ارتباك إعلامي في مصر حول التطورات السياسية وقرارات الرئيس الجديد

البعض يعتبر الهجوم على مرسي صراعا على السلطة يدور في الشوارع وساحات المحاكم والغرف المغلقة

حديث عن حرب على السلطة في مصر بين الرئيس والمجلس العسكري
TT

تشن وسائل الإعلام الحكومية في مصر، التي كانت عادة ما تشيد برئيس الدولة، حربا على الرئيس المصري الجديد.

ما زالت القنوات التلفزيونية والصحف المملوكة للدولة تبدو محتفية بالرئيس محمد مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين بصفته أول رئيس مصري يأتي عن طريق انتخابات ديمقراطية. وهذا أيضا هو الموقف الرسمي لكبار قادة الجيش الذين تولوا السلطة في مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك، ويؤكدون أن أداء مرسي اليمين يعد وفاء بعهدهم بتحقيق دولة ديمقراطية مدنية.

ولكن عندما اتخذ مرسي خطوة الأسبوع الماضي تحدى فيها لواءات المجلس العسكري، تحالفت وسائل الإعلام الحكومية سريعا مع اللواءات وشنت حربا ضارية على الرئيس الجديد في حين ظلت تتظاهر باحترام منصبه.

أوضحت هذه النتيجة المتضاربة ظاهريا من الذي يمسك بزمام السلطة الحقيقية في الحكومة المصرية. في يوم الثلاثاء، على سبيل المثال، دعا الرئيس مرسي مجلس الشعب المنتخب إلى العودة للانعقاد وكان المجلس العسكري قد أصدر قرارا بحله في وقت سابق بعد حكم متعجل من المحكمة. ولكن حمل العنوان الرئيسي في صحيفة «الأهرام» تصريحا للمجلس العسكري: «القوات المسلحة ملك للشعب وستظل منحازة للدستور والشرعية».

وأدان الموضوع الوحيد في الصفحة الأولى الذي يركز على قرار مرسي باستدعاء مجلس الشعب القرار بسبب تسببه في خسارة البورصة المصرية. وظهر في صورة تصدرت الصفحة الأولى الرئيس - يلاحظ فيها قصر قامته - وهو يقف إلى جانب القائد العام للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي.

وفي حين استضافت القنوات الإخبارية الخاصة مشرعين معارضين تركوا البرلمان، أذاعت الشبكات الإعلامية الحكومية برامج تسجيلية من بينها فيلم يحتفي بذكرى إنشاء جهاز أمن الدولة في مصر.

وتأتي حملة الإعلام الحكومي ضد مرسي جزءا من صراع مذهل على السلطة يدور في الشوارع وساحات المحاكم والغرف المغلقة أدى إلى إعاقة حركة الحكومة المصرية. وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتعرض العملة لشبح الانهيار، تحتاج مصر بشدة إلى وجود حكومة مستقرة يمكنها تقديم التزامات موثوق بها إلى المقرضين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي. ولكن مع المواجهة المستمرة بين مرسي والمجلس العسكري، لا يمكن أن يعرف أحد على وجه اليقين من المسؤول عن قيادة البلاد.

قال محمود سالم (26 عام) الذي يبيع السجائر في الشارع لأنه لم يتمكن من العثور على وظيفة: «إنها تشبه الحرب النفسية، ولا أحد يعرف ماذا يحدث».

واستطرد قائلا إن المجلس العسكري بدا وكأنه «خارج اللعبة» ولكنه ما زال يستحوذ على سلطة البرلمان، ومع أن مرسي أدى اليمين أمام المحكمة الدستورية فإنه على الفور قام بتحدي سلطاتها. ثم تساءل: «من يستطيع أن يفهم ذلك؟».

وتمتد الحرب داخل الإعلام الحكومي المصري ضد الرئيس إلى تغطية الزيارة المخطط لها مسبقا التي قامت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في نهاية الأسبوع الماضي أيضا. أكدت صحيفة «الأهرام» طوال الأسبوع أن واشنطن منقسمة وقلقة بشأن أول رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة الإسلامية التي كثيرا ما انتقدت إسرائيل والغرب.

ولكن انتهجت الصفحة الأولى من العدد الأسبوعي الناطق بالإنجليزية مسارا معارضا في محاربة الرئيس بتصويره على أنه قطعة شطرنج في يد واشنطن. وعلى الرغم من عدم منطقية ذلك، فإن نظرية المؤامرة استغلت انعدام ثقة الشعب في الولايات المتحدة.

