سيد الإعلام في الصين يتحول إلى ضحية له

بو شيلاي وجد نفسه فجأة هدفا لنفس الأجهزة التي كان يتلاعب بها

بو شيلاي خلال حضوره الجلسة العامة للمؤتمر الشعبي الوطني في قاعة الشعب الكبرى ببكين بعد إقالته من منصبه («نيويورك تايمز»)
TT

مستخدما سياسة الترهيب والترغيب مع الصحافيين الصينيين، قام بو شيلاي، مسؤول الحزب الشيوعي الصيني الطموح، بإضفاء المزيد من الإثارة على مستقبله السياسي عن طريق رسم صورته العامة بمنتهي البراعة وسرقة الأضواء بصورة لم يقم بها أي من نظرائه، حين كان يحكم إحدى المدن الصينية.

أما الآن، وبعد خروجه من صفوف المناصب العليا في الحزب الشيوعي في عملية تطهير جرت الشهر الحالي، وجد بو شيلاي نفسه فجأة هدفا لنفس أجهزة الإعلام التي كان يتلاعب بها بعناية والتي تقوم بالتشهير به باسم قادة الحزب.

وعقب الإعلان عن حركة التطهير، قام الحزب الشيوعي بإطلاق ترسانته من الماكينات الدعائية ضد بو، حيث قام الحزب بالضغط على المؤسسات الصحافية في مختلف أنحاء البلاد لشن حملة استثنائية لدعم قرار الحزب بطرد بو، وذلك طبقا لرؤساء التحرير والمديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام. وتعتبر تلك الحملة أكبر عملية تعبئة يقوم بها الحزب لدعم قراراته منذ مذبحة ميدان السلام السماوي في عام 1989.

بدأت الحملة في 10 أبريل (نيسان)، عندما أعلنت وكالة الأنباء الحكومية (شينخوا) تعليق عضوية بو في المكتب السياسي القوي في الحزب، وأن زوجته غو كايلاي رهن التحقيق في قضية مقتل رجل أعمال بريطاني في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). تقدم المقابلات التي جرت مع رؤساء التحرير والمديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام لمحة عن كيفية عمل الماكينة الدعائية السرية في الحزب في الوقت الذي يشهد توترا سياسيا حادا. تدخل هذه الحملة في مرحلة أكثر مكرا في الأسبوع الراهن، حيث بدأت بعض وسائل الإعلام تغيير اتجاهاتها، بناء على طلب كبار مسؤولي الدعاية، من كتابة مقالات افتتاحية تؤكد الولاء للحزب إلى البدء بتحليل مغزى قضية بو شيلاي.

فعلى سبيل المثال، صدرت أوامر لمحرري صحيفة «غلوبال تايمز»، صحيفة ذائعة الصيت تصدر بطبعات باللغة الإنجليزية والصينية، بالفصل في تعليقاتهم أو مقالاتهم الافتتاحية بين توجيه نقد لبو شيلاي والسياسات الاقتصادية الرامية إلى تحقيق الرفاهية التي قادها في منطقة تشونغقينغ، وربما يرجع ذلك إلى أن قادة الحزب يرغبون أن ينسب لهم الفضل في بعض السياسيات المشابهة في المستقبل. قال شخص مطلع على بواطن الأمور إنه من المفترض قيام النسخة الإنجليزية من الجريدة بانتقاد التغطية الإخبارية الغربية التي أكدت وجود انشقاقات داخل الحزب.

لم تحدث مثل هذه الحملة الدعائية واسعة النطاق والدقيقة في أعقاب خروج أحد المسؤولين من الحزب منذ عقود، حيث لم يقم قادة الحزب بإغراق وسائل الإعلام بمثل هذه الدعاية المكثفة عقب عمليات التطهير التي حدثت في عام 1995 و2006، ولم تظهر مثل هذه الافتتاحيات التي تؤكد ولاء المسؤولين والكوادر للحزب بهذا التواتر والقوة منذ الأحداث الدامية التي وقعت في عام 1989.

