مواقع التواصل الاجتماعي تحدث ثورة في الإعلام الباكستاني

أكثر من 90 مليون مستخدم للجوال والإنترنت.. وأغنية شعبية «مسيسة» تجذب الملايين

أغنية شعبية في 180 ثانية جذبت ملايين الباكستانيين عبر التلفزيونات والفضائيات
TT

في الساعات الأولى من صباح يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول)، قامت فرقة غنائية باكستانية بتحميل مقطع فيديو لأغنية بعنوان «ألو – اندي» (أو البطاطا والبيض، الذي يعتبر أحد الأطباق المفضلة في باكستان) على موقع «يوتيوب»، حيث شاهد الأغنية أكثر من نصف مليون مشاهد على مدى اليومين التاليين، حيث كانت تعبر في المقام الأول عن التناقضات في الساحة السياسية الباكستانية. وقد حظيت الأغنية والفرقة بشهرة كبيرة على المستوى الوطني على مدى الأسابيع التالية، حيث ذكرت الأعمدة الفنية في الصحف الباكستانية والقنوات الإخبارية أن «الفرقة الموسيقية الغنائية، التي تحمل الاسم الاستفزازي (ييغايرات برغد) أو (اللواء عديم الشرف) قد ذاع صيتها على شبكة الإنترنت، كما حظيت لفترة وجيزة باهتمام القنوات الإعلامية الكبيرة في باكستان».

وقال بعض الخبراء الإعلاميين الباكستانيين إن الفرقة أثبتت أن التلفزيون لا يقدم مادة سطحية كما يسود الاعتقاد، حيث قال مغنون الفرقة من الفتيان كل ما يريدون قوله في ثلاث دقائق فقط هي مدة الأغنية، فقد أشاروا في أغنيتهم إلى كل من الأخوين شريف وعمران خان، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس هيئة أركان الجيش، وقادري، وهو الشرطي الذي قتل المحافظ سلمان تاسير، وكساب، الناجي الوحيد من هجمات مومباي المسلحة، والدكتور عبد السلام، العالم الباكستاني الذي عاش في منفى اختياري في أوروبا بعد خلافه مع رجال الدين، و«بلاك ووتر» وهي شركة أمن أميركية زعم اللوبي الديني في باكستان أنها تقف وراء الكثير من الهجمات الإرهابية في باكستان.

وعلى الرغم من أن هذا المحتوى يعد كبيرا بالنسبة لمدة الأغنية التي لا تتعدى 180 ثانية، فإن هذه هي قوة الوسيط السمعي والبصري عندما يتم استغلاله الاستغلال الأمثل.

وقد كتب المذيع الشهير فهد حسين في مدونته مؤخرا: «الشيء المضحك هو أن كلمات الأغنية كشفت عن النفاق في مجتمعنا بشكل صارخ أكثر مما قد يستطيع برنامج حواري مدته ساعة أن يفعل، كما ضمن الوسيط الذي قاموا باختياره (موقع «يوتيوب») سد حاجتهم إلى التذلل لأصحاب القنوات والمديرين التنفيذيين للموافقة على محتوى الأغنية».

ولم تصبح الفرقة الموسيقية المكونة من ثلاثة من الشباب في العشرين من أعمارهم، فرقة مشهورة على المستوى الوطني فحسب، ولكنها أصبحت أيضا مصدر جذب لوسائل الإعلام الباكستانية، حيث ذكر عمود في إحدى الصحف: «إن فرقة (ييغايرات برغد) قد تصبح في نهاية المطاف واحدة من أشهر وأنجح الفرق.. وسوف يحسب لها دائما أنها اتخذت موقف المعارضة عندما كانت هناك حاجة ماسة لذلك، وأنها عبرت عن أولئك الباكستانيين الذين جعلهم الخوف يخشون الحرية، وربما كانوا ينتوون هذا من البداية، وربما لم يعتقدوا أن أغنيتهم سيكون لها هذا الصدى الكبير في وسائل الإعلام الباكستانية، ولكنهم ينبغي أن يهنئوا أنفسهم على ما حصلوا عليه من إطراء وثناء من قبل النقاد».

ويشير قائد الفرقة بشكل متكرر إلى الـ«روتي» (الخبز)، في إشارة واضحة إلى المشروع الكبير لحكومة البنجاب (بقيادة شاهباز شريف، شقيق نواز شريف، رئيس الوزراء السابق) الذي يهدف إلى توفير الخبز بأسعار رخيصة للطبقات الفقيرة في الإقليم. وقد أدت الإشارة إلى الخبز إلى الانتقال تلقائيا إلى معضلة حكومة إقليم البنجاب التي يقودها حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية» (برئاسة ميان نواز شريف، ورئيس وزراء البنجاب، شهباز شريف)، حيث إنه على الرغم من أن الأخوين شريف يرتديان الآن باروكات غالية الثمن على رأسيهما، فإنه لم يكن لديهما سوى القليل جدا من الشعر قبل ست سنوات، وهذا هو السبب في أن الفرقة تشير إليهما في أغنيتها باسم «غانغي» (الأصلعين) اللذين (بعد كفاحهما من أجل إدارة البنجاب بشكل سلس) يطيران الطائرات الورقية، وإلى عمران خان (عدو الأخوين شريف الجديد في البنجاب) بأنه يتطلع نحو رئيس المحكمة العليا ورئيس هيئة أركان الجيش (للتدخل وإفساح الطريق لإجراء انتخابات جديدة).

