ضمير الصحافي.. إحياء لميثاق الشرف الأخلاقي

استمرار الجدل حول اعتماد «القَسَم» عوضا عن الالتزام المهني للصحافي

TT

«أقسم بالله العظيم أن أصون مصالح الوطن وتراثه وحضارته وتقاليده، وأن أؤدي رسالتي الإعلامية بالشرف والأمانة والنزاهة، وأن أحافظ على سر المهنة وأحترم آدابها وقوانينها (...)، والله على ما أقول شهيد». كان هذا نموذج القَسَم الذي يؤديه الصحافيون في مصر بعد قبولهم في نقابة الصحافيين، فالقَسَم على اختلاف صيغته فإنه بات تقليدا دوليا وعرف في كثير من المهن، مثل الطب والمحاماة.

ولا يزال الجدل قائما بين الدول العربية التي تعتمد ميثاق الشرف الأخلاقي في مهنة الصحافة عوضا عن القَسَم المهني الذي هو مرتبط بالدرجة الأولى بالشخص ومدى التزامه الديني والمهني، الذي لا توجد عقوبة لمن يتجاوزه، بعكس الميثاق المتعارف عليه والذي يترتب على انتهاكه عقوبات معروفة ومحددة، إلا أن هناك بعض الدول لا تعترف بهذا ولا ذاك وترى أن العمل بالنظم والضوابط الإعلامية الموضوعة هو أفضل خيار، بحجة أن القَسَم غير ملزم، وقد ينساه الشخص، والميثاق هو التزام أخلاقي ليس إلا.

لكن ممدوح الولي عميد نقابة الصحافيين المصريين يرى أن الميثاق أكثر إلزاما من القَسَم الذي قد ينساه الصحافي، والذي لا تترتب عليه أي عقوبات في حال الإخلال به، بينما الميثاق تترتب عليه عقوبات واضحة لمن قد يخل به. ويقول في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «على الرغم من العمل بميثاق شرف المهنة الموجود لدينا منذ سنوات، فإن مخالفة قوانينه تعرض الصحافي للتحقيق وللمسالة القانونية، ما يترتب عليه عقوبات تتدرج حسب نوع المخالفة»، مؤكدا أن وجود الميثاق لم يمنع نقابة الصحافيين في مصر من المحافظة على القَسَم، باعتباره عرفا مهنيا.

وأوضح أن القَسَم أصبح أمرا مرتبطا باحتفالية اليوم العالمي للصحافي، التي تعكف نقابة الصحافيين على إقامتها، لتحضير الصحافيين الجدد الذين تم قبولهم في النقابة، لترديد القَسَم أمام الجمهور. ومن واقع الخبرة العملية عاد ولي ليؤكد أن الغرض من القَسَم المهني والميثاق الأخلاقي هو ضبط المهنية الصحافية لدى الصحافيين، إلا أن هناك عنصرا أكثر أهمية هو قيم المهنة لدى الصحافيين، مثل عدم دخول الصحافي لأي من الأحزاب السياسية، على نحو يفقده حياديته ومصداقيته، إلى جانب منع عمل الصحافي في الإعلانات التجارية.

من جهته يرى الدكتور عبد الله الجحلان، أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين، أن «لكل بلد اشتراطاتها في ممارسة المهنة، وأن ما حملته المادة 20 من توصيف لمتطلبات المهنة في نظام المطبوعات الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام في السعودية كافٍ»، موضحا أن «وجود الميثاق والقَسَم ليس أساسيا لممارسة العمل الصحافي»، مؤكدا أن «هناك مهنا أكثر أهمية من مهنة الصحافة وليست ملزمة بقَسَم».

وفي حين يؤكد الجحلان على أن هناك كثيرا من المهتمين بالشأن الصحافي ينادون بأهمية وضع ميثاق شرف أخلاقي للمهنة، أسوة ببعض الدول العربية، إلا أنه يعود للتأكيد على أن «ضوابط الإعلام أقوى من القَسَم، وميثاق الشرف الأخلاقي الذي قد لا يكون ملزما هو بالدرجة الأولى التزام أخلاقي وأدبي، لا سيما وأنه لا توجد عقوبة لمن يخالف ذلك الميثاق»، مشددا على أهمية النظام لردع من يخالفه.

