بول برادشو: الصحافيون ينظرون لتقنيات التواصل الاجتماعي على أنها «وكالة أنباء»

الأكاديمي بكلية الصحافة لـ «الشرق الاوسط» : المدونون عاطفيون ويصلون للمعلومة بشكل فوري ولهذا ضمتهم الصحف لطواقمها التحريرية

بول برادشو
TT

يقول الصحافي والمؤلف المتخصص في تقنيات التواصل الاجتماعي بول برادشو إنه «على الرغم من توجه الصحف الكبرى لاستخدام التكنولوجيا الاجتماعية وبشكل جيد، فإن العدد ضئيل إذا ما قورن بحجم الصناعة الواسعة للصحف نفسها»، مرجعا أحد التحديات إلى ضعف «المحتوى» و«أميّة» بعض الصحافيين الذين ينظرون لتقنيات التواصل الاجتماعي على أنها «وكالة أنباء» وليست بيئة لحوار عام مع عشرات المصادر من الخبراء وشهود العيان.

مما يجدر ذكره أن برادشو يتمتع بخبرة واسعة في الصحافة التقنية على الرغم من عدم تجاوزه العقد الرابع من العمر. فهو إلى جانب كونه صحافيا ومؤلفا لكتيبات منها «صحافة الويب» و«صحافة المواطن» وصاحب المدونة الشهيرة «الصحافة الإلكترونية»، فقد صُنف تاسعا هذا العام كأكثر الصحافيين نفوذا عبر موقع «تويتر» في المملكة المتحدة.

كما رُشح في عام 2010 كأفضل ناشر في مجال الوسائط المتعددة من قبل مؤسسة «بيرلاكس» peerlax وهي مؤسسة مدرجة تقدم تحليلات حول وسائل الإعلام الاجتماعية لتقييم درجة تأثيرها.

وبجانب ذلك فهو محاضر أكاديمي في كلية الصحافة في جامعه «برمنغهام» ومؤسس مشارك لموقع help me investigate، الذي تموله القناة البريطانية الرابعة لدعم الصحافة الاستقصائية. هذه الخبرة الواسعة علق برادشو عليها خلال حديثه في لندن لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لا أعلم إذا ما كنت أستطيع إعطاء نفسي صفه (خبير) فهذا حكم أتركه للآخرين، ولكن إذا كان القصد هنا (المعرفة) التي اكتسبتها، فهي مزيج من البحث والتجربة الذاتية والملاحظة». برادشو تحدث حول مدى تكيّف وسائل الإعلام مع تقنيات الاتصال الاجتماعي وأبرز التحديات التي تعيقها. وتطرق لأسباب تسارع الصحف الكبرى لضم «مدونين» إلى طواقمها التحريرية والدور الذي يلعبه «مدير تحرير وسائل الاتصال الاجتماعي» في المؤسسة الإعلامية. وفيما يلي نص الحوار..

* ما هو تقييمك لاستخدام مؤسسات الإعلام لتقنيات الاتصال الاجتماعي اليوم؟

- أعتقد أن تزايد نسبة استخدام الأفراد لوسائل الإعلام الاجتماعي أجبر شركات الإعلام بالفعل على دفع عجلة استراتيجيتها الرقمية. معظم مؤسسات الأخبار أصبحت تشجع موظفيها على استخدام هذه التكنولوجيات الناشئة فيما يتعلق بعملهم، وتنظر إليها بجدية. وأقرب مثال على ذلك هو اتجاه وكالات الأنباء الكبرى لسن مبادئ توجيهية توضح للعاملين بها كيفية فعل ذلك، بجانب ما يسمح وما لا يسمح بالقيام به. ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» التي نشرت في شهر يوليو (تموز) الماضي معايير صارمة حول استخدام تكنولوجيات التواصل الاجتماعي على أيدي موظفيها العاملين في الأخبار، لا سيما المتعلقة بالنشاطات الشخصية بالموظفين، والخاصة بالحصول على الأخبار ونشاطات المراسلين والمذيعين كجزء من عملهم. أضف إلى ذلك استعانة شركات الإعلام بمتخصصين في مجال التواصل الاجتماعي كـ «رئيس تحرير وسائل الإعلام الاجتماعية» و«مدونون» وهي خبرات لم تكن مؤسسات الإعلام تهتم بها. كذلك أعتقد أن المؤسسات قطعت شوطا متقدما في اعتمادها على التقنيات الاجتماعية بشكل مكثف من ناحية جمع الأخبار وتنفيذها وتوزيعها، وعلى وجه الخصوص، الصحف الكبرى ذات التوزيع والعائدات المادية الضخمة، فحجم المعلنين دفعها إلى تبني تكنولوجيات الإعلام الاجتماعي أكثر من غيرها بسبب توافر الميزانيات والموارد البشرية. هذا الأمر لم يعد مقتصرا على المؤسسات فحسب وإنما أيضا على الصحافيين الذين غيرت وسائل الإعلام الاجتماعي طبيعة عملهم. فمثلا، أصبح الصحافيون اليوم يجوبون موقع «تويتر» بشكل مستمر للبحث عن مواضيع ذات العلاقة بدلا من بناء علاقات مع مصادر تقليدية تعتمد على أشخاص خارج «الويب».

