الانتقال من الصحافة إلى الإعلام المرئي.. خطوة تقود لبداية الشهرة أو إلى نهاية المطاف

بعضهم حققوا نجاحا كبيرا.. وآخرون قتلوا أنفسهم بأنفسهم

تحول الكثير من الاعلاميين السعوديين من الصحافة الورقية إلى المرئية مع وجود تباين في عطائهم بين القطاعين (الشرق الأوسط)
TT

على اعتبار أن العمل الصحافي في وسائل الإعلام المقروءة يحوي جنودا مجهولين لا يصل منهم إلى المتلقي سوى أسمائهم والمواد الصحافية التي تنشر تحتها، والتي قد تضطرهم إلى الحضور بشكل مستمر في المحافل والمناسبات للتعريف بأنفسهم، فإن البعض منهم بات يتجه للقنوات الفضائية بغرض تحقيق الشهرة التي يطمحون إليها في مجال الإعلام.

تلك الغاية ربما تكون قد أوصلت بعض الراغبين فيها إلى ما يريدون، غير أنها كانت سببا في «قتل» أسماء كان لها وزنها على مستوى الصحافة المقروءة، وذلك بعد أن وقعوا في شباك الفشل أمام الكاميرا، الأمر الذي جعلهم ينسون أدواتهم الصحافية ويضيعون داخل جدران استوديوهات القنوات الفضائية، فليسوا هم الذين بقوا جنودا سلاحهم أقلامهم، ولا هم الذين تمكنوا من الوصول إلى دواخل المشاهدين بـ«ميكروفوناتهم».

سعود الخلف، أحد مراسلي قناة «العربية»، يرى أن للإعلام المرئي أدوات كما للصحافة أيضا، حيث إن للتلفزيون أدواته الخاصة التي قد توجد في الصحافي وقد لا تواجد، مشيرا في الوقت نفسه إلى صعوبة إكساب الصحافيين تلك الأدوات إذا لم يكونوا يمتلكونها قبل البدء في العمل التلفزيوني.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم جدا أن يتملك المذيع التلفزيوني الحس الصحافي، ولكن الصحافي ليس بالضرورة أن تكون لديه أجواء العمل التلفزيوني أثناء تأديته لعمله في الإعلام المقروء»، مبينا أن الصحافة تختلف عن العمل التلفزيوني من ناحية العمل على المادة المكتوبة بطرق مختلفة.

وأفاد بأن التعامل مع الكاميرا يحتاج إلى طريقة خاصة تتضمن علاقة وصفها بـ«الحميمية» ما بينها وبين المذيع، التي إن لم تكن موجودة فإنه من المستحيل نجاح الصحافي في المجال التلفزيوني.

وأشار إلى أن عمل الصحافي في الإعلام المرئي يتطلب منه معرفة كل تفاصيل التلفزيون، باعتبار أن المساحة الصحافية تختلف تماما عن الفضائية، إذ إنه ليس كل ما تتناوله الصحافة يمكن عرضه عبر شاشات التلفزيون (بحسب قوله).

وحول نجاح بعض الأسماء الصحافية في الانتقال إلى الإعلام المرئي، علّق سعود الخلف قائلا: «كل من حقق نجاحا في تلك التجربة فإنه حتما يملك الأدوات التلفزيونية من الأساس، ومن فشل فإنه غير موجود أساسا كونه لا يمكن تذكّره»، مرجعا أسباب نجاح هؤلاء الصحافيين إلى قدرتهم على التعامل مع الكاميرا وقراءة الحدث من زاوية تلفزيونية مختلفة عن الصحافة المقروءة.

في حين أكد تركي العجمة مقدم برنامج «كورة» الرياضي على شاشة «روتانا خليجية»، على احتمالية نجاح الصحافي في انتقاله إلى العمل التلفزيوني إذا ما امتلك الموهبة وطوّر نفسه بالتدريب، موضحا أن مهنية الإعلام المرئي لا تختلف كثيرا عن العمل الصحافي المقروء.

ولكنه استدرك قائلا خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكمن الاختلاف بين هذين المجالين في أن الصحافي لديه المزيد من الوقت لإظهار المادة الصحافية في اليوم التالي، بعكس المذيع التلفزيوني الذي يقوم بتناولها مباشرة عبر شاشة التلفزيون»، غير أنه لفت إلى أن المهنية والمصداقية واحدة في الإعلام المرئي والمقروء.

وأبان مقدم برنامج «كورة» الرياضي على شاشة «روتانا خليجية» وجود تجارب كثيرة ناجحة لصحافيين امتهنوا الإعلام المرئي؛ سواء على مستوى التحليل الرياضي أو حتى تقديم البرامج، والذين أصبحوا يشار إليهم بالبنان (على حد قوله).

واستطرد في القول: «يعد العمل التلفزيوني صحافيا أيضا، ولا سيما أن المذيعين يعتبرون صحافيين تلفزيونيين، إذ لا يختلفون عن العاملين في المجال المقروء من ناحية البحث عن الخبر والتحقق منه، إلا أن تقديم التقارير يكون بطريقة مختلفة».

