الفضائح تحيط بإمبراطورية مردوخ

بددت أي أمل في استحواذ «نيوز كوربوريشن» على «بي سكاي بي»

TT

خلال الأشهر التي أعقبت فضيحة التنصت على الهواتف التي حدثت في بريطانيا في الصيف الماضي، أخبر روبرت مردوخ بعض الأشخاص في مؤسسة «نيوز كوربوريشن» برغبته في إعادة النظر في العرض المتوقف، الذي تبلغ قيمته 12 مليار دولار، والذي تقدمت به مؤسسته الإعلامية لشراء شركة «بي سكاي بي»، التي تقدم خدمات البث التلفزيوني المدفوع.

لا يزال مردوخ، رئيس مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، يرغب في الاستحواذ على 60 في المائة من أسهم شركة «بي سكاي بي»، التي لم تمتلكها مؤسسة «نيوز كوربوريشن» حتى الآن، سيكون استثمارا مهما واستراتيجيا، حيث ستؤمن الشبكة، التي حققت أرباحا تشغيلية تزيد على 1.7 مليار دولار في 2011، مصدر دخل ثابت لشركته.

وكانت الضغوط قد تزايدت على مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، جاء معظمها من جانب المصرفيين العاملين في مجال الاستثمار الإعلامي، الذين أكدوا أن أفضل طريقة للفوز بموافقة الحكومة على عقد تلك الصفة يكمن في بيع أو فصل وحدة الصحافة الإنجليزية المتعثرة التابعة للمؤسسة، «نيوز إنترناشيونال»، للمساعدة في تخفيف مخاوف المشرعين حول امتلاك شركة مردوخ لأكبر مشغل تلفزيون فضائي في البلاد.

رفض مردوخ تلك الاقتراحات، طبقا لشخص مطلع على تلك المحادثات والذي لم يتم تفويضه للتعليق على تلك المحادثات بصورة علنية.

يبدو أن أي ذرة أمل في استحواذ مؤسسة «نيوز كوربوريشن» على شركة «بي سكاي بي» في المستقبل القريب، قد تبددت في الأسبوع الماضي عقب الكشف عن بعض الرسائل الإلكترونية التي تظهر تآمر جماعات الضغط الخاصة بالمؤسسة ووزير الثقافة البريطاني للموافقة على تلك الصفقة.

يقول شخص مطلع على سياسات الشركة، والذي وافق على الحديث عن خطط الشركة الاستراتيجية شريطة عدم الكشف عن اسمه: «لا أعتقد أنهم سيحظون بفرصة أخرى للسيطرة على شركة (بي سكاي بي) في أي وقت خلال هذا العقد».

وقد سلطت هذه الصفقة الفاشلة الضوء على فترة الحذر والركود النسبي التي شهدتها إمبراطورية مردوخ الإعلامية التي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار والتي تشتهر بقيامها ببعض المجازفات وعلميات الاستحواذ الواعدة.

وسمح الارتفاع الذي شهدته أسعار أسهم المؤسسة وأداؤها القوي الذي استمر لعدة أشهر، والمدفوع بقوة الأصول التلفزيونية التي تمتلكها المؤسسة في الولايات المتحدة الأميركية، للمديرين التنفيذيين في نيويورك بوصف تلك الفضيحة بأنها سلسلة من الأحداث المؤسفة وغير المترابطة التي وقعت في الصحف البريطانية، والتي تعتبر جزءا صغيرا من إجمالي الأعمال التجارية.

بدأت الأحداث التي وقعت في بريطانيا وما ترتب عليها من عمليات التدقيق في إلحاق الضرر بالإمبراطورية كلها، طبقا للكثير من الأشخاص المطلعين على بواطن الأمور في الشركة بما في ذلك بعض المديرين التنفيذيين السابقين في مؤسسة «نيوز كوربوريشن».

من المتوقع أن تقوم لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان الإنجليزي بإصدار تقرير يوم الثلاثاء، والذي قد يلحق المزيد من الأضرار بسمعة الشركة.

ويمثل وجود مؤسسة «نيوز كوربوريشن» في دائرة الضوء في الوقت الراهن أحد أكبر المخاوف للمؤسسة، حيث يجعل أي معاملات تجارية مشتبه فيها، حتى تلك المعاملات التي حدثت منذ سنين طويلة، عرضة للتدقيق من قبل حكومة الولايات المتحدة الأميركية.

