الماراثون الرئاسي في مصر.. «هوجة» إعلامية

ورش عمل تضم مناظرات وتحليلات و«توك شو» لتعريف الناخبين بالمرشحين

عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح مرشحا الرئاسة في مصر خلال المناظرة التلفزيونية التي رعتها 4 وسائل إعلام محلية («الشرق الأوسط»)
TT

استبقت وسائل الإعلام المصرية بدء فترة الدعاية للمرشحين لرئاسة البلاد، وسارعت قبل نحو أسبوعين من حلول موعد الانتخابات الرئاسية في 23 و24 مايو (أيار) الحالي بضخ طوفان إعلامي أصبح يلاحق المصريين في الصحف والفضائيات الخاصة والحكومية، إلى جانب شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الجديد.

وبرزت الفضائيات كجواد رابح في الماراثون الرئاسي، كأسهل الوسائل المتاحة لالتقاء الناخبين بالمرشحين البالغ عددهم 13 مرشحا، ووصل بثها إلى نطاق جغرافي كبير وإلى فئات متعددة. وتشهد الفضائيات حالة من الزخم و«الهوجة» البرامجية و«الاستوديوهات التحليلية» التي تأخذ مساحات زمنية ممتدة تدور حول المرشحين وخلفياتهم وتغطية برامجهم الانتخابية، إلى جانب «المناظرات» الرئاسية التي تجمع اثنين من المرشحين للتناظر السياسي، ناهيك بإفراد البرامج الحوارية اليومية (التوك شو) مساحات خاصة لإجراء مقابلات مطولة مع المرشحين، وهي الحالة التي يرى بعض الخبراء أنها أصابت المشاهدين بالتخمة، فضلا عن دورها في تكوين الصورة الذهنية الخاصة بكل مرشح من المرشحين للرئاسة في مصر.

وبين الفوضى والمهنية، والبحث عن الربح والريادة، شهدت الفضائيات الخاصة والحكومية عشرات البرامج والاستوديوهات التحليلية، أبرزها استوديو «مصر تنتخب الرئيس» على قناة «cbc»، واستوديو «موعد مع الرئيس» على قناة «النهار»، واستوديو «شعب ورئيس» على قناة «الحياة»، بالتعاون مع تلفزيون «بي بي سي».

وعلى التلفزيون المصري يتم تقديم برنامج يومي بعنوان «رئيس من ماسبيرو» ويتحدث فيه كل مرشح على مدى حلقتين مدة كل حلقة 30 دقيقة. وكذلك برنامج «من هو الرئيس» من تقديم الإعلامي طارق حبيب، ويعتمد البرنامج في كل حلقة على تقديم المرشحين لرؤيتهم وبرامجهم الانتخابية حول قضية أو أكثر من قضايا الحملة الانتخابية.

واستعدت القنوات الإخبارية العربية للحدث بمجموعة برامج جديدة، منها برنامج «المرشح الرئيس» على قناة «العربية»، وعلى ذات القناة يقدم من القاهرة برنامج «سباق الرئاسة». إلى جانب التغطيات المختلفة على القنوات الإخبارية الأخرى مثل «الجزيرة» و«الحرة».

أما برامج «التوك شو» على اليومية الفضائيات الخاصة فكانت حاضرة بقوة أيضا، وبشكل يومي يكون المشاهد مع وجوه الناخبين في البرامج المختلفة مثل برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم»، وبرنامج «الحياة اليوم» على قناة «الحياة»، وبرنامج «القاهرة اليوم» عبر قناة «أوربت»، وبرنامج «90 دقيقة» على قناة «المحور»، وبرنامجي «بلدنا بالمصري» و«آخر كلام» على قناة «ON TV»، وبرنامج «السادة المرشحون» على قناة «ON TV LIVE»، وبرنامج «الحقيقة» على قناة «دريم2»، وبرنامج «مصر الجديدة» على قناة «الحياة 2».

