مقتل الصحافيين في سوريا يعيد السؤال الأصعب.. ما هو ثمن الأخبار؟

يكونون على الدوام عرضة للمخاطر في طريقهم للبحث عن قصص مثيرة

يتعرض الصحافيون على الدوام للمخاطر في طريقهم للبحث عن قصص مثيرة (نيويورك تايمز)
TT

لخص الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ردود فعل الكثيرين إزاء مقتل الصحافيين الغربيين في سوريا يوم الأربعاء حين أعلن: «هذا يكفي! يجب على النظام السوري الرحيل».

يمثل هذا الغضب الذي أعقب مقتل المراسلة الأميركية المخضرمة لصحيفة «صنداي تايمز» ماري كولفين والمصور الفرنسي الصغير الحائز جائزة الصحافة الفرنسية ريمي أوشليك نقطة تحول في رد فعل العالم لما وصفه المسؤولون الفرنسيون بـ«سلوك لا يطاق من النظام السوري».

لكن الشيء الأكيد هو أن عملهم حقق غايتهم المنشودة في تسليط الاهتمام العالمي على ممارسات النظام السوري الوحشية في مدينة حمص المحاصرة. وقد أثار المصير الذي لقيه هذان الصحافيان السؤال الأبدي المطروح في كل المكاتب الصحافية حول العالم: ما هو ثمن الأخبار؟

كان الصحافيون على الدوام عرضة للمخاطر في طريقهم للبحث عن قصص صحافية منذ أن أرسى ويليام هوارد راسيل من صحيفة «التايمز» اللندنية أسس مهنة مراسلي الحروب في أثناء حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر. تمت مهاجمة زميل سابق في «رويترز» على الشاطئ في نورماندي في عام 1944 في بداية يوم الإنزال، كما تعتبر شجاعة جيل الصحافيين في حرب فيتنام أمرا أسطوريا.

وتغيرت اللعبة كثيرا في الأعوام القليلة الماضية من حيث طبيعة تغطية الأخبار وطبيعة المخاطر التي يتعرض لها الصحافيون، مما انعكس في ارتفاع أعداد الضحايا.

وتقول منظمة «مراسلون بلا حدود» - وهي منظمة غير ربحية - إنه حتى قبل حدوث حالات الوفاة الأخيرة، لقي خمسة صحافيين مصرعهم هذا العام بالإضافة إلى سجن 282 صحافيا وصحافيا مواطنا ومساعدا إعلاميا. وفي العام الماضي، لقي 66 صحافيا ومساعدا إعلاميا حتفهم أثناء أداء واجبهم.

وكانت الغالبية العظمى من الضحايا من المراسلين المحليين الذين كانوا يعملون لدى وسائل إعلام محلية أو عالمية وغالبا ما تعرضوا للعقاب من قبل أنظمة الحكم المعادية في بلادهم. لقد أدت التكنولوجيا الحديثة والاتصالات الفورية إلى خلق ظاهرة الصحافي والمدون المواطن، مثل هؤلاء السوريين الذين وصف زميلي رود نوردلاند عملهم. لقد تغيرت طبيعة التغطية الدولية حتى قبل انطلاق صحافة الـ«فيس بوك» والـ«يوتيوب».

وطبقا لحنا ستورم - من معهد سلامة الأخبار الدولية - فإن المطالب التي لا ترحم لقنوات الأخبار التي تعمل على مدار 24 ساعة في اليوم قد وضعت المزيد من الضغوط على كاهل الصحافيين، بينما أدى تخفيض الميزانيات في غرف الأخبار إلى قيام المؤسسات الإخبارية بغلق المكاتب الأجنبية الكبيرة واستبدالهم بأطقم عمل أو صحافيين مستقلين.

وتعترف السيدة ستورم - التي خفضت من قوتها الصحافية في حروب البلقان - أن هناك ثقافة أهم للسلامة في غرف الأخبار في هذه الأيام. وتضيف ستورم: «لست واثقة دوما من واجب الرعاية». وقالت ستورم لـ«راندفو»: «إن التمويل يعني عدم استمرار الكثير من المكاتب الأجنبية، وإن هناك الكثير من الاعتماد على الصحافيين المستقلين، الذين غالبا ما يكونون صغارا وقليلي الخبرة».

ينبغي على أطقم المراسلين الذين سيتوجهون إلى مناطق التوتر تلقي تدريب خاص، غالبا ما يكون على أيدي أفراد سابقين في القوات الخاصة الذين يتم استئجارهم أيضا لمصاحبة الصحافيين في المهام الخطرة، وهي الظاهرة التي لم نسمع بها قبل جيل واحد.

أحيانا لا يتم اتخاذ قرارات التكليف بالمهام عن طريق رؤساء التحرير، ولكن عن طريق المديرين الماليين لوسائل الإعلام الذين يحق لهم الاعتراض على أي رحلة ليس فقط لأسباب تتعلق بالسلامة، ولكن بسبب ارتفاع الأقساط التي تطلبها شركات التأمين.

لقد وضعت طبيعة الحرب الصحافيين على خط النار مباشرة. يتم تعريف الصحافيين في بعض الصراعات على أنهم العدو، كما كان الحال مع المراسلين الغربيين في العراق. يجد الصحافيون أنفسهم مستهدفين الآن حتى في الأماكن التي لقوا فيها الاحترام بوصفهم أشخاصا محايدين.

يقول كريس بيترسون - الذي قام بتغطية حرب فيتنام لصالح «رويترز» في سبعينات القرن العشرين - إن عامل الخطر قد ارتفع بشدة هذه الأيام. قال بيترسون لـ«راندفو»: «في تلك الأيام، كانت هناك فكرة جيدة عن ماهية (العدو)، وعلى الجانب الآخر كان هناك جيش معترف به يمتلك كل الإمكانات مثل الإجلاء عن طريق المروحيات، وهو الأمر الذي كان يمكنك الاعتماد عليه».

كان الحنين يغمر بيترسون لتلك الأيام التي حاول فيها الصحافيون جعل أنفسهم أقل ظهورا. وقال «إذا كنت ستقوم بجولة في سيارة جيب تحمل شعار (صحافة)، فإنك تحاول أن تجعل من نفسك هدفا».

وفيما يتعلق بموضة التأمين مثل السترات والخوذ الواقية من الرصاص والتي يتم ارتداؤها خلال فترة التصوير التلفزيوني الواقف، علق بيترسون قائلا «إن آخر شيء تود القيام به هو أن تبدو مثل الجندي».

* خدمة «نيويورك تايمز»