«واشنطن بوست».. إرث يعاد ترتيبه

تواجه نفس مشكلات الصحف الأخرى نتيجة تقلص عائداتها والظروف الاقتصادية الصعبة

ماركوس بروتشلي المحرر التنفيذي لصحيفة «واشنطن بوست» («واشنطن بوست»)
TT

في أحد أيام الأحد في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول)، قام ماركوس بروتشلي، وهو المحرر التنفيذي لصحيفة «واشنطن بوست»، بدعوة بعض الصحافيين الأكثر شهرة بالصحيفة إلى مأدبة غداء في منزله بضاحية بيثيسدا بولاية ماريلاند. وطلب من ضيوفه، الذين كان من بينهم شخصيات حائزة على جائزة بوليتزر، مثل بوب وودوارد ودانا بريست وديفيد مارانيس وريك أتكينسون، جنبا إلى جنب مع دان بالز، وهو مراسل في الصحيفة، وروبرت قيصر، وهو أحد كبار الكتاب والمحررين بالجريدة، الذي يعمل بالصحيفة منذ عام 1963، طلب منهم مساعدته ومساعدة الصحيفة في نفس الوقت.

وأراد بروتشلي أن يعرف آراء ضيوفه فيما يتعلق بكيفية تغطية الصحيفة لانتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2012، وكيفية تحسين تلك التغطية. وقال الضيوف إن الصحيفة بحاجة إلى تحقيق توازن بين عملها الشاق على مدار 24 ساعة وخلال أيام الأسبوع السبعة وبين المشاريع الأكثر طموحا على المدى الطويل.

وكان الاجتماع بمثابة بادرة غير عادية من بروتشلي، فخلال الثلاث سنوات التي قضاها كأول شخص أجنبي يدير الجريدة على مدار سبعة عقود من الزمان، كان بروتشلي يحارب في كثير من الأحيان التصورات بأنه لا يكترث للقلق الذي يعتري موظفيه.

ومع ذلك، يعي بروتشلي تماما حجم التوتر الموجود في صميم مهمته، وهو التوتر الذي لا يواجه الصحف فحسب، ولكنه يواجه أيضا شركات الإعلام في مجالات الموسيقى والأفلام والكتب والمجلات والتلفزيون. وأصبح بروتشلي بحكم عمله مسؤولا عن المحافظة على المعايير والإرث العريق للمؤسسة الإخبارية الكبيرة - في هذه الحالة صحيفة كاثرين غراهام وبن برادلي وودوارد وكارل بيرنشتاين - في الوقت الذي يواجه فيه الواقع القاسي للعصر الرقمي، الذي أثر بكل تأكيد على عظمة الصحف الكبرى.

وقد رفض بروتشلي أن يظل أسيرا للماضي، وقال في إحدى المقابلات الشخصية: «يحن كثيرون في مجال الصحافة للماضي وينظرون إلى ما كانت عليه الصحف في الماضي، ولديهم رأي ثابت فيما يتعلق بطريقة عمل الصحافة. إن عمل «واشنطن بوست» بطريقة معينة في الماضي لا يعني أنه يتعين عليها العمل بنفس الطريقة في المستقبل».

وتواجه «واشنطن بوست» نفس المشكلات التي تواجهها الصحف الأخرى التي تقلصت عائداتها بعدما انخفضت الإعلانات بشكل كبير نتيجة الاعتماد على الإنترنت والظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن يعد الوضع الذي تمر به «واشنطن بوست» أكثر صعوبة، في بعض النواحي، فخلافا لمعظم الصحف الأخرى التي لديها تطلعات وطنية، تعتمد «واشنطن بوست» على السوق المحلية فقط، كما تعتمد على المعلنين المحليين والمشتركين الذي أصبحوا يعتمدون منذ ذلك الحين على الإنترنت.

وعلى الرغم من أن مديري الشركة يقولون إن «واشنطن بوست» تحقق أرباحا متواضعة، فإن قسم الصحافة، الذي يشمل أيضا مجموعة من الصحف المحلية وصحيفة «ذي هيرالد أوف إيفرت» بولاية واشنطن، قد صرح بأن الخسائر التشغيلية قد بلغت نحو 26 مليون دولار خلال الثلاثة أرباع الأولى من العام الماضي.