ويقول نديم برشا، وهو كاتب عمود في صحيفة رائدة: «إن المرء يحتاج إلى أن يفهم جيدا الخطاب السياسي الراهن في باكستان حتى يتمكن من تقدير كلمات الأغنية المليئة بالتلميحات، فعلى سبيل المثال، عندما تشير الفرقة إلى أن عمران يتطلع نحو (الرئيس) (باعتباره الضوء الموجود في نهاية النفق المظلم) فإن الفرقة تعني رئيس المحكمة العليا ورئيس هيئة أركان الجيش، ولكنها تقصد رئيس هيئة أركان الجيش بشكل أكثر تحديدا؛ لأنها تلمح إلى حصول (الرئيس) على تمديد (مثل التمديد الذي حصل عليه رئيس هيئة أركان الجيش في العام الماضي)».

ويشير الخبراء الإعلاميون إلى أنه مما لا شك فيه أن أغنية فرقة «ييغايرات برغد» لديها كل المواصفات التي تجذب الجمهور الباكستاني العادي، حيث يقول أحد أولئك الخبراء: «إن التوسع في الإعلام الاجتماعي والإعلام البديل هو الذي ساهم تحديدا في صنع مثل هذه الشعبية الكبيرة للأغنية».

ويمر المشهد الإعلامي في باكستان في الوقت الحالي بعملية تحول ثوري، خاصة مع ظهور الإعلام البديل، مثل المدونات، والمواقع المغمورة، ومئات من مجموعات البريد الإلكتروني، حيث يقول أحد الخبراء الإعلاميين: «إن أغنية فريق (ييغايرات برغد) قد أصبحت متاحة في كل وسائط الاتصال الجديدة تلك».

وينفق الناس الذين لديهم خدمة الإنترنت المزيد من الوقت في تصفح واستخدام المواقع، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، وقراءة المدونات على غيرها من مواقع الإنترنت، بينما يقضون وقتا أقل في مشاهدة التلفزيون أو قراءة الصحف، حيث يقول فيصل كاباديا، وهو مؤلف وخبير إعلامي في مدينة كراتشي: «هناك الآن ما يقرب من 90 مليون مستخدم للهاتف الجوال في باكستان، وهم يستطيعون جميعا الدخول على الإنترنت من خلال هواتفهم بتكلفة رخيصة جدا عبر خدمة الحزمة العامة الراديوية، وهم يقضون أغلب وقتهم في تصفح المواقع على شاشات هواتفهم الجوالة».

ولدى كل مجموعة مهنية تقريبا في المجتمع الباكستاني، بمن في ذلك التجار والأطباء والمهندسون والصحافيون، مجموعات البريد الإلكتروني الخاصة بهم، التي يتبادلون من خلالها مدوناتهم، كما يعمل نشاط التدوين بدوره على خلق مجموعات سياسية على الإنترنت.

وتتسم المعلومات ووجهات النظر والصور التي تظهر في وسائل الإعلام البديلة في معظم الوقت بكونها أكثر إثارة للاهتمام وأكثر جاذبية، حيث يعتقد الخبراء أن الإعلام البديل مزدهر في باكستان لأنه يعمل بشكل أساسي من دون أي ضوابط أو قيود، حيث يقول محمد حنيف، وهو مؤلف معروف ورئيس تحرير بارز في إذاعة الـ«بي بي سي» الأردية: «تبدو وسائل الإعلام البديلة فوضوية في بعض الأحيان، لأنها على عكس وسائل الإعلام الرئيسية، تعمل من دون ضوابط أو قيود».

وتعتبر وسائل الإعلام البديلة صغيرة الحجم، إذا ما قورنت بغيرها من وسائل الإعلام الرئيسية، كما أن محتواها يكون له صدى أكبر في بعض الأحيان في المجتمع الباكستاني، وهي تجبر وسائل الإعلام الرئيسية في كثير من الأحيان على لعب دور ثانوي إلى جانبها. وهذا هو بالضبط ما حدث عندما أصبحت أغنية فريق «ييغايرات برغد» ظاهرة وطنية.

