الصحافيون الهنود يتحولون من ناقلين للأخبار إلى مواد إعلامية

الشرطة اعتقلت الكثير منهم بتهم لها علاقة بالإرهاب والتحريض على القتل

مظاهرات احتجاجية بسبب اعتقال الشرطة الهندية للعديد من الصحافيين بتهم مختلفة («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر الهند واحدة من الدول القليلة في العالم التي يحظى فيها الصحافيون (السلطة الرابعة) بأقصى درجات حرية التعبير، لكن الأحداث القليلة السابقة كشفت عن الجانب القبيح للصحافيين أصحاب الطموح البالغ، الذين ينتهجون مسارات خطرة مثل التحريض على الإرهاب والقتل من أجل الشهرة. ويعكس الاعتقال الأخير بحق صحافي في دلهي يعمل لصالح مؤسسة إعلامية إيرانية، إثر مزاعم بتورطه في هجوم إرهابي على سيارة الملحق العسكري الإسرائيلي في العاصمة الهندية نيودلهي، نتج عنه إصابة أربعة أفراد في شهر فبراير (شباط)، تحول الصحافيين من كتّاب إلى مواد إعلامية في الهند.

في الثالث عشر من فبراير انفجرت قنبلة لاصقة بسيارة دبلوماسي إسرائيلي في العاصمة الهندية نيودلهي لتصيب أربعة أفراد وتحدث أزمة دولية كبيرة. كان سيد أحمد كاظمي، الصحافي الحر، والمتشبه في تورطه في الهجوم، جالسا في استوديو تلفزيوني كخبير في الشؤون الإيرانية، في أعقاب تفجير السيارة التي تحمل زوجة السفير الإسرائيلي في نيودلهي.

تناقلت وكالات الأنباء في غرب آسيا أنباء اعتقال كاظمي الذي تحدث صراحة ودون خوف، مفندا المزاعم الإسرائيلية بأن الهجوم جاء بتدبير إيراني.

بعد أيام قلائل اعتقلت قوات الأمن في دلهي الصحافي البالغ من العمر 53 عاما، واتهمته بالضلوع في مؤامرة لتنفيذ التفجيرات. ويعتقد المحققون أن مجموعة متشددة مقرها إيران هي التي خططت للهجوم، وأن كاظمي قدم الدعم المحلي قبل أشهر قلائل مقابل مبلغ مالي.

يأتي اعتقال كاظمي بعد أشهر قلائل من اعتقال الصحافية الهندية جينجا فورا، التي تآمرت لقتل منافسها على مجال الريادة الإعلامية في مومباي، والتي حظيت بتغطية واسعة، وهي الآن قيد الاعتقال وبانتظار المحاكمة.

وعلى الرغم من اعتراف شرطة دلهي بأن المنفذين الرئيسيين للمؤامرة غادروا الهند، فإنها تزعم أن كاظمي يمثل رابطا جوهريا. فقد كشفت التحقيقات مع كاظمي عن أنه يرتبط بصلات غير مباشرة بصادق زاده مسعود، القائد العملياتي لسلسلة التفجيرات التي استهدفت الدبلوماسيين الإسرائيليين.

وزعمت التحقيقات أن كاظمي تلقى مبلغا كبيرا من المال من سيد علي صدر مهديان، زميل له، لتقديم المساعدة في الهند لمؤامرة إرهابية دولية خلال الرحلتين اللتين قام بهما كاظمي إلى طهران في عام 2011، بحسب مفوض شرطة دلهي، بي كي غوبتا.

وأعاد غوبتا التأكيد على أن اعتقال كاظمي أسهم في كشف المؤامرة، وقال: «لعب كاظمي دورا رئيسيا في مساعدة الأشخاص ذوي الأصول الإيرانية على دراسة السفارة الإسرائيلية والمناطق المحيطة بها. وقد اعتقل لدوره في تسهيل الهجوم». وأضاف غوبتا: «كشف المحققون أنه كان على اتصال مع المشتبه بهم لبعض الوقت. وقد كشفت التحقيقات أيضا عن أن كاظمي كان يتلقى أموالا من الخارج بانتظام، وأن زوجته تلقت مليوني روبية مؤخرا، وأن الزوجين لم يتمكنا من تفسير مصدر هذه الأموال». وأوضح المحقق، الذي رفض الإفصاح عن الرابط المباشر بين مسعود وكاظمي، قائلا: «قام مهديان بتوجيه كاظمي للقاء هوشانغ أفشار إيراني الذي ينحدر من أصول إيرانية، عندما حضر الأخير إلى دلهي. وقد قام كاظمي وإيراني بعملية مسح للسفارة الإسرائيلية وناقشا أيضا مسألة استهداف الدبلوماسيين الإسرائيليين باستخدام أجهزة تفجير. وتجدر الإشارة إلى أن التحقيقات الفنية قد أثبتت وجود اتصال هاتفي بين كاظمي وإيراني».

