ماكسيم شيفتشينكو.. نجم إعلام روسي مثير للجدل

يجاهر بتأييده لحماس ولا ينكر كراهيته لإسرائيل

ماكسيم شيفتشينكو
TT

في سماء الساحة الإعلامية الروسية يبزغ نجم التلفزيوني ماكسيم شيفتشينكو الذي بات ظاهرة سياسية صحافية مثيرة للجدل. الصحافة كانت ولا تزال بالنسبة له هواية ثمة من يقول إنه لا يريد امتهانها حتى لا تقف حائلا بينه وبين تحقيق أهداف ستتعصى على من يحبس نفسه بين جدرانها.

ولعل ما يميز شيفتشينكو عن أقرانه في الساحة الإعلامية الروسية أنه يكاد يبدو الوحيد بين نجوم نسقها الأعلى الذي لا يخفي حماسه وتأييده للقضايا العربية والإسلامية ما يضعه هدفا لتطاولات وهجوم اللوبي الصهيوني. ومن اللافت أن شيفتشينكو ورغما عن تباين رؤاه عن وجهات النظر الرسمية للدولة تجاه الكثير من قضايا الحريات وحقوق الإنسان، فقد استقطب اهتمام الكرملين وممثليه ممن نجحوا في استمالته إلى الفريق الإعلامي الضارب للرئيس المنتخب فلاديمير بوتين وإن حرص شيفتشينكو على إنكار ولائه لقيصر الكرملين، وتأكيد أن الولاء للوطن وأن بوتين سوف يرحل.. إن عاجلا أو آجلا.

شخصيته ورغم ما تتسم به من بساطة وتلقائية، يكتنفها غموض مثير يدفع إلى محاولة سبر أغوارها سعيا وراء الحقيقة واستيضاح ما وراء ما يتناثر من معلومات تبدو على طرفي نقيض من توجهاته وآرائه. البداية نستمدها من مولده الذي تقول كل الأدبيات ومواقع «الإنترنت» إنه عن «أب يهودي».

أما الحقيقة فنجدها فيما قاله حول أنه ينحدر عن أب «أوكراني» وأم «بيلاروسية». قال شيفتشينكو إنه لم يكن يريد الخوض في مثل هذه القصة وإنه يربأ بنفسه عن التفرغ لدحض ما يروجه عنه خصومه من أكاذيب. اكتفى بالقول إن ذلك محض أكاذيب رغم كل يقينه بأنه لا شيء يعيب أو يدين الإنسان اليهودي العقيدة.عاد ليؤكد أن «البينة على من ادعى»، وعلى من يقول بغير ذلك الرجوع إلى وثائق السجل المدني التي تؤكد أن الأب أوكراني.

واستطرد ليقول إنه مسيحي أرثوذكسي ولم يتحول إلى الإسلام كما يقولون. قال إنه اهتم بدراسة الإسلام يقينا من جانبه بعلو مكانته وسماحة مبادئه التي لم يجد فيها ما يتناقض مع مسيحيته وهو ما يجعله على علاقة وثيقة مع أبرز رموز هذه العقيدة في العالمين العربي والإسلامي.

وكشف أنه أراد دراسة اللغة العربية التي استهوته عن طريق صدفة ألقت في طريقه برائعة فيلسوف القرن التاسع الشاعر العربي الضرير أبي العلاء المعرى «رسالة الغفران». قال إنه عثر عليها في أحد الأديرة التي طالما كان يرتادها في وقت مبكر من العمر. قصد جامعة موسكو بحثا عن دراسة متعمقة في عوالم الشرق وفلسفة اللغة العربية.

أما عن الأسباب والدوافع، فقد اكتفى بالقول: «لقد التحقت في عام 1990 بمركز دراسات العلوم الشرقية بمعهد آسيا وأفريقيا. (لماذا؟). أجيب. هل يمكن للإنسان أن يحدد مصيره في خط مستقيم؟!».

اكتشف شيفتشينكو حبه للشرق في سنوات مبكرة من حياته العملية. أدرك الدور المتعاظم للدين في عالم السياسة. ومن خلاله ولج عالم حركات التحرر الوطني عبر رحلاته المتكررة إلى أفغانستان وفلسطين وإسرائيل والبلقان. هناك أدرك مبكرا مدى الغبن الذي تتعرض له شعوب تلك البقاع ولمس بنفسه وطأة العنصرية والمعايير المزدوجة في سياسات إسرائيل وواشنطن والكثير من البلدان الغربية قبل أن يتحول إلى سفير للقضية الفلسطينية ومناصر لحركة المقاومة الإسلامية انطلاقا من معتقدات معادية للسامية حسب مزاعم خصومه من أبناء الطائفة اليهودية.

