المتحدثون الرسميون في السعودية.. صمت رهيب يحجب الإعلاميين عن الحقائق

بات وجودهم بمثابة «درع» تحمي المسؤولين من مواجهة الإعلام

اللواء منصور التركي المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية من أوائل المتحدثين الرسميين في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

مما اعتادت عليه الصحف السعودية خلال عملها، ملاحقة المتحدثين الرسميين في مختلف الوزارات الحكومية والقطاعات التابعة لها بشتى الطرق والوسائل وتكبد العديد من المشقات للوصول إلى رد منهم، حيث لم يعد مستغربا التزام معظم المتحدثين بما يسمى بـ«الصمت الرهيب» تجاه أي استفسار صحافي ترغب فيه، أو اعتمادهم على الطرق البيروقراطية التي تتخذ من مبدأ «طولة البال» أساسا لها.

الكثير من الانتقادات ما زالت تطال المتحدثين الرسميين الصامتين، إلى درجة أن بعض الإعلاميين باتوا يتصيدون وجود المسؤولين في أي محافل لتمرير شكواهم ضد متحدثيهم ضمن أسئلتهم الصحافية، في محاولة منهم لإجبار المتحدثين على الخروج من صمتهم حتى وإن كان بالإجبار، غير أن استمرار الحال على ما هو عليه جعل الصحافيين يؤمنون بأن تعيين متحدث رسمي يعني لوحة تزرع أمام المسؤول مكتوبا عليها «ممنوع الاقتراب».

ويصنف الدكتور فهد آل عقران رئيس تحرير صحيفة «المدينة» السعودية، المتحدثين الرسميين ضمن نوعين أولهما الفاعلون بشكل كبير، في حين يتمثل النوع الثاني منهم في أصحاب الأدوار السلبية.

وقال آل عقران في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «على سبيل المثال، فقد أثبتت وزارتا الداخلية والعدل السعوديتان نجاحا كبيرا من حيث تجاوب المتحدثين الرسميين فيهما مع وسائل الإعلام وإيصال المعلومات الصحيحة والدقيقة للصحف، ولا سيما أن غياب المعلومة سبب رئيسي لوقوع الصحيفة والإعلامي في حرج كبير».

وبين أن هناك مراكز إعلامية في بعض الأجهزة الحكومية سواء كانت وزارات أو قطاعات تابعة لها تعتمد دورا سلبيا لكونها تعطي المعلومات بشكل متأخر جدا، إلى جانب تعاملها مع الصحافة ضمن طريقة تقليدية لا تمكن الصحافي من الحصول على المعلومة إلا بعد جهد وصفه بـ«الكبير».

وأبان أن هناك متحدثين رسميين يشتكون من عدم امتلاكهم للمعلومات في الجهات التي يعملون بها، مشددا في الوقت نفسه على الأهمية القصوى لوجود متحدثين يتمتعون بصلاحيات أكبر من أجل التحدث السريع مع وسائل الإعلام.

وزاد: «غالبية المتحدثين الرسميين في السعودية لا يعطون المعلومة للصحف بالشكل المطلوب، أو أنهم يعتمدون على أسلوب النفي فقط لأي استفسارات صحافية، الأمر الذي خلق معاناة حقيقية بين كل من الإعلام والجهات الحكومية في الوصول إلى أخبارها».

وأوضح رئيس تحرير صحيفة «المدينة» السعودية، أن المتحدث الرسمي يريد إيصال المعلومة التي يرغب هو في نشرها عبر الصحف وليس ما يريد معرفتها القارئ، خاصة أن معظمها معلومات دعائية يقومون بإرسالها إلى الصحف بطريقتهم الخاصة التي قد تكون بعيدة تماما عن المحاور المطلوب الإجابة عنها، مما جعل الثقة بينهم وبين الإعلام منزوعة.

وطالب الدكتور فهد آل عقران بضرورة إيجاد متحدثين رسميين في جميع القطاعات بالدولة شريطة إعطائهم صلاحيات كاملة للتواصل مع الإعلام ومحاسبتهم في الوقت نفسه على ما يدلون به من تصريحات، خصوصا أن بعضها قد لا يكون دقيقا، مضيفا: «نلاحظ عدم وضوح المتحدث الرسمي حتى في ما يتعلق بالأخبار الإيجابية رغم وجود توجيهات رسمية لتفعيل أدوارهم، فضلا عن أهمية تدريبهم بشكل جيد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو ما يجب إقناع المسؤولين به في ظل عدم قدرة الصحف على الانتظار طويلا لتزويدها بالمعلومات».