وفي ذات السياق أكد الدكتور محيي الدين تيتاوي، رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين، ونائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن «العادة لم تجرِ في كثير الدول العربية على اعتماد القَسَم المهني باعتباره تقليدا وعرفا مهنيا في كثير من الدول المتقدمة»، وأرجع اعتماد السودان على ميثاق الشرف الأخلاقي عوضا عن القَسَم المهني لكون الثاني يعتمد على مبادئ إنسانية بالدرجة الأولى، ومدى التزام الشخص بما هو مؤمن به، معتبرا الميثاق الأخلاقي أكثر إلزاما للصحافي، لا سيما وأنه يلزمه بمسؤوليات تجاه القضايا التي يتبناها، بخلاف الشأن الذي يكتب فيه. لكن أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين عاد ليؤكد أن المشكلة في العمل الصحافي لا تكمن في عدم وجود قَسَم يؤديه الصحافي، أو ميثاق شرف أخلاقي، معتبرا المشكلة الحقيقية التي تواجه الصحافة السعودية «تكمن في فهم طبيعة الأدوار، وتوفر اشتراطات المهن في من يمارسون المهنة»، مؤكدا أن القَسَم أو ميثاق الشرف المهني قد «يأتي لاحقا، بعد اكتفاء الشروط المهنية في من يمارس المهنة»، وهو ما دفع الولي إلى التعليق بقوله: «كثير من الخروقات والمغالطات التي باتت تحصل مؤخرا هي نتيجة معطيات كثيرة، أهمها تعاطي العاملين في المهنة باعتبارها نوعا من البريستيج، وكذلك تعامل المجتمع مع الصحافة على أنها مهنة تلميع، الأمر الذي يضع الصحافي الحقيقي في مواجهة حقيقية مع المبادئ والقيم والقضايا التي يؤمن بها».

وعن شروط الانضمام إلى نقابة الصحافيين في مصر، قال: «لا بد أن يكون الصحافي متفرغا ومحترفا للعمل الصحافي، ويعمل في منشأة صحافية، تصدر بشكل دوري ومنتظم، على مدى عام، وأن يكون قد مضى على عمله بها، ما لا يقل عن ثلاثة أشهر كحد أدنى»، مشيرا إلى شروط أداء الخدمة العسكرية، والمؤهل الجامعي، بالإضافة إلى وجود الأرشيف الصحافي الخاص به. ولفت إلى الاختبارات التي يخضع لها الصحافي كل خمس سنوات عند الانضمام إلى النقابة، والتي لم يتم تطبيقها حتى الآن، إلا أنه عاد ليؤكد على أهمية تطبيق الاختبارات عند التقديم في المرة الأولى، والمتمثلة في اختبار الحاسب الآلي، وبعض الأسئلة العامة التي تتمحور حول مدى معايشة الصحافي لمستجدات المهنة، والقرارات الخاصة بها، إلى جانب مناقشته في أرشيفه الصحافي.

وعلى الرغم من أن تلك الاختبارات معتمدة في أغلب النقابات الصحافية في الدول العربية، فإنها تختلف من بلد لآخر، وهو ما أكده تيتاوي في كون تلك الاختبارات ذات صلة مباشرة بالعمل الصحافي، وتشمل التحرير الصحافي، والحاسوب، والترجمة، واللغة العربية، والثقافة العامة، دون أي استثناء لحملة الدرجة الجامعية في نفس التخصص.

وأوضح التيتاوي أن «الصحافي من حملة الثانوية العامة لا بد أن لا تقل خبرته في العمل الصحافي عن خمسة عشر عاما»، مؤكدا أن ممارسة العمل الصحافي محصورة بعضوية اتحاد الصحافيين السودانيين، والحصول على بطاقة مهنية، بالإضافة إلى اجتياز الاختبارات. يأتي ذلك مقابل الخدمات التي تقدمها النقابة للصحافيين، مثل تولي الاتحاد مهام الدفاع عن حقوق الصحافيين، والعمل مع الجهات المختصة بأن لا يتم إلقاء القبض على الصحافي دون وجود مسوغ حقيقي، أما في حال تم استدعاء الصحافي للمحكمة فيتم الإفراج عنه بعد التحقيق وبالضمان الشخصي. وأمام الأعداد المتزايدة للصحافيين جاءت خدمة إنشاء ثلاث مدن للصحافيين، تقوم بتأمين وحدات سكنية بأسعار رمزية، وذلك لخلق نوع من الاستقرار للصحافي، بالإضافة إلى وضح حد أدنى من الأجور للمبتدئين، إلى جانب توفير تأمين صحي للصحافي وأسرته، مرجعا ذلك إلى طبيعة العمل الصحافي المرهقة، التي قد تؤثر سلبا على الصحة.

جدير بالإشارة أن مجلس الوزراء السعودي - وهو أعلى جهة تشريعية بالسعودية - كان قد أصدر مؤخرا قرارا بقصر ضبط ممارسة العمل الصحافي على الصحافيين المعتمدين لدى هيئة الصحافيين السعوديين.