هل تقاعس الإعلام العربي في نقل صورة الكوارث والأزمات؟

بعد تواتر الأحداث في مختلف أنحاء العالم عام 2011

تساؤولات كثيرة تطرح حول تقاعس الإعلام حيال التعامل مع الكوارث في أوقات الأزمات («نيويورك تايمز»)
TT

ما إن تقع كارثة أو أزمة إنسانية حقيقية إلا وسرعان ما تتوشح وسائل الإعلام والصحف تحديدا، وبمختلف أنواعها بأخبار وتقارير تلك الأحداث، وفي ظل كون الأعلام شريكا في تحسين السلامة العامة، والتخفيف من عواقب وتبعات الكوارث والأزمات، ومع تزايد الاهتمام الإنساني بمتابعة تلك الأخبار، زاد اهتمام وسائل الإعلام بها، لكن وبحسب الخبراء العاملين في هذا المجال والمختصين الذين اتفقوا على بعض أهم الأمور التي تغيب عن المراسلين المكلفين بتغطية الكوارث والأزمات، في ظل تتابع تلك الأحداث لعام 2011.

وعلى الرغم من قلة الكوارث التي قلما تجتاح العالم العربي فإن تناول مراسلي الصحف لها على مستوى العالم أثار حفيظة المتابعين لهذا النوع من الأخبار وسلط الضوء عليها أكثر، ولعل الأحداث التي حصلت مؤخرا في مناطق مختلفة من العالم، بدءا من كارثة اليابان، وهاييتي، والصومال، وليبيا، ومؤخرا المكسيك، وإيران، إلى جانب بعض الأزمات في دول الربيع العربي طرحت عدة تساؤلات حول الدور المطلوب من الإعلام، وماهية قيمة الإعلام الجديد، وصحافة المواطنة في تغطية ونقل مثل تلك الكوارث، ومدى أهلية العاملين على تناولها.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه الدكتور أنمار مطاوع، مدير قسم الإعلام بجامعة أم القرى، ضرورة التعامل مع قضايا الكوارث والأزمات في الصحافة بمهنية عالية، حتى لا تتحول الأزمة إلى ذكرى تنخر في هيكل المجتمع، عوضا عن النهوض به ليكون أكثر قوة وصلابة، لا سيما أن بعض الصحافيين أو الكتاب في الصحف المحلية ينساقون وراء العاطفة، ويسترسلون في طرح القضية من وجهة نظر شخصية بعيدا عن مفهوم «التخصص الصحافي»، وأن بعض من يمتهنون الصحافة كمهنة ليسوا ممن درسوا وتخصصوا فيها، وهو ما أدى إلى عدم إجادتهم لفن الصحافة المتخصصة في تغطية تلك الأحداث، وهو ما يحتم على القائمين بالصحف إعطاء دورات ودبلومات، لكن من يرغب في تغطية تلك الكوارث.

إلا أن ميشال كوزنس، مدير تحرير «الأخبار الدولية» وكبير محرري صحيفة «عرب نيوز» حول ذلك يقول إن الصحافي إنسان في النهاية، وبالتالي هو معرض للخطأ، وكون الصحافيين ليسوا خبراء في كافة المجالات، يلجأون للاستعانة بالخبراء في المجالات التي يعملون عليها، لكن الخل يكمن في حجب الطرف الآخر للحقيقة عنه، وفي هذه الحالة لا بد أن يلجأ الصحافي إلى أخذ المعلومة مصادر مختلفة، ومن متابعته للإعلام العربي يرى أن أحد أبرز العيوب التي تقع فيها الصحافة في تغطية الكوارث والأزمات غلبة الصبغة الشعرية، والتغطية العاطفية في حين تهمل الحقائق في مجمل تغطيتها.

ومن واقع خبراته الميدانية يؤكد أن الكوارث والأزمات ما هي إلا أحداث يمكن لأي صحافي أن يغطيها، ولا داعي لإيجاد صحافيين متخصصين بها على غرار الصحافيين المتخصصين في قطاعات الاستثمار، أو الرياضة، وما على الصحافي الجيد إلا أن يطرح التساؤلات الملحة مثل لماذا حدثت الكارثة، ومن المسؤول ثم التركيز على القصص الإنسانية، إلى جانب ضرورة إثراء الصحافي لمحصلته المعلوماتية التي تخوله للكتابة في أي مجال، مشيرا إلى أن الفائدة التي تعود من الدورات التدريبية للصحافيين تعتمد بالدرجة الأولى على الصحافي نفسه، والقائم بها، مؤكدا أن أفضل طريقة لتعليم الصحافي هي ممارسته للعمل الصحافي.

