قناة تلفزيونية إسرائيلية تكشف عن تكميم الحكومة لأفواه وسائل الإعلام

تكبدت القناة خسائر مالية بلغت 340 مليون دولار خلال السنوات العشر الماضية

صعوبات كبيرة تواجه القناة العاشرة في إسرائيل («نيويورك تايمز»)
TT

تواجه قناة تلفزيونية معروفة بتقاريرها الاستقصائية العدوانية خطر الإغلاق بعد رفض المشرعين الإسرائيليين طلبها بتأجيل تسديدها لديونها في خطوة رآها المنتقدون في إطار حملة لتكميم أفواه الصحافة والتحرش بالليبراليين وجعل المحاكم أماكن أكثر ودا مع النخبة الحاكمة.

وقد اجتمع مؤخرا كبار الصحافيين في إسرائيل في مؤتمر للتحذير مما يمكن أن يوصف برياح معاداة الإعلام من قبل الحكومة المتشددة. وتضمنت الإجراءات الحكومية، بحسب وكالة «أسوشييتدبرس»، التي تأتي في هذا السياق اعتماد التعيين السياسي في الإعلام الحكومي الإسرائيلي وتهميش النقاد البارزين وإصدار تشريعات مناهضة لليبراليين والتي يمكن أن تعرقل إعدادهم للتقارير الاستقصائية. في هذه البيئة المتوتر، تواجه القناة العاشرة الإسرائيلية والتي تعد واحدة من قناتين تلفزيونيتين تجاريتين، خطر الانهيار تاركة قناة واحدة مستقلة على الساحة.

وعانت القناة العاشرة كثيرا من مشكلات مالية خلال سنواتها العشر، التي تكبدت خلالها خسائر تجاوزت 340 مليون دولار. ومع خفض أصحابها الرئيسيين للتمويل، طلبت القناة من البرلمان فترة سماح مدتها عام لتسديد ديونها التي تقدر بـ11 مليون دولار مستحقة للدولة في 31 ديسمبر (كانون الأول) إلى حين تمكن حاملي الأسهم من الحصول على أموال سائلة.

ورفضت اللجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الحالي الطلب، حيث صوت كل وزراء حكومة نتنياهو ضد تمديد مهلة سداد ديون القناة. وتقول القناة إنها ستُضطر إلى غلق أبوابها تاركة الساحة لمنافستها، القناة الثانية الإسرائيلية التي ستكون بذلك القناة الخاصة الوحيدة الخاصة في إسرائيل.

وعانت القناة العاشرة من مشكلات في الحصول على نصيب من السوق منذ البداية لعدم السماح لها بالبثّ على الموجة الأرضية، واقتصر بثها على القمر الاصطناعي و«الكيبل». ولم يتحدث نتنياهو علنا عن هذا الأمر، لكن قال حلفاؤه إن القرار مالي بحت.

وقال كرمل شاما هاكوهين، رئيس اللجنة: «لجنة التمويل ليست صندوق إنقاذ مالي. نحن معنيون بأن يكون لدى المشاهدين أكثر من قناة إخبارية، لكن القناة العاشرة التي بحاجة إلى خدمة، ليست قناة نحرص على وجودها». القناة التلفزيونية يمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي البارز يوسي مايمان، ومنتج الأفلام الأميركية الإسرائيلي، أرنون ميلتشان، والملياردير الأميركي، رون لاودر، الذي كانت تربطه علاقات قوية بنتنياهو يوما ما، لكنها باتت فاترة اليوم. وأثار رفض الحكومة التعاون معهم حفيظة هؤلاء الرجال الذين سئموا من ضخّ الأموال في مشروع خاسر. مع ذلك، يعتقد المسؤولون التنفيذيون في القناة والمعلقون في الإعلام، أن هناك دوافع أكبر وراء هذا الإجراء، حيث يقولون إن الحكومة، التي مدّت أجل ديون شركات أخرى متعثرة، تسعى إلى التخلص من مصدر للانتقاد من خلال هذه الطريقة. وقال الصحافي المخضرم موتي كرشنباوم، عندما رأى شاما هاكوهين ومشرعين آخرين من حزب الليكود يحتفلون برفض طلب القناة، إنه بات مقتنعا بأن هناك دوافع خفية وراء هذا القرار. وقال كرشنباوم، الذي يقدم برنامج شهير على شاشة القناة العاشرة: «إنها مناورة سياسية انتقامية. وتواجه القناة مشكلات ووجدوها فرصة للانقضاض عليها». وأجرى قسم الأخبار في القناة خلال الأشهر القليلة الماضية عدة تقارير استقصائية سببت إحراجا كبيرا لرئيس الوزراء.