أحمد آل عثمان، أحد الصحافيين السعوديين الذين يعملون في صحيفة «الحياة»، ذكر أنه حتى الآن لا يوجد متحدث رسمي مؤهل بالشكل المطلوب نتيجة افتقار معظم المتحدثين الرسميين للصلاحيات الكاملة المتعلقة بإعطاء أي معلومات لوسائل الإعلام.

وقال آل عثمان لـ«الشرق الأوسط»: «إن غالبية المتحدثين الرسميين يقومون بإيصال ما تريد إداراتهم نشره في وسائل الإعلام، غير أن بعض الأحداث التي قد تكون محل متابعة من قبل الصحف لا يردون عليها لكونهم لا يملكون الضوء الأخضر للحديث عنها أمام الصحافيين».

ووصف المتحدث الرسمي في أي إدارة حكومية بـ«درع» الحماية التي تبعد المسؤول عن الوقوع في الحرج مع الإعلاميين بشكل عام، مطالبا بضرورة امتلاك المتحدثين الرسميين للمهارات العالية التي من الممكن اكتسابها عن طريق الدورات التدريبية في العلاقات العامة والإعلام، إلى جانب أهمية اختيارهم من الوسط الإعلامي نفسه بهدف توفير الفكر الموحد الذي يخولهم للتعرف على مهمة الصحافي الحقيقية في ظل جهلهم بها، مشيرا إلى أن الكثير منهم يعتقد أن الصحافي يسعى للحصول على معلومة من أجل مردود مادي فقط.

وأضاف: «من المفترض أن يكون المتحدثون الرسميون خاصة ممن يعملون في الإدارات الحساسة التي لا ترتبط أحداثها بوقت معين، موجودين باستمرار في أي حدث للرد على استفسارات الصحافيين بشكل كامل».

وحول ضعف ثقة وسائل الإعلام في المتحدثين الرسميين، أفاد أحمد آل عثمان بأن المتحدث الرسمي يتيح لنفسه وقتا كافيا لتحديد ما يريد قوله، إلى جانب إعطائه المعلومة لجميع الصحافيين بالطريقة نفسها، بينما يستطيع الصحافي الحصول على تصريحات جديدة وبشكل مختلف تماما من قبل المسؤول نفسه، وهو ما يمكنه من الانفراد والتميز الصحافي عن بقية زملائه.

في حين تؤكد أمل الحمدي، إحدى الصحافيات في صحيفة «الاقتصادية» السعودية، على أن عمل الكثير من المتحدثين الرسميين في الوزارات الحكومية مرتبط بمزاجيتهم ومدى عمق العلاقات الشخصية التي تربط بينهم وبين الإعلاميين بشكل عام.

وتقول الحمدي لـ«الشرق الأوسط»: «بعض الوزارات تملك ثقافة صحيحة بمفهوم المتحدث الرسمي والتي من خلالها حققت نجاحا كبيرا بينها وبين وسائل الإعلام، إلا أن هناك قطاعات ما زالت تعتقد أن المعلومات المتعلقة بها ما زالت سرا لا يحق للصحف التطرق إليه، إضافة إلى اعتبارها أن المتحدث الرسمي مجرد همزة وصل بينها وبين الإعلام من دون إعطائه أي صلاحيات».

ولفتت إلى أن بعض المسؤولين يفضلون التحدث بشكل مباشر مع الإعلام، في حين يخشى آخرون من التصريح للصحافيين، مما يجعلهم يتخذون المتحدثين الرسميين بمثابة «عذر» للامتناع عن مواجهة وسائل الإعلام لهم، مؤكدة أن الصحافيين يحتاجون إلى وقت طويل في بعض الأحيان للحصول على المعلومات من المتحدثين الرسميين.

وتابعت: «الكثير منهم يفتقرون للسلاسة في التعامل معنا كصحافيين، فضلا عن جهلهم بآليات عملهم، وهو ما يتطلب إعادة تأهيلهم وتدريبهم على العمل مع الإعلام بالشكل الصحيح».

آراء مجموعة من المتحدثين الرسميين حول الانتقادات التي كانوا وما زالوا يواجهونها حتى الآن جاءت متباينة، ففي الوقت الذي أكد فيه بعضهم على ضرورة إعادة ترتيب الأوراق بين المتحدث الرسمي والإعلاميين، يرى آخرون أنهم لا يتوانون في الرد على استفسارات الصحافيين شريطة أن تكون وقت ساعات الدوام الرسمي.

ويعترف الدكتور شارع البقمي المتحدث الرسمي باسم جامعة الملك عبد العزيز في جدة، بوجود مفهوم خاطئ بين المتحدث الرسمي والإعلام، إلى جانب ممارسات غير صحيحة من المتحدث الرسمي نفسه باعتباره يجهل أهداف الرسالة الإعلامية المنوطة به.