ويبين تقرير عن التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية، قامت به مؤسسة «عالم واحد للتنمية» (مؤسسة أهلية)، أن هناك تنوعا في الموضوعات التي تطرقت إليها البرامج الحوارية التلفزيونية بشأن الانتخابات الرئاسية، يتمثل ذلك في عرض أبرز الملفات التي تضمنتها البرامج الانتخابية للمرشحين والتعليق عليها، وتوضيح الدعاية الانتخابية المخالفة والمعايير القانونية لضبطها.

ويصف التقرير التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية بـ«المتميزة»، لافتا إلى حرص القنوات على متابعة أخبار المرشحين، علاوة على تخصيص برامج تأخذ مساحات زمنية ممتدة لعرض برامج المرشحين السياسيين، مشيدا بعقد المناظرات الإعلامية لأول مرة بين المرشحين كمحاولة لتوصيل وتوضيح البرامج الانتخابية للمرشحين للجمهور، مما يساعده على بناء قاعدة معرفية جيدة عن كل مرشح، وبالتالي اختيار الرئيس الذي يراه الأنسب.

أما على المستوى الرسمي فيشير الدكتور صفوت العالم، رئيس لجنة الرصد وتقييم الأداء الإعلامي في الانتخابات الرئاسية (وهي اللجنة شكلتها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية)، إلى صدور تقرير أول عن لجنته قبل أيام، يرصد ويتابع ويقيم الأداء الإعلامي خلال فترة الدعاية الانتخابية في الانتخابات الرئاسية.

ويتحدث العالم عن أهم ملامح التقرير قائلا: «من بين البرامج التلفزيونية في إطار التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية المصرية يبرز برنامجان، الأول (من هو الرئيس) الذي يبثه التلفزيون المصري، وبرنامج (مصر تنتخب الرئيس) على قناة (CBC)، باعتبارهما الأبرز»، مبينا أن الأول تميز بسرعة الإيقاع والانتقال من مرشح إلى آخر مما ساعد في جذب انتباه المشاهدين، فضلا عن إمداد الناخب بالمعلومات والحقائق التي تخص كل مرشح من المرشحين للرئاسة. كما أن تكرار عرض وبث البرنامج في قنوات التلفزيون المصري العامة والمتخصصة والإقليمية ساعد في زيادة وتدعيم حجم المشاهدة والمتابعة لجماهير الناخبين باختلاف الأوقات الزمنية والفئات النوعية المختلفة لهذه الجماهير.

أما البرنامج الثاني، فتميز بالجهد الكبير المبذول من إدارة البرنامج في الإعداد والتنفيذ والتصوير والتقديم والإخراج والتوثيق والجهد المبذول في التقارير والتحليل والتفسير لآراء وتصريحات المرشح الرئاسي، وعمل وجود الجماهير على إضفاء نوع من الإثارة وساعد في تعظيم الاهتمام لدى المشاهدين لمعرفة ردود الأفعال للآراء والتصريحات والمواقف المختلفة للمرشح مع التزام الجميع بالقواعد الثابتة في الوقت المحدد، كما أضفى ارتفاع المستوى التكنولوجي في الإضاءة والتصوير والإخراج درجة عالية من الجاذبية والإبهار للمشاهدين.

وحول أداء مقدمي البرامج والمذيعين، يشير إلى أن الرصد أوضح أن أداء بعض المذيعين اتسم بالتحيز والمبالغة في التعبير عن تأييدهم أو معارضتهم لمرشح رئاسي معين، بل إن بعضهم كان يتعمد تجاهل أسماء بعض المرشحين المنافسين في إطار عرض المرشحين للرئاسة، أو تشويه صورة أحد المرشحين وتوجيه الدعاية المضادة له دون أي سند أو دليل أو شواهد. كما قام بعض المذيعين بتوجيه بعض الأسئلة الإيحائية للكثير من الضيوف من الشخصيات القيادية المؤثرة التي تمثل قيادة الرأي في المجتمع، وتؤثر اتجاهاتها التصويتية على الاتجاه التصويتي للناخبين نحو مرشح محدد من مرشحي الرئاسة، حيث قام بعض المذيعين بسؤال بعض هذه الشخصيات عن المرشح الرئاسي الذي سوف يقوم بالتصويت لصالحه، مما قد يؤثر بالتأييد والتدعيم للمرشح الرئاسي الذي يؤيده لدى الناخبين، وفي نفس الوقت قد يتضمن تأثيرا سلبيا ضمنيا للمرشحين الرئاسيين المنافسين. ويوضح العالم أن بعض البرامج في الفضائيات تم استغلالها في أساليب ونماذج الدعاية المضادة بين المرشحين للرئاسة.

