صحافيو باكستان بين مطرقة مخاطر العمل الميداني وسندان الهجوم على مقرات عملهم

بعد تعرض مكتب قناة «اليوم تي في» الإخبارية لهجوم مسلح شنه 4 مسلحين

باكستانيون يحملون الشموع في ذكرى وفاة أحد الصحافيين
TT

رفع أحدث التهديدات التي وجهتها جماعة طالبان للمؤسسات الإعلامية في إسلام آباد، من خطر تعرض هذه المؤسسات لتهديدات أمنية، ليلقي مزيدا من الضغوط على الحكومة الباكستانية لتوفير الحماية الأمنية لهذه المؤسسات. ففي وقت اعتقد فيه الجميع بانحسار تهديد طالبان عن المدن الباكستانية، تبنت طالبان نهجا جديدا بتهديد وسائل الإعلام، وشنوا هجوما على قناة تلفزيونية خاصة في مدينة كراتشي، وهددوا بشن مزيد من الهجمات ما لم تمنحهم القنوات الإخبارية تغطية إعلامية كاملة. إثر هذا التهديد أصبح الصحافيون في المدن الرئيسية يعيشون في ظل مخاوف دائمة بإمكانية التعرض لهجمات محتملة.

وقال مسؤول حكومي بارز في إسلام آباد: «هذا التصريح الأخير لطالبان زاد المخاوف بين وسائل الإعلام وطالبوا بالمزيد والمزيد من الحماية الأمنية».

كانت المؤسسات الإعلامية قد زادت الحماية الأمنية حول مقراتها حتى قبل هذا التصريح. فعلى سبيل المثال في إسلام آباد سدت قوات الأمن الطرق الرئيسية التي تمر أمام مقرات المؤسسات الإعلامية في إسلام آباد. ويقول مسؤول حكومي بارز: «هناك إمكانية لقيام الحكومة بتحسين الظروف الأمنية لوسائل الإعلام في المدن الكبرى مثل كراتشي ولاهور وبيشاور وإسلام آباد».

كان أربعة مسلحين يستقلون دراجات نارية قد شنوا هجوما على مكتب قناة «Aaj TV» (اليوم تي في) الإخبارية في كراتشي، أكثر المدن الباكستانية ازدحاما. وعلى الرغم من وقوع قتيلين في الهجوم لكنه لم يكن الأكثر دموية الذي تشنه جماعات متشددة على وسائل إعلام، أو المرة الأولى التي تتعرض فيها هذه القناة إلى هجوم مسلح. بيد أنه لم يكن من غير المعتاد أن تستخدم طالبان الهجمات كوسيلة لجذب الانتباه إلى حقيقة أن وسائل الإعلام الباكستانية لم تعطهم التغطية المناسبة. وتصنف باكستان على أنها الدولة الأكثر خطورة على حياة الصحافيين، فقد كان عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال العامين الماضيين الأعلى في العالم.

وبات من المألوف بالنسبة للصحافي الباكستاني أو عائلته العيش في ظل سحابة دائمة من الخوف والاعتداء. فيزعم الصحافيون العاملون في هذا المجال تعرضهم للتهديد والخطف والتعذيب والقتل على يد تنظيمات سياسية مسلحة، ناهيك عن الأجهزة الرسمية وغير الرسمية.

ومرة تلو الأخرى، يتعرض الصحافيون في باكستان الذين يقومون بتغطية مواضيع تعتبر حساسة للاستهداف بصورة شخصية، فقد تعرض سالم شاهزاد، الصحافي الباكستاني الذي اشتكى من تلقيه تهديدات من وكالة التجسس الباكستانية - تم اختطافه وتعذيبه ثم قتله في مايو (أيار) الماضي. بينما قتل والي خان بابار، مراسل قناة «جيو نيوز»، في كراتشي على يد جناح مسلح لحزب سياسي في يناير (كانون الثاني) من عام 2011.

وقد أصدر الاتحاد الفيدرالي للصحافيين الباكستانيين بيانا في أعقاب وفاة بابار العام الماضي قال فيه: «أصبح الصحافيون موضع استهداف من دون قصاص من الجناة، وقد فشلت الحكومة فشلا ذريعا في كبح هذا التوجه الخطير».

