الإعلام السعودي على أعتاب مرحلة تحوله إلى «هيئات»

د. الشبيلي: على مشروع النظام مراعاة أساليب المرونة إداريا وماليا وتوظيفيا

TT

طالب خبراء في الإعلام السعودي بتحقيق منظور جديد للإعلام الرسمي يتسق مع تحوله إلى نظام الهيئات العامة الذي أقره مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين الماضي، مشيرين إلى أن المنظور الجديد يمكن أن يتحقق بمزيد من المرونة في النواحي المالية والإدارية والتوظيفية.

فما أن خرجت موافقة مجلس الوزراء الاثنين المنصرم على تحويل نشاط الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية إلى «هيئات عامة»، حتى بدأت التساؤلات حول حجم التحولات المتوقعة التي تقتضيها المرحلة المقبلة، والتي ستشهدها البرامج الإعلامية الرسمية (الإذاعية والتلفازية والإخبارية)، عقب ارتدائها لحلتها الجديدة، بعد سنوات انتظار للتفعيل الذي أرجئ في عهد عدد من وزراء الإعلام السابقين، تضاعف خلالها عدد القنوات والإذاعات السعودية حتى بلغت ما يقارب الـ8 فضائيات و4 إذاعات رسمية، بالإضافة إلى منح 5 تراخيص للبث عبر موجات الـ«إف إم» في العامين المنصرمين.

ورغم هذا المنعطف الجديد، كما وصفه عبد الله بن فهد الحسين مدير عام وكالة الأنباء السعودية «واس» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» في فضاء الإعلام السعودي، والذي أكد أنه سيساهم في تطوير العمل الإعلامي، ومنح «واس» فرصة كبيرة للتقدم إلى الأمام، واحتلال مكانة مرموقة بين وكالات الأنباء العالمية، يظل - بحسب آخرين في الأوساط الإعلامية - تطور أداء هذه الهيئات لا يتجاوز مضاعفة حرية ومرونة الأداء الإداري، ورفع القدرات المالية، والإدارية التنفيذية لوسائل الإعلام الرسمية، دون أن يؤثر ذلك كثيرا على هامش الحريات للإنتاج الدرامي والفني، على غرار ما تشهده القنوات السعودية المحلية، وذلك بارتباطها إداريا بوزير الثقافة والإعلام.

والتي - وبحسب القرار - يرأس مجلس إدارتها وزير الثقافة والإعلام، ويضم في عضويته ممثلين من عدد من الجهات الحكومية، واثنين من أصحاب الرأي والخبرة، يعينان بقرار من مجلس الوزراء.

الدكتور أبو بكر باقادر أستاذ الإعلام والوكيل السابق لوزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الخارجية، اعتبر هذا التحول تماشيا مع طبيعة التغيرات القائمة في عدد من الدول العربية، حتى باتت وزارات الإعلام غير موجودة فعلا، عبر التحول إلى هيئات عامة للإذاعة والتلفزيون والصحافة.

ورغم الكينونة الخاصة للهيئات، فإنه وبحسب باقادر، ستبقى وزارة الثقافة والإعلام المظلة الرسمية لهذه الهيئات، فمع كيانها المستقل، إلا أن غطاءها الإداري العام سيبقى ضمن الوزارة.

وبشأن هامش الحريات الممنوحة للبرامج الإذاعية والتلفزيونية، لم يستبعد أبو بكر باقادر تحقيق تقدم إلا أن ذلك سيبقى محدودا، طالما أن المعبر الرئيسي لها يتم من خلال وزارة الثقافة والإعلام، والتي ستشهد بسبب ذلك ذات الضغوط التي تواجهها القنوات السعودية المحلية، إضافة إلى رفع سقف الرقابة الذاتية لما تقدمه للذوق العام.

وقال باقادر «ستمارس ضغوط من جماعات الضغط، سواء إن كانت أصواتا دينية أو اجتماعية أو نسائية للشجب أو الاعتراض»، الأمر الذي سيقيد حتما من هامش الحريات على ما يقدم من برامج درامية وفنية وما إلى ذلك، مطالبا بتحديد بعض الخطوط العريضة في مناح محددة، مقابل الإبقاء على تواجد هامش حرية كبير في طرح المواد المرسلة.

