«شبكة أخبار الناشطين».. الإعلام البديل للثورة السورية

مراسلوها في المدن السورية المشتعلة ومقرها بالقاهرة ومترجموها ينتشرون عبر العالم

ناشطو الشبكة يتلقون آخر تطورات الوضع في سوريا وشاشات العرض في الخلفية («الشرق الأوسط»)
TT

يطالع القارئ العربي كل يوم عشرات الأخبار والقصص الصحافية من داخل المدن السورية التي تشتعل بمظاهر الثورة من مظاهرات وتجمعات وفعاليات مختلفة قد ترتفع إلى حد الحصار والقصف؛ بل الإبادة كما حدث في مدينة حمص وقبلها في مدينتي حماه ودرعا.

الأخبار التي يطالعها القارئ بينما تمسك أنامله بفنجان ساخن من الشاي أو القهوة في الصباح، تُنقل إليه من واقع أكثر سخونة والتهابا يجعل أمهر الصحافيين وأكثرهم تمرسا يعزفون عن الذهاب بأنفسهم إليها في الداخل السوري، خاصة مع عدم سماح الحكومة السورية بدخول صحافيين ومراسلين أجانب إلى أراضيها، وهو ما عزز من فكرة «المواطن الصحافي»، والتي تبلورت بشكل أكثر احترافية مع تشكيل شبكات خاصة تعمل على تجميع أخبار الناشطين على الأرض وتجميعها وإمداد وكالات الأنباء والصحف المختلفة بها عبر العالم، لعل أشهرها حاليا «شبكة أخبار الناشطين» التي تعمل على مد الصحافة والإعلام العربي والعالمي بشهادات ومصادر من مواقع الحدث الملتهبة في سوريا من مقرها بالقاهرة.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أسس رامي جراح وضياء دغمش «شبكة أخبار الناشطين»، متخذين من القاهرة مقرا لها لربط مئات من الناشطين في مختلف المدن السورية من شمالها لجنوبها بالإعلام العربي والعالمي. ويقول مؤسسا الشبكة، إن الفكرة جاءت من استشعارهما أن الثورة السورية تحتاج إلى وكالة أنباء متخصصة بها تنقل للعالم ما يحدث على الأرض من دون إضافة أو تركيز على أشياء ووقائع معينة.

وقال جراح، أحد مؤسسي الشبكة المعروفة اختصارا بـ«ANA»، لـ«الشرق الأوسط»: «الشبكة تعمل على نقل الحقيقة حول الثورة كما هي من دون أي إضافات، فالإعلام يركز أحيانا على الطائفية والحرب الأهلية»، متابعا «الكثير من القنوات تضخم من أحداث صغيرة جدا، وهو ما قد يضر بالثورة».

ومن شقة صغيرة في حي قاهري مزدحم، أقام جراح ودغمش صالة أخبار مجهزة بعدة أجهزة حاسب آلي حديثة وست شاشات عرض تلفزيونية تنقل على مدار الساعة آخر الأخبار، عبر قنوات مؤيدة للثورة، أو تقف محايدة، وحتى قنوات سورية تعاضد نظام الأسد؛ لكن الأهم أن فيها قنوات تبث شهادات لمواطنين سوريين تقوم الشبكة بربطها بالقنوات الفضائية الإخبارية.

وبينما كان دغمش يتواصل مع ناشط محاصر في حمص، كان جراح يتلقى معلومات عن قمع مظاهرة مسائية في دوما في ريف دمشق، فيما كان شاب ثالث يحصر عدد القتلى حتى اللحظة في اليوم، مع توثيق أكبر قدر ممكن من المعلومات عنهم لزيادة المصداقية.

وتعد هذه الشبكة واحدة من ضمن عدة مجموعات وشبكات مختلفة ومتعددة تساعد الصحافيين العاملين على الملف السوري في الحصول على الأخبار وتجميع مقاطع الفيديو عن القتلى ونشر تلك المعلومات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك».

