المؤسسات الإخبارية غير الربحية تدرس الاندماج

شكوك حول جدوى نجاح العملية من الناحيتين المالية والقانونية

ليزا فريزر
TT

في أوائل عام 2009، واجه سكان سان فرانسيسكو تهديدا حقيقيا بأن تكون مدينتهم هي أول مدينة أميركية كبرى من دون صحيفة يومية، حيث كانت الصحيفة الوحيدة في المدينة «سان فرانسيسكو كرونيكل» والمملوكة لمؤسسة «هيرست» الإعلامية، تواجه مشاكل مالية أجبرتها على فصل عدد كبير من مراسليها، في الوقت الذي انتشرت فيه شائعات بأن مؤسسة «هيرست» سوف تقوم بإغلاق الصحيفة التي يتم إصدارها منذ 145 عاما.

وقال وارين هيلمان، وهو مستثمر معروف بمشروعاته الخيرية في سان فرانسيسكو، لأصدقائه إنه قلق بخصوص احتمال فقدان التغطية الإخبارية في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وإنه كلف شركة «ماكينزي آند كومباني» بتقييم عملية شراء صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل». ومع ذلك، رفض هيلمان تلك الفكرة، وقرر بدلا من ذلك الدخول في تجربة جديدة من خلال الصحافة غير الربحية. وبالفعل، تم افتتاح صحيفة «ذي باي سيتزن» في عام 2010 برأسمال بلغ 5 ملايين دولار، وشهد الافتتاح إقامة حفل تم إحياؤه من قبل فرقة هيلمان «ذي رونغلرز»، وعزف هيلمان بنفسه على آلة البانجو.

وقد رحل هيلمان بصورة مفاجئة في الثامن عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن عمر يناهز السابعة والسبعين، نتيجة بعض مضاعفات العلاج من سرطان الدم. والآن، تدرس صحيفة «ذي باي سيتزن» عملية اندماج محتملة، وفقا لما صرح به أشخاص مطلعون على المناقشات، وهي الخطوة التي من الممكن أن تتم من خلالها السيطرة على الصحيفة من قبل مؤسسة إخبارية غير ربحية في مدينة بيركلي.

لقد فقدت الصحيفة مؤسسها وممولها بوفاة هيلمان. وعلاوة على ذلك، استقال رئيس تحرير الصحيفة، جوناثان ويبر، بشكل مفاجئ في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت المديرة التنفيذية، ليزا فريزر، أنها سوف تستقيل من عملها في أوائل عام 2012 لدواع صحية. وخلال الأسبوع الماضي، أعلن رئيس تحرير الصحيفة المؤقت ستيف فاينارو، وهو الحائز لجائزة «بوليتزر» عندما كان يعمل مراسلا صحافيا في «واشنطن بوست»، أنه قدم استقالته لمتابعة أحد مشروعات الكتب.

وخلال الأسابيع القليلة التي سبقت وفاته، قام هيلمان، حسب بعض المصادر، بالدخول في مناقشات مع فيل برونشتاين، وهو رئيس إحدى الصحف المحلية ونائب رئيس مؤسسة «هيرست كوربوريشن» سابقا، لكي يشغل منصب المدير التنفيذي لصحيفة «ذي باي سيتزن» بعدما استقالت فريزر من منصبها. وقد رفضت فريزر الإدلاء بأي تصريحات لهذا المقال.

يذكر أن برونشتاين (61 عاما) كان يعمل كمحرر في صحيفة «ذي سان فرانسيسكو كرونيكل» خلال الفترة بين عامي 2003 و2008 (وقد شغل في السابق منصب محرر تنفيذي في الصحيفة)، وهو الآن رئيس مجلس إدارة مركز الصحافة الاستقصائية الذي يتخذ من مدينة بيركلي مقرا له، وهو مؤسسة صحافية غير ربحية تم إنشاؤها في عام 1977. وبصفته عضوا في مجلس الإدارة، اشترك برونشتاين في إنشاء مشروع «كاليفورنيا ووتش» التابع للمركز، والذي ضم أكبر فريق للصحافيين الاستقصائيين في كاليفورنيا. وقد تم إنشاء «كاليفورنيا ووتش» الذي يضم 27 محررا، في عام 2009، ويقوم بتوزيع ما يسمى بـ«الصحافة ذات التأثير الكبير» على أكثر من 80 مؤسسة صحافية مختلفة.

وقال برونشتاين، وفقا لأشخاص مطلعين على مداولات ومناقشات مجلس الإدارة، إنه سوف يقبل العمل كمدير تنفيذي لصحيفة «ذي باي سيتزن» فقط في حالة دمجها مع مركز الصحافيين الاستقصائيين ومشروع «كاليفورنيا ووتش». وفي شهر ديسمبر، وبعد وقت قصير من وفاة هيلمان، بدأ بعض أعضاء مجلس الإدارة وبعض الشركاء في صحيفة «ذي باي سيتزن» - بما في ذلك صحيفة «نيويورك تايمز» التي تتحمل إصدار صحيفة «ذي باي سيتزن» يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع في طبعاتها في منطقة خليج سان فرانسيسكو - يسمعون عن عملية الدمج المحتملة بين صحيفة «باي سيتزن» ومركز الصحافيين الاستقصائيين.