وفجّر رفيف دراكر، الصحافي السياسي البارز في القناة، تقرير صحافي في مارس (آذار) عن نفقات نتنياهو وزوجته في السفر إلى الخارج خلال العشر سنوات التي قضاها في منصب رئيس الوزراء. يشير التقرير إلى رحلات نتنياهو في درجة باهظة الثمن وإقامته في فنادق فخمة وتناول وجبات في مطاعم يدفعها معارفه الأثرياء مما أدى إلى تحقيق هيئة رقابية حكومية في الأمر. ونفى نتنياهو هذه المزاعم وأقام دعوى قضائية ضد دراكر لا تزال تُنظر أمام المحكمة حتى هذه اللحظة. وأشارت القناة العاشرة إلى تلميح مسؤولين في مكتب نتنياهو مؤخرا بتساهل الحكومة مع ديون القناة إذا رفتت دراكر. على الجانب الآخر، أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن هذا الاتهام «لا أساس له من الصحة».

ولا يزال حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يشارك في الحكومة الائتلافية والذي ينتمي إليه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، غاضبا من القناة بسبب عرض مقطع مصور يظهر فيه أحد وزرائه وهو يدخل منزله مع عشيقته. واستقال رئيس قسم الأخبار في القناة في سبتمبر (أيلول) بعد أن أُجبر على الاعتذار عن تقرير ينتقد قطب صالات القمار في الولايات المتحدة، شيلدون أديلسون، والذي تربطه علاقات قوية بنتنياهو والذي هدد بمقاضاته. ويمتلك أديلسون صحيفة يومية بارزة هي «إسرائيل هايوم»، التي تتعاطف مع رئيس الوزراء، على عكس القنوات التلفزيونية والصحف التي لا تملك بها الدولة حصة.

يقول يوفال كارنيل، الخبير في القانون والاتصالات في جامعة «إنترديسبلينري سنتر هيرزيليا» التي تقع بالقرب من تل أبيب، إن الاعتذار لأديلسون كان نقطة تحول كشفت نقطة ضعف القناة العاشرة ومكّنت السياسيين من الانقضاض عليها. وأوضح قائلا: «لا يوجد أدنى شك في أن السياسيين يتحينون اللحظة التي يمكنهم فيها إضعاف وسائل الإعلام وتلقينها درسًا». ويتوقع كارنيل التوصل إلى تسوية تنقذ القناة التي يعمل بها 550 شخصا، لكنه أوضح أنه ربما يكون ذلك مقابل تخفيف حدة النقد بها. وأضاف: «يقاوم السياسيون الإعلام الحر على جميع الجبهات، ويحاولون إضعافه ومنعه من الانتقاد وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الديمقراطية». وتأتي المعركة مع الإعلام في الوقت الذي تزداد فيه التشريعات بزعامة حكومة نتنياهو التي يتهمها المنتقدون بخنق المعارضة والتعددية. من مشروعات القوانين التي سوف تزيد من سلطة البرلمان في اختيار قضاة المحكمة العليا وخفض التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية ما من شأنه أن يؤثر عليها سلبا.

ومعارضو نتنياهو يتهمونه بالتصرف في نطاق مصالحه الشخصية الضيقة وتقييد حرية الصحافة. وقد اتخذت الحكومة مؤخرًا إجراءات أخرى لإحكام قبضتها على وسائل الإعلام.

وقالت تسيبي ليفني، زعيمة المعارضة في البرلمان الشهر الماضي: «رجاء أيها الرئيس أخبرنا بحقيقة توجهك فيما يتعلق بالإعلام، فأنت تراها عدوا لك وتحاول السيطرة عليها. لقد قطعت سبل الحياة عن القناة العاشرة، وتحاول ببطء أن تبعد الصحافيين المحترمين عن وسائل الإعلام وتسليمها إلى ببغاوات يرددون البيانات الصادرة عن مكتبه».