ما فاقم من مشكلات الـ«بوست» الضرر الكبير الذي لحق بدخلها الآمن. فقد ظلت الشركة على مدى عقود تعتمد على «كابلان» - جامعة خاصة وشركة لإعداد الاختبارات - التي اشترتها عام 1984. ولكن كابلان قد تقلصت تحت وطأة القواعد الاتحادية الجديدة التي وضعت مزيدا من القيود على مدى قيام الكليات الربحية بتوظيف وإلحاق الطلاب ذوي الدخل المنخفض.

وبعدما كانت شركة «كابلان» هي أكبر الأعمال وأسرعها نموا في شركة «واشنطن بوست»، أصبحت الآن شركة بطيئة في النمو وتعاني من الكثير من المشكلات، حيث أصبح مساهمة التعليم الآن في الدخل التنفيذي للشركة أقل من مساهمة القسمين اللذين كانا تاريخيا أقل الأقسام مساهمة في الدخل، أي البث التلفزيوني والشبكات الإخبارية، وفقا للتقارير المالية الأخيرة.

وقد أثر ذلك بالتأكيد على الأعمال الأخرى للصحيفة والشركة برمتها، حيث قلصت غرفة الأخبار عدد الموظفين بها من أكثر من 1000 موظف إلى أقل من 640 شخصا، وعانت غرفة الأخبار كثيرا بسبب عمليات الاستحواذ والانشقاقات بين الموظفين.

وعلاوة على ذلك، تقلص عدد العاملين بقسم الموضة والأزياء بالصحيفة، الذي كان يوما ما واحدا من أبرز الأقسام في الصحافة الأميركية، من نحو 100 شخص إلى ربع هذا العدد تقريبا، كما تم إغلاق مكاتب الصحيفة في نيويورك ولوس أنجليس وشيكاغو. وكان هناك الكثير من حفلات الوداع في أيام الجمعة لوداع العاملين المغادرين للشركة خلال الصيف الماضي، واضطر المحررون للتنسيق فيما بينهم حتى لا يحدث تتداخل في العمل.

وقال قيصر في مقابلة في شهر ديسمبر (كانون الأول): «أصبح بقاء هذه المؤسسة غير مضمون». وقد شغل قيصر الكثير من المناصب في الشركة على مدى خمسة عقود، بدأها كمتدرب في فصل الصيف، ثم مراسلا للصحيفة في واشنطن، ثم مراسلا أجنبيا، إلى أن أصبح النائب الثاني للين داوني، الذي كان يشغل منصب المحرر التنفيذي للصحيفة قبل بروتشلي.

وقال قيصر: «عندما كنت أشغل منصب مدير تحرير صحيفة «واشنطن بوست»، كان كل ما نقوم به أفضل مما يتم في أي عمل آخر، حيث كان لدينا أفضل تقرير عن الأحوال الجوية، وأفضل قسم للرسوم الهزلية، وأفضل تقرير صحافي، أما الآن، فهناك منافسون يقومون بكل ما نقوم به، بل إن بعضهم يقوم بأفضل مما نقوم به في واقع الأمر. لقد فقدنا تفوقنا في بعض الوسائل المهمة والأساسية للغاية».

وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت الصحيفة عن جولة جديدة من عمليات الشراء الطوعية، في محاولة للتخلص من 20 وظيفة أخرى، حيث أعلن المديرون مرارا وتكرار أن هناك واقعا أليما يتمثل في أن الصحيفة لا تحقق الربح الكافي الذي يمكنها من دفع رواتب العاملين بها.

وبناء على ذلك، قام بوتشلي بالإشراف على عملية إعادة توجيه غرفة الأخبار وتكييفها وفقا للظروف والأوضاع الجديدة، وبدأ المحررون يستعينون بالمواقع الإلكترونية للمنافسين في هذا المجال مثل موقع «بوليتيكو» وموقع «ذي هافينغتون بوست».

ويمكن لهذه الجهود أن تتمخض عن دراسة رفيعة المستوى بشأن كيفية قيام شركة بتشجيع الثقافة الرقمية في نفس الوقت الذي تحافظ فيها على إرثها وتراثها القديم. ومع ذلك، لا تعد عملية التحول شيئا سهلا على الإطلاق، حيث دائما ما تشهد غرفة الأخبار كثيرا من التوترات والمشكلات الواضحة بين بروتشلي وناشر الصحيفة.