لم تتمكن السلطات بعد من الكشف عن العناصر التي تقف خلف مقتل شاهزاد وباربار، ولا تزال الأصوات المعارضة في الصحافة الباكستانية تتعرض للاستهداف. ففي وقت مبكر من العام الحالي، تم العثور على جثة الصحافي رزاق غول، الذي مزقت الرصاصات جسده، في مدينة توربات بإقليم بلوشستان المضطرب.

مرت ستة أشهر منذ ذلك الحادث الإرهابي الأخير الذي استهدف وسائل الإعلام الباكستانية، عندما شنت طالبان آخر هجماتها على قناة «اليوم تي في» الإخبارية الخاصة. وقد أحدث الهجوم تحولا كاملا في حياة الصحافيين الباكستانيين حيث باتوا يعيشون في خوف دائم من التعرض لهجمات من طالبان. ويقول سهيل عبد الناصر، الصحافي البارز في إسلام آباد: «في البيان الذي زعمت فيه طالبان مسؤوليتها عن الهجوم على قناة (اليوم تي في) أطلقوا تهديدا بشن المزيد من الهجمات على الصحافيين ووسائل الإعلام الأخرى، ما لم يقدموا التغطية الإعلامية الملائمة للجماعة».

كان الصحافيون دائمي التعرض للمخاطر في الميدان، وهم يواجهون الآن تحديا جديدا بالهجوم على مقرات مؤسساتهم الإخبارية. وقد واجهت قناة «اليوم تي في» اعتداء مماثلا قبل خمس سنوات، لكن الهجوم الجديد كان مختلفا في طبيعته وهو ما يكشف عن المأزق الجديد الذي يواجهه الإعلام.

ترك التحذير المؤسسات الإعلامية حبيسة بين المطرقة والسندان، خلال تغطيتهم حرب باكستان ضد التمرد. وقد أمرت «برمرا»، وهي الهيئة المنظمة لوسائل الإعلام الحكومية، القنوات الإخبارية بنقل وجهة نظر المتمردين، ومنعتهم من نشر البيانات والتصريحات التي يدلي بها المقاتلون والعناصر المتطرفة.

ويقول فصيح الرحمن خان، وهو صحافي بارز في إسلام آباد: «نحن نعاني من اعتداءات متكررة وتهديدات للصحافيين من قبل الجماعات المسلحة، وبشكل خاص من (القاعدة) والجماعات التابعة لطالبان. بيد أن الهجوم على قناة (اليوم تي في) هو الهجوم المنظم الأول الذي يستهدف مجموعة إعلامية بأكملها بهدف إجبار الصناعة الإعلامية ككل على تقديم مزيد من التغطية لجماعة تحريك طالبان الباكستانية. إن هذا هجوم مباشر على حرية وسائل الإعلام ومؤشر تقشعر له الأبدان إلى أن المخاطر التي يتعرض لها الصحافيون لا تقتصر على الميدان فقط بل قد تمتد إلى مقرات عملهم واستديوهاتهم».

وسارعت الحكومة إلى إدانة الحادث، على لسان رئيس وزرائها المنتخب حديثا والذي أصدر بيانا في ذات الليلة، لكن البعض يعتقد أن استجابة الحكومة كانت غير كافية بالنظر إلى أن الهجوم تم تنفيذه ضد صناعة بأكملها لا ضد مؤسسة بعينها.

ويقول رفيق آزاد، مراسل قناة «اليوم تي في»: «هناك سيارتا شرطة تتمركزان بشكل دائم الآن خارج مقر القناة، إلى جانب بعض أفراد الشرطة الذين يقومون بدوريات لمزيد من الأمن. لكن بالنظر إلى أن هذا الاعتداء لم يوجه لنا بمفردنا، بل إلى كل القنوات الإخبارية الأخرى، فإن هذه الإجراءات ليست كافية».

وقال وزير الإعلام الباكستاني، قمر الزمان كايرا، لموقع صحيفة «دون»: «كان الحادث محاولة لإثارة الفزع، ذلك الأسلوب القديم الذي يلجأ الإرهابيون إليه لبث الخوف في قلوب وعقول مجتمع الصحافة. نحن ندين مثل هذه التصرفات الإرهابية، وقد أجرينا اتصالات مع بعض الهيئات والاتحادات الصحافية، وسوف تقدم الحكومة الباكستانية الحماية اللازمة للصحافة».