«غوغل» تواجه عداء المنظمين الأوروبيين

تدخل مفاوضات لتفادي غرامة 4 مليارات دولار وحكم بهيمنتها على سوق البحث

TT

ربما تمثل أوروبا كارثة مالية وقوة عسكرية آفلة، لكنها تتمتع ببطولة في مجال واحد على الأقل، حيث يتحدى المنظمون هنا قوة مؤسسات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، وينجحون في ذلك.

وتقف «غوغل» في مرمى الهدف مباشرة، حيث يدخل مسؤولوها الغاضبون مفاوضات أملا في تفادي غرامة قدرها 4 مليارات دولار وحكم رسمي بإساءة الشركة لاستغلال هيمنتها على سوق البحث لإيقاع الضرر بمنافسيها في هذه الصناعة، ومن المتوقع التوصل إلى اتفاق في غضون أيام. وتعرضت كل من شركة «فيس بوك» و«أبل» و«مايكروسوفت» إلى تمحيص وتدقيق كبير من المنظمين الأوروبيين خلال العام الماضي. وحتى إذا نجحت «غوغل» في التوصل إلى تسوية لقضية مناهضة الاحتكار هنا، ما زالت هناك تحقيقات في سياسة الخصوصية الجديدة التي تتبعها ونظام التشغيل «أندرويد» الذي توفره للهواتف والأجهزة اللوحية. وتولى التحقيق في الكثير من القضايا، من بينها قضية مناهضة الاحتكار ضد «غوغل»، منظمون أميركيون، لكن القوانين هنا أكثر صرامة، حيث يتم فرض غرامات أكبر، وتدعم المحاكم اتخاذ الحكومة لإجراءات قاسية إلى الحد الذي يدفع الكثير من الخبراء إلى القول إن المشهد السياسي لصناعة التكنولوجيا يتشكل هنا على نحو أكثر عمقا منه في الولايات المتحدة. ويقول نيكولاس بيتيت، أستاذ القانون بجامعة ليغ في بلجيكا والذي يراقب صناعة التكنولوجيا عن كثب: «هناك الكثير من هذه القضايا قيد التحقيق». وتقع سلطة وصم «غوغل» بأنها محتكرة في أيدي جواكين ألمونيا، الزعيم السابق للعمال في إسبانيا والمرشح الاشتراكي السابق لمنصب رئاسة الوزراء ومن كبار مسؤولي مناهضة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي.

دفع ألمونيا باتجاه التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية أملا في تفادي معركة قد تطول لسنوات مثل تلك التي كانت بين المنظمين الأوروبيين و«مايكروسوفت» بسبب نظام التشغيل «ويندوز». وتتوقع مصادر تراقب قضية «غوغل» عن كثب أن يسفر الأسبوع الحالي، وهو الأخير قبل الإجازة الصيفية التي ستتوقف خلالها المفاوضات، عن صفقة أو «بيان اعتراضات» رسمي هو بشكل أساسي لائحة اتهامات لـ«غوغل» بممارسة الاحتكار.

وقال ألمونيا إن التوصل إلى اتفاق بعد التفاوض سيكون نتيجة أفضل وإن المقترحات، التي قدمت مجموعتين منها على الأقل خلال الشهر الحالي، تهدف إلى مناقشة الأمور التي أثارها أكثر مما تهدف إلى تفنيدها. وقال ألمونيا في مقابلة تمت بمكتبه في مقر الاتحاد الأوروبي: «ماذا كان شعار غوغل عند تأسيسها؟ لا تكن شريرا؟».

ويتتبع هذه القضية المنظمون حول العالم بما فيهم لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية التي وكّلت محامية بارزة لرئاسة تحقيق تجريه في احتكار «غوغل». وأصدرت «غوغل» بيانا قالت فيه إنها ستستمر في التعاون مع المفوضية الأوروبية.

المخاطر التي تواجهها شركة «غوغل»:

لقد قرر ألمونيا بالفعل أن المزاعم بممارسة «غوغل» للاحتكار أمر يستحق معالجة جادة بالنظر إلى امتلاك الشركة أكثر من 90 في المائة من سوق البحث في بعض الدول الأوروبية. مع ذلك لا يعد الاحتكار مخالفة للقانون هنا، فعلى الشركة أن تسيء استغلال هيمنتها على السوق حتى تتعرض لعقاب من المنظمين.

وأوضح مكتب ألمونيا أربعة انتهاكات للهيمنة في تصنيفات أولية. وعبّر ألمونيا في مقابلة عن قلقه بوجه خاص من تغيير «غوغل» لنتائجها على نحو يمنع المستخدمين من الدخول على أفضل الخدمات المتوفرة خاصة تلك التي تنافس ما تقدمه «غوغل». وأوضح قائلا: «سيعاني مزودو الخدمة المحتملون من تدني الأرباح، وسيحصل المستخدمون على مستوى أسوأ من الخدمة».