يقول بعض المحللين إن طرد بو يعتبر بمثابة أكبر التحديات التي تواجه الحزب منذ ذلك الوقت. بدأت هذه الأزمة في شهر فبراير (شباط) عندما قام وانغ لي جون، وهو قائد الشرطة السابق في تشونغقينغ، بالهروب إلى إحدى القنصليات الأميركية لتقديم الدليل على ما وصفه بمؤامرة القتل التي تتورط فيها عائلة بو شيلاي.

يقول ديفيد باندروسكي، رئيس تحرير المشروع الإعلامي الصيني في جامعة هونغ كونغ: «لم نر مثل هذا التدخل المباشر الشامل في وسائل الإعلام من وقت طويل جدا. يمكنك بالفعل الشعور بالقلق وعدم الارتياح، حيث إنهم يؤكدون بشدة وحدة وتضامن الحزب، في الوقت الذي نعرف فيه جيدا أن كل شيء ليس على ما يرام».

يتمتع بو شيلاي، وهو أرستقراطي شيوعي وطالب سابق في كلية الصحافة، الذي شن حملة من أجل الحصول على أحد المناصب العليا قبل عملية انتقال القيادة التي حدثت في العام الحالي، بقدرة كبيرة على الاستقطاب، حيث نجح وبسرعة في بناء قاعدة من المؤيدين المتحمسين عقب وصوله إلى تشونغقينغ في عام 2007، وهو الأمر الذي يرجع بصورة جزئية إلى استخدامه وسائل الإعلام بصورة ذكية. ينتمي بعض المؤيدين المتحمسين لبو إلى فئة الاشتراكيين المتشددين وكبار ضباط الجيش، وتمثل أحد أهداف الحملة الدعائية، وبخاصة تلك الأكثر كثافة في الأسبوع الأول، في تخويف أو اجتذاب الحلفاء المتبقين حول بو شيلاي.

يقول أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مؤسسة إعلامية رسمية: «هم يعلمون جيدا أنه سيظل هناك بعض وجهات النظر والتفسيرات المختلفة في المجتمع، لذلك ينبغي لنا كتابة الكثير من المقالات وعمل الكثير من الدعاية لتوحيد وجهات نظر الناس».

واعتبارا من يوم 11 أبريل، بدأت بعض المقالات الافتتاحية التي لا تحمل أي توقيع والتي تخص قضيتي بو شيلاي ووانغ في الظهور، وربما بشكل يومي، في كافة وسائل الإعلام المهمة في الصين، بداية من صحيفة «جيش التحرير الشعبي اليومية»، الصحيفة الرسمية للجيش الصيني، إلى بوابات المواقع الإلكترونية حيث يحصل الشباب الصينيون على الأخبار. بدأت معظم المقالات الافتتاحية في الظهور في جريدة «الشعب» اليومية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، ولكن خلت تلك الجريدة من الافتتاحيات حول قضية بو شيلاي لأول مرة يوم الجمعة.

امتنعت تلك المقالات الافتتاحية عن شن هجمات شخصية واضحة ضد بو شيلاي أو زوجته غو أو حتى استهداف سياسات بو شيلاي في تشونغقشينغ، ولكنها، وبدلا عن ذلك، أكدت أنه يخضع للتحقيق لارتكابه «مخالفات انضباطية خطيرة» وأن حكم القانون يجب أن يسود.

يقول زان جيانغ، وهو أستاذ الصحافة في جامعة بكين للدراسات الخارجية: «لن تؤدي هذه الطريقة إلى إثارة الكثير من الجدل، حيث يهدف هذا الشكل من الدعاية إلى إثارة أقل قدر ممكن من ردود الفعل السلبية».

ويقول رئيس تحرير آخر إنه عندما تم التخلص من بو، تم إعلام رؤساء تحرير مطبوعات الحزب الرئيسية أن صحيفة «الشعب اليومية» تنتوي نشر سلسلة من المقالات الافتتاحية حول هذا القرار على مدار ثلاثة أيام، وأنه ينبغي للصحف المهمة إعادة نشر تلك الافتتاحيات، وأن يتم قراءة أهم ما في تلك الافتتاحيات في نشرات الأخبار التلفزيونية. ثم قام مسؤولو الدعاية، بعد ذلك بوقت قصير، بتوسعة نطاق الحملة وإصدار أوامر إلى المطبوعات الأخرى بكتابة افتتاحيات خاصة بهم حول هذا الأمر أيضا.

