الفضائيات في سباق الرئاسة المصري «تحيزت وخرقت الصمت الانتخابي»

تقرير رسمي قال إن دورها الدعائي جاء على حساب توعية الناخبين

استوديو تحليلي للانتخابات الرئاسية على قناة فضائية خاصة
TT

نشاط إعلامي مكثف شهدته مصر مؤخرا، تزامنا مع الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي عقدت يومي 23 و24 مايو (أيار) الحالي، وهو ما دعا لجنة الرصد وتقييم الأداء الإعلامي في الانتخابات الرئاسية (وهي اللجنة التي شكلتها اللجنة العليا للانتخابات)، إلى إصدار تقريرها الثاني الذي تضمن العديد من القضايا المهمة التي أثارتها التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى، بعد أن أصدرت تقريرها الأول قبل هذه الجولة.

استخلص التقرير العديد من النقاط من خلال متابعة اللجنة للتغطية الإعلامية، ولخصها في 17 نقطة، يتعلق أبرزها بتقييم البرامج التلفزيونية الإخبارية، وتحيز بعض المذيعين ومقدمي البرامج وتحيز بعض الضيوف من قادة الرأي بالفضائيات، مع رصد لبعض الأخطاء المهنية للمذيعين ومقدمي البرامج، والتوظيف الدعائي لنتائج استطلاعات الرأي العام للتأثير على الناخبين، وأيضا التوظيف الدعائي للشائعات عن مرشحي الرئاسة في وسائل الإعلام وتضخيم بعض الأحداث وربطها بمرشح الرئاسة، واستعراض بعض نماذج خرق الصمت الإعلامي قبل الانتخابات مباشرة.

كان أبرز ما أشار إليه التقرير هو تحيز بعض المذيعين ومقدمي هذه البرامج التلفزيونية، حيث انتقد التقرير أداء المذيعين ومقدمي البرامج بالمبالغة في التعبير عن تأييدهم ومناصرتهم لمرشح رئاسي معين، أو تشويه صورة مرشح رئاسي آخر وتوجيه الدعاية المضادة له، بل إن بعضهم كان يتجاهل أسماء بعض المرشحين المنافسين في إطار عرض أسماء المرشحين للرئاسة، ورصدت اللجنة العديد من الأخطاء المهنية للمذيعين ومقدمي البرامج التي تبرز افتقار البعض لدوره ورسالته بوصفه قائد رأي وعدم تقديره لعمومية التقديم والجماهيرية لرسالته التي قد تؤثر على سلوك واتجاهات الجماهير، وهو ما اعتبرته اللجنة خروجا عن إطار المهنية والحرفية الإعلامية، لما له من تأثير على التصويت لهذا المرشح أو منافسيه.

ويوضح التقرير قيام بعض القنوات الفضائية بتضخيم بعض الأحداث وربطها بمرشح رئاسي معين في إطار توجيه الدعاية المضادة لهذا المرشح ومؤيديه، وهو الأمر الذي قد يساهم في التأثير السلبي على الصورة الذهنية له بين الجماهير. كما تمثل الشائعات أحد أساليب الدعاية الانتخابية المضادة ضد بعض المرشحين للرئاسة، وذلك بإسناد بعض الوقائع أو الأحداث غير الدقيقة عن أحد المرشحين وهو الأمر الذي يساعد في تشويه صورته أمام الرأي العام والناخبين وقد يتسبب في انصراف العديد من الناخبين عن تأييد هذه المرشح.

كذلك اتسم أداء بعض الضيوف في العديد من البرامج بالتحيز وتوجيه الدعاية المضادة أو مساندة أحد المرشحين دون أي تدخل من المذيع أو مقدم البرنامج وهو الأمر الذي قد يتسبب في التأثير السلبي أو الإيجابي على اتجاهات التصويت لدى الناخبين وذلك بمعارضة أو مساندة هذا المرشح لانتخابات الرئاسة.

لفت التقرير أيضا إلى أساليب ونماذج الدعاية المضادة بين المرشحين للرئاسة في الفضائيات ووسائل الإعلام، حيث تم رصد العديد من الأساليب والنماذج الخاصة بالدعاية المضادة بين المرشحين، مثل قيام مرشح بوصف منافسيه عمرو موسى وأحمد شفيق بـ«الفلول»، أو اتهام مرشحين كليهما للآخر بتلقي أموال قادمة من الخارج، أو التشكيك في المنهج الذي يتبعه المنافس وكيف أنه لا يبشر بالجاهزية لتولي مسؤولية إدارة البلاد.