وقال برونشتاين إنه كان يجتمع مع هيلمان بصورة دورية على مدار سنوات لمناقشات الأمور المتعلقة بالصحافة، بما في ذلك الأفكار الجديدة التي كان يطرحها هيلمان مثل نشر بعض المقالات والأعمدة الجديدة في صحيفة «ذي كرونيكل» مثل أعمدة بعنوان «وغد الأسبوع» و«محتال الأسبوع»، وغيرهما. وأضاف برونشتاين أن هيلمان كان يفكر، قبل إنشاء صحيفة «ذي باي سيتزن»، في التبرع لمركز الصحافيين الاستقصائيين «بشكل كبير»، وبعد إنشاء الصحيفة كان هناك الكثير من التقارير التي تشير إلى وجود تعاون وثيق في مجال العمل بين الصحيفة والمركز.

وقد أكد أشخاص مطلعون على المناقشات خلال الأسبوع الحالي أنه لم يتم التوقيع على اتفاقية بشأن عملية الدمج، وأنه لا يوجد أي منطق من الناحية المالية أو القانونية لدمج مؤسستين غير ربحيتين في كاليفورنيا كلتيهما تخضع للمادة رقم 501 (ج)3 من قانون دائرة الإيرادات الداخلية. يذكر أن أي عملية دمج يجب الموافقة عليها من قبل المدعي العام للولاية، كامالا هاريس، والتي تشرف على عمليات الدمج بين المنظمات غير الربحية.

وقال جين تاكاجي، وهو متخصص في قوانين المؤسسات غير الربحية ومحام في مؤسسة «إن إي أو لو غروب» في سان فرانسيسكو «يحق للمدعي العام أن يتدخل ويمنع دمج أي منظمتين إذا لم يكن هناك تطابق في أهدافهما، فلا يمكن أن يتم الدمج بين الأوبرا وجمعية الرفق بالحيوان، على سبيل المثال».

من جهته، عرض برونشتاين، وهو المرشح الأوفر حظا لتولي منصب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الجديدة بعد الدمج، على مجلس الإدارة رؤية عن المؤسسات الإخبارية المدمجة التي سوف تخلق «مستوى غير مسبوق من المساءلة في منطقة خليج سان فرانسيسكو وتخلق أكبر فريق للصحافة الاستقصائية في المنطقة». ومع ذلك، أشار برونشتاين، في عرضه، إلى ضرورة توفير مليون دولار كنفقات تشغيلية و900000 دولار كمرتبات للعمال الذين سيتضاعف عددهم نتيجة عملية الدمج.

وخلال عرضه، لم يتطرق برونشتاين إلى الاتفاق التعاقدي لصحيفة «ذي باي سيتزن» والذي تقوم بمقتضاه بمد صحيفة «نيويورك تايمز» بأخبار منطقة خليج سان فرانسيسكو كل أسبوع. وقال برونشتاين إن الاتفاق يمكن أن يتعارض مع الشراكات الموجودة بين مركز الصحافة الاستقصائية والعشرات من شركاء الطباعة الآخرين.

وأصبح الاندماج المحتمل بين كل من صحيفة «ذي باي سيتزن» ومركز الصحافة الاستقصائية ومشروع «كاليفورنيا ووتش»، وهي ثلاثة من المشروعات الصحافية الأكثر طموحا وجذبا للرأي العام في كاليفورنيا، مادة خصبة للتكهنات داخل غرف الأخبار في كل من المؤسسات الثلاث.

وقال آرون غلانتز، وهو مراسل بصحيفة «ذي باي سيتزن» ورئيس مجلس إدارة وحدة «نيوزبيبر غيلد» في غرفة الأخبار «لقد تم إبعاد الصحافيين عن العملية، فلم يقم مجلس إدارة المؤسسة أو الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته بالتشاور مع الموظفين في ما يتعلق بعملية الدمج المحتملة».

وقد حضر فاينارو عدة اجتماعات لمجلس الإدارة كانت تتم خلالها مناقشة عملية الدمج، لكنه امتنع عن الحديث عن التفاصيل. وفي ما يتعلق برحيله، قال إن الفرصة للعمل على تأليف كتاب مع شقيقه، المحقق الصحافي مارك فاينارو «كان بمثابة حلم بالنسبة لهما».

وأضاف فاينارو أن مجلس الإدارة غير قادر على تحديد استراتيجيته، ولذا «شعرت بأن القرار كان جيدا بالنسبة لي». وقال فاينارو لزملائه إنه سوف يشغل منصبا في مجال الصحافة الاستقصائية في شبكة «إي إس بي إن». وسيكون آخر يوم لفاينارو في المجلة هو يوم الخميس القادم.

وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، قال غلانتز «إننا نشعر بقلق بالغ لأن عدم وجود رئيس تنفيذي أو رئيس تحرير سوف يتركنا من دون شخص قادر على الدفاع عما قمنا به جميعا في صحيفة (ذي باي سيتزن)». وقال روبرت روزنتال، المدير التنفيذي لمركز الصحافة الاستقصائية «أعتقد أن هناك إمكانية كبيرة للدمج بين منظمتين قويتين وفريدتين من نوعهما ولمزج عناصر قوتهما وأصولهما في شيء واحد فريد من نوعه في مجال الصحافة غير الربحية. ويمكن أن تكون هذه نقطة تحول من حيث الابتكار في توصيل الخبر إلى كل المنابر وإشراك الجمهور في الطرق التي كانت غير واردة بالمرة قبل خمس سنوات من الآن، وذلك نتيجة لتطور التكنولوجيا ووسائل الإعلام الاجتماعية».

وقال برونشتاين إنه يشترك في الرؤية نفسها التي يطرحها روزنتال، وأشار إلى وجود مناقشات مستفيضة في ذلك الشأن، وأنه «يمكن أن تتم الأمور بسرعة، ويمكن أن تنهار بسرعة أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»