسوف يحصل عليها من مصادره الخاصة لا اعتمادا على جيغنا. ولماذا يعتمد على صحافية ويخاطر بكشف مؤامرته».

وقال مراسل حوادث آخر، يعمل على قضية دي، طلب عدم ذكر اسمه: «كانت صدمة أن أسمع أن الشخص الذي يجلس إلى جواري في المكتب لعب دورا في قتل معلمه».

جيغنا هي أم عزباء وظهرت على شاشة التلفزيون للمرة الأولى في عام 2007 وتعيش حياة شخصية مضطربة، وتربي طفلا بمفردها. وقد حققت محاولتها الشجاعة لمحاربة التمييز شهرة كبيرة في البرامج التلفزيونية.