وعبر شبكة أكبر من العلاقات، تساعد الشبكة وسائل الإعلام الكبرى والشهيرة على الحصول على مقاطع فيديو وشهادات حية عبر الإنترنت من حمص وحماه ودرعا ودمشق وإدلب. ويقول رامي جراح إن 80 في المائة من مقاطع الفيديو التي تظهر أعمال العنف داخل سوريا والتي يتم بثها على وكالات الأنباء الكبرى مثل قناة «الجزيرة» وهيئة الإذاعة البريطانية، يتم تصويرها في الأساس عن طريق مجموعة من الهواة والناشطين الذين تتعامل معهم الشبكة. وخلال مدة قصيرة نجحت الشبكة نتيجة هذا العمل في توصيل صورة حية لما يحدث في سوريا، حيث نجح هؤلاء الأفراد في توصيل لقطات حية في بعض الأحيان أو في الوقت الحقيقي على الأقل كما يحدث داخل مدينة حمص، التي برزت كمركز للثورة والاحتجاجات ضد الحكومة.

ووفقا لجراح، فإن الشبكة تمد شبكات مثل «CNN» و«BBC» وقناة «الجزيرة» الإنجليزية وقناة «العربية»، وصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، بالإضافة إلى العديد من الصحف اليابانية. وقالت صحافية تغطي الملف السوري لحساب صحيفة «واشنطن بوست»، إن شبكة أخبار الناشطين توفر لها مصادر على الأرض تزيد من مصداقية عملها، خاصة مع عدم قدرتها على الدخول إلى الأراضي السورية بسبب صعوبة الأوضاع الأمنية. ويقول دغمش إن «الشبكة تتعامل مع وكالات الأنباء من دون مقابل»، مضيفا «لا نهتم أن يتم نشر الخبر باسمنا أو لا.. الأهم أن تصل الحقيقة».

وأثناء وجود «الشرق الأوسط» بمقر الشبكة، جاء عدد من الصحافيين الأجانب ليستفسروا ويناقشوا جراح ودغمش، بخصوص توافر معلومات معينة حول تقارير صحافية يعكفون عليها، أو لمساعدتهم للتواصل مع مواطنين سوريين في الداخل السوري، ويتابع دغمش «لدينا وسائل اتصال بالكثير من الصحافيين، ونهتم بالتواصل مع الصحافيين القائمين على ملف سوريا بشكل مباشر».

وقبل عام، كان كل من جراح ودغمش من أوائل الناشطين السوريين الذين بدأوا الثورة السورية من ساحة الأمويين في قلب دمشق، وهو ما تلاه اعتقال دغمش لمرات ثلاث ثم لجوؤه لمصر، وفرار جراح للقاهرة بعدما تم إخباره بأن السلطات قررت اعتقاله وتصفيته. وتعمل «شبكة أخبار الناشطين» عبر شبكة علاقات معقدة تمتد من حمص وحماه ودمشق مرورا بالقاهرة وتنتهي بكندا والولايات المتحدة الأميركية.

البداية دوما تكون في الداخل، حيث تتواصل الشبكة مع مجموعة الناشطين التابعين لها داخل سوريا، والبالغ عددهم نحو 350 ناشطا عبر الإنترنت، حيث إن الاتصالات التليفونية العادية مقطوعة، والفضائية مكلفة للغاية. وتهتم الشبكة أن تظهر أسماء ناشطيها في تقاريرها التي تصدرها أو التي تنقلها عنها وكالات الأنباء، ويقول دغمش، بينما يتلقى معلومات من شاب محاصر في حي بابا عمرو أثناء حصار القوات الحكومية له قبل أسبوعين عبر الإنترنت «نهتم بتوصيل الناشطين العاملين معنا إلى وسائل الإعلام، وأن يظهروا بأسمائهم متى وافقوا على ذلك، كما نعمل على ربطهم بوسائل الإعلام المختلفة ليكونوا شهود عيان على ما يحدث».

وفي القاهرة، يعمل مع الشبكة نحو 7 متطوعين بشكل نظامي، بالإضافة إلى موظفين اثنين يعملان بشكل غير نظامي؛ لكن الشبكة لا تزال تبحث عن زيادة ناشطيها العاملين في القاهرة وسوريا.

الحلقة المهمة في عمل الشبكة توجد خارج الشرق الأوسط، حيث يعمل مع شبكة أخبار الناشطين عدد كبير من الشباب السوري الذين يعملون كمترجمين من مناطق مختلفة عبر العالم، ويأتي معظمهم من الولايات المتحدة الأميركية وكندا ودول غربية أخرى، وتقوم الشبكة بمدهم بالفيديوهات ليقوموا هم بوضع ترجمة الخاصة بها.

