باكستان: قيود على التغطيات الإخبارية قبل الانتخابات العامة المقبلة

الهدف هو منع نشر مواد صحافية يمكن أن تضعف ثقة الجمهور في الحكومة

جماعة الدعوة الإسلامية في مظاهرات مستمرة بعد صلاة الجمعة ضد التدخل الأميركي في الشريط القبلي الباكستاني (أ.ف.ب)
TT

تحدثت جريدة يومية تصدر باللغة الإنجليزية في إسلام آباد، الأسبوع الماضي، عن نية حزب الشعب الباكستاني الحاكم فرض مجموعة جديدة من القيود على وسائل الإعلام قبل إجراء الانتخابات العامة المقبلة. وجاء في الصحيفة أن الحكومة ترغب في وضع قيود على الأخبار كجزء من جهودها الرامية لمنع وسائل الإعلام الشعبية من إظهار الحكومة بصورة سيئة؛ حيث تخطط لخوض الانتخابات العامة المقبلة.

كذلك، حذرت الصحيفة نفسها، في تعليق في مقالة افتتاحية نُشرت بها عن الموضوع، من القيود الصارمة التي تنوي أن تفرضها حكومة حزب الشعب على وسائل الإعلام قبل أي انتخابات عامة. جاء في المقالة الافتتاحية: «سوف يكون ذلك تكرارا للإجراءات التي اتخذها الجنرال برويز مشرف في أيامه الأخيرة - في اعتداء سافر على الدستور. من الواضح أن الهدف هو منع نشر المادة الخبرية التي يمكن أن تضعف ثقة الجمهور في الحكومة».

في الحقيقة، نقلت بعض الصحف الأخرى، أيضا، عن الحكومة نيتها إصدار مجموعة جديدة من التشريعات، التي، إلى جانب أشياء أخرى، ستقترح أن توضع البرامج الحوارية التي تذاع مباشرة على نظام «تأجيل»، يسمح للسلطات المنظمة المسؤولة الاطلاع على المحتوى مسبقا، كما يجبر المذيعين على التزام الحيادية والابتعاد عن القضايا التي تنظر في المحاكم.

يقول فصيح الرحمن، محرر الشؤون السياسية في صحيفة محلية: «قد يكون ذلك كله، بالطبع، مفتوحا لنطاق هائل من التفسيرات، ويؤدي إلى فرض الكثير من القيود لحجب المعلومات، وذلك هو المطلوب تماما، وتم التخطيط له في اجتماع برئاسة وزيرة الإعلام فردوس عاشق عوان».

جدير بالذكر أن مجتمع الصحافيين وصناعة الإعلام كان أكثر قلقا بشأن الأخبار عن القيود التي يجري التخطيط لفرضها على إذاعة الأخبار «التشاؤمية» أو «الكئيبة» أو المعتمدة على «المبالغة في تصوير الأحداث»، «وبالطبع تقرر السلطات الحكومية ما تراه كئيبا أو تشاؤميا أو مبالغا»، حسب ما قال صحافي بارز.

من ناحية أخرى، يرى خبراء مستقلون أنه في دولة مثل باكستان يستحيل إغفال الأخبار السيئة، مع كل تلك الحوادث الإرهابية والاشتباكات الطائفية والهجمات عبر الحدود. وقد سارعت الحكومة في توضيح موقفها؛ حيث قالت وزيرة الإعلام فردوس عاشق عوان: «الحكومة لا تنوي فرض قيود على وسائل الإعلام»، بعد ما وجدته من عدم ترحيب من وسائل الإعلام بفرض الرقابة عليها. كانت عوان قد صرحت يوم الاثنين الماضي، أثناء حديثها في مقر الهيئة التنظيمية للإعلام الإلكتروني، بأن الحكومة تؤمن بحرية التعبير وأنها لن تفرض أي قيود على وسائل الإعلام، قائلة: «حزب الشعب الباكستاني، الذي تولى قيادة الحكومة، يؤمن بحرية التعبير والإعلام، ويرغب في تقوية الإعلام وتمكينه، ولا توجد نية لتقييد الحريات، كما لا تدعم آيديولوجيتنا فرض أي قيود على حرية التعبير؛ حيث قد قدمنا تضحيات بالفعل في سبيلها»، هذا ما نقلته عنها وكالة أنباء «أسوشييتد برس» الباكستانية.

