رئيس الجمعية الدولية للعلاقات العامة في الخليج: مهمتنا إجراء حوار حقيقي وليس تجميل الصورة

فيصل الزهراني: أحداث الربيع العربي أجبرت الحكومات على الاستعانة بخبراء في ضوء ما جرى

فيصل الزهراني رئيس الجمعية الدولية للعلاقات العامة فرع الخليج السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

على هامش المؤتمر العشرين للعلاقات العامة الذي اختتم مؤخرا في دبي، والذي حمل عنوان «من الشارع العربي إلى وول ستريت.. إنه عصر الحوار»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» فيصل الزهراني، رئيس الجمعية الدولية للعلاقات العامة، فرع الخليج والسعودية، عن صورة المشهد العربي حسبما يقرؤها خبراء العلاقات العامة، وتقييم ما يموج به الشارع العربي، ودور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في نقل وتحليل تلك الأحداث، والدور الذي تلعبه شركات العلاقات العامة في تجسير الفجوة بين المؤسسات/ الحكومات، والجمهور. «الشرق الأوسط» التقت بفيصل الزهراني، في دبي، على هامش المؤتمر العشرين للعلاقات العامة، وفي ما يلي نص الحوار:

* العلاقات العامة في ظل «الربيع العربي»

* ألقى «الربيع العربي» بظلاله على مؤتمركم، فجاء عنوانه «من الشارع العربي إلى وول ستريت.. إنه عصر الحوار»، كيف قرأت العلاقات العامة هذا الربيع؟

- كان لا بد أن يكون الربيع العربي موضوعا رئيسيا لأول مؤتمر دولي للعلاقات العامة في المنطقة، والواقع أن هناك شبه اتفاق على أن أحداث الربيع العربي غيرت صورة صناعة الرأي العام إلى الأبد، فالشارع العربي هو الذي استخدم شبكات التواصل الاجتماعي بصورتها الحالية كمنصة لتحريك الرأي العام لإحداث التغييرات الكبرى.

* إلى أي درجة ينسجم ما حدث عربيا مع ما حدث في «وول ستريت»؟

- ما حدث في «وول ستريت» إنما كان صدى لما حدث في الشارع العربي، ونقلا لتقنياته في نشر الأفكار وإحداث التغييرات. لهذا فرضت هذه الأحداث نفسها على موضوع وجلسات المؤتمر، حيث لم يكن بالإمكان تجاهلها، فهذه الأحداث مجتمعة كانت كـ«الفيل في زاوية الغرفة».

* لكن الحوار بين من ومن؟

- الحوار الآن هو بين الجماهير والمؤسسات، وهو حوار حقيقي يجب على المؤسسات أن تدرك أنها لم تعد تملك آلياته كما كان الأمر في السابق، هذه هي سمة العصر الجديد الذي نعيش فيه. وهنا أعني بالمؤسسات: الحكومات والشركات.

* هل من دور لشركات العلاقات العامة في حوار من هذا النوع؟

- كل الحكومات في المنطقة أدركت أنها بحاجة للاستعانة بخبراء العلاقات العامة في ضوء ما جرى من انقلاب في المفاهيم الاتصالية، وعمل العلاقات العامة الحقيقي هو إجراء حوار حقيقي بين المؤسسة وجمهورها، وليس كما هو مفهوم سابقا في أن مهمتها هي تجميل صورة غير جميلة في الأصل. وتعتبر مهارات الاتصال الفعال في مجال العلاقات العامة أداة حيوية تساعد على مواجهة التحديات، ويتعين على خبراء العلاقات العامة اغتنام الفرصة المناسبة لتعزيز الحوار وبناء سمعة راسخة في هذه المرحلة. ولتحقيق هذه الأهداف، يجب على قطاع العلاقات العامة معالجة قضاياه المتعلقة بالسمعة بما فيها انعدام الثقة ضمن هذا الإطار.