يقول المحللون إن المخاطر التي تواجهها شركة «غوغل» تتجاوز احتمال فرض غرامة عليها لاعتماد عملها طويلا على المستخدمين الذين يعتقدون أن ما تعرضه من نتائج البحث مصمم بحيث يخدم حاجاتها هي لا حاجة المعلنين. ويهدد ثبات تهمة ممارسة الاحتكار عليها بتقويض صورتها التي صنعتها بحرص أمام العامة. وقد تراجعت سمعة «غوغل» خلال العام الماضي عندما فرض المنظمون الفرنسيون غرامة قدرها 142 ألف دولار على الشركة لأن برنامج «ستريت فيو» الخاص بها جمع معلومات شخصية حسّاسة من إشارات الإنترنت اللاسلكي الخاصة حيث تجوب سيارات الشركة العالم تلتقط صور. واعترفت شركة «غوغل» بجمعها لبيانات سرية واعتذرت عن ذلك، وحمّلت مهندسا يعمل لديها مسؤولية القيام بهذا دون موافقة الإدارة. كذلك صرحت بأنه لم يكن هناك أي بيانات صنّفت على أنها شخصية، لكن اكتشفت الهيئة الفرنسية لحماية البيانات وجود كلمات سر لمستخدمين وقوائم بمواقع إباحية كانوا يدخلون عليها أثناء مرور سيارة «ستريت فيو». ومن الأمثلة الأخرى التقطت سيارة «غوغل» رسائل متبادلة عبر البريد الإلكتروني بين رجل وامرأة متزوجين لكن ليس من بعضهما البعض يحاولان ترتيب موعد للقاء. وخلص المنظمون إلى أن بيانات نظام التموضع العالمي وعناوين البريد الإلكترونية جعلت من الممكن تصنيفها.

وحقق المنظمون الأميركيون في لجنة الاتصالات الفيدرالية في هذه القضية، لكن لم يتوصلوا إلى أي مخالفة للقانون، ففرضوا على «غوغل» غرامة قدرها 25 ألف دولار في إبريل (نيسان) لعرقلة التحقيق. الاختلافات ليست قانونية تماما، فالخصوصية الشخصية أمر يتمتع بقيمة ثقافية عميقة في أكثر الدول الأوروبية. وكثيرا ما يطلب المنظمون الفرنسيون من الصحف والمدونين حذف أو تغيير معلومات عندما يعبّر المواطنون عن خوفهم من أن تتسبب الإشارات أو الصور غير المستحبة على الإنترنت في تدمير وضع أحدهم الوظيفي أو علاقاته الشخصية.

وتقول إيزابيل فالك بيروتا، رئيسة الهيئة الفرنسية لحماية البيانات، إن هذه الطلبات وصلت إلى 42 في المائة العام الماضي. وتفضل مناقشة مشروع قانون في البرلمان الأوروبي لجعل «الحق في أن تنسى» أكثر شمولا بحيث يتضمن روابط على محركات البحث وهو ما عارضته «غوغل». وكتب بيتر فليشر، مستشار الخصوصية العالمية في «غوغل» على مدونة في فبراير (شباط): «أخيرا يجب أن تقع مسؤولية حذف المحتوى المنشور على الإنترنت على عاتق الشخص أو الكيان الذي نشره». كذلك حققت الهيئة الفرنسية في طريقة تقديم هواتف «آي فون» للتحركات الجغرافية الخاصة بمستخدمي أجهزة «أبل» وكيفية تتبع المواقع الإلكترونية المستخدمين خلال تصفحهم الإنترنت. تقول فالك: «الأمر مخيف لأن بياناتك تصبح متاحة للكون وأنت لا تدري. أعتقد أن وعي الناس بهذا الأمر قد ازداد. لذا يعتمدون على جهة تنظيم في إخفاء الصندوق الأسود». وقد أوضحت أن وراء هذا التوجه «وعي المستهلك» لا «وعي الفرنسيين».

القاضي والمحلفون والمنفذ:

يشعر البعض هنا بالقلق من تنامي نفوذ المنظمين الأوروبيين، ويحقق المسؤولون أنفسهم، الذين يشاركون في المفاوضات مع الشركات ويضعون قواعد ويفرضون الغرامات، في عملية لا يوجد عليها رقابة كبيرة مثل الرقابة التي توجد في الولايات المتحدة. ويمكن للمحاكم أن تنقض قرارات المنظمين الأوروبيين، لكنها نادرا ما تفعل ذلك. ويشكو المحامون الممثلون للشركات من وجود موظف واحد يعمل كقاضٍ وهيئة محلفين ومنفذ للحكم في الوقت ذاته في بعض القضايا. ويشعرون بالقلق من أن تقدم الشركات شكاوى للمنظمين بشأن منافسيها حتى تستنزف مواردها. ويقول ميغويل راتو، محامٍ مقيم في بروكسل، وكثيرًا ما يمثل الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا: «مستوى التعامل بجدية معها والتسبب في تفاقم الأمور متدنٍ للغاية. الأمر الذي لا تجيد اللجنة القيام به هو التعامل سريعًا مع الشكاوى التي ليست ذات قيمة».

من غير المرجح أن تهدأ المعارك التنظيمية في عالم التكنولوجيا في أوروبا قريبا. ويحقق منظمون فرنسيون في الخطوة التي اتخذتها شركة «غوغل» مؤخرا وهي تتبع المستخدمين الذين سجلوا دخول من خلال عدد منتجاتها الضخم. ويستعرض منظمون آيرلنديون التزام موقع «فيس بوك» من خلال تدقيق تفصيلي لكيفية تعامل الشركة مع البيانات الشخصية. وتحقق اللجنة الأوروبية في اتفاق «أبل» مع ناشرين حول كتب إلكترونية رغم اقتراب التوصل إلى صفقة في هذا الشأن. وكذلك تتابع وزارة العدل الأميركية قضية الكتب الإلكترونية، لكن لن يتم اتخاذ قرار في هذا الشأن قبل سنة. وحتى مع ظهور بعض المؤشرات على توصل التحقيق في ممارسة «غوغل» الاحتكارية إلى قرار، يقول ألمونيا إن مكتبه سيبدأ إجراء تحقيق منفصل في نظام التشغيل «أندرويد» الذي تقدمه «غوغل» للهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية، لكنه لم يكشف عن أي تفاصيل.

* خدمة «واشنطن بوست»