جيمس مردوخ يستقيل من منصبه كرئيس تنفيذي لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال»

الإعلام البريطاني مشغول بالحصان المتقاعد الذي عاش أيامه الأخيرة في مزرعة ريبيكا بروكس التي عملت مديرة تنفيذية لمؤسسة «مردوخ»

رغم مرور عام على فضيحة التنصت الا ان الاعلام البريطاني لا يزال يتفاعل معها (أ.ب)
TT

في كل يوم ومنذ ما يقارب العام تأخذ فضيحة التنصت، التي شغلت الإعلام البريطاني ويقف معظمه فيها في قفص الاتهام، منعطفا جديدا. وبعد أن تصدرت أخبار عائلة روبرت مردوخ، قطب الإعلام الأسترالي الأصل، خلال هذا الأسبوع صفحات الجرائد ووسائل الإعلام بشكل عام بسبب قراره في إصدار مطبوعة أسبوعية تأخذ مكان «نيوز أوف ذي وورلد»، الشهيرة التي توقفت عن الصدور كنتيجة للفضيحة، جاءت أمس استقالة جيمس مردوخ، الابن الأصغر والوريث الشرعي المتوقع لتسلم زمام أمور إمبراطورية والده، من منصبه كرئيس تنفيذي لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال»، الذراع البريطانية لمؤسسة «نيوز كوربوريشن»، المؤسسة الأم المدرجة على بورصة نيويورك.

وجاءت هذه الاستقالة على خلفية الاعتقالات التي تمت بحق عدد من التنفيذيين والصحافيين الحاليين والسابقين العاملين في صحيفة «ذي صن» الشعبية الواسعة الانتشار والتي تملكها مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» وتملك صحفا أخرى إلى جانبها في بريطانيا مثل «التايمز» و«صنداي تايمز».

لكن جيمس مردوخ، كما جاء في بيان مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» سيبقى نائب رئيس مساعدا للمؤسسة «نيوز كوربوريشن»، ويركز على أعمال التلفزيون في نشاطات الشركة.

وقال والده في بيان إن ابنه جيمس «سيستمر في لعب دور أساسي في الشركة». إلا أن بعض المحللين يقولون بأن استقالته من مركزه الحالي سوف تقلل من فرصه ليتسلم زمام الأمور في «نيوز كوربوريشن» كرئيس مجلس إدارة المؤسسة بدلا من والده الثمانيني في المستقبل.

الاستقالة ستقوي من موقع الرئيس الحالي لـ«نيوز كوربوريشن» تشيس كيري، الذي أصبح المفضل لدى مجلس الإدارة بسبب فضيحة التنصت التي كلفت «نيوز إنترناشيونال» الملايين من الدولارات كتعويضات لضحايا التنصت، والتي حدثت جميعها تحت قيادة جيمس مردوخ في لندن، وأساءت إلى سمعة الشركة، وأجبرتها التخلي عن صفقة استحواذ «بي سكاي بي»، وقد تدخل المؤسسة في معركة قضائية مع السلطات الأميركية تحت بند الفساد في دول أجنبية.

وبعد اندلاع الفضيحة واجه روبرت مردوخ وابناه، جيمس ولاكلان، غضب المساهمين المنتشرين حول العالم الذين أظهروا عدم رضاهم عن الطريقة التي تدار بها المؤسسة في ظل التحقيقات الجارية في بريطانيا بخصوص الاتهامات الموجهة لـ«نيوز إنترناشيونال». وسجل 35% من المساهمين اعتراضهم على إعادة انتخاب جيمس. كما صوت 34% منهم ضد إعادة انتخاب شقيقه لاكلان لمجلس الإدارة، أما رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي الأب روبرت مردوخ فقد صوت ضده 14% من المساهمين.

بيان «نيوز إنترناشيونال» يبين أن جيمس مردوخ سيركز في نشاطاته على الجانب التلفزيوني في الإمبراطورية الإعلامية التي يملكها والده.

ورغم الفضائح التي ظهرت خيوطها خلال الأشهر الماضية من خلال إدلاء العشرات من ضحايا التنصت بشهاداتهم أمام لجنة «ليفيسون» التي شكلتها الحكومة للنظر في أخلاقيات الصحافة قرر قبل أشهر وفي اجتماعه السنوي مجلس إدارة مؤسسة «بي سكاي بي» التلفزيونية البريطانية، التي يرأسها هو ويملك والده 39% من أسهمها، دعم بقائه في مركزه، على عكس ما كان متوقعا بسبب فضيحة التنصت، التي قد تنهي في نهاية المطاف سيطرة عائلة مردوخ على «نيوز كوربوريشن» المؤسسة المدرجة على بورصة نيويورك، كما صرح مايكل وولف كاتب سيرة والده الذاتية. وقال مجلس الإدارة بعد اجتماعه «جرى بحث دور الرئيس مليا اليوم وحصل جيمس مردوخ في نهاية الاجتماع على الدعم بإجماع المجلس».

وفي 9 فبراير (شباط) الحالي أعلنت مجموعة «نيوز كوربوريشن» زيادة أرباحها في الربع الثاني من العام المالي الحالي بنسبة 65% عن الفترة نفسها من العام السابق بفضل الأداء القوي لقنواتها التلفزيونية وأفلامها السينمائية.

وذكرت الشركة التي تملك شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية وشركة «فوكس القرن العشرين» للإنتاج السينمائي وصحيفة «وول ستريت جورنال» الاقتصادية أن إيراداتها خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي قد زادت بنسبة 2% إلى 98.‏8 مليار دولار.