ورغم ضمان الهيئات الإعلامية استقلاليتها الإدارية والفنية عن وزارة الإعلام، متيحة لها بيئة خصبة للمنافسة الإعلامية، كما ورد بالقرار الرسمي، وإيصال رسالة السعودية إلى كافة أنحاء العالم بالكلمة والصورة، وباستخدام أحدث وسائل التقنية ورفع مستوى الأداء البرامجي الإذاعي والتلفزيوني وتطويره، فإن التشكيك بمدى فاعلية هذا التغيير على صناعة الإعلام السعودي إضافة إلى طبيعة مضمون الإنتاج، يبقى أمرا مبررا لدى البعض، في ظل ما بات يعرف بالإعلام الجديد، أو مواقع التواصل الاجتماعي الـ«فيس بوك» و«تويتر».

وهو الأمر الذي رفضه بشدة مدير وكالة الأنباء السعودية، والتي يفوق عدد منسوبيها 500 شخص، مؤكدا أن الخطوة التي طال انتظارها ستطور من مهنية الأداء الإعلامي السعودي واحترافيته.

من جانبه، اعتبر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي عضو المجلس الأعلى للإعلام الخطوة التي اتخذها مجلس الوزراء السعودي بالموافقة على تحويل الإذاعة والتلفزيون معا ووكالة الأنباء السعودية إلى هيئتين، كانت مطلبا ملحا منذ عقود، واستدرك «لكنها خطوة أولى في الاتجاه الصحيح».

وطالب الشبيلي بأن يأخذ التنظيم، والمتوقع صدوره من هيئة الخبراء خلال 6 أشهر، بآخر أساليب المرونة الممكنة إداريا وماليا وتوظيفيا، مع كادر وظيفي يتناسب وطبيعة العمل الإعلامي، مشيرا إلى أن انعكاسات هذه الخطوة على العمل الإعلامي، إذا ما تحققت لها تلك المرونة القصوى المؤملة، ستحسن - بلا شك - من ظروفه، وبالتالي سترفع من احترافيته، خاصة إذا ما وفقت الهيئتان الجديدتان في اصطفاء الكفاءات الإعلامية عالية التأهيل.

من ناحية أخرى، يرى الدكتور الشبيلي أن التحول بالإعلام إلى ما يسمى بالهيئات ظل مطلبا ينادي به منذ سبعينات القرن الماضي، مضيفا أنه ورغم أن كل الإذاعات ومنشآت التلفزيون ووكالات الأنباء في العالم العربي وغيره، قد تحولت تباعا بدءا من ستينات القرن الماضي، وما قبلها وما بعدها، إلى مؤسسات عامة مستقلة، يديرها مجالس إدارة برئاسة وزير الإعلام غالبا، فإن الإعلام السعودي بقي متمسكا بالنمط السالف الذكر، موضحا أن طبيعة العمل الإعلامي لا يمكن أن تنسجم مع النظام المالي والإداري السائد في العمل الحكومي التقليدي، وذلك لتطلبه مرونة إدارية قصوى في الصرف والتعاقدات والمناقصات والتوظيف وخلافها.

ونوه الشبيلي إلى اتجاه السعودية ومنذ مطلع الستينات إلى تحويل كل الجامعات والخطوط السعودية والسكك الحديدية ومعهد الإدارة العامة ومؤسسة التعليم الفني إلى مؤسسات عامة، تحقق لها مرونة العمل الإداري والمالي، ثم اتجهت الحكومة السعودية إلى خطوات أكثر مرونة، تكمن في نموذج الهيئات العامة مع السياحة والآثار والاستثمار وسوق المال والاتصالات ونحوها.

وأشار إلى أن الأجهزة الإعلامية بقيت على وضعها منذ أن أسست الإذاعة السعودية من جدة سنة 1949. والإذاعة السعودية من العاصمة الرياض عام 1965، وكذلك التلفزيون السعودي منذ بدء تأسيسه في العام نفسه 1965، ووكالة الأنباء السعودية في عام 1970. وظلت جميعها إدارات تتبع الجهة المركزية المسؤولة عن الإعلام (وزارة الإعلام) التي ظهرت إلى حيز الوجود عام 1962.