مبيعات ضعيفة لصحيفة ميردوخ التابلويد الجديدة

سلسلة ضربات قاسية بعد فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية

TT

عانى روبرت ميردوخ سلسلة من الضربات القاسية مؤخرا جراء تبعات تورط صحف التابلويد التي يمتلكها في إنجلترا في فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية، ولكن إحدى هذه الانتكاسات لا تحدث في البرلمان الإنجليزي، وإنما في أكشاك بيع الجرائد في بريطانيا.

«ذا صن» هي صحيفة تابلويد متهورة ينتمي معظم قرائها إلى الطبقة العاملة، وتقوم بنشر المقالات الرياضية الجريئة وعارضات الأزياء عاريات الصدور، فضلا عن فضائح المشاهير المغلفة بإطار غني بالألوان المبهجة والدعابة الجنسية الوقحة. لطالما كانت الصحيفة بمثابة الطفل المدلل لميردوخ، ولكن الطبعة الجديدة من صحيفة «ذا صن أون صنداي» التي تم تأسيسها لكي تحل محل صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي تواجه العديد من المشاكل، شهدت مؤخرا تراجعا كبيرا في المبيعات.

انخفضت مبيعات صحيفة «ذا صن أون صنداي» بنسبة 28 في المائة، حيث تراجع توزيع الصحيفة من 3.2 مليون نسخة في الأسابيع التي تلت انطلاقها في شهر فبراير (شباط) إلى 2.3 مليون نسخة فقط في شهر أبريل (نيسان)، وفقا لـ«مكتب مراجعة وفحص توزيع الصحف». كانت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» تبيع 2.7 مليون نسخة (أو نسخة لكل 23 مواطن في بريطانيا) في شهر يوليو (تموز) عندما قرر ميردوخ إغلاقها.

يتوقع المحللون استمرار انخفاض معدلات توزيع صحيفة «ذا صن أون صنداي» حتى تستقر حول مليوني نسخة، وهو رقم يقل عن آمال ميردوخ، ولكنه في الوقت ذاته يزيد عن أقرب المنافسين، وهي صحيفة «ذا صنداي ميرور» التي يصل معدل توزيعها إلى 1.1 مليون نسخة في أيام الأحد في شهر أبريل.

لماذا لم تستطع صحيفة «ذا صن أون صنداي» ملء الفراغ الذي نتج عن إغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي تم تأسيسها منذ 168 عاما؟ يقول محللو وسائل الإعلام البريطانية إن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي كانت تشتهر بالتحقيقات الحصرية، كانت قد تجاوزت الطبقات الاجتماعية بصورة لم تستطع صحيفة «ذا صن أون صنداي» القيام بها. يقول دوغلاس ماكابي، محلل في شؤون وسائل الإعلام في وكالة «إنديرس للتحليل» في بريطانيا، إن القراء الذين لا يقومون بشراء صحيفة «ذا صن أون صنداي» خلال أيام الأسبوع لا يقبلون على شرائها في أيام الأحد أيضا.

يضيف ماكابي: «تعتبر صحيفة (ذا صن أون صنداي) موجهة بصورة كبيرة للغاية إلى الرجال العاملين، أما صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد) فكانت صحيفة أسبوعية يقبل على شرائها الرجال العاملون، فضلا عن الأشخاص المتعلمين المنتمين إلى الطبقة الوسطى الذين يقبلون على شراء صحيفة (ذا صنداي تايمز)».

يقول تشارلي بيكيت، مدير منظمة بوليس، وهي منظمة متخصصة في أبحاث وسائل الإعلام التي تتبع كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية: «من الصعوبة بمكان إدراك كم كانت صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد) فريدة من نوعها، حيث دائما ما كانت صفحتها الأولى تحتوي على قصة مثيرة، ربما تكون حقيقية، يختلط فيها الجنس بالسياسة والجريمة، وهو الأمر الذي لم تستطع صحيفة (ذا صن أون صنداي) تكراره».

وفي إحدى طبعات أيام الأسبوع الأخيرة، نشرت صحيفة «ذا صن أون صنداي» تحقيقا «حصريا» حول إحدى المراهقات التي تعاني السمنة المفرطة (يقال إن وزنها يبلغ 882 رطلا) والتي يجب أن يتم إجلاؤها من منزلها الكائن في ساوث ويلز، بينما ظهرت ريهان (25 عاما) من مدينة مانشستر، عارية الصدر في الصفحة الثالثة، وبجوارها تعليق لها يقول «إن أوروبا المصدومة تريد إرغام بريطانيا على إعطاء بعض السجناء حق التصويت».