من الواضح أنه ثمة حالة استنفار تجاه الاقتراح الذي تم نشره في الصحيفة اليومية الباكستانية التي وصفت الخبر بأنه «خبر منذر بالخطر».

وعلى الرغم من ذلك، فقد أخبر مسؤول حكومي بارز جريدة «الشرق الأوسط» أن الحكومة بصدد إعداد ميثاق الشرف المهني للإعلام، في التوقيت نفسه الذي بدأ فيه وزراء بالحكومة التصريح بأن إحياء أو تعديل ميثاق الشرف الإعلامي يشكل حاجة ملحة وسوف يتم ذلك بالتشاور مع الأطراف المعنية كلها. جاءت تلك التصريحات بعد يومين من تأكيد الحكومة لوسائل الإعلام أنها لا تنوي فرض أي قيود عليها.

يرى الكثير من المحللين السياسيين والخبراء الإعلاميين أن حكومة حزب الشعب الباكستاني تواجه الورطة نفسها التي واجهتها حكومة الرئيس السابق برويز مشرف منذ 5 أعوام «كان الرئيس مشرف في موقف سيواجه فيه انتقادات شديدة في حالة ما إذا فرض قيودا على وسائل الإعلام أو لم يفرضها»، هذا ما جاء على لسان سهيل عبد الناصر، مراسل الشؤون السياسية في صحيفة محلية تصدر باللغة الأوردية.

وتواجه حكومة حزب الشعب الباكستاني فترة عصيبة على يد وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية. قال فصيح الرحمن: «لا يمر يوم من دون كشف وسائل الإعلام عن وقائع فساد من جانب أصحاب مناصب رفيعة في الحكومة، حتى إن بعض كبار المحللين والقنوات الخاصة يتوقعون سقوط الحكومة في أي وقت». وأضاف فصيح: «الآن، تفرض الحكومة قيودا على الإعلام، من المحتمل أن تقاوم وسائل الإعلام القيود، بالإضافة إلى ذلك، فستواجه الحكومة انتقادات من الخارج». من المثير للاهتمام أن الإعلام لم يصبح بتلك القوة خلال أيام أو أسابيع. فقد بدأت ثورة الإعلام تندلع في المجتمع الباكستاني في السنوات الأولى من حكم الرئيس السابق برويز مشرف. وأشار مسؤولون سابقون بحكومته إلى أن تلك كانت حركة متعمدة من جانب الحكومة العسكرية لسن قوانين ليبرالية جديدة تعطي مساحة للقنوات الإخبارية الخاصة للعمل. غير أنه لم يخطر ببال الحاكم العسكري السابق، الجنرال مشرف، للحظة، أن تلك القوى الإعلامية الجديدة التي أطلق لها العنان في المجتمع الباكستاني سوف تنقلب ضده وتتسبب في خلعه من الحكم.

«كان الجنرال مشرف يعتقد أن قنوات الأخبار الباكستانية سوف تجعل الجمهور الباكستاني يتوقف عن متابعة قنوات الأخبار الهندية، وهي العادة التي كانت تضر بالمصالح الوطنية للدولة كثيرا»، هذا ما صرح به مسؤول متقاعد عمل في فترة تولي مشرف الرئاسة.

أوقدت شرارة خطوة الحكومة نحو تخفيف القوانين المفروضة على وسائل الإعلام في باكستان حملة عسكرية عام 1999، عندما كان الجنرال مشرف يعمل رئيسا لأركان الجيش ولم يكن قد قام بعدُ بانقلاب.

