ألمانيا تفرض رسوما على محركات البحث مقابل استخدام الأخبار الصحافية

في خطوة تهدف إلى مساعدة الصحف المطبوعة على إيجاد مصادر جديدة للدخل

TT

في خطوة تهدف إلى مساعدة الصحف المطبوعة على إيجاد مصادر جديدة للدخل من خلال محتواها على الإنترنت، تعتزم الحكومة الألمانية تقديم طلب لمحركات البحث وشركات الإنترنت لدفع مقابل مادي للصحف نظير عرض محتواها على محركات البحث.

وقد أعلن الائتلاف الألماني الحاكم، بقيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنه يعتزم سن تشريع جديد يهدف إلى الحفاظ على حقوق ملكية الناشرين على شبكة الإنترنت. وبموجب الاقتراح الجديد، سوف يتعين على محركات البحث أن تدفع مقابلا ماديا للناشرين إذا كانوا يريدون عرض مقالاتهم الصحافية، أو جزء منها – وحتى تلك القصاصات الصغيرة التي تظهر على محركات البحث.

وقد لاقى هذا الاقتراح ترحيبا كبيرا من قبل دور نشر الصحف الألمانية التي دائما ما كانت تتذمر من أن شركات الإنترنت مثل شركة «غوغل» تحصل على مقابل مادي هائل من المحتوى الذي يتم نشره، بينما تحصل دور النشر على مقابل مادي زهيد من العائدات الرقمية.

ومن جانبه، قال الاتحاد الألماني لناشري الصحف: «يعد هذا الحق شيئا ضروريا في العصر الرقمي الذي نعيش فيه حتى يتم حماية المجهودات المشتركة للصحافيين والناشرين»، وأضاف أن هذا يعد «إجراء ضروريا للحفاظ على وسائل الإعلام المستقلة والتي يتم تمويلها من القطاع الخاص».

وعلى الجانب الآخر، لم يلق هذا الاقتراح قبول شركات الإنترنت والمدونين الذين صرحوا بأن هذا الإجراء من شأنه أن يهدد حرية التعبير ويقف عائقا أمام تطوير الاقتصاد الرقمي في ألمانيا.

وفي حديثه لوكالة الأنباء الألمانية خلال زيارته لمعرض «سيبت» لتكنولوجيا المعلومات في مدينة هانوفر الألمانية خلال الأسبوع الماضي، قال إيريك شميدت، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»: «أخشى أن يؤدي هذا الإجراء إلى إبطاء وتيرة تنمية الإنترنت لأنه يضع تكاليف إضافية ويؤدي إلى الترويج لعدم الفاعلية والكفاءة. يمثل الإنترنت عنصرا هاما من عناصر النجاح الاقتصادي لألمانيا، ولذا يجب توخي الحذر عند القيام بمثل هذه التغييرات».

ولم يذكر شميدت أي مثال محدد على ذلك، ولكن يشير بعض المحللين إلى أن هذا الإجراء من شأنه أن يجبر بعض شركات تجميع الأخبار على إنهاء عملها في ألمانيا، بدلا من دفع الرسوم. ويأتي هذا الاقتراح، الذي يعد جزءا من الخطة التشريعية للائتلاف الحاكم، عقب الضغط من جانب دور نشر الصحف، بعد أن تم طرح الفكرة للمرة الأولى منذ عدة أعوام. وتخول هذه الخطة الوزراء بصياغة مشروع القانون الذي ينتظر أن يتم إحالته إلى مجلس النواب الاتحادي «البوندستاغ» خلال الصيف المقبل.

وتقول الوثيقة التي تقدم بها الائتلاف الحاكم إنه يتعين على شركات الإنترنت، بما في ذلك محركات البحث وشركات تجميع الأخبار، أن تدفع مقابل «نشر المنتجات الصحافية (مثل المقالات الصحافية)» بحسب «الغارديان» البريطانية. وسوف يتم تجميع هذه الرسوم وتوزيعها من خلال جمعية يتم إنشاؤها على غرار تلك المؤسسات التي تقوم بتجميع رسوم المؤلفين والملحنين. وسوف يتم حماية حقوق المحتوى لمدة عام. وتضيف الوثيقة: «وبهذه الطريقة، سوف يحصل الناشرون على جزء من الأرباح التي تجنيها الخدمات التجارية على شبكة الإنترنت من خلال استخدام منتجات الناشرين».