صدر بحق إيراني، وهو في بداية الأربعينات من العمر، أمر اعتقال، إضافة إلى ثلاثة من مساعديه. وتشير التحقيقات إلى أن إيراني هو من قام بلصق المتفجرات في سيارة تيل يهوشا كورين، 42 عاما، زوجة الملحق العسكري الإسرائيلي في دلهي، قام إيراني بعد تنفيذ هذه العملية باستقلال الطائرة إلى ماليزيا.

وأكدت الشرطة على أن المراقبة التقنية كشفت أن إيراني كان على اتصال بصادق زاده مسعود، الذي فر من العاصمة التايلاندية مانيلا بعد حادث تفجير المنزل الآمن الذي كان يقيم فيه يوم الثالث عشر من فبراير، ليلقى القبض عليه في مطار ماليزيا عقب الحادث بساعات. وكان مسعود واحدا من ثلاثة إيرانيين كانوا يخططون لاستهداف دبلوماسيين إسرائيليين في بانكوك في 14 فبراير بعد يوم في هجوم دلهي. ويبدو أنهم خططوا للالتقاء في موقع تم الاتفاق عليه مسبقا للعودة إلى طهران عبر مسارات غير رسمية. وقالت الشرطة إنها تابعت شريطا إخباريا لقناة «سي سي تي في» الذي يظهر فيه الصحافي كاظمي مرتين على الأقل مع مواطن إيراني - أحد الإيرانيين الثلاثة الذين صدر بحقهم قرار اعتقال - في فندق في دلهي، وكان الشريط قد صور قبل أربعة أيام من الهجوم. وقالت المصادر إن الفيديو يظهر فيه كاظمي مع أحد الإيرانيين مرتين على الأقل. وتقوم الشرطة بالتحقيق في تحويل الأموال إلى الحسابين المصرفيين اللذين يمتلكهما كاظمي.

جدير بالذكر أن كاظمي عاش في دلهي على مدى أكثر من 20 عاما، وهو يتحدث العربية والفارسية بطلاقة، وهو ناقد معروف لإسرائيل وصحافي حكومي معتمد منذ ما يزيد على العقدين. وقد غطى الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وعمل صحافيا حرا لدى راديو إيران، لكنه في 6 مارس (آذار)، وبعد قراءة نشرة الأخبار الصباحية على تلفزيون شبكة «دوردارشان أوردو»، المملوكة للدولة، وجد نفسه مادة إخبارية عندما اعتقل من قبل شرطة دلهي.

سافر كاظمي إلى سوريا لمدة عشرة أيام في أعقاب تفجير دلهي، وعلى عكس ما تتناقله صحافة العالم كتب كاظمي في صحيفة تصدر باللغة الأوردية كيف أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال يحظى بشعبية جارفة. وفي مقال سابق كيف أن الأفراد في المناطق التي تشهد اضطرابات كانت تصف قنوات إخبارية مثل «الجزيرة» التي تعرض أفلاما عن العنف، يقول إنهم آمنون فعلا.

الصحافيون الذين دعموا كاظمي فندوا رواية الشرطة بأن تفاصيل مكالماته تشير إلى أنه على اتصال بالمجموعة المتشددة، وأنه كان له دور في الهجوم. وقد شككت الصحافية سيما مصطفى، التي شاركت كاظمي مؤخرا في الوفد الذي سافر إلى سوريا، في نيات الحكومة. وقالت: «كاظمي صاحب مواقف ناقدة لإسرائيل. وفي أعقاب ذلك مباشرة اتهمت إسرائيل إيران بتدبير الحادث. لكن الحكومة الهندية قالت إن إسرائيل مخطئة. إذن، متى تغير هذا الموقف؟ وفي أي وقت قررت أن إيران متورطة في الهجوم؟ ولأن كاظمي كان وجها معروفا بصلاته بإيران، تم اتهامه».

وقال الصحافي البارز سوكومار موراليدهاران: «عمل كاظمي لوكالة أنباء إيرنا. وبعد الهجوم ألقت إسرائيل باللائمة على إيران، ومن الواضح أنه كان هناك الكثير من الاهتمام بهذه القصة في هذا الجزء من العالم. وهو يمتلك اتصالات واسعة هناك يمكنه أن يتصل بهم».