شن برويز مشرف غارة في شهر مايو (أيار) عام 1999 على منطقة كارجيل، وهي منطقة جبلية تقع في كشمير الهندية. وفيها، تواجه الجيشان الباكستاني والهندي على ارتفاع 18000 قدم. وفي ربيع عام 1999 تسللت قوات مشرف مبكرا واستولت على مواقع الهنود الخالية من دون قتال، بينما شهدت الحرب التالية انهزام قوات باكستان وانسحابهم تحت ضغط أميركي.

في ذلك الوقت، كان التلفزيون الباكستاني هو المصدر الوحيد للأخبار. والمفارقة أنه لم يكن يحظى بمصداقية عالية عند الجمهور الباكستاني، حتى إنهم اتجهوا لمشاهدة القنوات الإخبارية الهندية لمتابعة أحدث التطورات المتعلقة بأزمة الجيش في كارجيل. في تلك الأيام، كانت أسعار أطباق القنوات الفضائية غير المصرح بها قانونيا مرتفعة جدا؛ حيث إنها كانت الوسيلة الوحيدة لاستقبال بث القنوات الإخبارية الهندية.

«في الوقت الذي كان الجيش الباكستاني يحارب فيه الهنود في جبال كشمير، كان الجمهور الباكستاني يتوق للاستماع إلى الحقيقة التي صنعتها قنوات الأخبار الهندية، كان هذا هو التوقيت الذي خطط فيه الجنرال مشرف لإدخال القنوات الإخبارية الخاصة في باكستان»، هذا ما جاء على لسان مسؤول حكومي متعاقد. وسرعان ما واتته الفرصة عندما أصبح رئيسا لباكستان بعد ما قام بانقلاب في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999. وتحققت أمنية الجنرال مشرف؛ حيث أصبحت وسائل الإعلام الإخبارية الباكستانية أكثر وطنية من حيث الأسلوب والمحتوى، لكن حدثت نتائج غير مقصودة.

يقول سهيل نصير، محلل سياسي ومعلق تلفزيوني: «على المستوى الثقافي، يؤيد الإعلام الباكستاني الديمقراطية ويعارض بشدة تدخل الجيش في السياسة». ويحظى الإعلام الباكستاني بقبول من الحكومة الحالية. وعلى الرغم من ذلك، بدأت المشكلة عندما أصبح الإعلام لا يتوقف عن توجيه الانتقادات وعرض فساد المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة. وينظر الصحافيون في باكستان إلى الخطوات الأخيرة للحكومة بوصفها طريقة لتقييد حرية التعبير وإجبارهم على اتباع سياسة تحريرية تنحاز لمصالح الحكومة، صرح مجموعة من الصحافيين البارزين في باكستان بأنه على الرغم من التطمينات من جانب وزراء بالحكومة، فإن الحكومة الباكستانية قد قررت فرض قيود على وسائل الإعلام المستقلة. وأصدرت هيئة تنظيم وسائل الإعلام الإلكترونية، التي تمنح التراخيص للمحطات والمخول لها أيضا سحب تلك التراخيص، إلى جانب توجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى المؤسسات الإعلامية للامتناع عن تخصيص فترات من بثها لقادة المعارضة بإقليم بلوشستان المضطرب. وأصدر قاضٍ في كويتا، مؤخرا، أمرا بإلقاء القبض على صحافي بارز يدعى حميد مير بعد أن تمادى في توجيه الانتقادات للحكومة بخصوص قضية الأشخاص المفقودين (الأشخاص الذين قيل إنه تم اعتقالهم أو اختطافهم من قبل وكالات الاستخبارات). يلخص رد فعل حميد مير تجاه صدور أمر بالقبض عليه، الذي جاء في بث مباشر من مكتبه، سلوك مجتمع الصحافيين في مواجهة ضغوط الحكومة؛ حيث قال: «إنني جالس في مكتبي، فلتأتوا وتلقوا القبض علي».