«البث المباشر».. من مطرقة الحدث إلى سندان التداعيات

سباق لتخصيص قنوات خاصة له بعد نجاح تجربة «الجزيرة»

TT

فرض «البث المباشر» للأحداث الساخنة التي شهتها ثورات «الربيع العربي» نفسه بقوة على أجندة الإعلام في المنطقة، وشكل نجاح قناة «الجزيرة» في ذلك خطوة سباقة، تبارت الكثير من القنوات في تقليدها، خصوصا أن تداعيات هذه الثورات لم تزل ساخنة على أرض الواقع، وأن الحدث نفسه، لم يعد سجينا في قفص المتابعة الخبرية، بل أصبح يحتاج إلى متابعة شاملة، تغوص في كواليسه وما وراءه، ليقف المشاهد على إيقاع المشهد من كل جوانبه، ويحس بأنه في قلبه بالفعل، وليس مجرد متابع له من زاوية محددة.

في هذا الماراثون تتحسس قناتان وليدتان خطواتهما على درب «البث المباشر» بهدف كسب ثقة أوسع لدى المشاهد، وتنشيط ذاكرته ووعيه على شتى الأصعدة الإعلامية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

أحمد الخطيب، رئيس تحرير قناة «الحياة الآن»، والمزمع انطلاقها في سماء الفضائيات في 15 مارس (آذار) المقبل، كشف عن أن إطلاق هذه القناة يأتي كإضافة جديدة لمجموعة قنوات «الحياة» الخاصة من خلال مواكبة تطورات المنطقة العربية أولا بأول، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما بين مطرقة الحدث وسندان تطوراته لحظة بلحظة بات على الإعلام العربي مهمة انتحارية إثر (ربيع الثورات العربية)، لهذا يعتبر إطلاق قناة (الحياة الآن) خطوة هامة في نيل المزيد من ثقة المشاهد العربي تجاه قنواتنا من خلال قناة متخصصة في نقل الأحداث مباشرة إليه لحظة بلحظة».

وأضاف: «لقد فرضت المتغيرات في المنطقة العربية عوامل جديدة للتعامل مع الأحداث، حيث أصبحت هناك سيولة فيها، ولم يعد ممكنا أن تحتكر نحو 5 قنوات فقط المشهد على الساحة الإعلامية لمتابعة هذا الزخم المتسارع والمتلاحق لحظة بلحظة».

أما عن السياسة الإخبارية التي ستتبعها القناة الوليدة في عالم المنافس فيقول: «إن التحدي صعب للغاية، خصوصا إذا ما عرفنا أن هناك إحصائيات تشير إلى ارتفاع نسبة مشاهدة المواطن العربي لشاشات التلفزة في عام 2011 بنسبة 80 في المائة على العام الذي يسبقها على سبيل المثال، وهذا يرجع إلى حالة الحراك السياسي الكبيرة التي يعقبها حراك مجتمعي لاحق استحوذ على اهتمام المواطن العربي، أيا كانت ثقافته أو توجهاته».

لكن ما هي فلسفة ورؤية قناة تنقل الحدث بشكل مباشر وتتابع الأحداث أولا بأول؟ وما هي معايير المسؤولية التي ستنتهجها إعلاميا وأخلاقيا ومهنيا؟ يقول الخطيب: «إنها مسؤولية كبيرة، فالدعم الإعلامي للكثير من الأحداث المتوالية بشكل غير مسؤول قد يكون عاملا مفجرا للفتن، وهناك أبعاد أخلاقية ومهنية يجب أن يتمسك بها العاملون في الإعلام المباشر، ويمكن القول إن أهمها هو الولاء للدولة المصرية وليس لنظام الحكم أيا كان.. فهذه مهمة صعبة ولكنها وطنية، ويجب على كل إعلامي وكل قناة إعلامية أن تتحقق من طبيعة ما تبثه وما تصدره للناس، فليس كل ما يقال يذاع، وليس كل ما يتم تصويره يبث على الهواء مباشرة، ويجب أن يحكمنا الضمير الوطني قبل كل شيء».

وحول هواجس مرحلة ما بعد انتهاء انتخابات الرئاسة في مصر ونقل السلطة مدنيا، وما إذا كان سيظل مستقبل قنوات البث المباشر مشرقا، أم أن عمل هذه القنوات سيكون مرهونا بنجاح مؤقت يعتمد على الأحداث الكبرى فقط.. يعلق الخطيب قائلا: «لا أعتقد أن الحراك السياسي في مصر سيكون مقتصرا على هذين الحدثين تحديدا»، مضيفا: «إن الحراك المجتمعي أكبر من الحراك السياسي وسيظل في بؤرة الأحداث».

ويتزامن إطلاق قناة «الحياة الآن» مع إعلان قناة «العربية» الإخبارية عن قرب بدء البث التجريبي لقناتها الوليدة «العربية - الحدث»، لتواكب متغيرات المنطقة العربية، كما تقول الإعلامية راندة أبو العزم، مدير مكتب قناة «العربية» في القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «تحت شعار (أن تعرف أكثر) التي تتوجه به قناة (العربية) إلى المشاهد العربي، أتت قناة (العربية – الحدث) لتواكب هذه المعرفة، وليتمكن المشاهد كذلك من الحصول على المعلومات والأخبار بتفاصيل وعمق غير مختزل لأي حدث يقع، فهي مكملة لتوجه وسياسة قناة (العربية) الإخبارية».