* ألا ترون أن الدعوة للحوار تحمل تبسيطا لمستوى الاحتقان السياسي الذي يتطلب معالجات جذرية؟

- لن تكون الدعوة بهذا التبسيط لمطالب الشارع متى ما أدركنا المفهوم الحقيقي لعمل العلاقات العامة، فهي في الأصل تقيم حوارا في اتجاهين، وقد انتهى إلى الأبد عهد الرسالة الموجهة من طرف واحد وباتجاه واحد. نحن لسنا معنيين بالسياسة، ودعوتنا للحوار هي محاولة لتفعيل دور العلاقات العامة في خضم هذه الأحداث والأزمات، ونرى أن الحوار سيسهم في تقريب وجهات النظر والتعامل مع التحديات بشفافية.

* هل تعتقدون أن الحكومات بحاجة إلى شبكة اتصال حكومي تتولى دور العلاقات العامة للوصول إلى الفئات الشعبية ومحاورتها؟

- نعم هي بحاجة لمثل هذه الشبكات، لكن هذا لا يلغي دور شركات العلاقات العامة المحترفة، فالمحترفون دائما تكون تكلفتهم عالية، وفي الغالب ستجدهم يعملون في ظل تنظيم القطاع الخاص الربحي.

* في ظل تنامي الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الإلكتروني، «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها، هل ترون أن الإعلام التقليدي قادر على إقناع جمهور يمتلك خيارات متعددة؟

- المهمة ستكون صعبة ما لم يغير الإعلام التقليدي جلده وأساليب عمله وطريقة صياغة رسائله، الصعوبة ستكون في منافسة التفاعلية التي تملكها وسائل الإعلام الجديدة. فقد استطاعت وسائل الإعلام الاجتماعية، فضلا عن دورها المحوري في تحفيز حركات الاحتجاج الجديدة، أن تحل مكان الصحافة التقليدية في العديد من المجالات؛ حيث أصبحت وسائل الإعلام التقليدية أقل كفاءة، ولم تعد تحظى بالكثير من الثقة. كما لم تعد الوسائل التقليدية تصل إلى شريحة واسعة من الجماهير كما كان عليه الحال من قبل بسبب ميلها إلى صناعة رأي معين بدلا من تصوير حقيقة الوقائع على الأرض. وما زالت وسائل الإعلام الرئيسية في العالم تحاول أن تثبت نفسها في هذه الظروف المتسارعة التي تهدد استمرارية نموذج العمل الذي تتبعه، وتعرض مستقبل مراكزها الإخبارية التقليدية للخطر.

* من صنع التغيير؟

* من صنع التغيير في العالم العربي.. وهل صحيح أن الإعلام هو من صنع أو قاد هذا التغيير؟

- الذي صنع التغيير هو الشارع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعية الجديدة، وهي التي نقلت الرسائل وحشدت الرأي العام وحركت الجموع، وظل الأمر في يد الإعلام الجديد فهو الذي نقل غالبا كل الصور التي نقلتها تلفزيونات وصحف العالم في الشوارع العربية الثائرة التي لم يكن ممكنا للصحافة التقليدية الوصول إليها بسبب المنع.

* ألا ترون أن الإعلام نفسه بحاجة إلى تغيير في ظل موجة الربيع العربي؟

- نعم، كما قلنا، يحتاج الإعلام إلى أن يقرر إلى أي جهة ينحاز: إلى المؤسسة (الحكومة أو الحزب أو المصالح التجارية)، أم إلى الجمهور الذي يستهلك هذه الرسالة. إذا لم يقتنع الجمهور برسالتك فإنه سيبحث عما يقتنع به في مواقع أخرى.

* ألا ترون أن ثمة مخاوف من فوضى عارمة حين يتحول كل مغرد في «تويتر» إلى معلق سياسي.. وكل من يرفع صورة في موقع التواصل الاجتماعي يصبح «مصورا»؟

- فوضى؟.. ربما.. عارمة؟.. قطعا لا.. فلا بد في النهاية من أن يتم الفرز، والذي سيفرز هو الجمهور نفسه الذي سيكون قادرا على اختيار الجيد من الرديء. نحن نشاهد على «تويتر» و«فيس بوك» الآن أفرادا يفضحون بعض الروايات المغلوطة والآراء الشاذة، فالقدرة على الاختيار تصنع المعجزات. كما أنه لا بد من تحري المصداقية لأنه ليس كل مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي محترفو مهنة، وغالبا ما ينقصهم التأني في التحري عن مصداقية ما يتداولونه.