ويتناول هذا الاقتراح النقاش المحتدم منذ الأيام الأولى لإنشاء شبكة الإنترنت والذي يكمن في السؤال التالي: من هو المستفيد الأكبر من الوصلات الرقمية والإقبال على تلك الوصلات، محركات البحث ومجمعو الأخبار ومراكز الإنترنت الأخرى، أم المواقع التي تنتج هذا المحتوى؟

يذكر أن شركة «غوغل» لا تقوم ببيع إعلانات على خدمة تجميع الأخبار في ألمانيا والتي تعرض أجزاء صغيرة من المقالات وتربطها بمصادرها الأصلية، ولكن الشركة تجني مليارات الجنيهات من الإعلانات على محرك البحث الخاص بها وغيرها من الخدمات. وعلى الجانب الآخر، تحقق المؤسسات الصحافية الألمانية أرباحا ضئيلة من خلال الإعلانات وغيرها من المصادر الأخرى على شبكة الإنترنت، مثل اشتراكات الدخول على محتواها على الإنترنت.

وقال ماثياس دوبفنر، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «إكسل شبرينقر»، وهي أكبر شركة لنشر وتوزيع الصحف في ألمانيا، الأسبوع الماضي إن هذا القرار لن يكون له «أي تأثير يذكر» في البداية، ولكن سيكون له تأثير «عظيم» على الأرباح على المدى المتوسط والطويل.

ورغم ذلك، يشك المحللون في قدرة تلك الرسوم على تعويض انخفاض أرباح المؤسسات الصحافية بسبب انخفاض الإعلانات في الصحف المطبوعة. ولم يتم الإعلان عن التفاصيل المتعلقة بقيمة تلك الرسوم، ويرى ناشرو الصحف أنه يجب أن يكون هناك نظام قائم على معدل متغير تكون فيه رسوم نشر مقال كامل أكبر من نشر جزء من ذلك المقال، مثل تلك الأجزاء التي يتم تضمينها في محركات البحث.

وعلى الجانب الآخر، يرى معارضو ذلك الإجراء أن حماية حقوق النشر لأجزاء من الأخبار التي تأتي على محرك البحث مثل «مسح دولي: ميركل تأتي في مقدمة السياسيين الأوروبيين – منذ 40 دقيقة» - وهي نفس الصيغة التي جاءت على محرك «غوغل» يوم الجمعة الماضي كوصلة لأحد الأخبار الواردة في إحدى الصحف الألمانية – من شأنها أن تقيد من حرية التعبير، كما سيكون من الصعب للغاية تحديد المواقع التي يتعين عليها دفع الرسوم والمواقع التي ستستفيد من هذا النوع الجديد من الحماية.

وكتب تيري شيرفيل، وهو أحد مؤسسي موقع «بيرلينتاتشر» الألماني يقول: «هل سيتم تسجيل كل المدونات في المؤسسة التي سيتم تأسيسها لتجميع الرسوم؟ لو كان الأمر كذلك، ألن يكون العائد المادي من حقوق التأليف والنشر صغيرا للغاية بالنسبة للصحف؟».

وهناك سؤال آخر وهو: ما الذي يمكن القيام به حيال الصحافيين الذين يريدون الحصول على جزء من الرسوم المقررة؟ بموجب القانون الألماني لحماية حقوق التأليف والنشر، يحظى الصحافيون بما يسمى «حق الناشر» والذي يعطيهم الحق في استخدام مقالاتهم بعد أن يتم نشرها.

وتقول دور نشر الصحف إن هذه القضايا سوف تتضح بعد أن تتم صياغة التشريع بالكامل، وأنه سيتم حماية حرية التعبير، لأنه سيتم إعفاء استخدامات معينة، مثل الاقتباسات الصحافية من المقالات الإخبارية الأخرى. وتقول الوثيقة التي قدمها الائتلاف الحاكم إن مستخدمي الإنترنت في المنازل لن يتعين عليهم دفع أي رسوم.

ولا تعد ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي يطالب فيها ناشرو الصحف بالتوصل لآلية جديدة للحصول على مقابل من شركات تجميع الأخبار ومحركات البحث، حيث اتحد عدد كبير من ناشري الصحف في الولايات المتحدة، بما في ذلك شركة «نيويورك تايمز»، وتوصلوا لنظام أطلقوا عليه اسم «حقوق نشر الأخبار» والذي من شأنه أن يتعقب أي جهة تقوم بنشر مقالات تلك الصحف دون أن تدفع أي مقابل وإجبار محركات البحث وشركات تجميع الأخبار على الحصول على ترخيص ودفع مقابل مادي.

ولم يقتصر التشريع الألماني على المقالات الكاملة، ولكنه امتد ليشمل الأجزاء الصغيرة التي تنشرها محركات البحث. وتقول دور نشر الصحف إن هذا التشريع، في حال تمريره، سوف يساعد على ترجيح ميزان القوى في العالم الرقمي باتجاههم.

ويقول كريستوفر كيز، وهو رئيس العلاقات العامة بشركة «إكسل شبرينقر» الرئيس المشارك في لجنة حماية حقوق النشر لدور النشر الألمانية: «لم تقم أي دولة أخرى في العالم بمنح دور نشر الصحف مثل هذا النوع من الحقوق في مواجهة محركات البحث. ويمكن أن يكون هذا مقياسا تسير عليه بقية الدول».