وحول توظيف رسائل الهاتف الجوال (S.M.S) في الفضائيات للدعاية والدعاية المضادة لمرشحي الرئاسة، لاحظ أعضاء اللجنة أن العديد من القنوات الفضائية قامت بتوظيف هذه الرسائل وبثها على المشاهدين رغم أنها تحتوي على مضمون دعائي يساند ويدعم بعض مرشحي الرئاسة ويدعو إلى تأييدهم وانتخابهم، وأحيانا يستهدف توجيه الدعاية المضادة تجاه مرشحين آخرين، وتبرز خطورة هذه الرسائل - بحسب أعضاء اللجنة - بأنها تبدو محايدة وتمثل آراء خاصة ببعض المواطنين، إلا أن عوامل إرسالها تحديدا ودوافع اختيار بعضها للبث دون الرسائل الأخرى، يجعلها وسيلة يمكن الاستشهاد بها والتأثير على الناخبين لاتخاذ قرارات تصويتية مساندة أو مؤيدة لمرشح معين، وفي الوقت نفسه تعارض ترشيح أو تؤكد عدم نجاح مرشح آخر للرئاسة.

أشار التقرير أيضا إلى ازدياد حجم التوظيف الدعائي للنتائج الخاصة باستطلاعات الرأي العام حول الناخبين، إلى حد تحديد ترتيب تفضيل الناخبين لكل مرشح، مما قد يساهم في تدعيم موقف بعض المرشحين وقد يساهم في تقليل حماس أو تأييد بعض الناخبين لأحد المرشحين وأحيانا يتسبب في تحويل تأييد الناخبين لصالح أحد المرشحين الأكثر ترجيحا بالنجاح أو الفوز وفقا للنتائج الخاصة بهذه الاستطلاعات، وأحيانا قد يدعي البعض إجراء استطلاعات رأي عام تفتقر إلى الدقة العلمية في حجم العينة والمعاملات الإحصائية في احتمالات التقدير لنتائج العينة على المجتمع وطريقة جمع البيانات مما قد يؤدي إلى تضليل جماهير الناخبين.

ويعكس التقرير ما لاحظه أعضاء اللجنة من أن العديد من وسائل الإعلام قد اخترقت فترة الصمت الانتخابي ولم تلتزم بها، أو لم تحترم حق الناخب في التفكر والتأمل واتخاذ قراره التصويتي بعيدا عن أي تأثير إعلامي أو دعائي. وهو ما دفع اللجنة للتأكيد على الالتزام بفترة الصمت الإعلامي في اليومين السابقين على الانتخابات، مما يتيح الفرصة للناخب للتصويت بعيدا عن تأثيرات الإعلام والدعاية للمرشحين، والتأكيد على أن الصمت الإعلامي يستهدف مصلحة الناخب أولا وأخيرا.

ولم يغفل التقرير إبراز قضايا مهمة تثيرها التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية، مثل اهتمام العديد من القنوات الفضائية بالدور الدعائي للمرشحين، والتغافل عن القيام بالدور التوعوي التنويري للناخبين. والازدواجية والتداخل في الأدوار والوظائف التي يقوم بها بعض الصحافيين والإعلاميين؛ إذ إن بعضهم يشارك في الجماعة التي تقوم بالتخطيط والتنفيذ للحملات الإعلامية والإعلانية لأحد المرشحين، وفي الوقت نفسه يشارك في التغطية الإعلامية للانتخابات في الجريدة أو القناة التلفزيونية التي يعمل بها، وهو الأمر الذي يطرح قضية التقنين الذاتي للممارسة الصحافية والإعلامية.

كما لفتت اللجنة في نهاية تقريرها إلى ضرورة تنظيم ووضع الآليات التي تضبط حجم الإنفاق الإعلاني والدعائي في الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية أو المرشحين في مصر، مما يحقق العدالة والمساواة والموضوعية بين جميع المرشحين في الانتخابات.