إسلام آباد: في الحرب على الإرهاب.. وسائل الإعلام بين حجري الرحى

ما بين دعم العمليات العسكرية ضد المسلحين وإضفاء هالة ساحرة على طالبان

عناصر مسلحة من طالبان في الشريط القبلي الباكستاني
TT

في مايو (أيار) 2009، أثنى كل من رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني وقائد الجيش الجنرال أشفق برفيز كياني بشكل شخصي على وسائل الإعلام الباكستانية والصحافيين الباكستانيين نظرا للدور الذي لعبوه في تشكيل إجماع على دعم العملية العسكرية في وادي سوات الخلاب الواقع في شمال غربي الدولة، حيث قد سيطرت حركة طالبان وحاولت فرض نظام أخلاقي صارم بإغلاق متاجر الموسيقى وإحراق مدارس الفتيات.

وقال كل من رئيس الوزراء وقائد الجيش في تصريحين منفصلين، فيما أثنيا على وسائل الإعلام، إن عملية سوات لم لتكن لتحقق نجاحا مدويا من دون الدعم القوي من جانب الصحافيين الذين زاروا وادي سوات، وقتما كانت العملية ما زالت جارية وكتبوا دعما للجيش. أتت هذه التصريحات في تناقض شديد مع المزاج العام للنقد الذي يحدد موقف الحكومة الباكستانية تجاه وسائل الإعلام.

عادة ما تواجه وسائل الإعلام الباكستانية انتقادات من جانب الحكومة والجيش مفادها أنها تدعم الإرهابيين. في الوقت نفسه، هناك أصوات من داخل المجتمع تتهم وسائل الإعلام بإضفاء هالة ساحرة على المسلحين والمتطرفين. على الجانب الآخر، أثنى خبراء ومحللون في الماضي على وسائل الإعلام لمساعدتها في تشكيل إجماع وطني لدعم العملية العسكرية في سوات. في المجمل، يبدو التعامل مع قضية التطرف والعمليات المسلحة في وسائل الإعلام الباكستانية معقدا ومتناقضا.

عادة ما ينظر إلى وسائل الإعلام الباكستانية الصريحة غير الخاضعة لقيود في الأوساط الحكومية بوصفها أكبر مصدر لزعزعة الاستقرار السياسي في الدولة. ولا تتوقف الشكاوى عند هذا الحد؛ حيث يدعم قطاع كبير من وسائل الإعلام، مثلما عادة ما توجه الحكومة اتهاماتها، حركة طالبان وجماعات مسلحة أخرى، وغالبا ما يضفي هالة ساحرة على المسلحين والمتطرفين ويمجدهم. تتم تغطية أخبار الجماعات المسلحة بشكل منتظم في وسائل الإعلام، وتأتي المصطلحات التي تستخدمها وسائل الإعلام لوصف هذه الجماعات مناقضة تماما لتلك التي يستخدمها كل من الجيش والحكومة لوصفها. على سبيل المثال، تستخدم الحكومة مصطلح «مجرمين» أو «إرهابيين» لوصف المسلحين، حيث يشير إليهم قطاع كبير من وسائل الإعلام الباكستانية بمسمى «جهاديين» أو «عسكريات باساند» (بمعنى شخص مولع بالعمليات المسلحة). وقد وصل الأمر ببعض الصحف الأوردية إلى حد نشر بورتريه صغير عن أسامة بن لادن على صفحاتها الرئيسية بشكل يومي، وهو إجراء أثار حنق الحكومة.

رغم ذلك، فقد تصرفت وسائل الإعلام الباكستانية بشكل مختلف تماما على نحو مفاجئ إبان عملية سوات. ويجمع الخبراء العسكريون بشكل عام على أن وسائل الإعلام الباكستانية ساهمت بشكل كبير في تشكيل الإجماع الوطني لدعم العملية العسكرية ضد حركة طالبان في سوات. ظهر التناقض بشكل أكثر حدة بالنسبة للخبراء والمراقبين، حينما جاءت عملية سوات بعد عامين فقط من العملية العسكرية ضد «لال مسجد» (المسجد الأحمر) في إسلام آباد، المكان الذي ألقى فيه الجيش الباكستاني القبض على مسلحين مختبئين في مدرسة ومسجد في قلب إسلام آباد في عام 2007.