وقال مردوخ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة، إن النمو القوي للأرباح في الربع الثاني وبخاصة في قطاعات البرامج التلفزيونية وإنتاج الأفلام يؤكد بوضوح نجاح الاستراتيجية الراهنة لإنتاج وتوزيع محتوى عالي المستوى وشديد التنوع.

كما استفادت أرباح الإمبراطورية الإعلامية من المبيعات القوية لأحدث أفلامها على أقراص الفيديو الرقمية (دي في دي) مثل الرجال إكس: الفئة الأولى، في الوقت الذي حققت فيه أيضا البرامج التلفزيونية مثل إكس فاكتور وذا نيو جيرل نجاحا كبيرا.

في المقابل، سجل قطاع النشر في المجموعة الإعلامية تراجعا في أرباح التشغيل بنسبة 43% خلال الفترة نفسها على خلفية وقف صدور صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد».

جيمس مردوخ مصر على أنه كان يجهل ما كان يحدث من خروقات قام بها بعض الصحافيين والمحققين الخاصين في الصحيفة، وأنه متشبث بما قاله في إفادته السابقة، رغم إفادات من عمل معهم من تنفيذيين وصحافيين والتي تتناقض مع ما يصر عليه من جهل في الموضوع. وظهر جيمس في بداية الفضيحة مع والده أمام لجنة برلمانية ليجيب على ذلك، لكنه أنكر أي علم بالموضوع. وطلب منه المثول مرة أخرى أمام اللجنة البرلمانية بسبب ما تبين من تناقضات في الإفادات.

وتفاعلت قضية التنصت خلال الأسبوعين الماضيين مع اعتقال 5 من العاملين في صحيفة «ذي صن» إضافة إلى شرطي وعسكري وموظفة في وزارة الدفاع البريطانية وذلك في إطار التحقيق حول رشاوى دفعت إلى الشرطة ومسؤولين في الإدارة. كما اعتقل شرطي في التاسعة والثلاثين وموظفة في العمر نفسه تعمل في وزارة الدفاع.

واتهم محققو الشرطة صحيفة «ذي صن» رسميا أمام لجنة «ليفيسون» يوم الاثنين الماضي باتباع «ثقافة المدفوعات غير القانونية» لمسؤولين عموميين مقابل الحصول على معلومات. وجهت الاتهام سو اكيرس، وهي ضابطة بارزة في الشرطة البريطانية (اسكوتلنديارد) تقود تحقيقات في تقارير بالفساد حول دفع الصحيفة أموالا لعدد من المسؤولين.

وقالت اكيرس التي تقود فريقا كلف بفحص ملايين من الرسائل الإلكترونية بحثا عن دليل فيما يتعلق بمزاعم الفساد: إن النتائج تشير إلى أنه تم تقديم أموال لمسؤولين «في كل قطاعات الحياة العامة».

وأضافت أنه في حالة واحدة تم دفع 80 ألف جنية إسترليني (126 ألف دولار) لأحد المصادر.

وأوضحت أن «صحافيا قيد الاحتجاز تلقى أكثر من 150 ألف جنيه نقدا على مدى عدة سنوات ليدفع لمصادره». وجرى حتى الآن القبض على 10 صحافيين من «صن» وعدد من ضباط الشرطة ومسؤول بوزارة الدفاع وجندي في إطار التحقيقات، وقد جرى الإفراج عنهم جميعا بكفالة.

ومن جانب آخر حاولت أمس الشرطة البريطانية التي اتهمت بأن ضباطها تلقوا أموالا من «نيوز إنترناشيونال» أن تخفف من نبرة التقارير التي تكلمت عن علاقة وثيقة بين جهاز الشرطة وريبيكا بروكس الرئيس التنفيذي السابق لـ«نيوز إنترناشيونال» والتي عملت رئيسة تحرير للصحيفتين المتهمتين في الفضيحة، أي «ذي صن» و«نيوز أوف ذي وورلد». وكانت بروكس قد أوقفتها الشرطة البريطانية للاشتباه فيها في إطار الاتهامات بالتنصت على الهواتف.

وجاءت هذه التقارير بعد أن تبين أن الشرطة منحت ريبيكا بروكس، التي كانت قريبة من مردوخ الأب، قبل أن يتم اعتقالها والإفراج عنها بكفالة، العام الماضي، حصانا بعد انتهاء فترة خدمته في جهاز الشرطة من أجل أن تقوم هي على رعايته في مزرعتها.

وقالت الشرطة إن هذا أمر طبيعي أن يقوم بعض الأشخاص بتقديم الرعاية الصحية للخيول التي تنتهي فترة خدماتها في جهاز «الخيالة»، وهذا ما قامت به بروكس، مضيفة بأن أي شخص يحق له أن يتقدم بذلك ويرعى هذه الحيوانات ويقوم على رعايتها وتكاليف ذلك.

ووجدت بعض المطبوعات ضالتها في الموضوع. ونشرت جريدة «الغارديان»، الصحيفة التي فجرت فضيحة التنصت، رسما كاريكاتيريا يبين روبرت مردوخ وبجانبه ريبيكا بروكس ورأس حصان منحور في نفس السرير. الرسم يعيد إلى الأذهان مشهد من فيلم العراب عندما نحر رجال المافيا حصان أحد رجال الأعمال ووضعوا رأسه في سريره عندما رفض التعاون معهم.

أما نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق جون بريسكوت الذي كان أحد ضحايا التنصت والذي هاجم مرارا الشرطة البريطانية على «تواطئها» في عملية التنصت، قال على الموقع الاجتماعي «تويتر» متهكما: «إن مصادر الشرطة تبين أن الحصان كان يعمل متخفيا بإيعاز من الشرطة للتجسس على ريبيكا بروكس».