وفي شهر فبراير، سافر ميردوخ إلى لندن ليقوم شخصيا بالتقديم لصحيفة «ذا صن أون صنداي»، بعد ستة أشهر من قيام مؤسسة «نيوز كوربوريشن» بإغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» عقب الكشف عن عمليات تنصت على نطاق واسع قامت بها الصحيفة.

قام ميردوخ بزيارة غرفة الأخبار الخاصة بالصحيفة في منطقة وابينغ التي تقع شرق لندن، وإرسال رسالة إلى منتقديه بالتأكيد على التزامه بالاستمرار في مجال الصحافة المطبوعة.

وعند الإعلان عن طباعة صحيفة «ذا صن أون صنداي»، قال ميردوخ لأفراد غرفة الأخبار: «إن نجاح الصحيفة الجديدة هو أبلغ رد على منتقدينا».

وفي وقت لاحق، قام ميردوخ، الذي كانت تملؤه الإثارة كما لو كانت هذه الصحيفة هي الأولى التي يقوم بإصدارها، بنشر تغريدة على موقع «تويتر» يقول فيها: «سأكون سعيدا للغاية بأي رقم توزيع يزيد على مليوني نسخة»، وأضاف: «أشارت التقارير إلى أن الصحيفة قد باعت 3 ملايين نسخة».

لا تزال صحيفة «ذا صن أون صنداي» أكثر جريدة توزيعا في بلد يفتتن سكانه بنميمة صحف التابلويد، لدرجة أن إحدى حملات جمع القمامة المنتشرة في شتى أنحاء مترو أنفاق لندن تقول: «الصحيفة التي تقرأها عبارة عن قمامة». وفي أحدث تقاريره حول التوزيع، قال «مكتب مراجعة وفحص توزيع الصحف» إن تخفيض سعر صحيفة «ذا صن» بنحو 30 بنسا (نحو 50 سنتا) في أيام الأسبوع و50 بنسا (نحو 80 سنتا) في طبعات الأحد قد ساعد الصحيفة على الحفاظ على موقع الريادة.

رفضت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» التعليق على أرقام التوزيع الخاصة بصحيفة «ذا صن أون صنداي».

يتم إصدار صحيفة «ذا صن» في حقبة شديدة الحساسية في بريطانيا، حيث يخضع كل ما تقوم به الصحف، سواء أكانت ملكا لميردوخ أو غيره، إلى التدقيق المتزايد.

يظهر هذا التدقيق جليا فيما يتعلق بصحيفة «ذا صن»، حيث قال المحقوق البريطانيون إن الجريدة قد شاركت في عملية رشوة واسعة النطاق تم تقديمها «إلى شبكة من المسؤولين الفاسدين»، وإنه قد تم إلقاء القبض على العديد من كبار الصحافيين في الصحيفة.

وفي الشهر الماضي، تم توجيه الاتهام رسميا لريبيكا بروكس، رئيسة التحرير السابقة لصحيفتي «نيوز أوف ذي وورلد» و«ذا صن أون صنداي»، بالتآمر لعرقلة العدالة.

تراجعت الروح المعنوية للعاملين في غرفة الأخبار في صحيفة «ذا صن»، بعدما اكتشفت «لجنة الإدارة والمعايير» التي قامت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» بتشكيلها للتحقيق في ارتكاب المخالفات التي وقعت في الصحف التابعة لها، وجود مئات الملايين من الرسائل الإلكترونية الخاصة بالصحافيين.

يقول بيكيت، مدير منظمة بوليس، إنه قد تم إصدار صحيفة «ذا صن» لتكون بمثابة المرجع الموثوق به المناهض للمؤسسات، فضلا عن روح الدعابة الصارخة والنزعة الشعبوية، ولكنها تحولت شيئا فشيئا لتكون صحيفة صديقة للأسرة.

وفي أحد أيام الأحد الأخيرة في شهر مايو (أيار)، ارتدت الموديل، التي تظهر عارية الصدر في الصفحة الثالثة، صدرية بكيني، بينما تم تكريس معظم المساحة في الصفحة الأولى لحملة ترويجية مدفوعة الأجر للحصول على لعبة «ليغو نينجا» مجانية.