كانت تغطية وسائل الإعلام لعملية لال مسجد ما زالت حاضرة في أذهان الخبراء والسلطات الحكومية عندما بدأوا يثنون على تغطية عملية سوات في وسائل الإعلام الباكستانية. يقول سهيل عبد الناصر، الخبير الأمني والصحافي البارز: «كانت تغطية وسائل الإعلام لعملية لال مسجد معتمدة بشكل كبير على الصور إلى حد أنها أججت الحماسة في قلوب سكان شمال غربي باكستان». فقد تم بث عملية لال مسجد على أكثر من 40 محطة تلفزيونية باكستانية. ومن ثم، شاهد الشعب الباكستاني اقتحام مسجد ومدرسة على يد القوات الباكستانية، من خلال بث حي في وضح النهار. ثبت أن مشاهد جثث طلاب المدرسة الشباب التي تم إخراجها من المسجد كارثة في مجال العلاقات العامة بالنسبة للرئيس في تلك الفترة، برويز مشرف وحكومته.

على الجانب الآخر، مثلت عملية سوات نجاحا ساحقا على مستوى العلاقات العامة بالنسبة لكل من حكومة حزب الشعب الباكستاني والجيش. «سلطت وسائل الإعلام الباكستانية الضوء على الفظائع التي ارتكبتها حركة طالبان في سوات وجعلت الرأي العام يتجه إلى دعم العملية العسكرية»، هذا ما يقوله حميد مير، المقدم التلفزيوني الشهير لبرنامج حواري، بينما يخاطب جمعا محتشدا في معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام آباد مؤخرا. في الوقت الذي أجبرت فيه الأعمال الوحشية التي ارتكبتها حركة طالبان الآلاف على الهروب من سوات، كانت أطقم العمل بالقنوات التلفزيونية الباكستانية تنتظر في المدن المتاخمة لمقابلة الأسر المشردة. تم بث هذه المقابلات ومظاهر البؤس والشقاء المرتبطة بإجلاء السكان على الهواء مباشرة على القنوات الباكستانية. ولد هذا صورة إيجابية عن الجيش وصور عناصر حركة طالبان على أنهم أشرار.

يذكر خبراء عسكريون وإعلاميون سببا آخر وراء الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل الإعلام في تشكيل إجماع وطني حول عملية سوات. ويقول خبراء عسكريون إن الأجزاء الشمالية الغربية من الدولة هي مراكز التجنيد الخاصة بالجيش الباكستاني، ولدى هذه المناطق تقليد عسكري قوي موضع فخر يعود إلى مئات السنين. «لذلك، خلقت تغطية وسائل الإعلام الباكستانية لتشكيلات الجيش المتحركة من الشمال والجنوب والمتمركزة في مدينة مينغورا (مركز قيادة وادي سوات) وقوات الجيش الباكستاني البارعة الفطنة التي تحمل أسلحة مصقولة مناخا ممثلا في بدء إظهار الناس افتتانهم بالجيش وقواته في مواجهة عدو (ممثل في حركة طالبان) تسبب في معاناة المواطنين الباكستانيين»، قال سهيل عبد الناصر.

وفي مواجهة ردود الفعل المتناقضة هذه من قبل وسائل الإعلام الباكستانية تجاه العمليات المسلحة والتطرف، غير كل من الجيش والحكومة الباكستانية بالتبعية موقفهما تجاه وسائل الإعلام. ومن ثم، عادة ما يتبع مدح الصحافيين الباكستانيين ووسائل الإعلام الباكستانية من قبل القادة الحكوميين نقد لاذع لوسائل الإعلام من قبل المسؤولين أصحاب المناصب الرفيعة بالحكومة والجيش، يقول حميد مير في محاضرة ألقاها مؤخرا عن «الإعلام والأمن القومي» في معهد الدراسات الاستراتيجية بإسلام آباد: «عندما سلطت أطراف من الإعلام والصحافة الضوء على الإصابات التي وقعت بين المدنيين في هذه العمليات العسكرية، وصفوا بأنهم متعاطفون مع حركة طالبان».