وقد نشر مدون مجهول في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) 2009، مقطع فيديو على أحد المواقع الإلكترونية المغمورة، يصور مشاهد مروعة لجلد فتاة شابة على يد مقاتلي طالبان في وادي سوات في باكستان، وقد لاقى مقطع الفيديو هذا، الذي أصبح الموقع المغمور الذي ظهر عليه لأول مرة يوصف بأنه جزء من «وسائل الإعلام البديلة» في باكستان، اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام الباكستانية الرئيسية، ففي غضون ساعات من نشره على الموقع ظهر مقطع الفيديو ذاك على كل القنوات الإخبارية الرئيسية في باكستان بوصفه خبرا عاجلا، كما أفردت الصحف الباكستانية صفحات خاصة لمناقشة كل جانب من جوانب هذا المقطع.

ويظهر مقطع الفيديو ثلاثة رجال في منتصف الثلاثينات من عمرهم، ذوي لحى طويلة وشعور منسدلة يرتدون جميعا ملابس شبيهة بملابس مقاتلي طالبان، وهم ينزلون عقوبة شديدة على شابة تم تغطية وجهها بالحجاب التقليدي، وتصرخ الفتاة طوال الدقيقتين ونصف الدقيقة، وهي المدة التي يستغرقها مقطع الفيديو، طلبا للمساعدة، بينما يقوم أحد الرجال الثلاثة بجلدها على ظهرها أثناء قيام الرجلين الآخرين بإمساك يديها وساقيها بإحكام، كما يظهر المقطع عددا كبيرا من أهالي وادي سوات وهم يقفون متفرجين صامتين في هذه الدراما الدموية.

وقد تم تبادل مقطع الفيديو هذا عبر خدمة الرسائل القصيرة في جميع أنحاء البلاد، حيث كان من الواضح أنه قد تم تصويره بكاميرا هاتف جوال. وتقوم مكاتب الأخبار في معظم وكالات الأنباء الباكستانية بتصفح مواقع التدوين كل ساعة لمعرفة ما إذا كانت هناك بعض المعلومات المثيرة للاهتمام التي تم نشرها على تلك المواقع في الآونة الأخيرة، حيث يقول محرر صحافي بارز في إحدى القنوات الإخبارية الباكستانية الرائدة: «في حالة وجود معلومات مثيرة للاهتمام في تلك المدونات، فإننا نجعلها جزءا من نشرة أخبارنا التي تذاع على مدار الساعة».

ويقول خبراء الإعلام الباكستانيون إن مقطع الفيديو يمثل حالة كلاسيكية لتأثير الإعلام البديل على أجندات الأخبار الخاصة بوكالات الأنباء الرئيسية، حيث يقول حنيف: «تؤثر المدونات والإعلام البديل على أجندات الأخبار الخاصة بوكالات الأنباء الرئيسية، حيث يعد مقطع الفيديو الذي يصور جلد فتاة في وادي سوات مثالا كلاسيكيا على هذا».

وقد خصصت جميع وكالات الأنباء الرئيسية في باكستان منذ العام الماضي قسما خاصا على مواقعها الإلكترونية للتدوين، في محاولة لجذب المدونين، ولكن أحد الخبراء الإعلاميين يقول: «إن هذا لا يمنع من أن المدونات الموجودة على مواقع وسائل الإعلام الرئيسية تفتقد عنصر الهجوم الذي نجده في المدونات الموجودة على المواقع المغمورة، وذلك يعود بشكل أساسي للقيود التي تفرضها وكالات الإعلام الرئيسية».

وقد قامت الحكومة الباكستانية، على سبيل المثال، بفرض حظر منذ عام ونصف العام على تبادل الرسائل المناهضة للحكومة من خلال خدمات الرسائل القصيرة التي تقدمها شركات الهاتف الجوال، حيث لم تتحمل الحكومة ذلك الكم الهائل من الرسائل السياسية المهينة التي يتبادلها الناس فيما بينهم.

ويقول أحد الخبراء الإعلاميين: «كانت هناك نكات سياسية مهينة للغاية، ورسائل سياسية تدعو الناس إلى التحرك، ورسائل ينتقد فيها المتشددون كبار الشخصيات في الحكومة، يتم تبادلها عبر خدمة الرسائل القصيرة، وكانت هذه الحملة مجهولة تماما، وقد دفع هذا الحكومة لسن قانون لمعاقبة الناس الذين يقفون وراء هذا الأمر».

ولكن على الرغم من القوانين التي تحظر تبادل الرسائل السياسية المهينة عبر خدمة الرسائل القصيرة، فإن الحملة تواصلت بلا انقطاع.

وتتسم المدونات السياسية الموجودة على المواقع الإلكترونية المغمورة بكونها أكثر عدوانية، حيث بدأ مجموعة من الكتاب السياسيين الجدد في الظهور في وسائل الإعلام الباكستانية، حيث يقومون بنشر آراء سياسية راديكالية للغاية على المواقع الإلكترونية بشكل يومي، يقول أحد الخبراء الإعلاميين: «هذه المدونات لا تستثني أحدا، فهي لا تستثني الحكومة أو الشخصيات الإعلامية الرائدة في البلاد».