ونقلت صحيفة «الأهرام الأسبوعي» عن ضياء رشوان من مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» قوله إن قرار مرسي بعودة البرلمان كان «الغرض منه بعث رسالة إلى المجلس العسكري والسلطات الأخرى، يحذرهم فيها من أن الأميركيين يريدونه أن يتولى سلطات كاملة، وأنهم مستعدون لحمايته من أجل تحقيق هذا الهدف». وأشار التقرير أيضا إلى أن مرسي أصدر القرار بعد فترة وجيزة من لقائه نائب وزيرة الخارجية الأميركية، ويليام بيرنز.

ونقلت الصحيفة أيضا عن المرشح الرئاسي اليساري السابق أبو العز الحريري تصريحات يشير فيها إلى أن الولايات المتحدة تأمل في اتخاذ إقامة دولة دينية ذريعة لغزو البلاد. وقال عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، إن هجوم الإعلام الحكومي على رأس الدولة جعل الأمر واضحا؛ يمثل مرسي تهديدا مزدوجا، حيث إنه أول مدني وأول إسلامي يتولى الرئاسة.

وأضاف شاهين قائلا: «إنها حملة مدروسة ومنظمة من أجل زعزعة صورة مرسي، وضمان فشله وإحباط الثورة».

من جانبه صرح أحمد أبو بركة، محامي جماعة الإخوان المسلمين، بأن القضية أكبر من مجرد التحيز، وقال: «إنه مرض عضال يعاني منه الإعلام الحكومي يحتاج إلى جراحة»، ملقيا باللوم على 60 عاما من ترديد الفكر الدكتاتوري العلماني.

وقالت تغريد وافي، المخرجة في التلفزيون الحكومي، إنها وزملاءها يشعرون بـ«الارتباك»، حيث «لا نعرف من هو المسؤول»، مشيرة إلى أنه بصورة ما خفتت قبضة «العسكري» على وسائل الإعلام منذ انتخاب الرئيس مرسي. ولأول مرة، بحسب قولها، يمكنها أن تستضيف نشطاء ينتقدون المجلس العسكري بسبب محاكمة مدنيين عسكريا. «تعرفون أننا لا نعمل بمفردنا؛ نحتاج إلى الحصول على موافقة على ضيوفنا».

وأضافت: «أعتقد أن هذه الفترة تشبه تلك التي تلت الثورة مباشرة، عندما لم يكن هناك شخص يعرف أي شيء، وكنا نستطيع استضافة أي شخص كما نريد. ولكن عندما تولى المجلس العسكري السيطرة على المبنى، أصبح من المحظور الحديث عنه. وإذا فعلت شيء مثل ذلك سيطلق عليك لقب أجندة ذي دوافع خفية».

ولكنها تعترف أيضا بأنها وكثير من زملائها يشعرون بريبة من انتماء الدكتور مرسي للإخوان المسلمين، قائلة: «قد يتهم أي شخص يقول شيئا عن الإخوان المسلمين في المستقبل بأنه أجندة أيضا».

في المقابل، يتمسك آخرون في الإعلام الحكومي بإعلان المجلس العسكري بأن مرسي هو الرئيس الجديد. يقول أسامة عبد العزيز مدير تحرير صحيفة «الأهرام»: «الرئيس منتخب من الشعب، ومن الطبيعي أن يكون هو صاحب السلطة»، ولكنه يعترف أيضا بأن مرسي «لم يحصل على جميع صلاحياته» بسبب الإعلان الذي أصدره المجلس العسكري مؤخرا ليقرر فيه توليه مهام التشريع والميزانية.

ويؤكد مدير تحرير «الأهرام» أن صحيفته لم تعد «جريدة القارئ الواحد» – المقصود به الرئيس مبارك – بل أصبحت تبعث بمراسليها من أجل تغطية الأخبار بصدق. ووعد بأن تحمل الصفحة الأولى من عدد يوم الخميس صورة لرجل عمره 84 عاما يحمل شكواه إلى ديوان المظالم الذي أنشأه الرئيس مرسي، في تأكيد تعاطف الصحيفة مع الرجل العادي وإنصافها للرئيس مرسي.

ولكن لم تظهر الصورة في العدد المقرر، وجاء العنوان الرئيسي يحمل نقلا مضللا لتصريحات مرسي يشير إلى تراجعه عن قراره قبل صدور حكم المحكمة مرة أخرى بحل البرلمان.

وقالت هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية» المملوكة للدولة: «ينظر الإعلام إلى مركز السلطة. وأعتقد أن الجميع يعرفون أن المجلس العسكري يمثل مركز السلطة، وهو السلطة الشاملة الحقيقية في البلاد».

* أسهمت في إعداد هذا التقرير مي عياد

* خدمة «نيويورك تايمز»