ويقول البقمي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن وجود متحدث رسمي أمر معمول به في الحكومات العالمية والجهات الكبرى، لكونه وجد لتسهيل مهمة الصحافي وتزويده بالمعلومات التي يبحث عنها بسهولة، ولا سيما أن الوصول إلى المسؤول الأول بصورة دائمة قد لا يكون متاحا، الأمر الذي يجعل من المتحدثين الرسميين قنوات مهمة يحصل الصحافي من خلالها على ما يريد».

ولكنه استدرك بالقول: «ثمة متحدثون رسميون يحجبون المعلومات عن الصحافيين، غير أنهم لا يستطيعون فعل ذلك بعد أن أصبحت تلك المعلومات تصل إلى الإعلام قبل المتحدث الرسمي نفسه».

وأشار إلى أن مفهوم المتحدث الرسمي في السعودية ما زال جديدا على الصحافيين والمسؤولين أيضا، مما يجعل العلاقة بين الأطراف الثلاثة بحاجة إلى إعادة هيكلة من ناحية المهام التي يقوم بها المتحدثون الرسميون والأهمية لدى المسؤول الأول في الجهات التابعين لها، لافتا إلى أنه في الوقت الحالي أصبح كل شيء منصبا على المتحدث الرسمي.

واستطرد بالقول: «هناك جهات كثيرة حتى الآن لم تع أهمية المتحدث الرسمي الذي من المفترض أن تصل إليه المعلومة قبل المسؤول الأول، الأمر الذي ولد سوء الفهم واستياء الصحافيين أو وقوع المتحدثين الرسميين في مواقف محرجة على خلفية عدم إلمامهم بالمعلومات الكاملة»، مؤكدا على ضرورة فهم كل طرف لأهمية الآخر بالنسبة للمجتمع الخارجي والمسؤولين أنفسهم.

واعتبر المتحدث الرسمي باسم جامعة الملك عبد العزيز في جدة، المسؤولين الذين يقومون بتحجيم المتحدثين الرسميين لديهم ومنعهم عن الإدلاء بأي معلومات سلبية، لا يعيشون في العصر الحالي، متابعا: «نحن الآن في موقف لا بد من وضع الحقيقة أمام الرأي العام وتوضيح أي لبس، فلم يعد مطلوبا منا التلميع أو إبراز الإيجابيات فقط، وإنما لا بد من توضيح الحقيقة بجوانبها الكاملة».

بينما يؤكد حطاب العنزي المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل السعودية، على أنه يتلقى في اليوم الواحد ما يزيد على 30 اتصالا من مختلف الصحف، إلى جانب أكثر من 7 اتصالات لصحافيين من صحيفة واحدة لكل واحد منهم موضوع مختلف.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة الكثير من الصحافيين هي اعتقادهم بأن المتحدث الرسمي ليست لديه أي مهام أخرى سوى الرد عليهم فقط، إضافة إلى أنهم يطلبون الإجابة بشكل فوري».

وذكر أن المتحدث الرسمي حينما يعطي تصريحات مباشرة للإعلاميين يفاجأ في بعض الأحيان بنشرها بطريقة مغايرة لما أدلى به، وذلك عائد إلى الاجتهاد الخاطئ من قبل الصحافيين أو سوء فهم القائمين على متابعة وتصحيح المادة الصحافية قبل نشرها، مستدركا: «لا أشك مطلقا في الصحافيين الجادين أو الصحافة وأهدافها الحقيقية، حيث إنه يجب أن يكون هناك تعاون حقيقي بين الطرفين على أكمل وجه».

ووضح حطاب العنزي أن المتحدث الرسمي لا يكون ملما بكل شيء، ولا سيما أن الوزارات تحوي تخصصات ومراجع كثيرة، مما يحتم عليه الرجوع إلى جهات الاختصاص في منشأته من أجل إعطاء معلومات دقيقة وواضحة وصحيحة، حيث إن الهدف هو إيصال المعلومة إلى المستفيد بوضوح.

وأضاف: «لكل جهة سياستها وأسلوبها في العمل مع المتحدثين الرسميين، وبالنسبة إلى وزارتنا فإنها على اتصال مباشر مع جميع شرائح المجتمع»، مشددا على ضرورة تميز المتحدث الرسمي بالخبرة والثقافة والمعرفة التامة بعمل الجهة المنسوب إليها، فضلا عن أهمية تحلي الصحافيين بالدقة في ما ينقلونه على لسان المتحدثين الرسميين أيضا.