وعن المناظرات الإعلامية بين المرشحين، يقول: «قامت بعض القنوات الفضائية بإعداد وتنظيم الكثير من المناظرات التلفزيونية بين المرشحين، وهو أحد إشكال البرامج التلفزيونية المناسبة للحملات الانتخابية التي تساعد الناخبين على المقارنة والمفاضلة بين المرشحين، وتميزها كحدث إعلامي كبير يساهم في جذب انتباه وإثارة اهتمام الناخبين ببرامج المرشحين للرئاسة حول الكثير من القضايا والموضوعات موضع الجدل والنقاش بين الناخبين».

ويشير العالم إلى بعض الملاحظات على المناظرة، منها طول الفترة الزمنية السابقة على تقديم المناظرة، وإغراق المشاهد في الكثير من التفصيلات والتحليلات والتفسيرات والكثير عن تاريخ المناظرات واستخدامها في الانتخابات الرئاسية في الكثير من الدول، مما يشعر المشاهد بالملل والإرهاق نتيجة طول المدة الزمنية، وتعدد وتنوع فريق المذيعين المشاركين من القناتين، فضلا عن المحلل السياسي وتعدد الأدوار الخاصة بالتقديم والتحليل والتفسير في ما بينهم بعيدا عن الحدث الرئيسي الخاص بمحتوى ومضمون المناظرة بين المرشحين.

وأيضا عدم وجود مبررات علمية أو موضوعية منطقية تبرر تعمد اختيار هذين المرشحين دون غيرهما، وقد شكك بعض المشاهدين في نتائج هذه الاستطلاعات وافتقادها إلى الدقة والموضوعية.

ويبين العالم أن تقديم المذيعين للمناظرة اتسم بالمبالغة والتحيز أحيانا في وصفهما بالأبرز والأفضل، لافتا إلى أن المذيعة قالت إنهما اثنان من أقوى المرشحين ثلاث مرات خلال تقديمها للمناظرة، مما يعكس شكلا من الدعاية المساندة المبالغة في تعظيم مكانتهما بالمقارنة بالمرشحين المنافسين. إلى جانب أن طول وتكرار الفترات الإعلانية المصاحبة للمناظرة تسبب في تشتيت المشاهد، وجعل البعض يتشكك في جدوى هذا الحدث الإعلامي على أن الهدف الرئيسي منه جلب الإعلانات.

من جهته يوضح الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أن مصر تشهد تجربة جديدة عليها لم تمر بها طوال 6 عقود منذ ثورة 1952، حيث باتت وسائل الإعلام تلعب الدور الأكبر في تعريف الناخبين بالمرشحين، وتشهد مصر حاليا ما يشبه ورشة إعلامية كبيرة، يبدو أنه سينجم عنها تغيرات في المشهد السياسي، فللمرة الأولى يصبح المصريون مطالبين بـ«تفتيش» المرشحين وقادرين على ذلك، ويلعب الإعلام دورا مركزيا في هذه العملية.

ويرى عبد العزيز أن أنماط التغطية الإعلامية كانت المناظرات السياسية، حيث شهدت مصر في إطار التطور السياسي الذي تعيشه منذ ثورة 25 يناير أول مناظرة سياسية، وهو ما يعد تغيرا جوهريا في البيئة الإعلامية والسياسية المصرية وليس تطورا شكليا أو ثانويا. كما ظهرت أيضا أنماط أخرى اجتهدت في تعريف الناخبين بالمرشحين وبرامجهم، ولكن وقعت في إشكال أنها حولت التعريف إلى نوع من الترويج.

أما عن أفضل أشكال التغطيات الإعلامية، فبرأي عبد العزيز هي «المناظرة الرئاسية»، التي جرت بين المرشحين عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، حيث اتخذت شكل الأداء الجذاب والباهر والمتوازن، ومنحت كلا المرشحين فرصا متكافئة ليظهرا حججهما وذرائعهما، فعندما يتناظر مرشحان فإن الجمهور هو الرابح الأكبر، لأن كلا منهما يظهر أفضل ما لديه.