وكما يبدو أن جيسون بريك كبير محرري «الأوبزرفر» البريطانية يوافق ميشيل، إلا أنه يرى أن في العالم وبشكل عام تميل إلى تغطية الكوارث والأزمات بشكل جيد نسبيا، لافتا إلى أن المهمة الحقيقية لوسائل الإعلام في مثل هذه الحالات والأحداث لا بد أن تركز على ثلاثة أمور، قصص الضحايا، والحصول على معلومات حقيقية لحجم الأضرار والخسائر، وأن تعلم بأنها موجودة هناك لمساعدة الحكومة على القيام بدورها من خلال الكتابة عن الحدث كما وقع، وبحيادية تامة، والتأكد على أن الحكومات تقوم بما عليها أن تقوم بها أثناء وقوع الكارثة.

لكن بريك شدد على ضرورة تحقيق الصحافي التوازن في تغطية الجانب الإنساني للكوارث والأزمات والجانب المادي، لافتا إلى بعض المخاوف التي تنجم عن تغطية مثل تلك الأحداث للصحافيين، وهي أن يكونوا عاطفيين بزيادة، عندما يشاهدون الأضرار الناجمة من الكارثة، ومعاناة الأفراد منها، وكيفية تعاملهم معها، فقال: «لذا حري بمسؤولي التحرير عدم السماح لهم بقضاء فترات طويلة في تغطية ومتابعة تلك الأحداث والاسترسال في تغطيتها».

وهنا علق ميشال بأنه «لا بأس أن يطوع الصحافي العاطفة في مادته شريطة أن تكون تلك العاطفة على السنة شهود العيان، أو الضحايا»، لافتا إلى أحد أهم تلك الأخطاء التي يرتكبها الصحافيون في مجال التغطية الإعلامية للكوارث والأزمات، وهي أن يجعل الصحافي نفسه مصدرا من تقييمه للموقف أو الحدث بنفسه، قائلا «لأنني أؤمن بأن الحقائق مقدسة كونها موجود على أرض الواقع، يتطلب ذلك البحث عنها مهما كلف الأمر».

ويرى أن غياب المهنية لدى بعض العاملين هو ما يشكل مفصلا كبيرا في هذا المجال تحديدا، حيث يعتقد أن اعتماد الصحافي على مصدر واحد للحصول على المعلومة هو من عدم المهنية، مستدلا بما حصل في كارثة جدة الأولى عندما لم تقنعهم الأرقام المقدمة من الجهات لعدد السيارات التي تعرضت للتلف، فقاموا بمخاطبة المعنيين برفع السيارات التي تبين لهم من خلال المتابعة اليومية أن حصيلة عدد السيارات التالفة تجاوزت 8000 سيارة، وهو عكس ما أعلنت عنه الجهات آنذاك.

ويفترض جيسون بريك، كبير محرري «الأوبزرفر» البريطانية إمكانية تغطية أي صحافي «جيد» أخبار وتحقيقات الكوارث والأزمات ومتابعتها، وذلك أن يكون يمتلك بعض المهارات التي تخوله لذلك مثل الإصرار والعزيمة، ورغبته في كشف الحقيقة، واحترامه لها.

وفي هذه الأثناء عاد الدكتور مطاوع، أستاذ الإعلام، ليؤكد على أهمية التخصص باعتبار أن التناول الصحافي المهني في وسائل الإعلام، وخصوصا الصحافة للقضايا والأزمات والكوارث، يرتقي بالعمل الإعلامي بشكل عام، وبذائقة القارئ أيضا في تعامله معها، وهو ما دفعه بالقول: «المطلوب في مثل هذه التغطيات الصحافية هو الابتعاد عن الإثارة أو محاولة تهييج الرأي العام، خاصة أن عنصر الإثارة يعد مفصلا حيويا في صناعة الصحافة، ولكن في المقابل، هناك مسؤولية اجتماعية، وهي تلزم الصحيفة أدبيا بحيادية الطرح والمناقشة، وإلا فإن الصحيفة ستصطبغ باللون (الأصفر)».