وقد عملت «واشنطن بوست» على توسيع نطاق وجودها على شبكة الإنترنت من خلال محاولة الخلط بين العظمة القديمة للصحيفة والوسائل الحديثة للإنترنت، فقامت بإنشاء مدونات جديدة ورائعة، مثل مدونة عزرا كلاين، بعنوان «وونكبلوغ»، علاوة على مدونة «سيليبريبولوجي 2.0» الذي يمكن للقارئ أن يستمتع بقراءة الأخبار المتعلقة بالممثلة وعارضة الأزياء الأميركية الشهيرة كيم كارداشيان ومغني البوب الشهير جوستين بيبر فيها.

وحتى قبل عامين فقط من الآن، كانت صحيفة شركة «واشنطن بوست» تتخلف بشكل كبير عن ركب الكثير من منافسيها فيما يتعلق بالابتكار على شبكة الإنترنت، لدرجة أن العمليات الرقمية للشركة كانت موجودة في ولاية فيرجينيا ويتم إدارتها عن طريق مديرين في واشنطن. ولكن تغير هذا الوضع، عندما قام بروتشلي وكاثرين ويماوث، ناشر الصحيفة، بدمج الجانبين في النصف الأول من عام 2009، حيث أصبح الصحافيون المسؤولون عن موقع الصحيفة على الإنترنت يعملون الآن بجانب المحررين في مقر الصحيفة في شارع 15 في وسط واشنطن. وقد تم إعادة توجيه عمل غرفة الأخبار، بتوجيه من راجو ناريستي، وهو واحد من اثنين من المحررين الذين أحضرهم بروتشلي للصحيفة، للتفكير في هدف واحد أساسي، وهو جذب أكبر عدد ممكن من الأشخاص لموقع الصحيفة على الإنترنت «Washingtonpost.com».

وقد أحضر ناريستي، الذي ترك الصحيفة الشهر الماضي للعمل في وظيفية جديدة في صحيفة «وول ستريت جورنال»، التي عمل بها من قبل هو وبروتشلي قبل العمل في «واشنطن بوست»، أحضر شاشات مسطحة كبيرة لغرفة الأخبار لتسليط الضوء على أهم القضايا التي تحدث على الإنترنت، كما أدخل نظاما جديدا للنشر الداخلي يتطلب من الصحافيين التعرف على الكلمات الرئيسية الأكثر استخداما على «غوغل»، التي تجذب القراء، قبل أن يبدأوا تحرير أخبارهم.

هناك 35 تقريرا يوميا مختلفا تتعقب الزيارات إلى الأقسام المختلفة على الموقع الإلكتروني. ويتلقى مدير التحرير تقرير أداء في منتصف اليوم، يخبرهم ما إذا كان على الموقع الذي يلبي أهداف زيارته خلال اليوم. وإذا ما اتضح أنهم يخسرون بذلك هدفهم يأمر المحررون برفع محتوى جديد.

وقال ناريسيتي في مقابلة قبل رحيله: «كنت أتناول الغداء، فتحت ذلك البريد واتصلت بالأشخاص وقلت لهم: يبدو الأمر وكأننا لا نقدم محتوى كافيا. ما الذي يمكننا تقديمه؟» كان مديرو التحرير يؤمنون بوجهة النظر القائلة إن دراسة إحصاءات الزيارات إلى الموقع الإلكتروني يمكن أن تكون طريقة فعالة في تحديد المكان الذي ينبغي أن تتركز فيه موارد الصحيفة.

وقال: «لنفترض أنك تنظر إلي موظفيك المحللين، وبسبب الضغوط تضطر إلى نقل الأفراد، لذا فأنت تخبر المحررين المحليين، بأن هذه هي الإحصاءات، وهذه هي مطالب جمهورنا. وفي بعض الحالات ينتقل المحرر إلى دور المراسل، أو أن يقول الأفراد نحن نعيد تنظيم هذه الإيقاعات، ومن ثم فلسنا بحاجة إلى أربعة أفراد لتغطية هذا النظام، يمكننا القيام به بثلاثة أفراد فقط».