ويرى أن «التناظر السياسي صيغة أكثر نجاحا من صيغة المقابلة الفردية، ورغم أن البدايات قد يكون بها أخطاء ولكن بهذه المناظرة خطت مصر خطوة كبيرة للأمام ستلهم العالم العربي».

وعن تقييم نتائج المناظرة، يوضح: «مصر تخطو خطوة أساسية في إطارها السياسي، وهذه المناظرات لا تعني فقط تغيرا في المشهد الإعلامي، ولكن تعطي إشارة واضحة أن مصر على الطريق الصحيح، فهي تغيير جوهري وليس هامشيا في المجال السياسي المصري، وليس شكلا إعلاميا فقط، فلأول مرة في مصر يتم محاصرة مرشح بالأسئلة الشائكة، مما يرسخ مبدأ المساءلة والمحاسبة لمن سوف يأتي رئيسا لمصر».

وحول تأثر المناظرة بالشكل الأميركي، يقول: «تخطو مصر أولى خطواتها في الممارسة الديمقراطية، لذا فنحن نتأثر بالتجارب الأكثر عراقة سواء في إجراء استطلاعات الرأي أو شكل التناظر وغيرها، وهنا تظهر التجربة الأميركية باعتبارها ذات سمات متكاملة وعريقة».

ويدعو عبد العزيز إلى زيادة المناظرات مع الاختيار المحكم للمرشحين المتناظرين، فهناك معايير للاختيار في المناظرات، أبرزها أن يواجه كل مرشح مرشحا معادلا له في المنافسة من جهة حظوظ فوزه، وهذا يعتمد على نتائج استطلاعات الرأي أو قوة ووزن الأحزاب المتنافسة، فالمناظرة الأنجح هي التي يمثل فيها مرشحون ذوو حظوظ متكافئة، لأنه بغير ذلك ستؤدي المناظرة إلى نتائج غير عادلة».

وعن الدمج بين وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية لتقديم مرشحي الرئاسة، يرى أن ذلك يعود في الأساس إلى خلل في المشهد الإعلامي المصري الذي يتحكم فيه جزئيا مجموعة من شركات الإعلان التي تقدم المورد المادي الأساسي للقنوات الفضائية. كما أن هذه الشركات هي صاحبة القدرة على تمويل المرشحين المتنافسين واستقطابهم للظهور في المناظرات والبرامج المختلفة. ومن ناحية أخرى، هذا الدمج بين وسائل الإعلام يروق للمرشحين لضمان أكبر ترويج وانتشار لهم لضمان إيصال رسائلهم وبرامجهم إلى أكبر نطاق.

وبحسب عبد العزيز تبدو تغطية الإعلام الحكومي أكثر حيادا من أي وقت مضى قبل الثورة، بسبب عدم وجود عنصر استقطاب حكومي، أي أن السلطة التنفيذية التي تتحكم في هذه الوسائل لا تمتلك مرشحا معينا فتستخدم الوسائل لتعزيز حظوظه. لكن رغم هذه النزعة الحيادية فإن تغطيتها يؤخذ عليها أنها جاءت مباشرة واتسمت بالفقر في الشكل وافتقدت العمق في التناول مقارنة ببعض وسائل الإعلام الخاصة.

وحول التغطيات الإعلامية وتأثيرها في توجهات الناخبين يرى عبد العزيز أن هناك 3 أطر رئيسية في المجال الإعلامي تؤثر في حظوظ المرشح وتوجهات الناخبين في مصر، الأول يتمثل في وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والفضائيات والخدمات الإذاعية، وهي تحظى بتمركز جيد في قطاع من الجمهور ينتمي إلى الطبقات الوسطى والأدنى، والإطار الثاني يتمثل في وسائل الإعلام الجديد، التي يتعرض لها 25 مليون مصري، غالبيتهم من الطبقة الوسطى والعليا، وهم مستخدمو الإنترنت، وجل هؤلاء لديه توجهات سياسية محددة ويعتمد على أسلوب التواصل والتفاعل، فيؤثر ويتأثر بالرسائل التي يتعرض لها.