كل من عمل مع كاظمي والذين تتبعوا كتاباته يشيرون إلى أنه كان كاتبا صاحب فكر بارز في غرب آسيا. فيقول سعيد نضوي، الصحافي البارز: «يمثل كاظمي قيمة بارزة في هذا الجانب من العالم، نظرا لإجادته العربية والفارسية، ونظرا لهذه المهارات اللغوية كان يجري اتصالات هناك وكان يفهم ديناميكيات المنطقة بشكل جيد». وأضاف نضوي: «لديه قناعاته وآراء قوية بشأن بعض القضايا التي تهم العالم الإسلامي. كان مهتما إلى حد بعيد بقضية فلسطين وكان يهاجم إسرائيل في كتاباته، لكنه كان كاتبا شريفا ومحترما وملتزما دينيا. ولم يظهر على الإطلاق أي جنوح إجرامي». بيد أن التضامن من أجل إطلاق سراح كاظمي لم يقتصر على الصحافيين، فقد تلقت السفارة الهندية في عمان طلبا من هنود يطالبون فيه بإطلاق سراح كاظمي. وقد اتصلت منظمة حقوقية بريطانية بالعائلة، في مسقط رأسه مراد آباد، حيث تظاهر ما يقرب من 5000 شخص للمطالبة بالإفراج عن كاظمي.

في هذه الأثناء طالب عمدة مدينة دلهي شرطة دلهي بعدم السماح لوكالات التحقيق الأخرى بالتحقيق مع كاظمي.

حققت المحكمة في التماس كاظمي، الذي زعم أنه استجوب من قبل مسؤولين من وكالات تحقيق أخرى مثل الموساد الإسرائيلي. لكن شرطة دلهي أنكرت المزاعم قائلة إنه حتى الآن لم تحضر أي وكالة تحقيق من أي دولة أخرى، والموساد على نحو خاص، للتحقيق معه. وقال محامي كاظمي أمام المحكمة إن موكله كان أشبه بحقل تجارب، قامت كل وكالات التحقيق بالتحقيق معه، على الرغم من عدم انتقاله من مركز اعتقال دلهي. وعلى مدار الشهر الماضي تحولت حياة ابن كاظمي، البالغ من العمر 18 عاما، إلى فوضى عارمة. فلم يتمكن من أداء الامتحانات في صفه الثاني عشر، ووجد نفسه يدافع عن والده ويحاول تبرئة ساحته من الكثير من التهم التي وجهت إليه من الشرطة ووسائل الإعلام. وعندما حضرت الشرطة الخاصة ليلة السادس من مارس لاعتقال كاظمي، كان ابنه يجلس يذاكر في الطابق الأرضي من منزلهم المكون من طابقين. وروى توراب ما جرى خلال تلك الليلة المليئة بالأحداث بالتفصيل، قائلا: «لم يقدموا لنا أي معلومات، لكنهم أخذوا حاسبا محمولا وبطاقة والدي الصحافية وجواز السفر ووثائق أخرى، حتى إنهم أخذوا الهاتف الجوال الخاص بوالدتي».

وقال في مكتب والده الكائن في وسط دلهي: «إن أكثر ما يؤلم هو رؤية شخص قضى ما يزيد على 25 عاما لنقل الحقيقية يعتقل على هذا النحو، وأن توصم عائلته بهذا الشكل».

وتروي الحقيبة التي طبع عليها شعار الخطوط الجوية السعودية وأخرى تحمل شعار التلفزيون الإيراني في الغرفة الصغيرة قصة الصحافي سيد محمد أحمد كاظمي، المهني البارز في غرب آسيا. وبحسب عائلته كان كاظمي مقتصدا إلى حد بعيد. ويقول توراب: «لم يرغب يوما في الانغماس في الترف، حتى إن هاتفه كان مستعملا». وكان كاظمي قارئا نهما للأوردية والإنجليزية. ويشير توراب إلى المفارقة بأن والده كان قبل أيام يقرأ كتاب «أيام في السجن» للصحافي الهندي افتخار غيلاني، الذي قضى ستة أشهر في السجن بتهم كاذبة بصلاته بإرهابيي كشمير.

وقد أعدت عائلة كاظمي مجموعة من الحجج التي تشكك في تقييم الشرطة، وقد أعدوا صورا لوالدهم مع شخصيات بارزة، من بينها رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ ورئيس الوزراء السابق إيتال بهاري فاجباي والديكتاتور الليبي معمر القذافي.

ويؤكد توراب على أنه استخدم كل الوسائل الممكنة لنشر الظلم الذي تعرض له والده، بما في ذلك الـ«فيس بوك»، بيد أن أعضاء آخرين في العائلة أصيبوا باليأس والذهول من إمكانية مساعدتهم. وقالت زوجته جاهان آرا: «إن أفضل ما نملكه الآن هو الدعاء».