شاهد العيان.. بين المصداقية والإثارة

أصبح أهم وسائل القنوات الفضائية لتغطية الأحداث

مشاهد نقلتها كاميرات شهود عيان على أحداث العنف والدمار في سوريا (أ.ف.ب)
TT

مع اندلاع الثورات في العالم العربي وجدت القنوات التلفزيونية الفضائية صعوبة في الحصول على المعلومات في ظل التعتيم على بعض الأحداث من قبل المسؤولين، أو منعهم من العمل أصلا، مثلما هو الأمر في الحالة السورية في الوقت الراهن.. ولهذا توسعت الكثير من القنوات في الاستعانة بـ«شاهد العيان» كوسيلة للتعرف على الحقائق ونقل الأحداث إلى المشاهدين.

والاعتماد على روايات شهود العيان فقط من دون إمكانية للتحقق تترك التقارير التلفزيونية الإخبارية عرضة للتشكيك فيها، أو على أقل تقدير الافتقار للدقة والموضوعية، إلا أن الخبراء والمتخصصين في المجال الإعلامي يرون مع ذلك أهمية «شاهد العيان» لوسائل الإعلام.

الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميد كليه الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، ترى أن شاهد العيان معترف به كمصدر في وسائل الإعلام، فأحيانا يصل الصحافي أو المراسل متأخرا عن وقوع الحدث، ويعتمد على شاهد العيان لمعرفة التفاصيل، ولكن يجب ألا يعتمد على شاهد واحد أو أن يأخذ كلامه على أنه الحقيقة الكاملة، فكثيرا ما يروي الشخص الحادث من وجهة نظره الخاصة التي قد تفتقر إلى بعض الدقة. وتضيف أن الصحافي أو المراسل لا بد أن يسمع من أكثر من شاهد لتأكيد رواية معينة في مقابل رواية أخرى وهذا أحد أهم شروط المهنية.

وتزيد الدكتورة عبد المجيد قائلة: إنه ليس أي شخص يقول رواية يعتبرها الصحافي حقيقة ويتعامل على أساسها، في حين أنها يمكن أن تضلل الرأي العام وتؤدي إلى حدوث مشكلات كبرى. وتشير الدكتورة ليلى عبد المجيد إلى نقطة أخرى لا تقل أهمية، وهي الاستعانة بتسجيلات الفيديو أو الصور التي يرفعها بعض المواطنين على الإنترنت لتصبح مصادر للأخبار تعتمد عليها القنوات الفضائية.

وتقول الدكتورة عبد المجيد: إن «شهود العيان الآن لم يعودوا مقتصرين على المقابلة الشخصية في مكان الحدث أو الاتصال التليفوني في القنوات الفضائية، وإنما ظهر ذلك بصورة أخرى، وهي الاعتماد على ما يرفعه البعض على الإنترنت من صور وفيديوهات لبعض الأحداث على أنها حقائق تتداولها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية على أنها مصادر موثوقة دون التأكد من دقتها».

وتزيد قائلة: إن هذا السلوك الإعلامي في الاعتماد على فيديو الإنترنت «ظهر بشدة في الفترة الماضية، فالاعتماد مثلا على صور قد تكون مفبركة أو قديمة أو ليس لها علاقة بالحدث قد يثير بلبلة بين الناس».

وتشير عبد المجيد إلى أن كل هذه الوسائل لا بد أن يتعامل معها الإعلام والمدونات والشبكات الاجتماعية، وهي تشكل جزءا كبيرا من حياتنا الآن، ولكن لا بد من التعامل بحذر فيأخذ منها الإعلامي خيوطا لبناء قصة إخبارية، فهناك فارق كبير بين المواطن الصحافي وبين الصحافي الذي يعمل بشكل مهني ويدقق المعلومات التي تبنى عليها في النهاية الآراء والاتجاهات.

ومن جانبه يرى الإعلامي ياسر عبد العزيز أن شاهد العيان والاستعانة به في تقديم التقييمات والآراء والمعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية بات أزمة كبيرة في التغطية الإخبارية سواء في العالم العربي أو في باقي المناطق التي تشهد ثورات أو كوارث وأعمال عنف.