ويقول جراح «نتعامل مع ما يقرب من 100 مترجم مهمتهم جزء كبير منها الترجمة، وتعميم التقارير؛ لكن جزءا آخر منها توفير احتياجات الناشطين على الأرض لنقل الحقيقة، وهم يساعدون في توفير تلك الأدوات، أو حتى شحن حسابات الاتصالات الفضائية للناشطين المحاصرين».

وقد فقدت الشبكة نحو 18 من نشطائها خلال ثلاثة أشهر، حيث فقدت اثنين من أشهر مصوريها، هما باسل السيد في مدينة حمص في ديسمبر الماضي، وبعده رامي السيد في فبراير (شباط) الماضي؛ لكن أصغر المفقودين كان مواطنا صحافيا يدعى أنس الطرشة (17 عاما)، ظهر إعلاميا باسمين حركيين هما أنس الحمصي وأنس الملعب، حيث قام عبر الثلاثة أشهر بتصوير انتهاكات الجيش السوري، بما فيها ما حدث في حي الإنشاءات وغيره من المناطق الساخنة. إلا ضياء الدين دغمش قال إن «فقد الشبكة لناشطيها يزيد من إصرارنا على العمل»، موضحا أن حرص الشبكة على توفير وسائل لتوثيق للأخبار التي تنقلها للعالم بمقاطع الفيديو يعد خطرا كبيرا جدا ويفقدها ناشطيها.

واستقبلت الشبكة أثناء وجود «الشرق الأوسط» أكثر من 100 مقطع فيديو من مدينة حمص وحدها، ويقول جراح إن «الشبكة ستسعى لعمل وثائقي كبير يتضمن كل مقاطع الفيديو التي تم تصويرها خلال الشهور الستة الماضية، وسيتم تصنيفها لتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية، ضمن خطة الناشطين في تقديم النظام السوري للمحاكمة، بسبب ارتكابه جرائم ضد الإنسانية». ويقول جراح «نحاول أن نتأكد من مصداقية مقاطع الفيديو التي تصلنا، فنحن لا نتسلم أي مقاطع فيديو مصورة في غرف مغلقة أو لأشخاص ملثمين، لأنها لا يمكن التأكد من تصويرها داخل سوريا»، موضحا أنه من المهم أيضا أن تتضمن مقاطع الفيديو جهات عدة من المنطقة التي يتم تصويرها.

ورغم أن الشبكة تتعامل مع نحو 350 ناشطا على الأرض؛ فإن أغلبيتهم العظمى لم يعملوا من قبل في مجال الإعلام على الإطلاق، وهو ما يجعل من مسألة توجيههم لعمل صحافي محترف بالغة الصعوبة، ويقول جراح «أحيانا نقوم بتوجيه الناشطين للتركيز على أشياء معينة أثناء تصويرهم لمقاطع الفيديو حتى تكون أكثر مصداقية»، متابعا بينما يتفقد مقطع فيديو وصل من دمشق يحوي مشاهد عنف بحق معتقلين بالشارع «على سبيل المثال تصوير علامات مميزة في الشوارع ولافتات المحلات.. وهو توجيه غير تعليمي بمعنى، أننا لا نقصد أن نعلمهم كيف يصوروا؛ ولكن نعلمهم كيف تكون مقاطع الفيديو أكثر مصداقية وأكثر توثيقا».

وكانت الشبكة من أوائل مصادر المعلومات التي أثارت مسألة استخدام سيارات الإسعاف في قمع المظاهرات بعد أن وفر لها أحد ناشطيها مقاطع فيديو توضح الأمر. ويعتقد دغمش أن مقاطع الفيديو تلعب دورا كبيرا جدا في مصداقية أخبار الشبكة، لأنها تؤكد المعلومات الواردة إلينا «من دون وجود مقاطع الفيديو لم يكن الناس ليصدقوا أن هناك استهدافا لمآذن المساجد». واحد من أكثر المقاطع التي سجلت عددا كبيرا من المشاهدات كان مقطعا لرجل يناجي ابنه القتيل ذي الأعوام الأربعة، ويسأل لماذا قتل.. وهو ما تفاعل معه عدد كبير من المعلقين بتعليقاتهم، خاصة بعد أن تمت ترجمته للغة الإنجليزية، حيث حمل مقطع الفيديو تعليقات من دول غربية تضامنت مع الأب المكلوم. وأقامت الشبكة مواقع تلفزيونية لها على موقع «You Tube» بعدة لغات، منها الإنجليزية والإيطالية، مع وجود خطط للتوسع تشمل اللغات الفرنسية والإسبانية والروسية والإيرانية، حيث يتم بث شهادات المواطنين بعد ترجمتها عبر شبكة مترجميها.

