«إنقاذ وجه» يواجه احتمال حظر عرضه في باكستان

المخرجة شرمين شينوي: مفارقة أن يمنع عرض فيلم حاصل على الأوسكار في البلد الذي أنتجه

المخرجة الباكستانية شرمين شينوي الفائزة بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي (الشرق الأوسط)
TT

يواجه الفيلم الوثائقي الباكستاني الحائز على جائزة الأوسكار «إنقاذ وجه» احتمال حظر عرضه في باكستان. وتقول مخرجة الفيلم، شرمين عبيد شينوي إنه سيكون من المفارقة أن يمنع عرض فيلمها في باكستان، البلد الذي أنتج فيه الفيلم والذي انتقيت من مجتمعه الشخصيات الرئيسية فيه من قبل فريق إنتاج الفيلم.

ويقوم الفيلم على رواية بسيطة تتعامل بشكل أساسي مع تعقيد الموضوع في المجتمع الباكستاني: سيدتان باكستانيتان، زكية وروخسانا، تعرضتا للحرق بمادة حمضية على يد زوجيهما. ويأتي الدكتور محمد جواد من المملكة المتحدة ومعه آليات جراحة التجميل المتقدمة بهدف المساعدة في علاج التشوه الذي أصاب وجهيهما. في الوقت نفسه، تقيم زكية دعوى قضائية ضد زوجها، الذي استمر يهددها هي وأسرتها، فيما تجبر روخسانا على العيش مع أسرة زوجها، على الرغم من أنهم قد منعوها من رؤية ابنتها. ينظر البرلمان الباكستاني في القضية ويقوم بتمرير قانون يقضي بأن الهجمات بالماء الحامض تعتبر جريمة مشينة في باكستان.

والآن، هددت شخصيات الفيلم الوثائقي نفسها مخرجة الفيلم باتخاذ إجراء قانوني لمنع عرض فيلم «إنقاذ وجه» في باكستان.

وقد صدم الموقف الباكستانيين المحافظين، الذين كانوا أول من رحبوا بفكرة فوز امرأة باكستانية بجائزة الأوسكار تقديرا لمهاراتها الإبداعية التي تجلت في إخراجها هذا الفيلم. على سبيل المثال، كانت أكثر صحيفة باكستانية محافظة، وهي «نوات وقت» قد نشرت ملحقا كاملا في اليوم الذي حصلت فيه شرمين عبيد على جائزة الأوسكار في نيويورك.

هذا وقد عزت الصحيفة نفسها حقيقة مواجهة فيلم شرمين احتمال المنع من البث التلفزيوني داخل باكستان على المحطات الإخبارية الخاصة، حيث جاء في المقالة الافتتاحية المنشورة في أحد أعدادها ما يلي: «ستكون مفارقة لو لم يعرض هذا الفيلم الوثائقي في باكستان، إذ إنه يركز بالأساس على قضية يواجهها المجتمع الباكستاني». وعلى الرغم من ذلك، فإن نفس التيار المحافظ في المجتمع الباكستاني ربما يمنع بث هذا الفيلم داخل باكستان، هذا ما يقوله الخبير الإعلامي، فصيح أور رحمن خان، محرر الشؤون السياسية بإحدى الصحف المحلية.

وقد أخبر بعض المطلعين على بواطن الأمور «الشرق الأوسط» بأن العلاقات بين المخرجة شرمين عبيد شينوي والضحيتين اللتين تم استغلال قصتيهما في الفيلم الوثائقي أصبحت سيئة. وقد ذكرت السيدتان الناجيتان من الهجوم بالحامض أنهما ربما تكونان معرضتين لخطر اتخاذ رد فعل عدائي ضدهن، بل وحتى لمزيد من الهجمات بالماء الحامض، حال عرض الفيلم في باكستان.

إن النزاع الذي ربما يقود إلى منع بث الفيلم الوثائقي داخل باكستان في مراحله الأولى الآن.