وتخضع شركة «نيوز أوت دور روسيا»، وهي شركة لوحات إعلانية مقرها موسكو، والتي كانت تابعة في وقت سابق لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» لتحقيق يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي حول ما إن كانت تلك الشركة قد قدمت رشى للمسؤولين المحليين لتعزيز أعمالها أم لا، وطبقا لأحد الأشخاص الذي تحدث بإيجاز عن التحقيق، فإن نتائج هذا التحقيق قد تثبت وجود مخالفة لقانون ممارسات الفساد الخارجي. وقد قامت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» ببيع هذه الشركة في شهر يوليو (تموز) لأحد المصارف التي يسيطر عليها الكرملين.

يقول بهنام ديانيم، محام مختص بالشؤون التنظيمية ومقيم بواشنطن، قد يعتبر أي تأثير اقتصادي سلبي مرتبط بالدعاوى القضائية المنظورة في بريطانيا أمرا غير ذي أهمية مقارنة باحتمال دفع المؤسسة لمبلغ مليار دولار كغرامة لمخالفة قانون ممارسات الفساد الخارجي، مضيفا: «ربما يعتبر هذا القانون هو القانون الجنائي الوحيد الذي تخشاه الشركات اليوم».

وقد رفضت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» التعليق على هذا الأمر، بينما نفت شركة «نيوز أوت دور روسيا» كل الاتهامات الخاصة بقيامها بتقديم رشى للمسؤولين لدعم أعمالها.

وكانت فضيحة التنصت قد وجهت ضربة موجعة لمساعي مؤسسة «نيوز كوربوريشن» للدخول في قطاع التعليم ذي احتمالات الربح المرتفعة، وهو المشروع الذي يحظى بتقدير مردوخ. فقد قامت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» بدفع مبلغ 360 مليون دولار في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010 للاستحواذ على 90 في المائة من أسهم شركة «ويرلس جينيراشن»، وهي شركة لتكنولوجيا التعليم التي يقع مقرها في بروكلين وتتخصص بأدوات التعليم التفاعلي.

وفي شهر أغسطس (آب)، فقدت شركة «ويرلس جينيراشن» عقدا بقيمة 27 مليون دولار، والذي لم تحصل عليه عن طريق مناقصة، لتطوير برمجيات تعليمية في مدارس نيويورك. يقول توماس دي نابولي، المراقب المالي لولاية نيويورك، إن الولاية قد رفضت العقد: «في ضوء التحقيقات المهمة التي تجري الآن والأمور التي يتم الكشف عنها بشأن مؤسسة «نيوز كوربوريشن».

جدير بالذكر أن مؤسسة «نيوز كوربوريشن» تقوم بتشغيل الكثير من المحطات التلفزيونية في تركيا، وتعد أيضا واحدة من بين ثلاث شركات تقدموا بعروض لشراء ثاني أكبر مجموعة إعلامية في البلاد (صباح - إيه تي في) التي تقدر قيمتها ما بين 700 مليون دولار إلى مليار دولار. سوف تضيف هذه الصفقة محطة أخرى إلى محفظة المؤسسة من محطات التلفزيون المدفوع الدولية، التي تشمل (سكاي دويتشلاند) في ألمانيا و(سكاي إيطاليا) في إيطاليا.

وربما يواجه عرض مؤسسة «نيوز كوربوريشن» بعض المعارضة التنظيمية في تركيا نتيجة تلك الفضيحة، حيث يقول أحد الأشخاص المطلعين على خطط الشركة الذي لم يرغب في انتقاد مؤسسة «نيوز كوربوريشن»« بصورة علنية: «هناك شخص غير مرغوب فيه في الوقت الراهن يتقدم بعرض للاستحواذ على بعض الأصول».

وصرح المتحدث الرسمي لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» بأن الأحداث التي وقعت في بريطانيا لم تؤثر على عمليات الاستحواذ المحتملة للمؤسسة في مختلف مناطق العالم.

وقد نجحت المؤسسة في احتواء قلق المستثمرين خلال تلك الفضيحة عن طريق الإشادة بأصول المؤسسة في صناعة الترفيه وإيراداتها القوية، ولكنها قامت أيضا بتنفيذ برنامج مكلف لإعادة شراء أسهم بقيمة 5 مليارات دولار، وهو ما يعد بمثابة الأمر الشاذ بالنسبة لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» ومردوخ.

وقد أثنى مايكل ناثانسون، محلل في شركة «نومورا للأوراق المالية»، على عملية إعادة شراء الأسهم وقلل من تأثير فضيحة التنصت على الاستراتيجية العامة لمؤسسة «نيوز كوربوريشن».

وقال ناثانسون: «لا أتخيل كيف تؤثر الأحداث التي تجري في المملكة المتحدة على الأشخاص الذين يتخذون القرارات المهمة في تلك الشركات. أعتقد أن هذه القصة لا تهم سوى الأفراد في المملكة المتحدة وحدهم».