ويضيف: «إن الدول التي تزدهر فيها الصحافة كالولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، تؤمن تماما بمبدأ التخصص، ولا يتم تعيين رئيس تحرير لصحيفة ما إلا إذا كان من خريجي قسم الإعلام، وبالتالي فإن من يعمل في الجريدة كصحافي لا بد أن يكون متخصصا أيضا، ولكن هذا لا يمنع من القول إن بعض الجامعات تقدم درجة الماجستير في الإعلام وتشترط لقبول طلابها وطالباتها أن يكونوا من تخصصات أخرى علم نفس، إدارة، تاريخ (..)، اعتقادا منها أن تنوع المعرفة يثري الميدان الصحافي، إضافة إلى كونه مصدر قوة للصحافي ذاته»، على الرغم من أنني أرى أنها مرحلة متقدمة في الوقت الراهن.

لكن ميشال كوزنس أكد بحكم خبرته الصحافية، أن خريجي أقسام التاريخ، الجغرافيا، العلوم السياسية من المشتغلين بالصحافة يبدعون أكثر من الصحافيين المتخصصين، خاصة أن بعض خريجي الإعلام لا يطورون أنفسهم بالاطلاع، واصفا إياهم بالذين «لا يعون ما يكتبون»، وقال «إنهم بإمكانهم أن يكتبوا جملا خالية من الأخطاء ولا تؤدي بهم إلى المساءلة القانونية، إلا أنهم لن يتمكنوا من تقديم الخلفية الكافية لإعداد مادة جيدة».

وضرب مثالا لصحافية في إحدى المؤسسات الإعلامية العالمية التي وقعت في خطأ دون أن تدرك ذلك، مما أظهر للمشاهدين قصور معلوماتها الجغرافية والتاريخية أثناء تغطيتها لأحداث اختفاء أسامة بن لادن في أفغانستان.

وفي الوقت الذي يقبل فيه ميشال من كتاب الرأي كتابة أفكارهم وآرائهم الشخصية وإن كان لا يتفق معها وإن كانت غير مدعمة بالحقائق، إلا أنه يرفض مطلقا أن يستخدم الصحافي وإن كان تلميحا رأيه الشخصي في مادته، موضحا التقارير حول الكوارث مشاعر.

ولعل أفضل استراتيجية يمكن للصحافي أن يستخدمه لتغطية مثل هذه الأحداث هو ألا يعتمد على مصدر واحد من بين الجهات الرسمية، الخبراء، وشهود العيان الذين لا بد أن تكون لهم شهادات حية تضفي تنوعا ومصداقية أكثر للتغطية الإعلامية، لافتا إلى أنه «على الصحافي في السعودية تحديدا ألا يلجأ إلى الاكتفاء بالمتحدثين الرسميين (الأبواب الرسمية)، والذين غالبا ما يردون الصحافي ويحجبون عنه المعلومة، أو تقدم له مادة صحافية لا ترقى للنشر، وفي هذه الحالة على الصحافي أن يكون مثابرا ويستعين بعدة مصادر توصله إلى الشخص المخول بتقديم حقائق واقعية عن الحدث»، واصفا تلك المصادر بالأبواب الخلفية التي تظل مفتوحة دائما متى ما عرف كيف يصل إليها الصحافي.

وعن عواقب تأثير التغطية غير المتخصصة أوضح ميشال «أن الكتابة اللامسؤولة قد تهوي بالصحافيين إلى القاع، إلى جانب كونها السبب الرئيسي خلف عدم تقديرهم في العالم»، مشيرا إلى الإغلاق الذي تعرضت له إحدى الصحف البريطانية مؤخرا بعد أن كانت تلجأ إلى اختلاق قصص، ومضايقة الأشخاص عبر الاتصال الملح على الناس للحصول على أخبار ينشرونها، وهذا مثال حي كيف يمكن للإعلام أن يحور الحقائق، وهذا هو سبب عدم تقبل المجتمعات للصحافيين الذين باتت تلاحقهم صفة «غير الصادقين»، مستدركا «إلا أن هذا ليس هو حال الصحافيين في العالم بأسره»، مستشهدا بمهنية وحرفية الصحافيين الهنديين الذين حازوا على ثقة مجتمعهم، بعكس ما عليه حال الصحافة في بريطانيا تحديدا.

بينما اختتم الدكتور أنمار مطاوع أستاذ الإعلام بجامعة أم القرى بقوله إن «الصحافة السعودية في الوقت الراهن أصبحت أكثر وعيا والتزاما»، مرجعا ذلك إلى تطور وسائل الاتصال الحديثة أو ما يسمى الإعلام الجديد، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي سهلت وصول المعلومة وتداولها، مؤكدا أن الصحافة السعودية استطاعت أن تفرض نفسها على واقع الصحافة العربية وتأخذ مكانة متقدمة فيها.