تركيا: حزمة الإصلاحات القضائية تحفز الصحافيين.. لكنها لا تزال قاصرة

وسط نقاشات متواصلة حول ما تعرضت له حرية التعبير من تضييق

TT

وسط النقاشات المتواصلة حول ما تعرضت له حرية التعبير من تضييق في تركيا نتيجة المخاوف من استغلال بعض القوانين في الدولة لوضع أي شخص في السجن، خاصة الصحافيين، جاءت حزمة الإصلاحات القضائية الأخيرة لتمثل عامل تحفيز للصحافيين، لكنها غير كافية.

وكان سعد الله إرغن، وزير العدل التركي، قد أعلن في 18 يناير (كانون الثاني) عن حزمة إصلاحات قضائية جديدة ستقدم إلى جانب الكثير من الأمور الأخرى، بعض التغييرات التي سيكون لها تأثير على حرية الصحافة والتعبير في البلاد، حيث سيتم وقف الغرامات والتحقيقات والمحاكمات والملاحقات والأحكام القضائية التي تصل إلى السجن خمس سنوات المفروضة على الصحافيين، إذا ما تمت الموافقة على هذه التعديلات. وما لم يكرر الصحافيون المشتبه بهم الجريمة مرة أخرى خلال ثلاث سنوات سيتم إلغاء سجلهم الجنائي. وإذا تكررت نفس الجريمة خلال ثلاث سنوات سيتم فرض العقوبة أو سيتواصل التحقيق من حيث تم تعليقه، إضافة إلى ذلك، ستلغي التعديلات الجديدة فقرة في قانون مكافحة الإرهاب، التي تجيز للمحكمة وقف نشر الصحف لفترة تصل إلى شهر.

وفي تقييمه لهذه التدابير الجديدة الواردة في حزمة التعديلات أشار دينيز إرغوريل، من ميديا أسوسيشن إلى أن حزمة التعديلات الجديدة تحتوي على بعض التطورات الإيجابية قصيرة المدى بالنسبة للصحافيين، لكنها تفتقر إلى التغيرات الجوهرية التي تيسر من قضايا حرية التعبير التي تواجه الصحافيين.

وقال إرغوريل، إن القانون الجنائي التركي وبنود قانون مكافحة الإرهاب المتعلقة بالصحافيين ينبغي إعادة ترتيبها بصورة ديمقراطية.

ويرى غالبية المحافظين، أن بعض بنود القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب هي الجاني في أغلب القضايا التي يواجهها الصحافيون. فأشار تقرير شبكة الاتصالات المستقلة وتقرير مراقبة وسائل الإعلام، إلى أن الصحافيين يواجهون نتيجة بعض مواد القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب تحقيقات تتعلق بالاتصال بمنظمات غير شرعية ربما تكون مسلحة وغير مسلحة. وتشير نادر ماطر، من مؤسسة موقع «bianet.org» إلى أنه خلال العامين الأخيرين على وجه التحديد كان غالبية من تعرضوا للسجن من الصحافيين قد اتهموا بانتمائهم إلى منظمة إرهابية، واستند المدعون العامون في إثبات هذه الصلات بناء على تعريف واسع للإرهاب في كلا القانونين.

وأضافت «على الرغم من وصف الحكومة لهؤلاء الصحافيين الذين هم في السجن بالقتلة ومرتكبي جرائم الاعتداء، فإن ذلك لا يمثل صلب المشكلة»، في إشارة إلى خطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وقت متأخر من شهر يناير التي قال فيها إنه تم القبض على الصحافيين بناء على خلفية حيازتهم أسلحة نارية أو متفجرات، ووثائق مزورة، والقيام بأعمال التحرش الجنسي أو المشاركة في محاولات إرهاب أو انقلاب، وقد ذهب رئيس الوزراء إلى القول إن الدول في الغرب لم تكن قادرة على فهم تركيا لأنها لم تواجه صحافيين يحرضون على القيام بانقلاب عسكري.

وأشار مراقبون إلى أن حرية الصحافة في تركيا بدأت تحظى بنقاشات موسعة في الغرب، خاصة في أعقاب القضايا التي شنها صحافيون في أعقاب قضية إيرجينيكون (شبكة مبهمة من البيروقراطيين المدنيين والعسكريين)، إضافة إلى عصابات إجرامية يعتقد أنها تآمرت للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم.