* إذن، لماذا تسود نظرة تفيد بأن الصحافة المطبوعة «بطيئة» في التكيف مع هذه التقنيات؟

- ربما لأن عدد الصحف التي تستخدم التكنولوجيا الاجتماعية بالشكل المطلوب قليل إذا ما قورن بحجم صناعة الصحف الواسعة. ولكني لا أتفق مع هذا الرأي تماما، فمؤشر الأعمال الاجتماعية «Social Media Index» والذي يحلل نشاطات المؤسسات في الانخراط بالسوق من خلال القنوات الاجتماعية يؤكد أن المؤسسات الصحافية الكبرى كصحيفة «نيويورك تايمز» و«يو إس إيه توداي» تعتبران أكثر المؤسسات استخداما لتقنيات التواصل الاجتماعي، ومتفوقتان على شركات التسويق والإعلان والاتصالات. شخصيا أرى أن صحيفة «الغارديان» البريطانية نموذج مثالي هنا في بريطانيا من ناحية دمج التقنيات الاجتماعية في صلب عملها واستخدامها لبناء علاقة حيوية مع قرائها الذين أصبحوا جزءا من منظومتها الصحافية.

* في رأيك ما هي التحديات التي تعيق تبني شركات الإعلام لتكنولوجيات الإعلام الاجتماعية.. وعلى وجه التحديد الصحف؟

- أولا، قلة الوقت، لا سيما الوقت المتاح لخلق محتوى إخباري مميز لتسويقه للجمهور، فهذا يحتاج إلى استثمار وقت طويل. بعض الشركات ليس لديها ذلك. وثانيا قلة الموارد البشرية، خاصة حينما تلجأ شركات الإعلام لخفض عدد موظفيها، وترى أن الجانب التقني ليس أولوية في حين أنه «المستقبل» الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية. وأخيرا الأمية بين بعض الصحافيين الذين ينظرون إلى تقنيات التواصل الاجتماعي على أنها «وكالة أنباء» وليست بيئة لحوار عام مع عشرات المصادر من الخبراء وشهود العيان.

*كيف يمكن التعامل مع المعلومة الصحافية التي مصدرها إحدى وسائل الإعلام الاجتماعية؟ وما مدى مصداقيتها؟

- لا يجب أن يختلف التعامل معها عن أي معلومات أخرى نتلقاها. لكن من الضروري أن تُفهم المؤشرات الواردة في معلومات الإنترنت لتقييم مستوى صدقيتها وموثوقيتها. شخصيا لا أميل إلى العناوين التي تبثها شاشات التلفزيون مثل «صورة مأخوذة من يوتيوب» لأن موقع «يوتيوب» وسيط وليس مصدرا.

*بما أنك تطرقت إلى المدونين في الصحف.. لماذا لجأ عدد من الصحف الكبرى لضم «مدونين» إلى طواقمها التحريرية؟

- لأنهم عاطفيون ومنخرطون في المسائل المحلية ولديهم مصادر اتصال تجعلهم قادرين على الوصول إلى المعلومة بشكل فوري. كما يظل تعليقهم بموضوعية على الأخبار الطازجة مهما للغاية في إعطاء منظور محلي واقعي يضيف قيمة للخبر. وربما تمكن قوة المدونين في تغطيتهم للمناطق الإقليمية، وهذا هو المكان الذي يستغله المدونون في التأثير وصنع التغيير في صناعة الأخبار التقليدية. هذا من جانب، أما من جانب آخر فاستقطاب مدونين وسيلة لتضييق الهوة بين الإعلام التقليدي والجديد وخلق نقطة اتصال بين المؤسسة الإعلامية والجمهور.

