المراقب الصحفي: سيجارة «المراقب» في سوريا!

TT

الصورة أبلغ من ألف كلمة كما يقول المثل. هذا ما شعرت به وأنا أنظر إلى الصورة التي نشرتها «الشرق الأوسط» لأحد أفراد وفد المراقبين العرب في سوريا وهو «يشعل سيجارة أثناء استماعه لشهادة مواطنين حول تفجير خط الغاز في الرستن وانتشار القناصة على أسطح المنازل لمنع المظاهرات».

لا يختلف اثنان على أن الصورة، التي نشرت يوم أمس، كانت مؤثرة، وتعد اختيارا ذكيا للصفحة الأولى بمعايير الصحافة، لكنها مثل ملايين الصور لا تختزل بالضرورة كل الحكاية، فهناك مراقبون جادون، مثلا، وبصفتي مراقبا صحافيا لـ«الشرق الأوسط» سأكون أول المنتقدين للصورة لو أن النص الخبري المنشور معها لم يعزز ما يؤكد وضع الوفد المتأزم والاتهامات التي طالته مما يسمى بالجيش السوري الحر الذي أمهل الوفد أياما، وقال إنه سوف «يفاجئ النظام والعالم» وإنه مستاء من الوفد المذكور المبعوث من الجامعة العربية، حسبما ذكر في تصريح خاص للصحيفة، كما أن رئيس البرلمان العربي نفسه ناشد الوفد ضرورة مغادرة سوريا «نظرا لاستمرار النظام السوري في التنكيل وقتل المواطنين السوريين الأبرياء» وأنه «يوفر غطاء عربيا لممارسة أعماله غير الإنسانية» حسبما نشر.

وهناك سبب آخر يشفع للمحرر نشر صورة المراقب العربي مع سيجارته، وهو أن من آداب الحوار أن تستمع إلى الشاكي إليك بمرارة، وبكل جوارحك، لا أن تشعل سيجارة وكأنك تمثل لقطة في فيلم سينمائي، ولذا نلاحظ في الأفلام يتم الاستعانة بلقطة التدخين للتعبير عن أن الممثل الذي ينفث دخان سيجارته غير مكترث بما يجري من حوله! ولكن المحرر، الذي عرض وجهات نظر دولية، نسي أن يتصل بصاحب السيجارة (إن أمكن) أو أحد أفراد الوفد ليأخذ منه تصريحا عابرا حتى تكتمل عناصر الموضوع بعرض وجهة النظر الأخرى، ولكن المتدبر لما يجري في سوريا من معارك طاحنة راح ضحيتها أكثر من 6 آلاف شخص، منذ اندلاع الثورة هناك، يجد أن صورة السيجارة ربما تكون أبسط عرض للقارئ ليتخيل ما هي نفسية المواطن السوري وهو يرى وفدا عربيا يتجول في وطنه وسط آلة القتل الوحشية التي يتمت أطفالا ومزقت وطنا كان بالأمس ينعم أهله لآلاف السنين بحياة هانئة ورغيدة.