ويقول أورهان كمال تنغيز، المحامي والناشط الحقوقي «هذه القضايا انطلقت بشكل خاص فيما يتعلق ببنود حزب العدالة والتنمية بشأن خرق السرية ومحاولة التأثير على المحاكمات العادلة»، مشيرا إلى أن السواد الأعظم من هذه القضايا كانت تشن ضد صحافيين كانوا معروفين بولائهم لحكومة حزب العدالة والتنمية قبل التحقيقات في قضية إيرجينيكون، التي فتحت في عام 2008.

وبحسب أحدث تقارير وزارة العدل في الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، أجري 4139 تحقيقا مع صحافيين تتعلق بقضية إيرجينيكون، منها 2500 قضية نظرها القضاء. بيد أن هؤلاء الصحافيين، الذين خضعوا للتحقيقات، بموجب نص المواد 285 و288 و125 على الأغلب من قانون الجنايات، بشأن خرق السرية ومحاولات التأثير على المحاكمات العادلة والتشهير، لم يتعرضوا للسجن. لكن هناك بعض الصحافيين القلائل الذين اعتقلوا في انتظار المحاكمة بشأن قصية إيرجينيكون وهم متهمون بالعضوية في منظمة إيرجينيكون الإرهابية. وهناك أيضا ثمانية صحافيين من قناة «أودا تي في» معتقلون في انتظار المحاكمة فيما يتعلق بقضية إيرجينيكون. ويزعم الادعاء أن هؤلاء المشتبه بهم يستخدمون موقع قناة «أودا تي في» للتأثير على سير المحاكمة.

وأشار تقرير «بيا» الذي أدرج أسماء جميع الصحافيين الذين سجنوا، إلى تعرض 104 صحافيين و30 موزعا وعاملا في وسائل الإعلام للسجن بنهاية عام 2011. وأن ستة صحافيين فقط من بين 104 وجهت إليهم اتهامات وخضعوا للمحاكمة فيما يتعلق بشكل مباشر بما كتبوه من أخبار وكتب في قضايا جنائية ضدهم، وكل الصحافيين والعاملين في الإعلام الذين دخلوا السجن نتيجة المزاعم بالانتماء إلى منظمة غير شرعية في إطار القانونين الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب.

وبحسب التقرير، فإن 64 من بين 100 صحافي و30 موزعا للصحف من المنافذ الإعلامية الكردية، و27 من 104 صحافيين أدينوا، ولا يزال 34 صحافيا في انتظار المحاكمات.

ويقول محمد أوكوم، محام يعمل في مجال قانون الإعلام، إن تأجيل المشكلات ليس علاجا، وإن أغلب الإصلاح القضائي لا يساعد في حل مشكلات حرية التعبير في الدولة لكنها تختار تأجيلها.

وقال «بدلا من تأجيل المشكلة، ينبغي على الحكومة حل المشكلة الأساسية. والآن مع التأجيل تعطي الحكومة انطباعا بأنها تحاول تقويم الأفراد الذين يتصرفون بصورة معينة. فتقول: سأعفو عنك هذه المرة لكن إن فعلت ذلك مرة أخرى فسوف أعاقبك».

وقد أشار الكاتب والصحافي حسن كمال في عموده في الأول من فبراير (شباط) إلى أنه في النصف الأول من التسعينات سجن ما يقرب من 100 شخص غالبيتهم من الصحافيين الأكراد بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

وكتب في صحيفة «ميليت» اليومية: «كان الصحافيون الأكراد يتعرضون للاغتيال في عمليات قضائية متعسفة في جنوب شرقي البلاد في ذلك الوقت. وفيما يتعلق بالحريات فإن الموقف في تلك الأيام لم يكن أفضل حالا، كما هو الحال اليوم فهي مستقاة من قانون مكافحة الإرهاب».

ولدى الإعلان عن حزمة الإصلاحات القضائية، دعت المفوضية الأوروبية كل المشاركين اغتنام فرصة التعديلات الجديدة والتعامل مع جذور المشكلة التي تقوض حرية التعبير، وحق الحرية والأمن وحق المحاكمة العادلة. وشدد المفوض الأوروبي للتوسع ستيفان فولي على الحاجة إلى ضرورة إدخال تغيير في التعريف في قانون مكافحة الإرهاب والقانون الجنائي الخاص بالإرهاب وعضو منظمة إجرامية لتوضيح الفارق بين حرية التعبير عن الآراء والتحريض على العنف.