* ماذا عن مفهوم «مدير تحرير وسائل الإعلام الاجتماعية» الذي يعتبر جديدا نسبيا. ما هو بالضبط دور محرر وسائل الإعلام الاجتماعية في مؤسسات الإعلام الكبرى؟

- الدور يختلف من مؤسسة إعلامية لأخرى، ولكن بشكل عام يساعد مدير تحرير «وسائل الاتصال الاجتماعي» على تغيير ثقافة المؤسسة من نواح عدة كرسم السياسات التقنية والتدريب والتعامل مع المستخدمين عبر الحسابات الرسمية للمؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، هناك دور في المساعدة على تقديم الأخبار بشكل أفضل من خلال العمل مع الصحافيين حول كيفية استخدام الإعلام الاجتماعي في تحسين المصادر، ونقل الأخبار عبر قنوات تفاعلية، خصوصا عند التعامل مع الأوضاع الطارئة والأخبار العاجلة.

* ما الجوانب التي يمكن لوسائل الإعلام الاستفادة خلالها من التكنولوجيات الناشئة؟

- بجانب أهميتها في جمع وتنفيذ وتوزيع الأخبار، فإن وسائل الاتصال الاجتماعي مفيدة في زيادة الوعي بالعلامة التجارية وتشكيل علاقة عميقة مع الجمهور وزيادة حركة المرور على موقع المؤسسة الرسمي، مما يعزز وجودها في محرك البحث، بالإضافة إلى تسويق المعلنين وزيادة الأرباح والإيرادات.

* كيف استطعت بناء خبرتك كصحافي ومدون وخبير في وسائل الإعلام الاجتماعية؟

- لقد أصبح من الضروري اليوم أن يخلق الشخص لنفسه وجودا على الإنترنت سواء أكان مراسلا مهنيا، أو مواطنا صحافيا أو حتى طالب إعلام. تجربتي في مجال الصحافة الإلكترونية تستند إلى ما بعد دراستي الإعلام في جامعة برمنغهام، إذ التحقت بالعمل في إحدى المجلات المحلية التي أتاحت لي الفرصة للمشاركة في تحرير وإدارة موقعها الإلكتروني. ويمكنني القول إن اهتمامي بالجانب التكنولوجي في وسائل الإعلام بدأ من تلك اللحظة. لقد لاحظت كيف يُمكن للإعلام الإلكتروني أن يصل إلى الجمهور بشكل أسرع وأكثر حيوية مما دفعني لخلق حضور لنفسي على الإنترنت ليخدم مهنتي كصحافي ومدون. ومن ثم أطلقت مدونة خاصة بي وهي «الصحافة الإلكترونية» التي تختص بنشر مقالات وتحليلات حول آخر التطورات المتعلقة بالصحافة الإلكترونية والأخبار على الإنترنت. بالإضافة إلى كل ما يختص بصحافة المعطيات «Data Journalism» وصحافة المواطن ورواية القصص التفاعلية ومجتمعات على الإنترنت. واليوم أصبح يتولى الكتابة فيها ستة صحافيين متخصصين.

* ما دمنا نتحدث عن أهمية تأمين الحضور الشخصي عبر الإنترنت، برأيك ما هي أسهل الطرق لتحقيق ذلك؟

- أولا لا بد من الإشارة إلى أن اختيار «المحتوى» يجب أن يكون أهم من مجرد تأمين الوجود الشخصي عبر الإنترنت، وأشدد هنا على أهمية اختيار موضوع حيوي يعكس من خلاله الفرد علامته التجارية أيا كانت، والتي بسببها سيندفع الجمهور لمتابعته والاندماج معه. شخصيا أرى أن إطلاق مدونة أسهل طريقة لتحقيق ذلك، إذ إن إنشاءها لا يستغرق سوى دقائق. ربما يستغرق إطلاق موقع «ويب» وقتا أطول ويتطلب بعض المال لتسجيل نطاق خاص على الإنترنت إلا أنه يتميز بالمهنية. بالإضافة إلى ذلك، هناك العشرات من مواقع التواصل أعتقد أن «تويتر» و«فيسبوك» مهمان جدا في هذا النطاق.

* أين ترى مستقبل الصحافة في ظل تطور وسائل الإعلام الاجتماعية؟

- أكثر التزاما وأكثر تنوعا في الطريقة التي ينتج فيها العمل الصحافي، ولكن أبعد من ذلك من الصعب التنبؤ بالمستقبل أبعد من العام المقبل أو نحو ذلك. فالأمور تتغير بسرعة.