شملت الصحيفة أيضا تحقيقا حول «طائفة» السينتولوجيا التي «أمرت» واحدة من أعضائها بالخضوع لعملية إجهاض، فضلا عن القصة المستمرة الخاصة بمؤخرة بيبا ميدلتون.

قال مايكل غوف، عضو البرلمان الإنجليزي عن حزب المحافظين، في الشهادة التي أدلى بها يوم الثلاثاء أمام «لجنة ليفيسون القضائية المختصة بالتحقيق في أخلاقيات وسائل الإعلام»، والتي تم تأسيسها بسبب فضيحة التنصت على المكالمات التليفونية في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»: «تعتبر (ذا صن) هي الصحيفة التي تعكس، في معظم الأحيان، النظرة العالمية لميردوخ».

يقول أصدقاؤه ومساعدوه إنه من بين الـ175 صحيفة التي تمتلكها مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، تحتل صحيفة «ذا صن» مكانا متميزا في قلب ميردوخ.

تقود الصحيفة أيضا أرباح المؤسسة من المطبوعات في بريطانيا. وعلى الرغم من أن مؤسسة «نيوز كوربوريشن» لا تقوم بتقسيم أرباحها بين الصحف التي تنتمي للمؤسسة، فإن أرباح الجريدة من الإعلانات تساعد على دعم الأرباح القليلة للمؤسسة وزيادة شهرة الصحف الأخرى، مثل «ذا تايمز أوف لندن» و«ذا صنداي تايمز».

ونظرا لشغفه بتوسيع نطاق أعماله في شارع فليت، فقد قام ميردوخ بشراء صحيفة «ذا صن» في عام 1969 مقابل 800.000 جنيه إسترليني، مؤكدا للملاك القدامى أنه سوف يقوم بطباعة «صحيفة مباشرة وصادقة».

وفي هذا الوقت، كانت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» قد بدأت بالفعل في طباعة صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، ولكنه أبدى رغبته في الاستفادة من المطابع التي تقوم بطباعة الصحيفة في بقية أيام الأسبوع، أما الآن، فتقوم جريدة «ذا صن» باستغلال مطابع «نيوز أوف ذي وورلد».

وبسبب الإغلاق المفاجئ لصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، أصحبت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» تمتلك بالفعل القدرة على طباعة وتسليم صحيفة جديدة يوم الأحد، وهو ما يعني انخفاضا في جمهور قراء صحيفة «ذا صن»، التي ليس لها تأثير كبير على الأداء المالي للشركة، بحسب المحللين.

يقول المحلل ماكابي: «الوضع كله مقلوب رأسا على عقب، حيث إن صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد) لم يعد لها وجود. لم يحاول هؤلاء الأشخاص بذل المزيد من الجهد وإنفاق المزيد من الأموال على تعيين موظفين جدد وشراء معدات جديدة».

تعكس أرقام توزيع صحيفة «ذا صن» الوضع الحالي في سوق الصحف البريطانية، حيث باعت كل الصحف البريطانية مجتمعة 273 مليون نسخة في شهر أبريل، بانخفاض قدره 7.5 في المائة مقارنة بالشهر نفسه في العام الماضي، وفقا لـ«مكتب مراجعة وفحص توزيع الصحف».

ساعدت حملة الإثارة والتسويق الكبيرة التي سبقت إصدار صحيفة «ذا صن أون صنداي» على زيادة الأعداد الإجمالية للمواطنين البريطانيين الذين يقومون بشراء الجرائد في أيام الأحد إلى 10.7 مليون مواطن في شهر فبراير، مقارنة بـ7.7 مليون في شهر يناير (كانون الثاني)، ثم ما لبث أن انخفض الرقم إلى 8.7 مليون في شهر مارس (آذار).

يقول باتريك ياو، محلل في شؤون وسائل الإعلام في شركة «بيل هانت» البريطانية للسمسرة: «في البداية، قام الكثيرون بشراء صحيفة (ذا صن أون صنداي) وليسوا بالضرورة من مشتري الصحف في أيام الأحد، وبينما ظل البعض على النهج نفسه، توقف الكثيرون عن هذا».

* خدمة «نيويورك تايمز»