ندوة «الإعلام والصحافة في السعودية».. تناقض المشاركين في طرح الرؤية

أكاديمي سعودي: نفتقر إلى التخصصات الصحافية.. وما يوجد وليد الأزمات

جانب من ندوة «الإعلام والصحافة في السعودية» المقامة في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد الفعاليات الثقافية للمملكة العربية السعودية ضيف شرف معرض الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب، تفاعلا متميزا من خلال الحضور والمشاركة التي صاحبت ندوة «الإعلام والصحافة في المملكة العربية السعودية».

وقدم يوسف الكويليت، كاتب ومثقف سعودي، ورقة تحت عنوان «الإعلام من التأميم إلى الفضاء المفتوح»، وذلك خلال الندوة التي أقيمت داخل الجناح السعودي، تطرق فيها إلى الإعلام المعمم الذي ظل بوجه واحد يرسم خرائط اجتماعية ويصوغ فكرها بشكل مبرمج، إلى الإعلام أحادي الجانب المقموع والمسيس، حيث كانت الآيديولوجية هي من تقوم بدور الهيمنة على العقل، خاصة الشمولية منها وظلت تنتشر لتغير الأنظمة، كما تطرق إلى دور التكنولوجيا في تفجير المعلومة، وأشار إلى الإعلام التفاعلي، حيث قال «لا نقول إن الإعلام التفاعلي موضوعي وبلا أساس، لكنه نزع دور الرقيب».

وأشار إلى أن الخليج العربي انتشر فيه الإعلام المسموع والمكتوب قبل المرئي الذي اعتمد على كفاءات عربية كانت سباقة في إنشاء الإذاعات والصحافة وإدارة المطابع، أما في المملكة العربية السعودية فنشأت صحافة الأفراد وهي اهتمت بالشأن المحلي.

ولم يكن الخبر أو التحقيق ومتابعة الأحداث لهم الأهمية الأولى، لكن التطور بدأ يأخذ اتجاها متغايرا، وذلك لأسباب اقتصادية عندما زادت المداخيل، فالإعلام محرك أساسي في الانتقال من مرحلة البدائية إلى كسب المعرفة.

وأوضح الكويليت من خلال ورقته «إننا الآن نعيش صراع أجيال، خصوصا في السعودية، حيث نشأ الجيل الحالي على أحدث مقتنيات العصر، وتوسعت طرق نقل الخبر والمعلومة».

بينما شاركه الدكتور عبد الله بن ناصر الحمود، عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام، بورقة عمل تحت عنوان «جدلية الجمهور في الإعلام المعاصر»، حيث تطرق إلى بعض مظاهر الإعلام السعودي في تداعيات المرحلة الإعلامية الراهنة على اقتصادات الإعلام وفحص مدى مواءمة الإعلام السعودي مع تلك التداعيات.

وأشار في البداية قائلا «تستهدف ورقتي التي أعددتها اليوم إلى أنه على الرغم من أن الباحثين في ميدان الدراسات الإعلامية قد سعوا منذ ثلاثينات القرن الماضي بإثبات قدراتهم على فحص العلاقة بين عناصر العملية الإعلامية وعلى تشخيص الموقف وتحديد الأدوار بصفة وبنسبة وفعالية عالية، فإن المرحلة الانفصالية الراهنة تبدو أكثر تعقيدا، حيث إن التحولات التي شهدتها العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام كانت قد ألقت بثقل كبير على فهم الجمهور نفسه.

ذلك الفهم الذي ألقى بثقل على تفسير العلاقة المتأصلة بين المضامين والوسائل نفسها والجمهور، وبالتالي وضعت المؤسسات الإعلامية التقليدية في مأزق حرج».

وأضاف «لقد أثبتت الدراسات منذ فترات سابقة هذه الجدلية، التي بدأت تأخذ عمقا نحو فهم جديد للعملية الانفصالية خلال عام 2004، وهو العام الذي شهد إطلاق موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، حيث مواقع التواصل الاجتماعي غيرت جدا من مفاهيم العملية الاتصالية، ولا يزال الجدل في اتساع مستمر منذ ذلك الحين».