وتضيف قائلة: «(الربيع العربي) دفع بقناة (العربية) (الأم) لأن تواكب هذا الربيع من خلال قناة تتابع الحدث خطوة بخطوة، وهو ما تسعى إليه القناة الجديدة».

وتعتبر أبو العزم أن المادة الإخبارية التي ستعتمد عليها قناة «الحدث» في بثها المباشر لن تعتمد على أحداث وقتية، قائلة: «المسألة ليست مجرد حدث وقتي، بل هي حزمة من الأحداث المتلاحقة، خصوصا أنه أمام الدول العربية التي قامت فيها الثورات العربية سنوات وسنوات حتى تستقر بها الأوضاع تماما».

وتواجه قنوات البث المباشر تحديا حقيقا يتمثل في التمويل الإعلاني الذي يعد العامل الرئيسي في قيام أي قناة، لكن أبو العزم ترى أن هذا التحدي سيكون أخف وطأة في قناة «العربية – الحدث» مقارنة بأي قناة أخرى وليدة قائلة: «نعم قد يكون المعلن حجر أساس في قيام أي مؤسسة إعلامية، لكن قناة (العربية) الإخبارية لديها معلنوها الأساسيون وقناة (الحدث) الوليدة لن تكون منفصلة عن القناة الأم، وأعتقد أنه سيكون هناك دعم متبادل ما بين القناتين في هذا الشق».

ومع أهمية الدور الذي لعبته الفضائيات العربية في نقل تطورات «الربيع العربي»، فإنها لم تكن اللاعب الوحيد في تغطية المشهد، فقد ظلت أسيرة في كثير من الأحيان لفضاء «فيس بوك» و«تويتر» ومقاطع «يوتيوب» على النت، وشباب الإعلام الاجتماعي الجديد الذي كان حاضرا ومؤثرا في موازين القوة الإعلامية لمواجهة أنظمة «الشبيحة» و«البلطجية». لهذا تأتي قنوات البث المباشر كطرف فاعل جديد لا ينافس فقط القنوات الفضائية، بل ينافس فضاء الإنترنت الأسرع في نقل الحدث، وكما تقول أبو العزم: «المهمة صعبة والمنافسة مع عالم الإنترنت وفضائه الواسع ستجعل التحدي كبيرا، خصوصا مع اعتماد معايير مهنية لا اختلاف عليها سواء كان ذلك في (العربية) بثا مباشرا أو (العربية الإخبارية)، أو حتى في تعاطي المذيعين أنفسهم مع الأحداث».

وتضيف قائلة: «تجب الإشارة إلى أن (العربية) ستعتمد المهنية في عدم نقل الحدث من وجهة نظر واحدة، بل تعطي الفرصة لكل أطراف الحدث بذات القدر والاهتمام. كما أن عليها أن تعطي بعدا سياسيا آخر به تحليل عميق خلاف قنوات البث المباشر التي قد تعتمد على نقل الحدث فقط، لهذا أعتقد أن مجال المنافسة مفتوح أمامنا بقوة».

وعن طبيعة التكلفة الفعلية لقنوات البث المباشر مقارنة بالقنوات الفضائية تقول أبو العزم: «مما لا شك فيه أن التكلفة الفعلية النهائية ستكون كبيرة ومرتفعة، خصوصا إذا ما كنا نتحدث عن فريق عمل موزع في محافظات مصر على سبيل المثال لمواكبة الأحداث بشكل متواصل، لكن حتى الآن، فإن مكتب قناة (العربية) في القاهرة هو من سيقوم بتأدية مهمة عمل إضافية من خلال عمله لقناة (العربية – الحدث) في فترة البث التجريبي».

ولم يخف مصدر مطلع في قناة «الجزيرة» في القاهرة اندهاشه من ظاهرة إطلاق الكثير من الفضائيات قنوات جديدة تعتمد البث المباشر كقناة جديدة للتواصل مع الشارع العربي، معتبرا أنها خطوة على طريق تقليد قناة «الجزيرة مباشر»، التي كانت أول من قام بتدشين قناة بث مباشر، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «إننا هوجمنا كثيرا، وكان البعض يتهمنا اتهامات مباشرة بسؤال استنكاري: لماذا (الجزيرة مباشر مصر؟) ولماذا إطلاق قناة عن مصر تحديدا؟».

ويضيف: «اليوم الكثيرون تأكدوا أن نظرتنا كانت مهنية بحتة، فمصر بلد محوري وتحتمل قناة مباشرة خاصة بها، والدليل أننا نجد اليوم كل القنوات الأخرى باتت تفعل الأمر نفسه وتطلق قنوات بث مباشر، ولم تنطلق كبث مباشر من دولة أخرى، بل من مصر أيضا!».

ونفي المسؤول أن يكون سلوك قناة «الجزيرة مباشر» الإعلامي تحريضيا قائلا: «نحن نقدم الإعلام المباشر باحترافية شديدة ولا نقدم بثا مباشرا عشوائيا، فالبث المباشر له أخلاقيات أكثر صرامة من البث العادي، وأتمنى أن تحذو حذونا فيه باقي قنوات البث المباشر الوليدة».