الزيارات ليست العامل الوحيد الذي يمكن من خلاله للمحررين تحديد وقف أو توسيع مدونة. بل هم قادرون أيضا على دراسة ما يشاهده الزوار لدى الدخول إلى الموقع الإلكتروني. وإذا ما كانت حاسباتهم مسجلة بنهايات حكومية مثل -.gov,.mil,.senate or.house - يعلم المحررون أنهم بذلك وصلوا إلى القراء الذين يرغبون.

ويقول ناريستي: «هؤلاء هم قراؤنا من أصحاب النفوذ، فإذا لم تكن المدونة تحظى بإقبال كبير ولكن بها نسبة كبيرة من هذه النوعية من الأفراد، فلا داعي للقلق بشأنها».

يتم تدريب موظفي الـ«بوست» على لغة زيارة المواقع، ففي مذكرته إلى العاملين يتوقع أن يستشهد بروتشلي بمصطلحات، مثل مشاهدات الصفحات والزوار المتفردين وعروض الإعلام الاجتماعي وهو يشيد بالإنجاز الصحافي. ففي بداية الشهر، أرسل رسالة بريد إلكتروني إلى غرفة الأخبار، يقول فيه: «كان شهر يناير (كانون الثاني) أفضل الشهور بالنسبة للطبعة الإلكترونية، فقد تجاوزنا كل الأرقام القياسية السابقة. وقد تفوقنا على الأرقام القياسية الشهرية لزيارة الصفحة بنسبة 9 في المائة، للزيارات لتصل إلى 14 في المائة و12 في المائة للزوار المتميزين».

وأضاف: «الانتشار في كل مكان علامة على أننا نتكيف بفاعلية إزاء ما يرغب به قراؤنا».

ووفق أحد المقاييس الهامة، فقد أثمرت جهود «واشنطن بوست». فقد وصل عدد زوار «واشنطن بوست»، مؤخرا 19.6 مليون زيارة متفردة شهريا، بحسب موقع «كوم سكور»، مما جعلها ثاني أكبر مواقع الصحف الأميركية زيارة بعد موقع «نيويورك تايمز».

كان تاريستي وبروتشلي شركاء قريبين في عملية التجديد الرقمي لغرفة الأخبار، لكن علاقتهما شهدت توترا في النهاية. ففي إحدى المشادات التي شهدها الصحافيون في ديسمبر (كانون الأول)، واجه بروتشلي ناريسيتي في غرفة الأخبار حول خبر نشر خطأ على مدونة قال إن ميت رومني استخدم لغة من الكو كلوكس كلان في كلماته الجماهيرية. وقد أجبر هذا الخطأ الصحيفة على نشر تصحيح على نحو غير معهود.

وفي مقابلة قبل رحيله، سئل ناريسيتي عما إذا كان يعتقد أن غرفة تحرير الأخبار ستكون بنفس الحجم في نهاية هذا العام.

وقال: «هناك شيء واحد لا يستطيع أي محرر في أي غرفة أخبار في هذه البلاد أن يقول إنها ستكون أصغر حجما»، مشيرا إلى أنه إذا طلب منه رؤساؤه عن عدد الأفراد الذين يحتاجهم لإخراج الصحيفة، فإن الفرص هي أننا لن نقول 360.

على الرغم من الإصرار على الطبعة الرقمية واصلت «واشنطن بوست» الازدهار عبر معايير أكثر تقليدية. فيشير بروتشلي إلى أهم الإنجازات الصحافية التي حققتها الصحيفة تحت قيادته، والتي كان من بينها خمس جوائز بوليتزر ومقالات كانت أشبه بتحقيقات عن عملاق صناعة التأمين شركة «غيه آي جي»، ودورها في الانهيار الاقتصادي عام 2008.

وقال: ««واشنطن بوست» لا تحتاج إلى تغطية أي شيء، لكن ما تغطيه الصحيفة تغطيه بحرفية كبيرة. وأعتقد أن فريق أي غرفة أخبار اليوم يدرك على وجه اليقين أننا نعيش صناعة متغيرة، ونواجه ضغوطا تنافسية ثابتة، وتحديات اقتصادية واضحة وفرصة عظيمة لإعادة التفكير في كيفية تغطية القضايا».

ولذا فإن بعض ممن عاصروا الفترة التي كانت «واشنطن بوست» تغطي فيها كل شيء قالوا إنهم يدركون طبيعة المهمة التي يواجهها بروتشلي، وإنهم يعتقدون أنه لا يحصل على التقدير الذي يستحقه.