وتطرق الحمود إلى جدلية علاقة الاقتصاد والإعلام في المملكة العربية السعودية، حيث يرى أن ذلك أدى إلى أمرين، الأول هو الطبيعة التزامنية التفاعلية للإعلام، التي لم تعد المؤسسة الرسمية تمتلكها مثلما المؤسسات الخاصة أو التجارية وضرورة الكفاية المهنية، باعتبار أن المنتج اليوم الذي يحظى بالقبول لدى الجمهور، وبالذات الجمهور الشاب، هو الحقائق، وهو ما جعل المؤسسات الرسمية الإعلامية في مأزق كبير.

والثاني أهمية السوق الإعلامية في المملكة العربية السعودية وأنها تجمع بين خاصتين، الكثافة السكانية والقدرة الشرائية.

وأشار إلى التحول الرقمي السريع، فقال: «إن أنماط ووسائل استقطاب الجيل السعودي تقدمت كثيرا عن ما كان عليه منذ فترة، وذلك من خلال الشيوع غير المسبوق للتواصل مع الآخر».

كما تطرق إلى الدور المحوري للتلفزيون، حيث قال إنه على الرغم من سطو الشبكات الاجتماعية في المجتمع السعودي، فإن التلفزيون يمتلك مكانة عالية جدا في المجتمع نتيجة أمرين مهمين، أنه الوسيلة الأسرع والأسهل للتعرف، والأمر الثاني أنه الوسيلة الترفيهية الأقوى نتيجة لغياب كامل لدور السينما وضعف في العروض المسرحية، لذلك ما زالت القنوات التلفزيونية تمثل تعويضا مهما جدا للفئات المختلفة من الشباب والكبار في المملكة.

وطرح الدكتور الحمود جدلية الصحافة المطبوعة، حيث رأى أنه «على الرغم من التطورات التي تشهدها الصحافة المطبوعة، فإن هنالك أزمة إدارية، وبالتالي وجه الكثير من الباحثين المعنيين بالدراسات الإدارية انتقادات حادة حول السلبيات التي سيطرت على العمل الصحافي في المملكة، حيث أصبح لدينا نماذج سيئة من الصحافيين وصفهم بالصحافي الموالي والصحافي الرجعي وغيرها من المسميات».

ورأى أن «هذه النماذج أنتجها الواقع الإداري السيئ في المؤسسات والتنافس على امتلاك الأرباح دون تقديم خدمة جيدة للمهنة، وهذه جدلية مستمرة، وكما أن المؤسسات الصحافية لا تعمل على الصحافيين، حيث إنه لا يوجد لدينا صحافيين متخصصين في المملكة، بل وهي ندرة، على سبيل المثال، الصحافي الرياضي، وهذا موجود منذ القدم، والصحافي الأمني إلى حد ما، وإن كان قد ظهر نظرا للظروف الأمنية، والصحافي الاقتصادي، لكنه لا يزال في مرحلة مبكرة، وغير ذلك لا يوجد لدينا صحافي نفطي على سبيل المثال وصحافي صحي، وغيرها، وكل هذا مرتبط بالنمطية الإدارية التي تتوجه للمكاسب الاقتصادية وهي الأرباح».

وفي رده على سؤال حول الصحافيين المتخصصين، قال الحمود «إن الصحافي المتخصص في المملكة يظهر خلال ظهور أزمة معينة في مجال ما، على سبيل المثال ظهر الكثير من الصحافيين الاقتصاديين في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة الأزمة الاقتصادية التي مرت على المجتمع ومشاكل الأسهم، فأخرجت إعلاميين متخصصين في هذا المجال، لكنهم محدودون».

كما أن الأزمة الأمنية التي مرت على المملكة منذ 2001، بدأت تدفع إلى ضرورة وجود صحافي أمني متخصص، وذلك لأن المؤسسات الأمنية أصبحت تمارس الضغط على المؤسسات الإعلامية، بينما القضايا الأمنية لا بد أن يتولاها صحافي مطلع وخبير في القضايا الأمنية.

ما عدا ذلك فالوضع سيئ للغاية، حيث نحن في أمس الحاجة لإعلامي تنموي شامل وهذا لا يوجد، وبحاجة إلى إعلامي صحي وإعلامي تربوي، وهذه المجالات التي لم تمر بأزمة ظلت منسية، والمؤسسات الصحافية متجاهلة هذا الموضوع، لأن هدفها الأساسي هو الربح.