ومع ذلك، فالأمر يرتبط بشكل أساسي بقضية تقنية، وهي ما إذا كانت السيدتان الناجيتان في الفيلم الذي تبلغ مدته 40 دقيقة قد منحتا تصريحا بإظهار وجهيهما على الشاشة في باكستان أم لا. وأوضح محامي الضحيتين، نافيد مظفر خان، لـ«الشرق الأوسط» أن موكلتيه قد وقعتا اتفاق موافقة مع منتجي الفيلم، مع عدم وجود اتفاق بين الطرفين يسمح بعرض الفيلم داخل باكستان. وقال إنه قد تم إرسال إخطارات قانونية إلى عبيد شينوي والمنتج المشارك، دانيال جانغ، بشأن القضية. وأضاف المحامي أنه في حالة فشلهم في الاتفاق على منع عرض الفيلم في باكستان، قد يسعى محامو بعض السيدات اللائي عرضت قصصهن في الفيلم إلى استصدار أمر من المحكمة لمنع عرضه.

ويقول خبراء إن الفيلم يتناول قضية الهجمات بالحامض من جميع الجوانب، الطبية والثقافية والمجتمعية والقانونية. غير أن صناع الفيلم يبقون بعيدا عن الكاميرات، متيحين الفرصة للنساء والشخصيات الأخرى في الفيلم بالحديث بعباراتهن الخاصة عن تأثير تلك الهجمات على حياتهن. «ينتهي الفيلم بنتيجة إيجابية لزكية ونتيجة مفعمة بالأمل بدرجة ما بالنسبة لروخسانا، كنت قد تساءلت قبل مشاهدة الفيلم عما إذا كان يمثل حكاية خيالية عرضت قصة جيدة عن الافتداء لإرضاء مشاهديه. غير أنني سعيد بأن أقول إنها ليست كذلك. الرواية مباشرة، وهو أمر ضروري دون شك، لكن الموضوع بأكمله غاية في التعقيد؛ وبساطة مسار الأحداث تفيد في إبراز ذلك التعقيد، لا إخفائه»، هذا ما كتبته الكاتبة والصحافية بينا شاه في عمودها الأخير.

إن مشاهدتك الفيلم الوثائقي تترك لديك انطباعا بأن الحياة قد أصبحت طبيعية الآن بالنسبة للضحيتين بعد معاناتهن من الهجمات بالحامض على أيدي زوجيهما. لقد عادت ضحيتا تلك الهجمات إلى حياتهما الطبيعية بعد ذلك.

ربما تكون حقيقة أن ضحيتي الهجمات بالحامض اللتين ظهرتا في الفيلم الوثائقي بعد انفصالهن عن زوجيهما في المقام الأول، أكبر عقبة في طريق بث الفيلم الوثائقي في باكستان. وقالت إحدى الضحيتين، روخسانا، لـ«الشرق الأوسط» إنهما لم تكونا تعلمان بأنهما ستحققان هذا القدر الكبير من الشهرة بعد ظهورهما في الفيلم. خشت روخسانا من أن تصعب عليها شهرتها التكيف مع أسرتها.

وأشار خبير إعلامي إلى أنه في مجتمع محافظ مثل باكستان، تحمل الشهرة كثيرا من المدلولات السلبية بالنسبة لربة منزل بسيطة، «هذه الشهرة ربما تجعل الحياة تعيسة بالنسبة لربة منزل»، بحسب الخبير الإعلامي.

وبوضع هذه القضية الحساسة في الحسبان، أصدرت شركة الإنتاج الخاصة بشرمين عبيد شينوي بيانا يشير إلى أنهم يعيدون النظر في قرار بث الفيلم داخل باكستان. ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، أكدت شرمين على أن السيدتين قد وقعتا على وثائق قانونية تسمح بعرض الفيلم بأي مكان في العالم، بما في ذلك باكستان. وقالت إنه قد تم حذف المقاطع التي ظهرت فيها واحدة من السيدتين اللتين عرضت قصتهما في الفيلم، وهي روخسانا، من النسخة التي ستعرض في باكستان احتراما لمخاوفها.

قد يتمثل أصعب جزء من القرار بالنسبة لشركة الإنتاج في العبارات الواردة على لسان ضحيتي الهجوم بالحامض في حالة عرض الفيلم الوثائقي في باكستان. وفي النهاية، ستحدد المحاكم الباكستانية ما إذا كان سيسمح ببث عرض الفيلم في باكستان أم سيتم الرضوخ لمخاوف ضحايا الهجمات.