فيقول وودورد: «أيا كان ما ستقوله بشأن الصحيفة ومكانتها، فهي الأفضل بين كل الصحف. فهناك شخص إخباري من الدرجة الأولى يتولى المسؤولية، الذي يتميز بالوضوح والحماسة وكفاح برادلي».

ما من أحد يحمل وزن إرث الـ«بوست» أكثر من كاثرين وايموث، 45 عاما، ناشرة الصحيفة وخامس أفراد العائلة التي تحمل اللقب. فجدتها، كاثرين غراهام، كانت رئيسة «بوست» المحبوبة. وعمها دونالد غراهام الناشر السابق، الذي يشغل في الوقت الراهن منصب المدير التنفيذي لشركة «واشنطن بوست».

وشهادة دونالد غراهام بين موظفيه أنه على الرغم من الأوقات العصيبة، فإنه يحظى باحترام واسع النطاق بين موظفيه.

تخرج دونالد غراهام في جامعة هارفارد وتم إيفاده إلى حرب فيتنام، وانضم إلى القسم السياسي في «واشنطن بوست» قبل العمل كمراسل للصحيفة. نشأت وايماوث في الجانب الشرقي من مانهاتن، ودرست في مدرسة بريرلي ثم تخرجت في جامعة هارفارد ثم سلكت طريقا غير مباشر إلى «واشنطن بوست» بصورة ما. وبعد التخرج في كلية ستانفود للقانون انتقلت إلى واشنطن للعمل كمحامية في شركة.

انضمت واينماوث إلى صحيفة «واشنطن بوست» كمساعدة مستشار في عام 1996 وتم ترشيحها للعمل كناشر للصحيفة في فبراير (شباط) من عام 2008 مع بداية الركود الكبير. وفي واحدة من أولى قراراتها الرئيسة أدهشت غرفة الأخبار بالاتصال من خارج المؤسسة ببروتشلي الذي قبل براتب كبير واستقال من عمله السابق، في إدارة «وول ستريت جورنال» تحت إدارة رئيسها الجديد روبرت ميردوخ.

كانت ترى في بروتشلي ذلك النوع من القادة القادر على أن يمثل شريكا قويا في صياغة استراتيجية عمل «بوست» في الجيل المقبل. وقالت في مقابلة: «أعتقد أنه عندما انتقل إلى الـ(بوست) كان يعي تماما متطلبات هذا المنصب» كان بروتشلي راغبا أيضا في تولي المهمة غير المحببة من خفض عدد العاملين في غرفة تحرير الأخبار. وأضافت: «إنها مهمة لم يكن على بن برادلي القيام بها، ولم يكن على لين دوني سوى القيام بقدر ضئيل منها»، مشيرة إلى مديرين تنفيذيين سابقين للصحيفة. كان ذلك إثباتا بأن وايماوث تلميذة مجتهدة لتاريخ العائلة، على الرغم من تصريحها بأن الإرث ليس شيئا تقضي الوقت الطويل لتفكر فيه.

وتقول عن ذلك: «لا يمكنني التفكير بهذا الشكل».

كانت بداية عملها محفوفة بالصعاب؛ ففي صيف عام 2008 كان على وايموث أن تعتذر بعد أن بات شائعا أن «بوست» تخطط لتكليف أعضاء جماعات الضغط وآخرين لحضور الصالونات الحصرية التي تقيمها في منزلها. وفي سبيل الحصول على دعم جديد أرادت الشركة عقد سلسلة من الفعاليات التي تبرز فيها الصحافيون بحثا عن رعاة جدد. وعلى الرغم من إقامة المجلات فعاليات مماثلة طوال الوقت، فإن ذلك بدا أمرا غير محبب بالنسبة لمؤسسة ذي مكانة كبيرة مثل الـ«واشنطن بوست». وكانت الانتقادات عنيفة وعلى الرغم من الإدراك الدائم لبروتشلي لمهام عمله بأنها ستطلب إدارة صحيفة يومية وموقعا إخباريا يعمل على مدار 24 ساعة على مدار الأسبوع بموارد متقلصة، فإن بعض محرريه لاحظوا فتورا في علاقته بناشرة الصحيفة.

وقال أحد محرري غرفة الأخبار الخبراء إن بروتشلي تحدث عن عراك مستمر مع الناشرة حول القيام بمزيد من التخفيضات. وفي واقعة مرت دون ذكر لها في الصحيفة رفض بروتشلي قبول علاوة في إحدى السنوات، بحسب هذا الشخص.