ويزيد عبد العزيز قائلا: إن شاهد العيان على ما يبدو أصبح «شرا لا بد منه» لأن بعض مناطق الصراع والحشد والأحداث الملحة العاجلة تكون بمنأى عن الصحافي المحترف. ويضيف أن التغطيات يجب أن تكون فورية ومستوفاة، وفي هذه الأحوال يمكن اللجوء إلى شاهد العيان حينما يكون الصحافي المحترف، أو المصدر معلوم الهوية، غير متاح. ولكن الإشكال الكبير يتعلق بالإدارة السيئة أو الاستخدام المسيء لإفادة شاهد العيان، فبعض الزملاء الإعلاميين يختارون الشهود الخطأ ويركزون على جانب واحد من القصة ويوجهون الأسئلة الخطأ، إضافة إلى ترك شاهد العيان على الهواء لوقت أطول من اللازم فيتصور الجمهور أن ما يقال هو الحقيقة أو الإفادة المتوازنة عن القصة، خاصة مع عدم وجود حرص على توضيح الأمر للجمهور، ووضع الرواية في سياقها الطبيعي.

ويتابع عبد العزيز قائلا: لكن بشكل عام، ومع تلاحق الأحداث، وعدم القدرة على الوصول إليها في الوقت المناسب، ستظل القنوات الفضائية في مواقف معينة بحاجة إلى شهود العيان، إلا أنه يجب اختيار الشاهد المناسب وعرض شهادته في الوقت المناسب وإعطاؤها المساحة العادلة وموازنتها بإفادة أخرى إن وجدت باعتبار أنه أحيانا يضيف الشاهد بعض الأشياء للرواية ليحقق بعض الإثارة وليتكلم فترة أطول على الهواء، وأحيانا ما يخلط الرأي بالخبر، وفي كل الأحوال علينا أن نذكر الجمهور أن ما يقرأه أو يسمعه هي رؤية أحد الأطراف وأنه لا يوجد ما يمكن أن يثبتها.

بينما يرى الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أنه فيما يتعلق بالرؤية المهنية للوسائل الإعلامية يبرز دور شهود العيان كمصادر أساسية يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع الأحداث التي يرغب المسؤولون في التعتيم عليها أو التي لا يوجد بها معلومات كافية مثل الأحداث المفاجئة، فيمكن أن تستقى المعلومات الأولية من شهود العيان.

ورغم أن شهود العيان يعدون مصادر أساسية للتغطية الخبرية – كما يقول خليل - فإن الكثير من المهنيين يظهرون قدرا من التحفظ، خاصة أنهم يقدمون روايات متضاربة ومعلومات متناقضة، خاصة في الحوادث الكبرى التي تعتمد على نزاع بين أطراف، فهو لا يستطيع التحديد هل الضحية فارق الحياة أم مصاب إصابة شديدة.

ويضيف الدكتور خليل أنه خلال الفترة الأخيرة، أي مع اندلاع الثورات العربية، حاول الحكام المستبدون وأجهزة الإعلام التعتيم، ووجدنا كثيرا من النوافذ الإعلامية تقدم معلومات شهود العيان للإجابة عن أسئلة المتلقي خلال الأيام الأولى للثورة، بينما كان هناك اختفاء للمسؤولين، وبالتالي لم يوجد بديل للاعتماد على المتواجدين في قلب الحدث للحصول على المعلومة وحدث هذا في كل الدول العربية التي اندلعت بها ثورات.

ويشير الدكتور خليل إلى أن هناك نقطة هامة وهي أنه، مثلا، أثناء تغطية التلفزيون المصري لأحداث ماسبيرو، وجدناه ليس فقط يستعين بشهود العيان لتوضيح معلومات عن الحدث الذي كان يكتنفه الغموض في البداية، ولكنه كان يفتح الخط للمشاهدين لتقديم وجهة نظرهم في الحدث، و«هذا ليس بالصواب على الإطلاق، فشاهد العيان لا بد أن يكون متواجدا وحاضرا في قلب الحدث وبالتالي ينقل أبعاد الموقف للمشاهدين».

ويقول الدكتور محمود خليل: إنه الاستعانة بالمشاهدين من خارج الحدث للتهييج ولإدانة طرف دون آخر «فهذا لا يعد عملا مهنيا على الإطلاق، ولا يفرق بين وجهة النظر والنقل الأمين للأحداث، ولا يفصل بين المعلومة والرأي، وفي المرحلة الأولى لأي حدث يكون المتلقي بحاجة إلى المعلومات أكثر من وجهات النظر ليستطيع أن يكون رأيه ووجهة نظرة».