وشدد على ضرورة تمتّع الصحافي الراغب في الانتقال إلى الإعلام المرئي بسلامة اللغة العربية ومخارج الحروف والتفريق بين السؤال الاستفهامي والقصير والطويل، والقدرة على قراءة المقدّمات، إلى جانب مواكبة تنوع العمل التلفزيوني من ناحية تقديم الأخبار أو البرامج الحوارية أو غيرها، باعتباره أكثر تشعبا من العمل الصحافي.

وزاد: «على الأقل لا بد أن يمتلك الحد الأدنى من الأدوات، حيث إنه من غير المعقول ظهوره على الشاشة دون ذلك، خصوصا أن التنوع بات موجودا أمام المشاهد، مما يحتم على الراغب في الانتقال إلى الإعلام المرئي ضمان إبقاء المشاهدين لمتابعته وعدم الذهاب إلى غيره».

ويرى تركي العجمة أن كثرة البرامج التلفزيونية من شأنها أن تساهم في تحرك المذيعين للبحث عن الجديد وتحفيزهم على تطوير مهاراتهم وأدواتهم من منطلق التنافس والوصول إلى القمة، مضيفا: «تلك البرامج ستكون محرّضا جيدا للجميع من أجل تقديم نماذج ناجحة».

وعلى عكس آراء السابقين، جاءت منى سراج، مقدمة برنامج «عيشوا معنا»، الذي كان يعرض عبر قناة «إل بي سي» اللبنانية سابقا، ومسؤولة تحرير مكتب مجلة «سيدتي» في جدة، بوجهة نظر مغايرة، إذ تعتبر أن العمل الصحافي أكثر عمقا في التعاطي مع القضايا، بينما يتسم العمل التلفزيوني بالحراك والتفاعل مع الواقع والجمهور.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم تخدمني الشهرة التي اكتسبتها خلال فترة عملي كمذيعة كثيرا في التعاطي مع المصادر الآن، كونهم يتعاملون معي بحسب المواضيع المطروحة للنقاش كمواد صحافية، غير أنني اكتسبت السمعة الطيبة وثقة الناس التي منحتني مساحة أكبر في التعامل مع الآخرين حاليا».

وتفيد بأن الصحافة تعد مكملة للإعلام المرئي في ظل وجود برامج تلفزيونية تعتمد كليا على ما يتم نشره في الصحف ووسائل الإعلام المقروءة، إلى جانب وجود برامج اجتماعية كثيرة تتغذى على الصحافة (بحسب وصفها).

وتابعت: «ليس كل صحافي بإمكانه أن ينجح في الانتقال إلى العمل المرئي، على الرغم من أن التسلسل السليم هو بدء المذيع في العمل صحافيا أو عبر الإذاعات، باعتبار أن المقوّم الوحيد له سيكون الميكرفون، ومن ثم الانتقال إلى التلفزيون»، مشيرة إلى أنها كانت تتمنى العمل أولا كصحافية لتنتقل بعد ذلك إلى الإعلام المرئي، وليس العكس.

ولكنها استدركت: «إن تجربتي في البداية عبر إحدى الإذاعات كسرت لدي حاجز المواجهة، خاصة أن أساس العمل في الراديو لا يعتمد على شكل أو مظهر وإنما أداء فقط، إلا أنه في الوقت نفسه خلق لدي عيبا أثناء عملي كمذيعة، وهو أنني لم أكن أنظر للكاميرا كثيرا، وفي نفس الوقت تعلمت كيف أحمل العمل بالكامل في الراديو، إذ إن الفواصل الإعلانية على شاشات القنوات الفضائية لا تخدم البرامج كثيرا كونها تعطي مجالا للمشاهد لتغيير القناة».

من جهته، أوضح الدكتور صلاح الردادي، مدير عام فرع وزارة الثقافة والإعلام في المدينة المنورة، أن هناك مواقع في العمل التلفزيوني قد تكون الأكثر ملاءمة لعمل الصحافي فيها، شريطة عدم انتقاله من الصحافة إلى وظائف فنية داخل القنوات الفضائية.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «تقع على المسؤولين في القنوات وممثلي المحطات الفضائية المسؤولية الكبرى من حيث اختيار المذيعين الذين من المفترض أن يمتلكوا مؤهلات كثيرة، من بينها سلامة اللغة العربية، خصوصا أننا نسمع أخطاء لغوية ونحوية لا يتقبلها المشاهد إطلاقا»، مؤكدا أن اللغة العربية تختلف عن بقية اللغات الأخرى باعتبار أن أي تغيير حتى في ضبط الكلمة يعطي معنى آخر.

ويشير الدكتور صلاح الردادي، إلى أن أفضل المهن التي من الممكن أن يعمل بها الصحافي في حال أراد الانتقال للإعلام المرئي تحرير الأخبار والوظائف ذات العلاقة بالصحافة، التي من شأنها أن تساعد في تطوير القنوات التلفزيونية وزيادة إنتاجيتها وتنوعها.

وتابع: «لا يمكن للصحافي إثبات نجاحه في العمل التلفزيوني إلا إذا كان يحمل مؤهلات لغوية قوية، ولكن هناك من لا يجد فرصته في البروز عبر الصحافة، مما يجعله ينتقل إلى الإعلام المرئي إما لتحقيق شهرة سريعة أو بحثا عن الأمان الوظيفي أو حتى من أجل إغراءات مادية قدّمت له».