ولعله من اللافت بهذا الصدد أن شيفتشينكو وخلال لقائنا معه والذي طال لما يزيد عن الثلاث ساعات أنه بدا حريصا على عدم التطرق إلى الدوافع التي وضعته إلى جانب الفلسطينيين وإن ظهر ذلك من خلال إشاراته إلى يقينه من عدالة قضيتهم واستنكاره لسياسات إسرائيل التي قال إنها دائما بالنسبة له «فلسطين المحتلة».

وعن سيرته الذاتية نشير في عجالة إلى أنه خريج معهد الطيران في موسكو عام 1990، لكنه لم يجد في «تصميم معدات الطيران» ما يستهويه أو يدفعه إلى مواصلة العمل في هذا المجال حيث سرعان ما قصد بعد التخرج معهد آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو بحثا عما تتوق إليه نفسه في أضابير تاريخ الثقافة وعالم اللغة العربية. وبعد رحلة لم تستمر طويلا في عالم الصحافة الكنسية، انضم شيفتشينكو إلى فريق «الصحيفة المستقلة» إحدى أشهر الصحف الروسية التي تأسست في نهاية 1990 والتي أتاحت له فرصة السفر مراسلا لها في العديد من البلدان ومنها مصر وأفغانستان ومنطقة البلقان وإسرائيل فضلا عن النقاط الساخنة في الداخل الروسي ومنها الشيشان ومناطق القوقاز.

هناك أسس ملحق «الصحيفة المستقلة - الدين» الأسبوعي الذي كان علامة فارقة في تاريخ صحافة ذلك الحين. أتاح له إصدار مثل هذا الملحق فرصة الاطلاع على مختلف الأديان وارتبط مع ممثليها بعلاقات وطيدة أتاحت له ولوج الكثير من العوالم التي طالما استعصت على غيره في الساحة التي كانت في خصام مع الدين والمتدينين لما يزيد عن السبعين عاما.

ويمضي شيفتشينكو على الدرب ذاته متوقفا بخياره لشريكة حياته عند إحدى بنات الشرق ناديجدا كيفوركوفا الصحافية الأرمنية التي عملت في العديد من البلدان العربية والأجنبية. قال إنه وجد فيها الكثير المشترك وهي التي طالما اتهمها الخصوم بالعداء للسامية، بينما الحقيقة وكما قالت لنا، وكانت حضرت جزءا من لقائنا مع شريك حياتها، إن عداءها ليس لدين أو عقيدة بل للمحتل الذي يواصل انتهاك كل القوانين والشرائع في أرض فلسطين التي يعيث فيها فسادا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.

ونعود إلى شيفتشينكو لنقول إن تعاونه مع إذاعة «صدى موسكو» لا يزال يثير الكثير من الجدل لأسباب تعود إلى طبيعة هذه المحطة الإذاعية وارتباطها بالدوائر اليهودية والصهيونية. قال شيفتشينكو إن علاقته مع «صدى موسكو» تعود إلى اقتناعه بما حققته من نجاح على طريق الليبرالية وتقبل الرأي الآخر مما يضعها في صدارة أفضل المحطات الإذاعية في روسيا.

ورغم أن في ذلك قدرا كبيرا من الحقيقة فإن الواقع يقول أيضا إنها تظل أحد أبواق الدعاية الموالية لإسرائيل منذ أسسها فلاديمير جوسينسكي أول رئيس للمؤتمر اليهودي الروسي في 1990 فيما ترتبط بأواصر تعاون وثيقة مع التلفزيون الإسرائيلي وتبدو في كثير من الأحيان سبيلا إلى تمرير وجهات النظر الأميركية. وكان بوتين انتقدها في أكثر من مناسبة وهو ما كان مقدمة للقرار الذي اتخذته مؤسسة «غاز بروم» التي تملك الحصة الأكبر من أسهمها حول تغيير مجلس إدارتها وإبعاد نجمها الأبرز ألكسي فينيديكتوف عن مواقعه القيادية في المجلس لأول مرة منذ تأسيس المحطة في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