أما الإطار الثالث فهو ما يسمى «إعلام المنابر»، الذي يظهر في آلاف المساجد التي تصل بطبقة مترامية الأطراف تكون محرومة في الغالب من الإطارين السابقين، وهذا النوع يقدم نوعا من التأثير الاتصالي ويتسم بالقدرة الفائقة على خلق توجهات نحو المستهدفين، حيث يستخدم الدين استخداما سيئا في العملية السياسية.

ويبين أن هذه الأطر تتبادل القدرة على النفاذ والتأثير بشكل متباين، فكل إطار له جمهوره، كما أن هناك قطاعا من الجمهور يتعرض لها جميعا في وقت واحد، أي أنها من الممكن أن تعمل مجتمعة، لذا فبرأيه أنه من الصعب تحديد أرجحية إطار عن آخر.

بدورها تقول شيريهان المنيري، الباحثة في الدراسات الإعلامية والمعلوماتية، وصاحبة إحدى الدراسات حول «برامج التوك شو»: «على الرغم من أهمية دور وسائل الإعلام في المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر حاليا، والتي تكمن في التأثير على توجهات الرأي العام وتكوين الصورة الذهنية الخاصة بكل مرشح، فإننا أمام ما يمكن أن نسميه (فوضى هدامة)، بمعنى إحداث الفوضى دون وعي أو إدراك أحيانا، وبقصد وعن عمد في أحيان أخرى بغرض الهدم والعودة إلى الصفر، وهذا ما يفعله الإعلام المصري من خلال برامج (التوك شو) في الفترة الأخيرة، التي أصبحت أكثر السلع انتشارا في المجتمع المصري، ولكنها مع الأسف تفتقد الجودة، فهي بدلا من مساعدة المشاهد والمواطن المصري على أخذ قراره بمن سيدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية التاريخية القادمة، فإنها تصيبه بحالة من التشتت والتشويش في كثير من الأحيان».

وتضيف: «الدعاية الانتخابية بدأت قبل موعدها الرسمي بفترة طويلة سواء في الصحف أو على الفضائيات المختلفة، ورأينا تهافت القنوات والبرامج على استضافة الأسماء التي كان من المحتمل ترشحها للرئاسة بشكل عشوائي ودون خريطة أو أسباب واضحة لتلك الاختيارات، فكانت دون معايير أو أساس، وبالطبع كان واضحا التحيز في كثير من الأحيان لمرشحين بأعينهم دون غيرهم، وكانت نفس المشكلة قد تكررت مع وسائل الإعلام قبل الانتخابات البرلمانية التي تكمن في استضافة الإسلاميين أكثر من اللازم، حتى لوحظ أن الفضائيات الليبرالية تفوقت كثيرا على القنوات الدينية نفسها في استضافة المرشحين ذوي الخلفيات الإسلامية».

وبحسب المنيري تحايلت بعض القنوات الفضائية على الكثير من الاتهامات التي وجهت إليها بالمخالفة وخرق فترة الصمت الانتخابي أو الدعائي، عن طريق استضافتها لبعض الأسماء المرشحة للرئاسة بحجة استشارتهم في الأحداث الجارية في ذلك الوقت طبقا لوظائفهم وخلفياتهم. واستمر الحال على هذا المنوال حتى موعد البدء الرسمي للدعاية، التي معها انطلقت تباعا وبشكل رسمي استوديوهات التحليل والمناظرات.

وحول المناظرات السياسية بين المرشحين، تتابع: «أسلوب المناظرات التي تعيشه مصر ليس بالطبع بفكرة جديدة، فهو مقتبس من النماذج الديمقراطية الأميركية والأوروبية، ومع الأسف تم محاكاتها وتقليدها دون تطوير يتناسب ويلائم طبيعة المجتمع المصري الذي لم يتأقلم بعدُ على المناخ السياسي الجديد الذي يعيشه، بالإضافة إلى إغفال أن عدد المرشحين ليس بقليل مما يصعب المهمة، ولكن بشكل عام فهي خطوة جيدة على الطريق، نتمنى أن تكون أفضل في المرات القادمة، فمصر بما لديها من عقول وكوادر إعلامية تستطيع الابتكار والتطوير».