يقول أحد رؤساء التحرير: «هذا الأمر يعني بالنسبة لي أنه كان هناك الكثير من الأفراد الذين لا يزالون يدافعون عن بو شيلاي، لذا قرروا زيادة وتيرة هذه الحملة». فقامت صحيفة «قوانغمينغ اليومية»، التي تم تأسيسها لتكون لسان حال مثقفي الحزب، بكتابة بعض الافتتاحيات في هذا الشأن، على غرار صحيفتين أخريين تابعتين للحزب، وهما صحيفة «التحرير» اليومية وصحيفة «جيش التحرير الشعبي» اليومية، حيث قالت إحدى تلك الافتتاحيات التي نشرت في الصحيفة التابعة للجيش يوم 13 أبريل أن كافة الضباط والجنود «يتفهمون بشكل عميق التحذير الخطير الذي ينطوي عليه هذا الحادث» و«أإهم يدعمون بقوة القرارات والخطط» الخاصة بالحزب.

وجاء تعليق رئيس تحرير صحيفة «غلوبال تايمز» شان رن بينغ، الذي نشر في عددها يوم الخميس، بمثابة هجوم شخصي على بو شيلاي، حيث انتقد حملة «سماش ذي بلاك» التي أطلقها بو شيلاي ضد الجريمة المنظمة وأيضا حملة «ريد سونغ» التي حثت المواطنين على غناء الأغاني الماوية الكلاسيكية، حيث كتب شان: «لا ينبغي لنا المبالغة في مدى نفوذ شخص ما».

لا تزال صحيفة «الشعب» اليومية تقوم بنشر افتتاحيات تشجب فيها انتشار بعض الشائعات على الإنترنت، حيث يستقي الكثير من الصينيين أخبارهم عن طريق الإنترنت، الذي يعج بالشائعات حول بو شيلاي. وقد اضطرت مواقع التدوين المصغرة المهمة، التي تحتوي على مئات الملايين من المستخدمين المسجلين، إلى تخصيص المزيد من الموظفين لمهمة المراقبة الذاتية منذ قيام الحكومة بتكثيف جهودها لتبديد تلك الشائعات.

وعلى الرغم من ذلك، فهناك مؤشرات إلى السماح بهامش من للمدونين الذين يقومون بنشر بعض الرسائل بما يتماشى مع القصة التي يسوقها الحزب ضد بو شيلاي، حيث قال لي تشوانغ، محام قام بو شيلاي باضطهاده، يوم الجمعة إنه قبل طرد بو من الحزب، كان مسؤولو مواقع التدوين المصغرة التي يكتب عليها يطلبون منه حذف الكثير من الرسائل التي كان ينتقد بو شيلاي فيها، أما الآن، فتعتبر تلك المطالب أمرا نادرا.

يبدو أن شخصا واحدا على الأقل ذو نفوذ كبير في الساحة السياسية قد قام بالتغريد خارج سرب وسائل الإعلام الحكومية، لكي يقوم بإرسال رسالة معينة، حيث التقى الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين، الذي كان حليفا لوالد بو شيلاي في الماضي، يوم الثلاثاء هوارد شولتز، الرئيس التنفيذي لـ«ستاربكس»، وذلك طبقا للمتحدث باسم «ستاربكس». ويقول المحللون السياسيون في الصين إن ظهور زيمين، المريض الذي يبلغ من العمر 85 عاما والذي غاب لفترة طويلة عن الحياة العامة، في هذا الوقت جاء ليحمل رسالة للساسة الآخرين، مفادها أنه لا يزال يلعب دورا مهما في قرارات الحزب، بما في ذلك أزمة بو شيلاي.

يقول بيل بيشوب، وهو محلل في بكين والذي نوه إلى هذا الاجتماع على مدونته: «من الواضح أنه لم يذهب إلى هذا الاجتماع لأنه من محبي احتساء القهوة فقط».

* ساهم في كتابة هذا التقرير آيدي يين ولي بيبو.

* خدمة «نيويورك تايمز»