ونمضي على طريق محاولات فض مكنون ذلك الصعود «الصاروخي» إلى ذرى الإعلام الروسي الوعر التضاريس لنتساءل عما يقال حول إنه يدين به وبانضمامه إلى أركان فريق بوتين الإعلامي الضارب، إلى فلاديسلاف سوركوف كاردينال الكرملين، الشيشاني الأب. قال شيفتشينكو بعدم صحة مثل هذه الأقاويل وإن ما يتردد حول علاقة وطيدة مع سوركوف ليس سوى ثرثرة كلامية لا أساس لها من الصحة. وأشار إلى أنه التقاه في معية صحافيين آخرين كثيرين ولم يحصل على أي امتيازات تميزه عن أقرانه ممن شاركوه لقاءاته مع قيادات الكرملين. وكان شيفتشينكو تنقل بخطوات سريعة بين أبرز الصحف ومحطات الإذاعات الروسية ليستقر في القناة الأولى للتلفزيون الروسي واحدا من أبرز نجومها ومقدمي برامج «التوك شو» في نفس الوقت الذي اختير فيه عضوا في «الجمعية الاجتماعية» (البرلمان الشعبي) التي كان بوتين وراء تشكيلها تحت رعاية مباشرة من الكرملين.

ولم يكن غريبا أن يتقدم المؤتمر اليهودي الروسي في العام الماضي بالكثير من التوصيات وطلبات الإحاطة التي تدعو إلى طرد شيفتشينكو من «الجمعية الاجتماعية» ومن القناة الأولى ومن إذاعة «صدى موسكو» بزعم أنه من النازيين الجدد والمعادين للسامية والمؤيدين للمنظمات الإرهابية، وحتى بلغ الأمر بخصومه تهديده بالقتل مثلما فعل يفجيني ساتانوفسكي مدير معهد «إسرائيل والشرق الأوسط» والنائب الأسبق لرئيس المؤتمر اليهودي الروسي.

وقال شيفتشينكو إنه فقد حقيقة عضوية «الجمعية الاجتماعية»، لكن ليس بإيعاز من اللوبي اليهودي بل بتوصية من الرئيس ميدفيديف الذي وجد في موقفه المناهض لسياسات الكرملين تجاه الأوضاع في ليبيا ما يتناقض مع سياسات الدولة، ولانتقاداته الصريحة لسياسات الكرملين التي باركت بالصمت قرار الغرب حول قصف ليبيا وملاحقة القذافي وأفراد أسرته وهو الذي قال إنه لم يكن «شريرا» للدرجة التي كانوا يصورونه عليها!.

وكان شيفتشينكو اعترض على قرار ميدفيديف تجاه التأييد الضمني بالامتناع عن التصويت على القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن والذي أجاز فرض مناطق حظر الطيران واستخدام الناتو للقوة ضد ليبيا. وأضاف شيفتشينكو إلى أسباب إقصائه عن «الجمعية الاجتماعية» مواقفه المؤيدة لمسلمي القوقاز ومنهم الذين يتعرضون للاضطهاد والملاحقة ممن نستطيع تسميتهم «بالمعتقلين السياسيين».

وإذا كان «خصومه» نجحوا عمليا في إقصائه عن «الجمعية الاجتماعية» فإن ثمة من الشواهد ما يشير إلى تأرجح مواقفه بين اتفاقه مع توجهات المعارضة التي تتهم الكرملين بملاحقة ذوى الرأي الآخر وغض الطرف عن وجود المعتقلين السياسيين وانضمامه إلى صفوف مؤيدي بوتين من الذين يجاهرون بالعداء للثورات البرتقالية واتهام الخارجية الأميركية والدوائر الغربية بإغداق الدعم وتمويل منظمات المجتمع المدني.

ويقول شيفتشينكو إنه لا يخفي احتجاجه ضد وجود المعتقلين السياسيين في شمال القوقاز وتعسف الشرطة والأجهزة الأمنية التي تواصل ملاحقتها لنشطاء المسلمين وتلفيق الاتهامات لهم للزج بهم إلى غياهب السجون. يقول أيضا إنه لا يؤيد بوتين لكنه يقف ضد الثورات البرتقالية ويفسر مشاركته في المظاهرات المعادية لهذه الثورات بأنها تعني رفضه لكل التوجهات الانفصالية التي عاشها ويعيشها الفضاء السوفياتي السابق. ويقول كذلك إنه مع الاستقرار الذي يمكن أن يوفره بوتين لروسيا ولا سيما بعد عصر يلتسين، وبما يحول دون عودة انتقامية لفلول ذلك العهد.

ومضى شيفتشينكو إلى ما هو أبعد حين قال «إن بوتين سوف يرحل إن عاجلا أو آجلا. إنه لا يملك الكثير من مخزون القدرات، وأن يظل الزعيم القوي الحاسم، الذي أريده حين يختار الرحيل أن يكون ذلك عبر الأساليب الديمقراطية وليس عبر غيرها. إنه الآن يفوز في الانتخابات بشكل ديمقراطي أمام معارضة تفتقد وحدة الصف والآيديولوجية».