* أخلاقيات المهنة

* من يضمن موثوقية المواد الإخبارية التي تنتشر عبر الوسائط الإلكترونية وتؤثر في الرأي العام؟

- لا أحد يضمن إلا اختيار الناس لما يقبلون عليه وما يعرضون عنه، وعلى الجهات والمؤسسات أن ترفع درجة شفافيتها حتى تقنع الجمهور بما يصدر عنها.

* طرحتم منذ عام ميثاقا أخلاقيا لمهنة العلاقات العامة، هل تسلط الضوء عليه؟

- في الواقع تم إصدار ميثاق أخلاقيات مهنة العلاقات العامة الذي تبنته الجمعية الدولية للعلاقات العامة منذ ما يزيد على خمسين عاما، لكن تم تحديثه وإعادة إصداره في المؤتمر الدولي لفرع الخليج الذي عقد مطلع العام الماضي في أبوظبي، وينص هذا الميثاق على 18 بندا، وهو يحث في مجمله أعضاء الجمعية وممارسي العلاقات العامة على الحرفية في التعامل والتمسك بأخلاق المهنة، وقد تمت ترجمة الميثاق لعدة لغات وتم نشره في مؤتمرنا هذا على جميع المشاركين.

* مع تنامي دور شركات العلاقات العامة العاملة في منطقة الخليج، التي تنتعش في سوق يتجاوز حجمها نصف مليار ريال (1.33 مليون دولار)، هل تفكرون في تنظيم تندرج تحته هذه المؤسسات ويتولى الإشراف عليها ورفع مستوى أدائها؟

- نعتقد أن جمعيتنا (الجمعية الدولية للعلاقات العامة – فرع الخليج) مؤهلة بالتعاون مع الجمعيات المهنية الإقليمية الأخرى للقيام بهذا الدور، فجمعيتنا هي الأكبر في المنطقة، وهي أكبر فرع للجمعية الدولية على مستوى العالم، ونحن نعمل مع الجمعيات الإقليمية بتنسيق كبير عبر أنشطة مشتركة تهدف إلى تطوير ممارسة المهنة.

* كيف سار مؤتمركم الأخير في دبي.. وما أبرز ما شهده من مناقشات؟

- المؤتمر كان حدثا استثنائيا متميزا بموضوعه وجلساته بالإضافة إلى ورش العمل والمقهى الشبابي الذي عقد على هامش المؤتمر. لقد حالفنا التوفيق في استقطاب متحدثين متميزين أثروا المؤتمر بأفكارهم، ومشاركين متميزين شاركوا بفاعليه. الإقبال الكبير على التسجيل في المؤتمر حتم على اللجنة المنظمة إغلاق باب التسجيل قبل الافتتاح بعدة أيام، ومعظم انطباعات المشاركين التي وصلتنا كانت إيجابية. نحن سعداء جدا بهذا النجاح.

* هل لك أن تحدثنا عن دور الشباب الذين شاركوا في المؤتمر العشرين للعلاقات العامة، وما هي أبرز مساهماتهم في المقهى وورش العمل؟

- شكل طلبة العلاقات العامة الشباب 25 في المائة من مشاركي المؤتمر الذين تجاوز تعدادهم 450 مشاركا. وقد تم اختيار 45 شابا وشابة من طلاب العلاقات العامة الجامعيين للمشاركة في المقهى الشبابي، حيث حقق دوره الأساسي في توصيل صوت الشباب لصناع القرار في ورشة عمل مكثفة ناقشوا فيها طموحاتهم، وتحدياتهم، وإمكاناتهم، وقيمهم، واقترحوا توصيات ليتم تفعيلها وتبنيها من قبل الجهات المعنية.. كما تخللت المقهى عدة فقرات تدريبية «حول التنمية الاجتماعية، والتفكير الإيجابي، والإعلام الجديد»، ثم لخصوا مخرجات المقهى في عرض مختصر في المؤتمر الأساسي، وسوف نعمل على تفعيل هذه التوصيات قريبا إن شاء الله.