غير أن آخرين يرون أن صعود مؤسسة «نيوز كوربوريشن» من مجرد شركة صحافية صغيرة في أديلايد بأستراليا لتصبح واحدة من كبرى الشركات الإعلامية في العالم - لم يكن من قبيل المصادفة. فيقول تود جونجر، محلل في مؤسسة «سانفورد سي بيرنشتاين آند كومباني»: «إن عملية إعادة شراء الأسهم لن تضيف أي شيء ولن تجعل الشركة أكبر، ولكنها تغير فقط من هيكل رأسمال المؤسسة. كنت أفضل أن أرى الشركة تنمو وتزداد قيمة أصولها عن أن تقوم بإعادة بعض الأموال للمساهمين».

وقد حظيت فضيحة التنصت باهتمام متزايد داخل مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، حيث قضى مردوخ، وهو مدير مطلع على كافة التفاصيل ويعشق الحديث عن التغطية الصحافية التي يقوم بها أكثر من أي شيء آخر، الأسابيع الكثيرة الماضية في التحضير لتحقيق ليفيسون حول أخلاقيات وسائل الإعلام في بريطانيا، الذي يشرف عليه اللورد القاضي ليفيسون.

وقام جويل كلاين، الذي عينه مردوخ للإشراف على مبادرات التعليم في مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، وغيرسون زويفاتش محام من واشنطن يعمل مستشارا للمؤسسة، بالإشراف على تلك التحضيرات، وذلك طبقا لبعض الأشخاص المقربين من الشركة والمطلعين على برنامج مردوخ.

في الوقت ذاته، تم إبعاد اثنين من أبناء مردوخ، جيمس وإليزابيث، على الأقل بصورة مؤقتة، عن اتخاذ القرارات المهمة داخل المؤسسة في أعقاب تلك الفضيحة. قامت إليزابيث، المعروفة بذكائها في مجال البرامج التلفزيونية والتي يعود الفضل لها في إقناع والدها بإذاعة برنامج « أميركان إيدول»، بالانسحاب من مجلس إدارة مؤسسة «نيوز كوربوريشن» في شهر أغسطس (آب) في ظل التحقيقات المتزايدة حول عمليات الشركة في بريطانيا والانتقادات من وجود محسوبية داخل مجلس إدارة المؤسسة.

قدم جيمس، الذي كان ينظر إليه يوما ما على أنه ولي عهد والده، استقالته من رئاسة شركة «بي سكاي بي» في الشهر الحالي، وظل منذ ذلك الحين يقضي وقته في لوس أنجليس في عقد اجتماعات مع المديرين التنفيذيين للاستوديوهات لمناقشة بعض الأفكار عن جعل المحتوى متاحا رقميا بصورة أكبر. وقضى جيمس بعض الوقت في الهند والصين، بعيدا عن القاعدة الرئيسية لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» في نيويورك، وذلك طبقا للكثير من الأشخاص المطلعين على بواطن الأمور في الشركة الذين لم يتم تخويلهم لمناقشة أماكن وجود جيمس.

وتقول جولي هندرسون، المتحدثة باسم مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، إن جميس يعمل بشكل وثيق مع كاري تشيس رئيس ومدير العمليات في مؤسسة «نيوز كوربوريشن»: «على دفع عجلة النمو الشامل في مؤسستنا مع التركيز الكبير على أعمالنا التلفزيونية العالمية وتوسعنا في مجال المنصات الرقمية».

وقد فقد روبرت مردوخ الكثير من مديريه التنفيذيين الذين يحظون بثقته الكاملة جراء هذه الفضيحة، حيث تواجه ريبيكا بروكس، الرئيس السابق لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال»، احتمال توجيه اتهامات جنائية لها لدورها في تلك الفضيحة، في الوقت الذي استقال فيه ليس هينتون، الذي عمل مع مردوخ طوال 52 عاما، من منصب كبير المديرين التنفيذيين في «داو جونز».

وفي شهادة له في الأسبوع الماضي، وجه مردوخ بعض الانتقادات لهينتون، الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال»، لقيامه بتعيين كولن ميلر في منصب رئيس تحرير صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» وعدم الضغط عليه لمعرفة «ما كان يجري» في هذه الصحيفة. وألقى مردوخ باللوم على ميلر وتوم كروني، أحد مستشاري مردوخ منذ فترة طويلة والذي عمل محاميا في مؤسسة «نيوز إنترناشيونال»، على قيامهم بـ«التغطية» على وقائع التنصت على المكالمات الهاتفية، ونعت كروني بـ«الصديق المخمور» و«المحامي الماهر». وفي المقابل، هاجم كروني مردوخ واصفا إياه بـ«الكذاب المخزي».

* خدمة «نيويورك تايمز»