وأكد شيفتشينكو أن «روسيا من دون بوتين» ليس الشعار المناسب. وحول رؤيته للوضع الراهن قال إن روسيا الآن أمام مجتمع من دون معارضة منظمة وما نراه الآن ليس سوى مجموعات معارضة لا ترقى بعد لمستوى القوة الذي تستطيع معه مواجهة بوتين أو إحداث التغيير المنشود.

أما عن مستقبل «الثنائي الحاكم» قال شيفتشينكو إنه ورغم عدم اعترافه بهذا المسمى فإن بوتين يظل صاحب اليد العليا بحكم ما يمنحه له الدستور من صلاحيات إشرافه على الوزارات السيادية وهي الدفاع والخارجية والداخلية والأمن والمخابرات.

وقال إن ميدفيديف لن يستمر طويلا في منصبه كرئيس للحكومة وإن أشاد بشجاعته في قبول الاضطلاع بمثل هذا المنصب في الوقت الذي تقف فيه روسيا على أعتاب أزمة اقتصادية شديدة سوف يكون مسؤولا عن تبعاتها. قال أيضا «إن ميدفيديف أبدى شجاعة منقطعة النظير حين اتخذ قرار الحرب ضد جورجيا في أغسطس (آب) 2008».

وفيما أشار شيفتشينكو إلى أن الصراع لن يحتدم بين الرفيقين، قال باحتمالات احتدامه بين أعضاء فريقيهما الحافلين بالكثير من العناصر اليهودية.

وها نحن ومرة أخرى وفي إطار حديثنا «غير الممنهج» نتطرق ثانية إلى ممثلي اللوبي اليهودي ممن ينتشرون بين جنبات منظومة الإعلام الروسي، وعلى مقربة من دوائر صنع القرار. وكان شيفتشينكو أشار إلى أخطار احتمالات «انتقام فلول يلتسين» ممن يتحفزون للانقضاض ضد نظام بوتين وهم الذين طالما قاموا بذلك على مختلف مراحل تطور الدولة الروسية.

وكما الشريط السينمائي مرت أمام مخيلتينا بعض دسائسهم إبان تسعينيات القرن الماضي على مقربة من يلتسين، مما يثير مخاوف احتمالات تكرار التجربة مع بوتين.

وتذكرنا سوية يفجيني ساتانوفسكي النائب الأسبق لرئيس المؤتمر اليهودي الروسي الذي يترأس اليوم معهد «إسرائيل والشرق الأوسط». توقفنا أمام واقعة «حذف» ساتانوفسكي لكلمة إسرائيل من اسم هذا المعهد الذي قال شيفتشينكو إنه «مركز تجسس يعمل ضد مصالح روسيا».

وأضاف «إنه فعل ذلك للتستر على علاقته بالموساد الذي يخدم بين صفوفه». وقال شيفتشينكو: «إن ساتانوفسكي مواطن إسرائيلي يحمل الجنسية الإسرائيلية وكل أفراد عائلته يعيشون في إسرائيل».

وأضاف: «إنني أقف معارضا لكل ذلك، بنفس درجة مقاطعتي لكل البضائع الإسرائيلية التي يبيعونها في روسيا وأدعو إلى ذلك كل المواطنين بوصفها سلعا أُنتجت في الأراضي التي يحتلها النازيون الجدد». وكنا لاحظنا مع شيفتشينكو أنه يصول ويجول عبر شاشة «روسيا اليوم» بالعربية دون أن يجد من يحاوره أو يتصدى لأكاذيبه.

واستعرضنا كثيرا من الأسماء الأخرى التي تحفل بها الساحة الإعلامية الروسية ومنها من تدعوهم القنوات العربية الفضائية مثل «الجزيرة» و«التلفزيون المصري» للتعليق على ما تشهده الساحة الروسية من أحداث على شاشاتها، ليقول شيفتشينكو بعدم منطقية ذلك، ولنخلص سوية إلى مسؤولية السفارات العربية التي تفتح لهم أبوابها.. تستضيفهم وتتيح لهم أفضل الفرص ليكونوا على مقربة من «المطبخ الدبلوماسي العربي».

وعزا الإعلامي الروسي البارز مثل هذه السلبيات إلى تغلغل ممثلي اللوبي اليهودي في الكثير من الأجهزة الإعلامية الروسية ومنها الناطقة بالعربية. وقال إنه شخصيا لا يعارض ظهورهم شريطة أن يكونوا في مواجهة آخرين من ممثلي القضايا العربية لتفنيد أكاذيبهم ومقارعتهم الحجة بالحجة. لكن ما لم يقله شيفتشينكو هو أن هؤلاء يطعمون العرب بما يستمرئونه من «حيل وأحابيل».. ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد!.