رغم ذلك، فإن كثيرا من الخبراء الإعلاميين يرون أنه بات من الصعوبة بمكان بالنسبة للحكومة انتقاد وسائل الإعلام والصحافيين كونهم متعاطفين مع حركة طالبان بعد إغداق فيض من الثناء على وسائل الإعلام إبان عملية سوات. «ونتيجة لتغطية وسائل الإعلام لعملية سوات، ظهر الجيش والقوات الباكستانية بوضوح في صورة أبطال، بينما ظهرت عناصر حركة طالبان في صورة أشرار»، هذا ما قاله خبير إعلامي. حققت الحكومة الباكستانية نجاحا آخر على مستوى العلاقات العامة، عندما بدأت وسائل الإعلام الباكستانية تغطية جهود الإغاثة التي تنهض بها حكومة باكستان مع أكثر من 3 ملايين نازح تم إجلاؤهم من وادي سوات جراء النزاع.

في الوقت الحاضر، لا تنظر الحكومة الباكستانية إلى وسائل الإعلام بوصفها كيانا واحدا فيما يتعلق بالعمليات المسلحة والتطرف. يقول مسؤول حكومي رفيع المستوى: «هناك ردود فعل مختلفة تجاه التطرف والعمليات العسكرية في وسائل الإعلام الباكستانية». ويضيف: «بشكل عام، وسائل الإعلام الناطقة باللغة الأردية إما غير مكترثة بالأمر أو في أسوأ الأحوال متعاطفة مع حركة طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة الأخرى.... أما وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية، فتنظر للمسلحين والمتطرفين بوصفهم تهديدا ولعنة».

يتفق الخبراء الإعلاميون بشكل عام مع هذا التصنيف. يقول سهيل عبد الناصر: «ترى وسائل الإعلام الناطقة بالأردية أن العمليات المسلحة تمثل رد فعل تجاه الأعمال الوحشية التي ارتكبتها قوات الأمن ضد الشعب في عهد مشرف... على الجانب الآخر، تنظر وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية إلى العمليات المسلحة والتطرف بوصفهما تهديدا وتوجه لهما انتقادات لاذعة». ويقول خبراء محليون إن الاستثناء الوحيد بين وسائل الإعلام الناطقة باللغة الأردية هو صحيفة «ديلي إكسبريس»، واحدة من أكثر الصحف اليومية الناطقة بالأردية انتشارا في باكستان. وفي عام 2007. اختطف رئيس تحرير صحيفة «ديلي إكسبريس» المقيم في بيشاور على يد مسلحين وتم تعذيبه بوحشية لمدة 45 يوما قبل إطلاق سراحه.

يوضح خبراء إعلاميون عدة أسباب وراء ردود الفعل المختلفة تجاه العمليات المسلحة والتطرف من جانب وسائل الإعلام الناطقة باللغتين الإنجليزية والأردية. ويضيف: «الصحافة المكتوبة باللغة الإنجليزية مرتبطة بوسائل الإعلام الدولية ولا تبدي أي ممانعة لاستخدام رموزها وعباراتها الاصطلاحية. أما الصحافة الناطقة بالأردية، فهي بمعزل عن الاتجاهات الدولية». حتى السبب الأكبر وراء ردود الفعل المختلفة هو قراء الصحف المكتوبة باللغتين الأردية والإنجليزية المشتركين. ويقول سهيل عبد الناصر: «الصحافة المكتوبة باللغة الأردية لها قراء يتجهون إلى فكرة الحق الديني، ومن ثم، لا يتخذون موقفا قويا ضد التطرف».

ومع ذلك، فإن هناك إجماعا تاما بين الصحافيين الباكستانيين على أن وسائل الإعلام ومجتمع الصحافيين في باكستان تحت ضغط من قبل الطرفين في هذا النزاع بين قوات الأمن الباكستانية والجماعة المسلحة. ويقول حميد مير: «الإعلام في باكستان مستهدف من قبل كل من المسلحين وقوات الأمن الباكستانية، فيما يستمر الصحافيون في التعريف بالمخاطر التي تهدد الأمن القومي في هذا الموقف الخطير».