وعلى الرغم من أن مثل هذه الإشارة، التي جاءت في وقت كانت الصحيفة تخفض فيه من فريق العمل بصورة ملحوظة، ربما تكون قد ساعدت في رفع معنويات وإظهار النوايا الطيبة، اختار بروتشلي أن لا يعلن عن موقفه. وعندما كتبت وايماوث مذكرة في نهاية العام إلى فريق العمل في الصحيفة تمتدح إنجازاتهم وتشكر الأفراد بأسمائهم، غاب اسمه بشكل ملحوظ، مما أدى إلى اعتقاد الكثيرين أنها تحتقره.

وقال شخص آخر اطلع على النص الأصلي للمذكرة، إن اسم بروتشلي ذكر في النسخة الأولى لكنه طلب أن يحذف، وترك الأفكار الخاطئة دون أن يتم تصويبها.

ولا يزال الكثير من العاملين في صحيفة «بوست» يحاولون التكيف على الحياة تحت النظام الجديد، الذي تصل فيه التهنئة من الرئيس التنفيذي إلى صندوقك إلى جانب جداول بيانات حول الدخول إلى الموقع، حيث اختفى أسلوب برادلي وداوني في الإدارة. وعادة ما يخطئ الموظفون وايموث وبروتشلي لعدم التجوال بالقدر الكافي في غرفة التحرير. وباعترافها شخصيا، فإن وايموث تفتقر إلى المرونة والعلاقة المتينة مع غرفة الأخبار. وقالت إن عمها دون يمتلك موهبة كبيرة في تذكر الأسماء، وهو أمر لا تتمتع به هي.

عشية انتخابات عام 2008، اصطحبت ابنتها الصغيرة إلى غرفة تحرير الأخبار لمشاهدة صحافيي «واشنطن بوست»، وهم يعدون الصحيفة التي ستتحدث عن الانتخاب التاريخي لباراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة. كان المراسلون والمحررون والذين لم يشهد غالبيتهم ناشرهم في غرفة الأخبار من قبل، قد دهشوا لكنهم تأثروا بما يشير إليه ذلك من ارتباط وايماوث بالصحيفة. وقالت وايماوث: «أتمنى أن يروني نصيرة غرفة الأخبار. ولذا فأنا أحاول أن أبذل قصارى جهدي»، وأضافت أنها لم تزر غرفة الأخبار بنفس القدر الذي كانت ترغب به، وبررت ذلك بالقول: «دائما ما ترتب باجتماعات، والسفر. أنا أحب النزول إلى هناك كثيرا».

وكان رد بروتشلي على الانتقادات مماثلا، فقال: «الصحافة هو المكان الذي أود أن أقضي فيه جل وقتي، والصحافة هي المكان الذي تكمن فيه عاطفتي. لكن هناك الكثير من القضايا التي تتطلب الكثير من التركيز».

هذا الصيف حاولت وكالة «رويترز» استقطاب بلاز، أحد أشهر المراسلين السياسيين شهرة في البلاد، وكان بروتشلي ومحرر الشؤون الوطنية كيفن ميريدا كارهين لرحيله - بدافع القلق إزاء استنزاف العقول، والضرر المحتمل على معنويات غرفة الأخبار من رحيل من زميل له مثل هذا القدر من التقدير.

قاموا بإرسال المراسل السياسي الشاب فيليب روكر، إلى ميتشغان إلى حيث يقضي بلاز عطلته ويفكر في عرض «رويترز». ظهر روكر أمام منزل بلاز يحمل سلة من الجبن والمشروبات وكتابا ألفاه معا يدعى «ترانيم الحملة الانتخابية: كتابات دان بلاز ليلة الانتخابات»، موقعا عليه من المحررين والصحافيين يحثونه فيه على البقاء. وهو ما دفعه إلى رفض عرض «رويترز».

وقال بلاز: «بالنسبة لي كانت (بوست) ولا تزال صحيفة عظيمة. هل هي مكان مختلف اليوم عما كانت عليه من قبل؟ هذا أكيد. لكنها في النهاية لا تزال مكانا عظيما لصنع صحافيين عظام».

* خدمة «نيويورك تايمز»