وتستطرد: «مع انطلاق أول مناظرة بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، أعتقد أن الكثير من المشاهدين انتابتهم صدمة اختلفت طبقا لاختلاف شخصياتهم، فمنهم من صدم فرحا وخصوصا المصريين المقيمين بالخارج لمجرد أننا نمر بتلك التجربة، ومنهم من صدم في مرشحه، وشعر أن المسار انحرف عن مفهوم المناظرة إلى اتجاه آخر أشبه بالمعركة الكلامية بين الطرفين، وبالطبع يرجع ذلك إلى حداثة التجربة، إلى جانب بعض الضعف في الأسئلة التي وجهت إلى كليهما، وأيضا عدم تناسب الأوقات المحددة لهم للإجابة على الأسئلة سواء التي وجهت إليهم من قبل المحاور أو المنافسين أحدهما إلى الآخر، كما أن هناك عتابا يوجه إلى القائمين على هذا الحدث بعدم الالتزام بالوقت المحدد لبداية المناظرة، التي كان من المفترض أن تبدأ في السابعة والنصف بتوقيت القاهرة ولكنها بدأت بعدها بنحو ساعة ونصف، بالإضافة إلى طول فترة الإعلانات والدعاية مما استفز الكثير من المشاهدين».

أما عن استوديوهات التحليل، فمن وجهة نظر المنيري أن استوديو «مصر تنتخب» يعد من أفضل استوديوهات التحليل التي قدمت حتى الآن، فهو الاستوديو الوحيد الملتزم بتوقيتاته ويحترم المشاهد، بالإضافة إلى استضافة المرشحين طبقا للأبجدية، مع إتاحة نفس مساحة المشاركة لهم جميعا، بجانب السماح لمؤيدي وأنصار كل مرشح بالوجود معه مما يعطي مناخا من الحماس والإثارة خلال الفترة التي يستغرقها البرنامج حتى لا يصاب المشاهد بالملل والفتور. بجانب برنامج «بتوقيت القاهرة» للإعلامي حافظ الميرازي الذي يتسم بالمهنية والحيادية إلى حد كبير.

ولكن يؤخذ على الجميع - بحسب المنيري - فوضى عدم التوافق في ما بينها، بمعنى أن المشاهد لا يستطيع أن يتابع جميع المرشحين على عدة قنوات في نفس التوقيت فيصبح أمام خيارين، إما أن يجبر على متابعة قناة محددة بشكل يومي يرى من خلالها جميع المرشحين، وإما أن يتابع جزءا من كل برنامج على قناة مختلفة مما يشتت المشاهد ويجعله لا يستطيع تكوين رؤية واضحة عن مرشحه ومن ثم يسبب له حالة من التشويش. هذا إلى جانب تكرار الأسئلة على نفس المرشح، فالسؤال الذي نسمعه اليوم على إحدى القنوات يمكن سماعه غدا على قناة أخرى، وهكذا.

وتضيف المنيري: «نتاج كل ذلك، حدث نوع من الفوضى الإعلامية بدلا من إعلاء مصلحة الوطن والمواطن، حيث تتنافس القنوات الفضائية ببرامجها ومحاوريها على لقب الريادة في متابعة تلك الانتخابات الرئاسية التاريخية في حياتنا».

وعن مسألة الدمج بين وسائل الإعلام، تقول: «هذا الدمج يشبه توحيد الصفوف، ولكنه كان مقبولا في أوقات وغير موفق في أوقات أخرى، فأول مناظرة تمت بالاشتراك بين قناتي (دريم) و(On Tv) وصحيفتين خاصتين هما (المصري اليوم) و(الشروق) كان موفقا ويعد نقطة إيجابية، وعلى العكس كان وجود استوديو (شعب ورئيس) حيث اشتركت قناة (الحياة) مع (BBC) لنقل حدث مصري تاريخي، بدلا من الاشتراك مع قناة مصرية أخرى».