ويقول جراح «من ضروري أن يرى المواطن الغربي بلغته ما الذي يحدث على الأرض.. لا بد أن ننقل لهم كذب النظام السوري حتى يضغطوا على حكوماتهم لوقف حمام الدم». ويتناول دغمش أطراف النقاش، مضيفا «المهم حاليا ليس الوجود بعدد في الشارع؛ لكن المهم الآن هو كيف نكون مؤثرين بشكل أو بآخر.. كيف ننقل الحقيقة للعالم.. كيف نلقي الضوء على أهم المناطق المشتعلة.. وكيف ننقل للعالم القصص الإنسانية منها».

وقال وليد فارس، وهو ناشط سوري يتعامل مع الشبكة، إن «الشبكة وغيرها من الشبكات المهتمة بنقل أخبار الثورة على الأرض تلعب دورا مهما في استمرار الثورة». ويعتقد فارس أن النظام السوري ليست عنده أي مشكلة في ارتكاب جريمة إنسانية تتضمن قتل 50 ألفا أو ما يزيد لقمع الثورة؛ لكن ما يقيده هو وجود التغطية الإعلامية التي تفضحه وهو ما يكبل يديه. وهو ما علق عليه دغمش «لو غابت التغطية الإعلامية لتحولت حمص إلى نموذج معاصر لمذبحة حماه عام 1982». وكان النظام السوري قد ارتكب مجزرة بحق مدينة حماه في فبراير عام 1982؛ لكن لم يعرف شيء عنها بالتحديد، بسبب غياب التغطية الإعلامية. وتكلف تأسيس الشبكة حتى الآن نحو 15 ألف دولار، تحملها جراح ودغمش شخصيا وفقا لدغمش؛ لكنها لا تزال تحتاج ما يزيد على 10 آلاف دولار، لإكمال خطة التوسع التي تتضمن إنشاء قناة تلفزيونية وزيادة عدد ناشطيها على الأرض ومدهم بالأجهزة التي تمكنهم من العمل بشكل أفضل. ويقول جراح «لا نريد أن يتم تمويل الشبكة من أي كيانات سياسية، سواء كانت سورية أو غير سورية، وذلك رغم أن كثيرين عرضوا علينا تمويل مصاريف الشبكة».

ويعاني القائمون على الشبكة من نضوب مصادر تمويلها، وتقوم منظمة حقوقية بإمدادهم بالأجهزة التي يحتاجها ناشطوها بالداخل، ويقول جراح «نطلب منهم أشياء معينة يقومون بتوفيرها لنا مثل الكاميرات وأجهزة الاتصال لتوصيلها لأكبر عدد ممكن من الناشطين والمواطن الصحافي في الداخل السوري».

وفي ركن بعيد من مقر الشبكة، تم وضع كاميرا حديثة لتكون نواة لاستوديو تصوير لإصدار قناة تلفزيونية إخبارية على الإنترنت قريبا، لتكون منصة إعلامية وصوتا للثورة السورية بصوت ناشطيها من مواقع الأحداث، ويقول دغمش إن القناة التلفزيونية الحلم ستعزز من فكرة المواطن الصحافي. فيما يعتقد جراح أن الشبكة تسعى أيضا للتوسع على الأرض عبر توفير عدد أكبر من الناشطين في محافظات مختلفة، قائلا «إن هناك نقصا لمراسيلنا في بعض المناطق مثل إدلب بسبب نقص الأجهزة، وهو ما يضعنا في أزمة حال تعرضت المدينة لهجوم من الجيش السوري».

وقال جراح بينما كان يضع اللمسات الأخيرة على التقرير اليومي للأحداث في يوم جديد من الثورة التي تضرب سوريا منذ عام «نحاول الوصول لأكبر عدد ممكن ممن المراسلين، وأكبر عدد ممكن من المستمعين عبر العالم.. لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة لانتهاء الانتهاكات ونجاح الثورة».